الجنرال في المنفى

الفصل الاول

 

الجنرال في المنفى

                   أو...

   الغصن الذهبي

     الثورة والدولة

 

 

لنسأل التمرد: ماذا يريد؟ يقول أريد ثورة ولنسأل الثورة: ماذا تريدين؟ فتقول: أريد دولة، ونسأل الدولة: وأنت ماذا تريدين؟ فتقول بلا حياء: أريد الحياة... ثم تضيف بلا رأفة: جسدي الآن يحتوي على كميات هائلة من عصير الموت... يكفي أن تـنظروا إلى وجهي كي تلاحظوا الهلع الأصفر... إنني ابحث عن رعشة تعيدني إلى فتوتي... ولعلكم تعرفون مثلي أن القسوة هي الخطوة الأولى نحو الحكمة!

الصافي سعيدسنوات المتاهة

 



الشخصيات:

1- الجنرال

2- الفتاة

3- الشاب

 

الزمان : معاصر مفترض.

المكان : جزيرة ما في عالمنا المعاصر.


المشهد الأول

 (قفر ممتد شاسع، ليس إلا حطام الأشياء، كرسي من الطراز القديم
يرتع فوق قاعدة حجرية نصب فوقه دُش حمام، إلى جانبه طاولة
مغروسة في الأرض لغرض الأدوية، خيمة صغيرة هناك في عمق اليمين، أما في عمق اليسار ثمة صناديق أجساد الموتى أشبه بمقبرة متـنقلة، لافتات تملأ المكان، الفتاة تـنظف وتتحرك بينما الجنرال يغط في نومه وشخيره.

ملاحظة: عندما يهذي الجنرال فإنه يتحدث بثلاثة أصوات: الماضي، الحاضر، المستقبل).

