|
الجنرال في المنفى |
الفصل الثاني |
المشهد
الثالث (الفتاة والشاب الغريب،
الجنرال نائم ويهذي بمقتطفات من حواره
السابق من المشهد الأول ومن المشهد الثاني
حسب رؤية المخرج ويمكن ربط هذيانه مع حوار
الشاب والفتاة). الشاب
: أهذه
أنت؟ الفتاة
: ألا
أعجبك؟ الشاب
: جميلة...
ولك ملامح جدك القاسية. الفتاة
: أنا
رقيقة ألا تشعر بذلك؟ الشاب
: لست
الرجل الذي تتوقعينه... أنا لا أريد منك
شيئاً جئت لأرى كيف يعيش الجنرال المخلوع...
وكما توقعت... مزبلة... قمامة... الفتاة
: من
القمامة؟! جدي... لأول مرة أسمع أحدهم يتحدث
عنه بهذه الطريقة. الشاب
: كم
هو عمرك؟ الفتاة
: ثمانية
عشر عاماً. الشاب
: هل
شاهدت العالم من حولك؟ الفتاة
: كلا
كنت صغيرة عندما ولدت في الوطن بعدها جاؤا
بي إلى هذه الجزيرة ولم أخرج منها مطلقاً...
الشاب
: ولم
لا تتجولين؟ ألا تسافرين؟ الفتاة
: جدي
يرفض... يقول أن العالم غابة خطرة وقد... الشاب
: جدك
هذا العجوز المتعفن لا يشاهد إلا... الفتاة
: متعفن...
لا... لا تكفر أيها الشاب... استغفر... اطلب
المغفرة... الشاب
: أكفر؟
أكفر بمن؟ بجدك؟ الفتاة
: إنه
روح السماء على الأرض.. إنه خلاصة الـ... الشاب
: إيه...
لقد حفظت كلماته كالنشيد... كالأدعية... الفتاة
: نعم
لكي أنال رضاه وأنال السعادة ورضاء السماء...
الشاب
: أيةُ
سعادة وأيةُ سماء أيتها البلهاء الصغيرة...
ألا تفهمين؟. الفتاة
: لست
بلهاء بل رمزاً لخلاص الشعب... شعبي
ينتظرني... ينتظرنا معاً... أنا وصاحب
الفخامة. الشاب
: أيتها
البريئة... ألم تفهمي أن جدك هذا كان
جنرالاً... طاغية... ألا تفهمين معنى طاغية...
لقد أكل أبناء شعبه... أكلهم... شرب دماءهم...
لماذا لم تسألي نفسك... لماذا قتل شعبه؟ الفتاة
: لأنهم
خونة أصيبوا بمرض الخيانة والتمرد عليه... الشاب
: أية
خيانة... لِمَ يحق له وحده أن يحيا؟ أن
يسيطر على حياة الناس ويصدر القوانين؟ لم
يتحتم أن تسير الحياة وفق شهوات هذا
العجوز الذي يتبرز الآن على كرسيه؟
أتعتقدين أن هذه الأوسمة تعطيه الحق بفعل
أي شيء... إنه يهذي الآن أليس كذلك؟ الفتاة
: إنه
يحلم... الشاب
: ربما
بحروبه الماضية بضحاياه. الناس لم يعودوا
يريدون أكلة اللحوم البشرية... لم تصمتين...
أعلم أنه ليس الوحيد... جميعهم قتلة... أعلم
جيداً إن من يسيّرون العالم ليسوا إلا
قتلة... ولا أستطيع أن أجد العذر لأي منهم...
بم نبرر جرائمهم؟ فضائحهم... اغتصاب الشعب
بماذا يبرر؟.. لماذا يقتتلون فيما بينهم؟..
لماذا يقتتلون مع رفاقهم وشعوبهم... لماذا
يهدمون السجون ما داموا سيعتقلون غيرهم من
جديد... إنها العجلة تدور... العرش العقيم... الفتاة
: يا
إلهي.. ما بك أيها الغريب... اجلس... هدئ من
روعك... لم أفهم ما تعنيه... أنت حزين أليس
كذلك... اجلس وحدثني... الشاب
: حزين
وقد أصاب بالجنون لأني لم أعد أؤمن بقيام
الجنة على الأرض... البشر بطبيعتهم قتلة
وسجانون جلادون لبعضهم البعض بالفطرة
وبقوة الفكر والمبدأ والإيمان... سجانون يا
أصدقائي أنتم يا من هناك اتسمعوني... لقد
أطحنا بدكتاتور ولم نكن ندري إننا نصنع
دكتاتوراً جديداً... حاربنا باسم خلاص
الناس... صمدنا ولم نتراجع... سجنا... عذبنا...
