حكاية تمثال في مدن الآن

الفصل الثاني

الثاني 

منتصف الليل... كشف المسرات المحزنة

المشهد الأولى

 (تـنار الإضاءة فتظهر لنا البيوت على شكل أبواب تجريدية متـناثرة هنا وهناك، يدخل التمثال والمحقق من إحدى الزوايا)

التمثال   : أنظر ذاك هو بيت حبيبتي التي لم أتزوجها... لقد حرموني منها لأن مقامي دون مقامهم.

المحقق     : ومن يكون أهلها؟ وأنت ألم تكن ذا حسب ونسب؟

التمثال   : ألم أقل لك إني كنت فاكهانياً مسكيناً وأهلها من كبار تجار المدينة.

المحقق     : وبعد؟

التمثال   : هددوني بالقتل لو تعمدت لقاءها... أو تقدمت لطلبها مرة أخرى.

المحقق     : وهل كنت تلقاها في السر؟

التمثال   : نعم ولا يذهب خيالك بعيداً... أقسم لك لم أكن ألمس يدها... ولم أشاهد إلا عينيها من خلف النقاب... كان الحب هو هاجسي الوحيد... ايه كان زماناً وولى.

المحقق     : ولم تركتها؟

التمثال   : ماذا أفعل... هربت وحاولت النسيان... صدقني كانت لنا أخلاق... لم أعد حتى أحتمل رؤيتها وكنت اهرب من رؤيتها... ولكن قلبي كان يتحطم بين ضلوعي... هل أكذب لو قلت كنت أحسد ذرات التراب التي تمشي عليها.

المحقق     : وهل تستحق كل هذا؟

التمثال   : قلت لك هي الطهر بعينه... هي ضوء الفجر.

المحقق     : وإذن لمَ تزوجت غيرها؟

التمثال   : كان لابد من الزواج... كان لابد من الأولاد والأحفاد...

المحقق      : (ينتبه) لقد نسينا أنفسنا إلى أين نتجه؟

التمثال   : لم ننس… قدماي تأخذني إلى بيت من أحب دون تفكير... اسمع... اختف واكتم الأنفاس إياك والتدخل... سجل وحسب... اتفقنا؟

المحقق      : فاهم... فاهم.

 

(ينسحب المحقق، يتقدم التمثال من الباب ويحاول الطرق، يشعر بالخوف    والخجل... وهكذا إلى أن تفتح الباب وتخرج امرأة تصطدم بالتمثال)


المشهد الثاني

   (يتجه التمثال باتجاه بيت سعدى، صوت الليل)

 التمثال   : (يفاجأ بها) هذه أنت أخيراً؟

سعدى    : (تسحبه من يده جانباً ودون أن تـنظر إليه) اللعنة عليك لمَ جئت إلى هنا... لِمَ لَمْ تـنتظر هناك؟

التمثال   : انتظرتك طويلاً ولم تأتي حتى نفدَ صبري.

سعدى    : هيا (تسحبه من يده) من هنا بسرعة قبل أن يصحو زوجي هيا...
(ينسحبان جانباً)

التمثال   : إلى أين؟

سعدى   : إلى أين؟ تسألني يا وغد... لتأخذ درساً في تاريخ الكون.

التمثال   : ماذا تعنين؟

سعدى    : ما لك أصبحت بليداً هذه الليلة... هيا بنا.

التمثال   : إلى أين ياامرأة؟

سعدى   : ألم نتواعد من أجل هذا؟

التمثال   : وعدتك بالحب إلى ما بعد الموت.

سعدى   : (تضحك) في أي بنك أصرف هذا الحب... هيا... هيا يابن الحلال قبل أن يصحو زوجي... لقد تأخر الوقت.

التمثال   : سعدى! لا أصدق نفسي هل أصبحت... ؟

سعدى    : من؟ من أنت... آه ألست الملعون الذي واعدني... يا ويلي ليس هو... ألست مدير البلدية يا هذا؟ فضحت نفسي... من أنت تكلم؟

التمثال   : ألا تعرفينني؟ تذكري.

سعدى   : هذا الصوت ليس غريباً علي ولا هذه الملامح... من أنت تكلم وخلصني؟

التمثال   : أنا شمس.

سعدى   : ماذا؟ ماذا؟ لا أصدق... قل غيرها يابن الـ...

التمثال   : وحق الله أنا هو.

سعدى    : ألست تمثالاً... فكيف تحركت؟

التمثال   : لا تسألي.

سعدى    : أنت مسحور.

التمثال   : أي سحر يحرك تمثالاً؟

سعدى    : إذن فقد عدت إلى الحياة.

التمثال   : ولا هذه أيضاً.

سعدى    : حكايتك هذه ليست مقنعة.

التمثال   : وحكايتك أنت ياسعدى... إلى أين كنت ذاهبة؟

سعدى    : كنت على موعد مع... مع.

التمثال   : رجل... طبعاً كنت على موعد مع رجل.

سعدى    : نعم... نعم.. الطبيب... لقد وعدني أن يتفرغ لعلاجي مجاناً لقد أصبحنا فقراء يا شمس... لقد تغيرت أحوال الدنيا...