الجنرال   : هيه... أنت أيتها الصغيرة... استمعي إليّ ولا تصدقي أحداً غير جدك الحكيم... سنعود ثانية... ستكون لنا قصور... ستكون لك أكثر من وصيفة... هل أوقدت الشموع؟ ستكون لك أكثر من خياطة تخيط لك الفساتين التي لن تلبسيها أكثر من مرة واحدة... كل رداء لسهرة... واحدة... هيئي لي حماماً ساخناً وعطريه بالنرجس والنعناع... سيأتيك الخطاب... من الأمراء والضباط والدبلوماسيين والجنرالات... سينحنون لك ويقبلون أقدامك... أحضري لي المناشف المزخرفة على الطراز الصيني... فأنا أتبرك بها... لايهم... سيعالجك أفضل الأطباء في العالم... سيكون كل شيء على مايرام... ستكون لك وصيفات وصديقات... ستـنشر صورك في كل الصحف والمجلات وفي كل المناسبات... ستـنالين وساماً شعبياً بمرسوم حكومي... ستصعدين إلى المنصات... أين نعالي... وستلقين الكثير من الخطابات التي تهز قلوب الجماهير... ستتحلق حولك آلاف العيون والقلوب... سيرجون رضاك... ستتوسطين لهم... لا لن أقبل وساطة لهؤلاء... إنهم قتلة مجرمون... أين سروالي الصغير... أين ذهبت به... سيكتب الشعراء عنك قصائد لا أول ولا آخر لها... إنها الحقيقة... نحن لا نحلم  سنعود إلى الوطن... سننتقم من أولئك الأعداء القذرين... هل سقيت قبور أحبائنا... هل وضعتِ لهم الزهور هذا الصباح... هل أشعلتِ لهم أعواد البخور... أه كان لكل منهم تاريخ... أخوك الأكبر هذا كان وزيري... وزير حرب... لقد خاض الحروب التي صممتها له... وانتصر... الناس ينظرون إليه كبطل معجزات... ولكنه يحمل الخيانة والخطيئة في روحه... أراد التخلص مني رغم كل ما صنعته من أجله... رفعته من الشارع إلى وزير للحرب، لم يحصل على شهادة الابتدائية بعد... وزير... بأوسمة وناشين، وأعوان... ولكنه أراد قتلي... أحد أعوانه وشى به ليكسب المكافأة... تخلصت منهما معاً... ماذا كان سيحل بالعائلة لو قتلت؟؟ ماذا سيحل بالشعب المسكين الذي ينتظر عودتي... إنهم ينتظرون ساعة قدومي... ويصلّون من أجلي... كانت فترة عصيبة، لم يمض علينا سوى فترة شهرين في المنفى... وإذا بوزير الحرب... أخيك يريد اغتيالي... لأجل ماذا؟ ربما كان يريد ارضاء أولئك السفلة الذين تآمروا عليّ وخلعوني عن عرشي... ماذا كان سيجني... كانوا سيقتلونه أيضاً وسيجدون آلاف الأعذار لقتله... أمك... آه أختي إنها تصرخ... تشتمني... توقفي... أنا مجرم؟ جلاد شعبي؟ كلا... أنا وحش يأكل نفسه؟ مسكينة ماذا ستقول غير هذا... بم كانت ستبرر جريمته... لم أقتلها صدقيني... هم أشاعوا هذا... لا تصدقي لقد قتلها الحزن على ابنها... لقد تآمر عليّ فماذا أصنع له... كيف سأثق به ثانية... وماذا أصنع له... أأسجنه؟ أنا نفسي سجين هذا المنفى... كان لا بد من إصدار مرسوم حكومي بإعدامه... كلا ليس وحده بل أعوانه... كان بطلاً قاد الجيش إلى النصر في أكثر من معركة... ولكنه... أما الأخت المباركة... استمعوا إليّ... (وكأنه يتحدث إلى الجماهير) أختي أمي... إنها العين الساهرة على نساء الشعب لقد وقفت بوجه كل المؤامرة... لكنها شهدت بنفسها على خيانة ابنها... إلا أنها ظلت تهذي، تحمل الأسى حتى أرداها قتيلة... ماتت... إنها رمز من رموز الوطن... وقائدة جهاز الأمن النسوي... كانت درعاً لحمايتي... حماية رمز الشعب... كشفت الكثير من الخيانات والدسائس فلها الآن إلا الإنحناء أمام جثمانها المبارك... كفوا عن اللغو أيها الأعداء لم أدس لها سم الثاليوم في الحقن التي كانت تعالج بها... هذا افتراء... كلا... إنه... الطبيب؟ إنه المسؤول ولست أنا... كانت فكرته... هراء... محض هراء. ما أحوجني إليها الآن... إلى آرائها السديدة... إلى قسوتها في مواجهة أعدائي... وما أحوجني إلى وزيري... إنني أكره الخيانة والغدر... لقد أمرت بإعدامه... لقد مارست سلطتي رغم المنفى... العدل هو العدل... لقد أعدمت أعوانه... لأنهم وشوا به إليّ... وخانوه... أكره الخونة والخيانة... ثم دفنتهم كأبطال قتلوا في الحرب... لم أمس كرامتهم... إنني أناشدكم الصبر والتلاحم... الوطن يمر في محنة وعلينا أن... هكذا تكلمت في خطابي قبل عشر سنين... لم يصبروا... انظري بينما بقيت وحدي أخطط لعودتـنا إلى عرشنا... وطننا... سنوات وأنا أبذر أموالي على هذا وذاك وأقيم التحالفات لكي أهدد أعدائي... وأرعبهم... ولكي لا ينساني شعبي وتغط أحلامهم بعودتي في بحر اليأس... وها إني في كل لقاء صحفي أقول وأصرخ... أنا عائد وعودتي قريبة... لكنهم ضعفاء ولم يصمدوا... أنت الوحيدة... أنت مثال النضال والصبر والوفاء من أجل الشعب... لقد تحملت عنائي وعناء الشعب... لم تشتكي يوماً ولم تتألمي... ولم تقولي لا... لا... ولن تقوليها... لم ولن تتمردي عليّ... حسناً تفعلين... أنت فتاة مؤمنة بالمجد والشرف... نعم الشرف... أما هؤلاء... فلقد نفذت فيهم حكم الطبيعة لا لشيء إلا لأنهم لم يشعروا بالمسؤولية التي تقع عليهم. الشعب ينظر إلينا كمخلصين بينما هم يمرحون... ابني البكر... عزيزي القذر... لم يتوان عن كشف أسرارنا لصحفية عاهرة في لحظة سكر وضعف... لقد خدعته العاهرة فأعطاها كل شيء... أخبرها بخطة عودتـنا إلى الوطن وقد تـناقلت الصحف ذلك الخبر وافتضح أمرنا... شعرت بالخزي والحرج البالغ وقتها، وماذا كنت سأقول لشركائي حينما قرأوا الفضيحة في كل الصحف؟... ماذا كنت سأقول للمؤسسات والشركات التي أشير إليها في المؤامرة؟... لم يتوان عن كشف كل حلفائنا وخططنا... كادوا يفقدون الثقة بي لولا أني تداركت الأمر... وكل شيء حسب القانون والدستور... كان ابني ولكن الشعب فوق الجميع... (يبكي) الجميل كان أشبه الناس بي... يحمل كل صفاتي إلا حكمتي... وهذا أخي... هو الأخر كان توأمي إلا أنه كان يملك قلب شاعر... حالم... وقد ذهب ضحية الحيلة والدهاء فحينما أحرجه أحدهم بالسؤال عن أمل عودتـنا إلى الوطن... قال وأمام الناس إن عودتـنا مجرد حلم شاعري وخيال جنرال خرف ليس إلا... آه... لهؤلاء التعساء... كم ضحى الشعب من أجل المجد... كم قتل من الشعب في الحروب التي خضناها... الوطن... العرش... المجد... أنا وشعبي صمدنا أمام كل المؤامرات والتدخلات والدسائس من أجل المجد... عاقبت الكثيرين... أمرت بإعدام آلاف لأنهم عارضوا... عارضوني... أبدتهم جميعاً... السلطة هي العدل... القوة... الحزم... عوائل وسلالات... أبدتها ومن الجذور ... فهل أتسامح الآن مع أخي وأختي ؟‍! كنت أسمع نداءات السجون القادمة إليّ في الليل... حينها كنت أبكي من الألم، أبكي عليهم... ولكنهم لا يشعرون بهذا ولا يكفون عن وضع الدسائس لقتلي... لمحو نوري عن وجه الأرض... صدقيني كنت أبكي عليهم بكاء الأمهات لكنهم لا يعترفون بسرعة... لا يدلون باعترافاتهم وأسرار مؤامراتهم... لا يكشفون خططهم وأسماء مدبري هذه المؤامرات... لا يعترفون إلا بالحقن الجرثومية... وصدمات الكهرباء... وكشط جلودهم... ماسوخيين... يعبدون الألم... كنت أسمع أصواتهم تأتيني من تحت السرير ومن النافذة ومن نجوم الليل... أسمع نداءاتهم وطلبهم للرحمة والمغفرة... ولكني لم أغفر لهم... لقد غامروا وكادوا أن يجهزوا عليّ... كيف أثق بهم ثانية... كانت نداءاتهم تأتيني مع نسيم الفجر فأغلق النافذة بوجهها... كانت تأتيني في أحلامي... كنت أراهم يموتون... يقتلون... أنظر إليهم يرتمون تحت أقدامي... يقبلون حذائي... يلتهمون التراب بين أقدامي... طلباً للعفو... فأستيقظ حتى لا أعفو عنهم... لم أنم من وقتها وإلى الآن... حتى لا أحلم بهم... أعلم أنهم أشاعوا حولي آلاف الأكاذيب... ولكن لا تصدقي يا صغيرتي... مأجورون وزناة وكذابون ليس إلا... ماذا... يقولون؟ طاغية؟! لا يمكن له أن يحيا بلا طغيان؟ بلا احتفالات؟ وضجيج؟ لا يحيا إلا بدماء ضحاياه؟ مريض؟ سادي؟ لم أقتل إلا بالقانون... لم أقتل أحداً بلا جريمة (ينام ويهذي، موسيقى) ذات مساء... ذات صباح... سأحقق.