ولم نتردد... قاتلنا وهزمنا الدكتاتور... الفتاة
: وماذا
بعد؟... هزمنا الأعداء وماذا بعد ذلك؟ الشاب
: أصبحت
مديراً للإعلام... هيه... وبعد شهور وجدت
صديقي قد أصبح مديراً للأمن الداخلي... كان
يقول وبنفس حماسة الأول... إنه الفجر ويجب
أن نحميه بسواعدنا... أرواحنا... إنه
المستقبل ويجب أن نعاقب كل الخونة... لن
نسمح بالتهاون والتردد... وهكذا كانت مفرزة
الأمن تتحول إلى مؤسسة.. والمؤسسة تحولت
إلى سجون... أكثر سرية من السجون القديمة...
سجون جديدة... تمتلئ بالناس... بتهمه الشبهة...
الشك... المعارضة... الـ (بعد فترة صمت) من
هؤلاء؟ إنهم من كنا نحارب من أجل خبزهم...
إنهم من ضحينا بحلو أيامنا من أجل صنع
يومهم الجديد... من أجل حريتهم... وها نحن
نعتقلهم من جديد ونعذبهم بأشد وسائل
التعذيب ونسميهم بالخونة... خونة! خونة؟
خونة... ها... كما كانوا يسمونا في الماضي...
تعال يا خائن... اذهب يا متآمر... يا مأجور...
يا عدو الشعب... الفتاة
: وماذا
بعد هذا كله؟ الشاب
: عليَّ
أن أحاربهم من جديد... ولكني أخشى أن أكون
الجلاد الجديد... لم أعد أؤمن بعدالة الأرض
أبداً... لم أعد أؤمن بنفسي... بالإنسان...
إنه كائن له القدرة على التحول والانحراف...
كائن يدعى الإنسان لا أثق به أبداً. الفتاة
: وكأن
الجحيم يتكلم من داخلك أكمل رغم أني لم
أفهم شيئاً... ألا تثق بأحد الآن؟ الشاب
: مهما
يقول ومهما يكتب ومهما يفعل الإنسان لا
أثق به… فهو الإمكانية بحد ذاتها على
التحول والتغير والانحراف… كل ما نقرأه
حقيقي... وكل مانسمعه صدق... كل الشعارات
ذهبية بلون الشمس... وكل الرايات ذات نجوم
خلاص... وكل الألوان جميلة كلها بلا تمييز...
ولكن كل هذا محض هراء... عماء... وسخرية...
وتخدير... إنها فخاخ تصنع للحمقى أمثالي. الفتاة
: أريد
أن أفهم... ماهي مشكلتك أنت... وماذا تريد
مني أرجوك أنا لا أفهمك؟ الشاب
: منذ
شهور وأنا في هذا المنفى الجميل… ربما
الكثيرون يحلمون بالمجيء إلى هنا... آلاف
من شعبي يريدون الهرب إلى هنا... ولكن ها
أنذا هنا الآن... ولا أشعر بعذوبة أي شيء...
قد سئمت الحياة إلى الزهد... أسأل لماذا؟
لماذا... أصبحت خاملاً هكذا... لماذا فقدت
الأشياء طعمها لدي... لماذا فقدت الإحساس
بالجمال والحب... هباء... في هباء... لماذا
فقدت إرادتي وحماستي وشهوتي... لم أعد أؤمن
حتى بالحقيقة... بل أشك بها ألف مرة... لا أجد
في نفسي مبرراً للدفاع عنها... انطفأ ضوء
روحي... وغادرتـني السعادة... وأكاد أسأل
نفسي أتراني أصبحت صوفياً؟... هم أجبروني
على ذلك... صنعوا مني ذلك... شككوني حتى
بنفسي... بإيماني... وحبي... وحريتي... لم أعد
أراسل أحداً... ولا أقرأ شيئاً... من يقول إن
هذا الكتاب أو تلك الصحيفة لا تحمل سمَّاً
لعقلي ليدفعني للوهم من جديد... بت أكره كل
شيء... الأرض... الوطن... الجوع... الأكاذيب...
الحقوق المنتهكة... الظلم... الاستبداد...
الأحلام الضائعة... هذا الكوكب أمقته وأمقت
كل سكانه... إن الحياة مشحونة بالأكاذيب...
بالمخادعين والمخدوعين... ولكنها ستستمر...
أردت وإن لم أرد ذلك... ماذا سيفعل الإنسان
بعد ذلك... ماذا سأفعل... وإن كنت مؤمناً
بأنبل المشاريع وأكثرها صدقاً... هل أملك
الوسائل للتغيير... وهل أستطيع إجبار الناس
على تصديقها بالقوة... أم بوسائل الخداع...
وبتلك الوعود المعروفة والشعارات... وإذا
ما اندفعت أكثر من ذلك فحتماً سأصنع لي
أعداء ومريدين... أعواناً وببغوات... وعندما
أسقط من سيرحمني... عندما أسهو من سيغفر عني...
وهل أرضى لنفسي تلك الحشود المنشدة بغباء
كحشود الملوك القتلة... استمعي إليَّ...
استمعي جيداً... عندما واجهتهم هناك...
رفاقي... أصدقائي... شعبي... أهلي... أخوتي...
أوردتي وشراييني أولئك. لقد قاتلنا معاً
وصمدنا وصبرنا وجعنا ومرضنا وذللنا معاً...
أتعلمين عندما واجهتهم بحقيقة ثورتـنا
بماذا أجابوا؟.. قالوا: صوت1 :
ربما
تحتاج إلى الراحة بعد هذا النضال الطويل..
ربما تكون صحتك على غير ما يرام... ستمنح
إجازة وبدل سفر إلى لخارج أننا نعمل على
ذلك من أجل مصلحتك! صوت2 :
أنت
محق لكن الوضع هكذا لا يمكن أن يتغير بين
ليلة وضحاها... وأنت بهذا الوضع النفسي
السيء لن تستطيع الاستمرار في العمل...
الإرهاق يبدو واضحاً عليك... هل تشتكي من
ألم عضوي؟ صوت3 :
هل
تتـناول حبوباً مهدئة... أنت مرهق.. انظر
إلى نفسك... إن جلدك أصفر ويكاد جسمك يخلو
من قطرة دم... عليك بالراحة وسنتكفل نحن بكل
شيء... إلا تثق بنا؟ نحن من عملنا معاً طوال
هذه السنين حتى ظفرنا بقيادة الشعب...
اطمئن... لا بأس عليك... لديك اختلال بسيط في
وجهات نظرك... صوت 4 :
قد
يخطئ الإنسان أحياناً وقد يثور وقد يصاب
بحالة من الفوضوية واليأس... لكن عليك
ألاَّ تتكلم بذلك خارج هذا الاجتماع... أن
كلامك يعد ثروة لأعدائنا ولأعداء الشعب...
أخشى أن تكون متورطاً معهم... لابأس
سنسامحك فأنت ذو تاريخ معروف لدينا جميعاً...
صوت5 :
سافر...
وبعدها ستجد نفسك قد استعدت هدوءك ووعيك...
لقد عادت الأمور إلى مكانها الصحيح...
بالمناسبة هل ينقصك شيء؟ صوت6 :
هل
يشكو أحد أفراد عائلتك من مرض؟ من حاجة...
عليك أن تقول لنا ذلك بصراحة فهذا من حقك...
اهتم بنفسك ولاتأبه بشيء آخر... كن حذراً...
لن نتخلى عنك؟ الشاب
: وبعدها
ظلوا يطاردوني… يتابعوني… يستفزوني…
يسألون عني… لقد شكوا بي… بعد كل الذي
فعلته… أصبحت مشكوكاً به… لقد تدربت على
الملاحقة طوال حياتي ولم أخف… لكن صدقيني
شعرت بالخوف الآن ومع أصدقائي أكثر من
الماضي… لذلك طلبت منهم الإسراع بسفري…
سافرت ستة أشهر وبعدها أردت العودة…
فماذا وجدت؟! وجدت سفارتـنا تسحب جوازي
وتخبرني بأنني شخص غير مرغوب به في الوطن...
أغلقت الأبواب في وجهي... عرفت أنهم دبروا
هذا للخلاص مني... ماذا أفعل... طلبت اللجوء...
لقد نفيت وانتهى الأمر... لا أعلم ماذا
صنعوا الآن بأسرتي... منذ ستة أشهر وأنا
أعيش على حساب اللجوء... لقد منحت اللجوء
بكل سهولة... والغريب اكتشفت أن للسفارة
علاقة بسرعة حصولي على اللجوء... تخلصوا
مني وإلى الأبد... وحينها فقط شعرت بأنني
لست لاجئاً إنما سجين منفى جميل... إن هذه
الحكومات تتآمر علينا فيما بينها... لهم
مصالح مشتركة لا ندركها... نحن منفيون إزاء
صفقات البترول والأسلحة الفتاكة... هل
شاهدت عجوزاً قد منح حق اللجوء؟ كلا...
اللجوء للشبان فقط... لماذا؟ ليخففوا الضغط
على شياطين الوطن ويريحوهم منا... ويدعون
أنهم سمحوا لنا كلاجئين باجراء التظاهرات
السلمية... مجرد تـنفيس وترويح... يضحكون
منا وعلينا... لقد خدعنا... ياصغيرتي صدقيني
لا أريد أن أكون لسان العالم... ولا أريد أن
أكون ضمير العالم ولن أكون أبداً... ولكن
أملي الآن أن أنقذ نفسي... أن أخرجها من هذا
البركة القذرة... أرغب أن أطهر نفسي من
أوهام الماضي... علينا أن نتخلص من كل
ماحشوا أرواحنا به من أكاذيب... أنا أؤمن
الآن بنفسي... إن على المرء أن ينقذ نفسه من
كل كذب وتدليس... هذا هو إيماني ويقيني
الجديد... وأنت انظري ماذا صنعت بنفسك... هذا
الجد يتاجر بك... بجسدك... ستساعدينه على أن
يعود جلاداً للشعب من جديد... بنهديك
وشفتيك وفخذيك ستصنعين مقابر جديدة للشعب...