سأحقق لهذا العالم صفاءه وهناءه... وأعيد إليه تـناسقه... سأشطب الخيانة والدسائس إلى الأبد... سأمحو الكذب والخداع... سأعيد للعالم صفاءه الأول... سأصنع حياة بلا كذب... بلا كذابين... بلا خونة... بلا مأجورين... بلا جواسيس... بلا متآمرين وقتلة... هل هذا مستحيل؟ ألا يمكن أن يكون هنالك عالم محض طيب وهادئ؟ وديع ممتثل ملء قبضتي هكذا؟ ألا يمكن أن يتحقق هذا؟ الفتاة على السرير بانتظار زوجها والفلاح في الحقل... والغيم في السماء... وأنا على العرش (يستيقظ بشكل مفاجئ) كلما سرت في الشوارع أطلقوا عليّ الرصاص... رباه لماذا يكرهونني... إلهي هؤلاء القوم يكرهونني... ولكن لا... أنا وأنت سنعود... سنصعد السلم من جديد... سيكون لنا أعوان... مقاتلون... وحرس... سأقف هناك ثانية وسأقول كلماتي للشعب... سنعاقب الخونة وبلا مهادنة... لن نرحم أحدهم... سأغتصب نساءهم... سأحرق أطفالهم بالبنـزين... وبعد... إلهي أعجز عن معاقبة الخونة فأعنّي... الشعب... شعبي لي وحدي... زوجتي؟ ماتت هي الأخرى... لا قتلتها... غرست الخنجر في زاوية خيانتها... عاهرة جلبتها من ملجأ الأيتام... وقلت مجهولة النسب مثلي ستصلح زوجة لي ستدرك عمق ألمي... ستشبهني... تشتهيني وحدي... غرست الحربة في رحمها... ماتت؟ قتلتها أنا... أصابها مرض الخيانة... كانت تـنام إلى جانبي وتحلم برجل آخر... كانت تردد اسمه، أي إلهي الحنون... كان اسم أحد حراسي... تخونني معه؟ إنها عاهرة... كلا... بل مريضة مصابة بمرض الخيانة... انتحرت من الحزن على ابننا البكر... الحارس أيضاً كان يقدسها فانتحر حزناً على انتحارها... قتلتهم جميعاً... ستكون لنا قبور هناك... قبور... وعرش... وتصفيق... ولك أنت أيضاً... اصبري لم يبق شيء على الطابور (يهذي، ينام) لم يبق من الطابور إلا القليل. عشرون نفراً... كلهم من أصحاب الأجساد الضعيفة لا تتألمي... اصمدي... بجسدك سنعيد المجد إلى... سنجني مالاً كثيراً... إنه قدرنا أنا وأنت... سنسدد ديوننا... سندفع لأعواننا... سنخطط للإطاحة بالخونة... سندفع لمن يعمل على اغتيالهم... سيخلو لنا العرش في النهاية... لا بد من القتل... لا بد من الصبر على هذا الطابور... هي دقائق... عجلوا... ارتشفوا من جمالها خمس دقائق وامضوا... وطنكم بحاجة لكم... إنهم يخدعون الشعب بالوعود استمعي إلى كلماتهم... الانتعاش الحرية كذابون ولصوص... لا بد من قتلهم... تحملي يا صغيرتي... ألف قطعة نقدية ستجنين كل يوم... سيرتفع رصيدنا... عليك بالتحمل لم يبق إلا أربعون نفراً... استلقي على ظهرك... واحلمي... لا عليك بمن يزأر فوق صدرك... احلمي بالعودة إلى الوطن... وطننا هناك... وحينها لن تشعري بالتعب... احلمي يا صغيرتي بالعودة... سنعود... سيعود الجنرال قريباً... سيعود صاحب الفخامة قريباً.