ستصنعين المزيد من الضحايا والسجون... إنه
يتآمر على كرامتك... ويوهمك بالعودة...
بالقصور والأموال... والأوسمة... هل تدركين
ما أقول!؟ إنه قذر مثلهم جميعاً... فهم
لايتوانون عن فعل أي شيء لتحقيق خططهم
القذرة... وهاهو يقوّد عليك باسم الوطن... أي
نوع من النساء أنت؟... تتعسلين وتضاجعين
حتى بدون إرادتك بدون شهوة منك... إنك
كعسكري منقاد إلى حرب لايفهم أسبابها
ونتائجها... تـنهضين... تـنامين... تأكلين...
تعملين... حسب أوامر هذا العجوز الهالك...
تسمينه إلهاً... الجنرال المغرور ليس إلهاً...
إنه جلاد مرفوض... وهواء الحياة الجديدة
يرفضه بلا مهادنة... الحياة ترفضه لا نحن...
وعودته وهم وهراء... قتل أعوانه إمعاناً في
ممارسة السلطة حتى وهو في هذا المنفى...
ورَمَمَ لهم القبور لتزدان سلطته القذرة...
لماذا كل هذا؟ ألم تسأمي... يحتضر وينتظر
معضلة الخلاص... علي أن أذهب الآن (يفتح
الحقيبة ويعطيها قلم ودفتر) خذي هذا
الدفتر والقلم هدية لك... للذكرى وحسب... الفتاة
: وماذا
أصنع به؟ الشاب
: اكتبي
فيه... لابد وأن تكون لكل إنسان ذكريات
جميلة وحزينة يود تسجيلها. الفتاة
: أنا
لا... الشاب
:
لا
تعرفين... اعلم ذلك... ولكن عليك أن تكوني
إنسانة منذ الآن... الفتاة
: وما
جدوى ذلك... الشاب
: من
أجل روحك... رغبتك... أحلام... الفتاة
: أنا
ليست لي أحلام... الشاب
: ياللجحيم...
الفتاة
: ولكني
الآن بدأت... أشعر... الشاب
: بدأتِ
وهذا هو المهم... اكتبي... وتعلمي... وفكري...
واعملي أن العالم من حولنا واسع وجميل...
وداعاً... الفتاة
: ابق
قليلاً. الشاب
: لقد
تأخرت... وداعاً... (يخرج). الفتاة
: وداعاً...
ياه... نسيت أن أسأله عن أسمه. (إظلام تدريجي، تبقى وحدها مع
الدفتر والقلم، موسيقى) المشهد
الرابع الفتاة
: (وحدها)
إنه يختلف عن الجميع... هذا أول رجل يعاملني
كإنسانة... جميعهم كانوا مجرد عابرين لا
أسمع منهم إلا الكلمات الإباحية... اللهاث...
اللعاب... وحوش... يأتون... ويذهبون
ولايتركون شيئاً سوى لهاثهم ملء أذني
ولعابهم القذر ملء وسادتي... آثار أصابعهم
تـنهش روحي... إلا هو... قال خذي دفتراً
وقلماً... طلب مني أن أكتب... ماذا أكتب؟ قال
اكتبي ذكرياتك... المفرحة والحزينة... ماذا
اكتب؟ لقد نهضت اليوم وأعددت الفطور
والحمام لجدي... وساعدته على التبول...
ونظفت المكان... سقيت زهور القبور... رقعت
ثيابي الممزقة... اليوم عطلتـنا ولا يوجد
طابور... غداً عليَّ أن أستعد... كلا... ماذا
سأكتب؟ ماذا لديّ؟ أهذه هي الحياة؟ لا
أعلم ماهي الحياة... يقولون أن العالم واسع
وجميل... أما عالمي هذه الجزيرة وجدي
وطابور الرجال وهذه القبور... لا ماضي لدي
لا أذكر شيئاً... ولا أعرف شيئاً إلا
مايقوله جدي... منذ الفجر وإلى آخر الليل...
عمل... وكد... ولهاث... وقذارة... ولكن كل هذا
من أجل الوطن... هكذا يقول جدي... ولكن أي وطن
هذا الذي ينتظر جدي أن ينقذه؟ لا.. أيكون
جدي كذاباً هو الآخر؟ إنها الخطيئة
ستقتلني كما قتل أخوتي وأمي
وزوجته... سيقتلني بيديه... إنه الحكيم
الصادق... لعله يغفر لي هذا الخطأ... أنا
أصلي من أجله ليل نهار... ولكن ماذا سأكتب
لا جديد في حياتي؟ لاشيء... إلا هو... هو وحده...
هو أول من أسمعه يحدثني بلا شهوة... هو أول
من جلس إليَّ وحدثني دون أن يلمسني... كشف
لي عالماً لم أعرفه... ولم أشاهده... آه لي...
يا لعقلي المغلق كحجر... لا أستطيع أن أدرك
معنى كلامه... وقفت أمامه كالبلهاء... وهو
انهال عليَّ كموج البحر... كان يحترق أكثر
مما يتكلم... يبدو أنه كان يتحدث عن الحقيقة
آه إنه ملاك... ملاك نعم... ولكن بلا أجنحة...