(ينام، موسيقى، الفتاة تراقبه وقد توقفت عن العمل، يدخل شاب غريب)

 

المشهد الثاني

(يدخل شاب غريب يحمل حقيبة ويطلق صفيراً)

الفتاة     : آه... جدي... هناك غريب... جدي أتسمعني؟

الجنرال   : ماذا... ماذا هناك؟

الفتاة     : غريب... ربما يكون أحد الكذابين الذين أخبرتـني عنهم؟

الجنرال   : هاتي بندقيتي.

الفتاة     : لقد بعتها الأسبوع الماضي ألا تذكر؟

الجنرال   : (يتـناول المكنسة) أين هو... أين... ماذا تريد أيها الغريب؟ اذهبي أنت.

الشاب   : جئت أزور هذه الجزيرة... لقد سمعت عنها الكثير... يقولون أن في هذه الجزيرة كل ما يشتهيه الإنسان.

الجنرال   : كل ما يشتهيه الرجل؟

الشاب   : لم أجد شيئاً؟

الجنرال   : إن الأشياء التي تعرض هنا خاصة جداً...

الشاب   : نساء؟

الجنرال   : امرأة... لا بل طفلة... لها بريق رصاصة.

الشاب   : امرأة سمعت عنها... إنها تمتلك دعاية أقوى من دعاية الرؤساء والملوك أصحاب المحلات السياحية الكبرى!

الجنرال   : تبدو مريباً... وكلامك يدل على أنك من محبي الكلمات الكبيرة.

الشاب   : سمعت بجنرال يسكن هذه الجزيرة... جنرال مخلوع، ولهذا السبب جئت.

الجنرال   : ولماذا أتريد قتله؟

الشاب   : كلا... أنا لا علاقة لي بالقتل... لقد شاركت بخلع جنرال بلادي وكنت أتمنى أن أراة كيف يعيش في منفاه الآن.