عندما يعود سأسأله أين نسي اجنحته... إنه
ليس من البشر... إنما جاء من وراء السحاب...
يا إلهي... صوته مليء بالدفء والرحمة...
وعندما يتحدث كنت أسمع نبض قلبه كعصفور...
ودمه ينبض تحت جلده... إنه ملاك... نعم ألا
يقولن أن الملائكة يعيشون بلا شهوات... إنه
لم يمسني بسوء... لم يشتمني كبقية الآخرين... لم يسخر مني... كنت
أمنحهم جسدي وإذا ما تـنهدت
جزعاً راحوا يشتموني... وجدي يقول... لا بأس...
اصبري... تحملي... لا بأس... إننا نعمل من أجل
المجد... كنت أود لو نمت بأحضانه... هذه أول
مرة أعشق... أعشق حقاً... وأشعر أن الذي
أمامي إنسان وليس رجلاً... لم أشتهِ رجلاً...
لم أشعر بأحد من قبل... لكنه هو... سأدون هذا...
سأكتب أني ولدت هذا اليوم... سيكون هذا
اليوم عيد ميلادي... سأوقد الشموع... سأعلق
الزهور رغم هذا الليل... سأنام ولكن! علي أن
أحضر طعام جدي... وأهيئ ملابسه للغد... أوه...
كلا... سأنام هذه الليلة مبكرة... لعلي أحلم
به... ولكنه رحل كما يرحل الآخرون... أخشى أن
يكون مجرد حلم عابر... مطرٌ صيفي... كلا عليه
أن يعود... لا أريده أن يغيب ثانية عني... ومن
لي في هذا العالم... وماذا أملك... لا شيء...
إلا هو... وكلماته وصوته... لقد أيقظ في روحي
شيئاً ما... أيقظ فيَّ الحياة... أستطيع أن
أدرك الآن أن هناك زمناً... ساعات... دقائق...
بطيئة تمر... متى أراه ثانية؟ أيقظ في روحي...
فرحاً لم أعرف له طعماً من قبل... تكاد روحي
تبتسم من الفرح... كلا يجب أن يعود فأنا
بدونه قذارة... وحياتي... كفن... وخطواتي
تابوت... يجب أن يعود... قبل هذا اليوم لم أكن
أحب... لم أكن أريد... الآن عندي رغبة في
داخلي... وعندي شيء يرفض... وأشعر بأنني أريد
أن أركض بلا حدود... أركض... أخشى أن يكون هذا
هو التمرد. كلا... وما شأن جدي بهذا؟ هو الآن
يهذي كعادته ويحلم بالعودة إلى الوطن...
ليحلم... ماشأني به... وأنا يتوجب عليَّ أن
أحلم الآن... آه من هذا الفرح الذي يجن
بروحي... آه لقد وسخت حياتي بالقذارة...
والرجال... المال... والوعود... وهذا الجد...
كلا... إنه... جدي... وهو يملك الحق أن يحرمني
روحي... ولكنه... ولكنه يعاملني كالثور...
كخادمة... يأمر... ويأمر... ينام وهو يأمر...
يحلم وهو يأمر... أوامر... أوامر ليس لها
نهاية... من الفجر إلى الفجر... هل نمتِ؟... هل
سقيت القبور؟ تهيئي للغد... فغداً لديك عمل
شاق... سنعود إلى الوطن... آه يالي ويا لهذا
الجد... وهذا القفر الممتد بلا حدود... سأكتب
له... إن حياتي كانت صحراء... ولكن أنت كنت
عين الماء... التي تفجرت فيها فجأة... فصارت
الصحراء واحة... صارت الواحة... جنة... جنة...
جنة... سأنام... سأردد كلماته حتى أغفو...
فألتقيه هناك في الحلم... وهناك سأقول له...
لقد ولدت منك... فأنا أحبك كما يحب الطفل
أمه... لأنم... (إظلام تدريجي، نسمع صوت الموج
يصطدم بالصخور، موسيقى) المشهد
الخامس (ظلام، موسيقى، طقس شبه حلمي،
الفتاة نائمة، يدخل الشاب بهدوء وتلصص) الشاب
: استيقظي...
هيا... بسرعة... هذا أنا... الفتاة
: أهذا
أنت ثانية... أم إنه حلم؟ الشاب
: انهضي
بسرعة لا وقت لدينا... الفتاة
: ماذا
حدث؟ الشاب
: جئت
كي أساعدك على الهرب... ألا تريدين ذلك؟ الفتاة
: ولكن
جدي... جدي المسكين ماذا سيفعل وحده؟ الشاب
: أخشى
أن يصحو ويكتشف وجودي... أتفضلين البقاء
كخادمة ومومس لهذا الجنرال... أتفضلين
البقاء على الهرب معي إلى الحياة؟ الفتاة
: آه...
تذكرت... أين اجنحتك؟ الشاب
: أجنحتي؟ الفتاة
: ألست
ملاكاً؟ الشاب
: ملاك...
ولكن أجنحتي احترقت... أحرقوها لي... هيا لقد
حزمت الأمر... هيا لنهرب... الفتاة
: ولكن. الشاب
: هيا
لاشيء يستحق العناء (يركضان، وفجأة
يتوقفان على صوت الجنرال) الجنرال
: صغيرتي...
تعالي... قفي... عودي إلى هنا أيتها الطفلة...
تعالي أيتها المغفلة... ماذا سيصنع بك هذا
الغريب؟ عودي إليَّ هيا عودي إلى جدك. الشاب
: لا
تستمعي إليه... لنهرب... الفتاة
: ولكنه
جدي... (تعود ناحية الجنرال) الشاب
: اللعنة
مازلت أسيرة سحر هذا العجوز؟ الجنرال
: استمع
أيها الكلب المغرور… ابتعد من هنا… سأطلق
عليك النار لو عدت إلى هنا ثانية… أغرب
عني… لا أريد أن أراك هنا أيها الصعلوك…
… وإذا ما غامرت وعدت ستجد نفسك صيداً
سهلاً… سأعلق جثتك لتأكلها الغربان… هيا…
وعندما تبتعد قل لنفسك بأنك نجوت بمعجزة…
(يخرج الشاب) وأنت أيتها الغبية… صدقت
كلماته وبتلك السهولة… آه إنها الخيانة
مرة أخرى… لماذا؟ لماذا؟ لِمَ كل هذا
العناء أليس من أجل الحياة الأفضل التي
نتوق إليها؟ تعالي أيتها القذرة... أنت
خائنة بالوراثة... آه لي... يالكم من زمرة
خونة ومجانين... (يربطها بسلسلة إلى كرسيّه)
هكذا تكون الأمور أفضل لقد منحتك حرية لا
تستحقينها... آه... اللعنة على هذه العائلة...
أقسم لو أني ولدت في عائلات الهنود لحمر
لكانوا يصلون إليَّ ليل نهار... ولكنه الحظ
العاثر... جعلني جداً لهؤلاء المتواطئين
الخونة الصغار... سفلة... كلاب... لقد جعلت
منك نجمة مشهورة... وهاأنذا اعمل وأكدح من
أجل مجدك... مجدي... من أجل أن استعيد فردوسي
الذي طردت منه... منحتك الحرية... لأنني
وجدتك مؤمنة وهاأنت تخونين... كيف سأثق بك...
كلبة... صغيرة... وعاهرة... ستظلين هكذا مقيدة
كالكلب... لن أمنحك الحرية ثانية... لن
أمنحهم الحرية ثانية... إن هذا الشعب شلة من
الضعفاء والأغبياء... ماذا سيصنعون
بالحرية أيها السادة؟ ماذا سيصنعون لو
حصلوا على الحرية؟ سيستخدمونها لإشاعة
الفوضى... سيعم الكون الدمار والخراب...
مازالوا دون مستوى الحرية التي يطالبون
بها... إنهم قطيع وما أحوجهم إلى سائس عنيد
وحكيم... إنهم لا يحتاجون إلى أنبياء... إنهم
يركلون الحق كالأبقار... يقبلون اليد التي
تصفعهم... كلاب... حشرات وضيعة ليس إلا...
وأنا رشحت نفسي سائساً عليهم... (يطلق صفرة)
هيا تهيئي لدينا طابور من العسكر... جنود...
جنود... جنود... أهلاً بكم جنود وربما عائدون
من الحرب... ما أكثر الجنود هذه الأيام...
هيا إلى العمل فالوطن بانتظارنا... (ظلام، موسيقى، مشهد صامت لطوابير الجنود
يتوافدون على خيمة الفتاة ويدفعون
للجنرال، لهاث، صراخ... قيح). المشهد
السادس (الجنرال
يغط في النوم، الفتاة مربوطة بسلسلة طويلة
إلى كرسيه، موسيقى) الفتاة
: يوم...
يومان... أسبوع... ثلاثة... شهر... شهران... مضت
خمسة شهور على رحيله... ولم يعد... يا ملاك...
أجبني؟ جفت دموعي... وتيبست أحلامي... من لي
غيره... آه إنه مجرد ملاك جاء وعبر... عبر
كغيمة لن تعود ثانية... بلا ظلال... بلا صدى...
وبلا ذكرى... محض خيال... هل كان محض خيال؟...
لقد توهمت... تورطت به... خمس شهور وأنا
مربوطة بسلسة إلى هذا الكرسي... أعمل...
وأنام وأنا مربوطة إلى هذا الكرسي كحيوان...
(يدخل الجنرال) الجنرال
: تهربين
مني أيتها الحمقاء؟ سأجعلك تـندمين طوال
حياتك... أقسم لولا حاجتي لك... أعني حاجة
الوطن لكنتِ الآن مجرد قبر بين هذه القبور...
الفتاة
: جدي...