الجنرال   : من أين جئت؟

الشاب   : من الشرق...

الجنرال   : من الشرق؟

الشاب   : من شمال الشرق بالتحديد...

الجنرال   : آه... إذاً لست منهم...

الشاب   : من هم؟

الجنرال   : الساقطون الذين ثاروا عليّ وخلعوني.

الشاب   : هل أنت الجنرال؟

الجنرال   : سيدك الجنرال...

الشاب   : عفواً لم أكن أتوقع...

الجنرال   : على العموم إنه المنفى... ولكن الأمر سينتهي قريباً وسأعود...

الشاب   : عفواً لا أشاهد مظاهر العظمة.

الجنرال   : لقد تآمروا عليّ منذ عشر سنين... تآكل كل شيء.

الشاب   : أتشعر بالندم الآن؟

الجنرال   : كلا… لم الندم؟... ما زلت قوياً... وأمتلك عزيمة ابن العشرين سنة... وأملك من الحكمة ما يكفي لإدارة دفة هذا الكون بكل أرجائه... ما زلت الجنرال... ولي أعوان وأصدقاء يعملون على عودتي... هيا أخبرني أنت هل تشعر بالندم لمشاركتك في مؤامرة خلع جنرال وطنكم؟

الشاب   : لا... بل أشعر بالفخر أحياناً.

الجنرال   : وماذا يعني هذا؟

الشاب   : لا يعني أي شيء... عفواً أين هي هذه العا...

الجنرال   : لاحظ بأنها تبني مجد شعبها... إنها حفيدتي.

الشاب   : ماذا؟ حفيدتك؟ وأنت... جدها... أنت جدها الجنرال... لا أفهم... كيف تضطرون لهذا الـ...

الجنرال   : إنها الضرورة... مصير الشعب فوق كل الصعاب...

الشاب   : هل أستطيع رؤيتها؟

الجنرال   : إنه يوم عطلتـنا... إنها في الإستراحة... إلا إذا كنت ستدفع أكثر؟

الشاب   : أنا مفلس... أريد رؤيتها وحسب... ولكني أعدك بأني سأخبر عنها كل من أقابله وسأحثه على المجيء إلى هنا.

الجنرال   : قبلت هذه المساومة... سأدعك تشاهدها وحسب...

الشاب   : شكراً لعطفكم هذا... بالمناسبة ألم تفكر بالإنتحار؟

الجنرال   : ماذا تعني؟‍‍‍‍‍

الشاب   : أعني... لا... عفواً لا أقصد الانتحار... أقصد رصاصة واحدة تكفي للتخلص من كل هذا العناء العظيم؟

الجنرال   : ما هذا اللغو؟

الشاب   : عفواً لقد ارتبكت في حضرتك... لأول مرة أقف في حضرة جنرال... وحضرتكم تفهم... أقصد ألم تصب برصاص أعدائك مرة؟ ألم يطلق الرصاص عليك؟

الجنرال   : لم يتجرأ أحد...

الشاب   : ألم يكن لك أعداء؟

الجنرال   : لا... ليس لي أعداء لأنني قتلتهم جميعاً... مرة حاولوا اغتيالي... مرة واحدة وحسب... كانت مؤامرة كبيرة... كشفها لي أحد أركان الجيش... أتدري ماذا صنعت بهم؟

الشاب   : ماذا؟

الجنرال   : شويتهم كالدجاج وقدمتهم بملابسهم الرسمية على موائد الحفلة التي أقمتها للجيش في ذكرى تأسيسه.

الشاب   : وأكلوا؟

الجنرال   : تلذذوا جميعاً... وخاصة ذلك الأحمق مدبر المؤامرة أكلته بنفسي شاركتـني زوجتي فيه... آه... لحمه لا يوصف... لقد أمرت الطباخين أن يعتصروا دمائهم ودهونهم وخلطها إذا ما أمكن مع الحلويات... آه... ليقدموها كعصير على مائدة الحفل.

الشاب   : ألم تكن هناك طريقة أخرى لقتلهم غير هذه الطريقة؟

الجنرال   : عندما يجرؤ المرء على الخيانة... تهون له نفسه الأمور... ولكنه لو تخيل طريقة قتله والعذاب والتـنكيل الذي سيلقاه... سيندم قبل أن يجرؤ على التفكير بتدبير أية مؤامرة... إنهم قتلة... وعاقبناهم بالقتل... بعد ذلك أقمنا لهم قبوراً تذكارية للخيانة... ولكن الشعب تبول على قبورهم... وسحقها... دثرها... ولم يبق لها أثر... لقد رفضهم الشعب.