أنظر هناك... الجنرال
: إلى
أين أنظر؟ الفتاة
: لقد
جاء أحدهم... الجنرال
: وماذا
يعني ذلك؟... اليوم عطلتـنا... سنطرده... هذا
هو وقت راحتـنا... أوه إنه هو نفسه ذلك
اللعين... الفتاة
: من
... الملاك؟ الجنرال
: اصمتي
أيتها القذرة... إنه هو اللعين نفسه... (يدخل
الشاب) الشاب
: مساء
الخير... الجنرال
: عليك
اللعنة... لماذا عدت ثانية ألم أحذرك؟ الشاب
: قبل
كل شيء... أيها الجنرال أقدم المعذرة... ولعل
هذه المناسبة تجعلك تقبل اعتذاري وهديتي
المتواضعة... الجنرال
: أية
مناسبة... أهذه خدعة جديدة؟ الشاب
: إنه
يوم عيد ميلادك... هل نسيت الاحتفال به؟ لقد
بحثت وسألت لأعثر على هذه الذكرى لأقدم
اعتذاري... وأضع نفسي كحارس متواضع لكم
ومدافعٍ عنكم... أعفُ عني ياسيدي... فالعفو
سمة العظماء. الجنرال
: (يصفق
بفرح) آه لقد رجعت بي إلى الماضي أيها
الشاب... إنك حاذق وتجيد الاعتذار... هيا إلى
المائدة... سأعفو عنك هذه المرة ولكن بعدها
لن يكون هناك مرة أخرى... أعدي لنا المائدة
والشموع ولنحتفل هيا.
(يفك قيدها، تـنهض لإعداد المائدة،
يذهب الشاب معها بينما يتفرغ الجنرال
للرقص مع علبة الهدية بصبيانية) الفتاة
: أخيراً
عدت... الشاب
: اسمعي
الآن... هذه آخر مرة... لا وقت لدي... إنها
الحرية تـناديك... الفتاة
: كيف؟ الشاب
: اقسمي
على الهرب معي أولاً؟ الفتاة
: أقسم
لن أبق لحظة... لقد كدت أموت... الشاب
: استمعي
إليَّ... لا تأكلي من الكعكة التي أحضرتها...
دعيه يأكل لوحده. الفتاة
: لماذا؟ الشاب
: لقد
صنعتها خصيصاً له... وقد حشوتها بستين
غراماً من سم الجرذان... ستفتك به... إنها
عملياً مجربة... هيا لنحتفل... سنتخلص منه...
هيا أيها الجنرال... عمراً مديداً... ونصراً
قريباً... الجنرال
: هيا
اجلسا... تفضلا... الشاب
: كلا...
هذا تواضع لا حدود له... إنها كعكتك وحسب...
ولا يصح للحاشية الأكل مع سيدهم... هذا
قانون ولا مجال... إلا إذا رغبت أن تترك لنا
شيئاً فلن نمانع في أكل فضلات سيدنا... الجنرال
: أحسنت
يا ولد... أنت مؤدب... وتتقن أساليب المجاملة...
ربما ستكون وزيري للخارجية... هذا وعد... هيا...
الشاب
: تفضل...
هنيئاً... أليست هناك موسيقى؟ نريد موسيقى...
(يبدأ بالأكل) الفتاة
: (جانباً)
لقد أيقظت في روحي الهروب... أيقظت الحرية...
وذهبت... منذ سنوات وأنا أحيا بلا حياة...
وبلا تذمر... ولكني الآن عرفت الألم...
واليأس... والأمل... الشاب
: والآن؟ الفتاة
: ماذا
تخشين؟ الفتاة
: ماذا
لو فشلت هذه الطريقة؟ الشاب
: لقد
جربته على فصيلة من الجرذان فقتلها في
لحظة واحدة... وما جدك هذا إلا جرذ عجوز... الفتاة
: انظر
إليه إنه يأكل بنهم وبتلذذ... (تضحك) الشاب
: سيهلك...
الفتاة
: وإلى
أين سنذهب؟ الشاب
: إلى
الحياة... الجنرال
: نعم
بالتأكيد.. أشعر بالسعادة... عادت لي سعادتي
الماضية... الفتاة
: يا
إلهي! الجنرال
: ماذا؟ الفتاة
: لا...
لاشيء... أشعر بالفرح... لقد تحررت... الجنرال
: ولكني
أحذرك... إنها المرة الأخيرة... الفتاة
: نعم...
نعم... الجنرال
: إذن
إلى اللقاء صباحاً... إلى اللقاء... تصبحين
على خير... (يخرج الشاب، إظلام تدريجي،
موسيقى) المشهد
السابع (الجنرال
نائم يشخر، الفتاة تراقبه بقلق، الوقت
فجراً) الفتاة
: يا
إلهي لقد نام حتى بدون شخير، أتراه قد
استعاد صحته بسم الجرذان... يا لهذا العجوز
إنه يتعافى بالسم... انتظرت أن تزهق روحه
طوال الليل... وهاهو الفجر... آه... سيصحو
وسيبدأ مشوار أوامره... أعتقد أن ملاك
الموت يخشاه أيضاً... الموت يتجنب رؤيته...