الشاب   : يا للمهزلة... عندما يحاول المرء أن يغتال جنرالاً باسم الحياة الجديدة ويوفق في ذلك... يقف الشعب مصفقاً له، ينصب له التماثيل ويكتب له الأشعار كبطل... ومنقذ... ولكن آه لو فشل... وألقي القبض عليه... عندها لن يصبح بطلاً... بل مجرد مجرم... صعلوك، يبصق الشعب على جثته بل وحتى على قبره... يا للمهزلة... ولكن بالنسبة لكم ألم تصب مرة؟

الجنرال   : نعم حدث ذلك... نفذت رصاصة أحدهم في فخذي... سقطت قطرات دم... دمي... أتعلم ماذا صنع الشعب لي... صنع من هذه التربة حلقة للعبادة والتبرك... وسميت بساحة دم المخلص... إنه الشعب العظيم وأنا فخور به...

الشاب   : ولم أنت الآن هنا؟

الجنرال   : الدسائس... القتلة المأجورون... كانوا يحسدوني  على حب الشعب لي... الشعب يعشقني بجنون...

الشاب   : والحروب التي... ؟

الجنرال   : كل الحروب التي دخلتها انتصرت فيها.

الشاب   : والضحايا؟

الجنرال   : الانتصار هو المهم… أرادوا سرقة الشعب... فمنعت ذلك.

الشاب   : بالحرب؟

الجنرال   : بالحرب ولم لا؟

الشاب   : والآن ماذا تـنتظر؟ لم لا تعود إذا كان الأمر هكذا؟

الجنرال   : انتظر أن يقتتلوا من جديد فيما بينهم... إنهم مجرد لصوص وسيختلفون على تقاسم الغنيمة... سيكتشفهم الشعب... لقد خدعوا الشعب بالكلمات... لكنهم سيقتتلون... وسيأتي منهم من يساومني... أنا متأكد من ذلك وأراه كما أراك الآن أمامي... وعندها سأفعل ما لا بد من فعله.

الشاب   : إذا مات المرء وهو غني تـناهبه الأقرباء ولعنوه... وإذا ماتت الحكومة تقاسمتها الفتـن ولعنتها.

الجنرال   : وهذا ما حدث... لقد سرقوا كل شيء... قائدهم يظهر الآن بملابسي ونياشيني، إنهم يركبون عرباتي ويأكلون على نفس موائدي، وبنفس الأقداح يشربون ويأكلون بنفس ملاعقي، والأنكى من ذلك يحتكمون إلى مستشاريَّ أنفسهم ويستخدمون نفس المخبرين من رجالي ويضاجعون عشيقاتي وعاهراتي وخدمي وعلى سريري نفسه... لصوص... أي تغيير... إنه النهب.

الشاب   : نعم إنه النهب... ولكنك نهبت الشعب أيضاً..

الجنرال   : كانت لي أسبابي؟

الشاب   : ولهم أسبابهم...

الجنرال   : لقد هدرت الأموال من أجل طرد المعتدين... ودرء خطرهم...

الشاب   : ولكنهم يقولون الآن بأنك أنت من أشعل هذه الحرب...

الجنرال   : يقولون ذلك الآن؟ بعد فوات الأوان... لقد مرت السنوات والعالم كله يشهد لحكمتي وجبروتي وانتصاري ضد الأعداء... لدي كل الصحف والمجلات والأفلام التي تتحدث عن ذلك... يقولون الآن؟... هيه (يضحك) يقولون أشعلتها؟ ليسألهم الشعب لماذا صمتوا كل هذه السنين وسموني بطلاً... لست المجرم الوحيد... كلهم شركاء في صنع الحرب... وما أنا إلا واحد منهم...

الشاب   : الحرب... يالها من...

الجنرال   : (يقاطعه) كفى... لقد تعبت... أريد تـناول الدواء... ياصغيرتي... تعالي ناوليني الدواء... ودعي هذا الغريب يراك قبل رحيله... أحذرك... للرؤية فحسب...

الشاب   : نعم أنا حذر...

الجنرال   : تعالي ياصغيرتي...

           (تدخل الفتاة تعطيه الدواء، يشرب جرعة كاملة وينام على كرسيه، هي تقترب من الغريب بتوجس، موسيقى)

 

 الفصل التالي  عودة للغلاف     عودة للرئيسية