يهرب منه... كم مرة سلخت جلده بالماء الساخن
في الحمام سهواً ولكنه لم يشعر بأدنى ألم...
يا إلهي كيف يمكن أن يموت هذا الجنرال... لا
إنه ميت نعم ميت وهو يحيا بيننا كروح
مطرودة من الجحيم... وسيبقى هنا إلى الأزل،
سيقتلنا جميعاً دون أن يموت. (يدخل الشاب متلصصاً) الشاب
: ماذا
حدث أخبريني؟ الفتاة
: يا
للمصيبة لاشيء... أرجوك أبتعد عني... أنا
سجينة هذا الشيطان وسأبقى سجينته وإلى
الأبد... ابتعد عني أرجوك... لا يمكن أن يحدث
له أي شيء... صدقني بت أخشى عليك... اذهب
ودعني... الشاب
: لن
أذهب... الجنرال
: (وهو
نائم) لقد حلمت أن الطواويس تحوم حول سريري...
الفتاة
: نعم
إنه فأل حسن... فهذا يعني أن حياتك ستطول... الشاب
: وماذا
يعني هذا ؟ الفتاة
: أسخر منه ماذا أفعل له؟ إنه لا يموت... جسده
مليء بالرصاص والإصابات... وهو فوق هذا كله
مصاب بأمراض مزمنة وقاتلة لكن لا يموت... لا
يموت... وأنت شاهدت بنفسك... إنه شيطان مطرود
من الجحيم ليسكن الأرض إلى الأبد... الشاب
: ومن
قال أنه لا يموت... إنه مجرد هيكل متعفن...
أوسمة وبراز... وعظام مهترئة... إنه مجرد نعش
ينتظر مشيعيه... الفتاة
: لقد
وضعوا له المتفجرات قبل سنوات في جارور
مكتبه... وقد انفجرت لكنه لم يصب إلا بجروح
سطحية... أرجوك اذهب ودعني لمصيري هذا. الشاب
: استمعي
إليَّ... تحكي الأساطير القديمة... إن شيخ
القبيلة عندما يشعر بالموت قريباً منه...
ينهض في أحد الصباحات ويتطهر... يرتدي أرخص
ثيابه... ويضع على رأسه الغصن الذهبي -
والغصن الذهبي شارة لرئاسة القبيلة –
يسرع باتجاه الغابة... وهناك يشعر كم أن
شيخوخته لا تـناسب هذا الجمال المتجدد...
ويعلم كم أن ندى الصباح لا يليق به... وأن
هواء الربيع يرفض أن يدخل صدره... يتأكد أنه
لم يعد ملائماً لهذا الصباح ولهذه الحياة
المتجددة... حينها سيلتقي هناك عند أحد
الجداول ويغط في نوم عميق ينتظر خلاصه... في
هذه الأثناء يتبعه أحد شبان القبيلة
مسلحاً بخنجر... وحين يجده نائماً يطبع
قبلة على جبينه... وبطعنة واحدة يحمل
الخلاص لذلك الجسد المتعفن ويضع شارة
الغصن الذهبي على رأسه... وهكذا يعود إلى
القبيلة وقد أصبح رئيساً جديداً لها... الفتاة
: وماذا
تعني هذه الحكاية؟ الشاب
: أنا
هو ذاك الذي سيحمل طعنة الخلاص لجسد هذا
الثور المحتضر... انظري... إنه ينتظر الخلاص
أيضاً... (يهجم الشاب على الجنرال
ويطعنه... مرة... وأخرى... هيجان) الجنرال
: ماذا
تفعل أيها الكلب؟... أيها الخائن... آه... الشاب
: ما
هذا يا إلهي... إن دماءه ليست حمراء... ما هذا...
زفت؟... قار؟... براز؟... قيح؟... يا إلهي... الجنرال
: ماذا
فعلت أيها الجبان؟ لقد توقف التاريخ...
إنني أموت... انتهت الحياة على الكوكب...
ستقوم القيامة... إنني... أموت... الشاب
: ما
بك... لقد أصبحت حرة... اهربي... لا تطيعي
أحداً... بعد الآن... لا تـنتظري أحداً… لا
تصدقي أحداً هيا اهربي… لا تدعي أحداً
يستعبدك بعد الآن... اهربي ولا تلتفتي إلى
الوراء... الفتاة
: كيف؟
لا أستطيع الهرب... لا أستطيع... الشاب
: اهربي...
اهربي... الفتاة
: لا
أستطيع... لا أستطيع... (تبقى تركض في كل الاتجاهات
بجنون وتصطدم بالجدران يميناً ويساراً...
تسقط وتـنهض وتحاول مجدداً دون جدوى...
الشاب يصرخ بها ولكنها لا تستطيع الهرب
لأنها لم تفهم الحرية بعد...) العراق
/ السليمانية 1992
|
عودة للرئيسية![]() |