التمثال   : سعدى كفى كذباً... ليتـني تراب... أي شيطان حركني من مكاني... أنت يا أحب الناس وأطهرهم... أصبحت امرأة ليل؟!

سعدى    : كف عن هذا... المدينة كلها مدينة ليل... نساؤها ورجالها... هل أذكر لك أسماء النساء والرجال... لست الخاطئة الوحيدة في هذه المدينة.

التمثال   : أنت ياسعدى ياابنة الحسب والنسب؟

سعدى    : هم صنعوا مني امرأة ليل... ماذا أفعل؟ زوَّجوني بغلاً لا يعرف شيئاً عن أحوال الدنيا ولا عن معاملة النساء... قصاب سكير... حطم أنوثتي وشوهني... حرمني من كل شيء... ماذا أفعل وشياطين المدينة يموتون على أقدام الأنثى الناعمة... يالها من أنثى... يالها من غزال... إنها عسل... هكذا كانوا يقولون عني حين أمر في السوق... وفي كل ليلة أستغفر الله وأستعد استعداد المرأة لزوجها... لكن البغل يأتي سكران ثملاً فينام كثور مذبوح... ومرة تلو مرة... إلى أن وقعت في الفخ... وعرفت أيضاً أن زوجي كان يخونني مع نساء المدينة، كان يناديني بأسماء عشيقاته... فلم أجد نفسي إلا ثائرة وغاضبة... أردت أن أعاقبه... وأعاقب من زوجني إياه... أعاقب من دمر حياتي... وأسترد أنوثتي...

التمثال   : ولكن ياسعدى تظل المسألة قذراة في قذارة.

سعدى    : وأنا لا أريد أن أكون القديسة الوحيدة في هذه المدينة... ولكن ليكن في علمك أن عشيقي الذي أنتظره الآن ليس إلا عجوزٌ معطوب... وهو لايحتاج إلا للقليل من الحنان والغنج... هذا مايريده مني وحسب... رجل ثري ذو شأن... وعدني أن يمنحني جزءاً من ثروته... سأكون من أثرياء المدينة ياشمس سأكون ذات شأن... وسأنتقم منهم... سأكون سيدة المدينة الأولى.

التمثال   : سعدى... اللعنة على اللحظة التي جمعتـني بك (يريد الذهاب).

سعدى    : إلى أين؟ لقد حرمتـني من موعدي وعليك أن تكون البديل.

التمثال   : (يصفعها ويخرج).

سعدى    : تف... حيوان... غبي... طوال حياتك وحتى في موتك ستظل غبياً لا تفهم... لقد تغيرت أحوال الدنيا وأنت كما أنت... تفوه (تسمع صافرة
من الناحية الأخرى تلتفت فتجد عشيقها قادماً، تصفف شعرها وتذهب بإتجاهه) لمَ تأخرت يا بغل وعرضتـني للمشاكل؟ ولا كلمة هيا لنذهب بسرعة.

           (تسحبه وتحاول الخروج، قطع إلى الجانب الآخر من المسرح)

التمثال   : لقد ذهبت معه... يا حرقة روحي.

المحقق     : لقد ربحنا ربحاً عظيماً بهذه الزيارة القصيرة يا صديقي... عرفنا سراً.

التمثال   : مأساتي تحسبها غنيمة... تتاجر بآلامي؟

المحقق     : مصائب قوم عند قوم فوائد... ألم تسمع بهذا القول؟

التمثال   : لن أتابع... لقد ندمت.

المحقق     : لا تتراجع... لقد عقدنا الاتفاق وانتهى الأمر... لا تـنس أنك تـنشد الراحة الأبدية... ها... هل نسيت؟

التمثال   : ولكن ثمن هذه الراحة يبدو غالياً.

المحقق     : وعليك أن تدفعه هذه هي حكمة الحياة.

التمثال   : وما من مهرب من البدّ الذي لا بد منه (صمت) ولكن من كان عشيقها؟

المحقق     : هيا لنذهب وسأخبرك من يكون... إنه مدير البلدية... صاحب المشاريع الخيرية و...

           (يخرجان، إظلام، إضاءة على الجهة الأخرى، عاملا مياه المجاري)

العامل1   : اسمع يا هذا إن ضميري يؤنبني.

العامل2   : ضميرك... خذ حبوب صداع الضمير.

العامل2   : أنا لا أمزح لابد وأن نبلغ المسؤولين وإلا فإن المدينة ستغرق... الأنابيب ستـنفجر.

العامل1   : سيحملوننا المسؤولية.

العامل2   : كلا سنخبرهم بأننا لم نكن نعلم قبل الآن.

العامل1   : ستبلغ من؟

العامل2   : المدير المسؤول.

العامل1   : أتعرف بيته؟

العامل2   : كلا... لدي رقم الهاتف.

العامل1   : هيا... لنتصل به.

العامل2   : يجب أن نجد هاتفاً.

العامل1   : انظر هذا الرجل ومعه امرأة لنسألهم عن أقرب هاتف.

            (سعدى ومدير البلدية يدخلان بخوف، فجأة يواجههما عاملا المياه القذرة)

العامل1   : سيدي... سيدتي.

سعدى    : ماذا تريد؟

العامل1   : إذا كان بيتكم قريباً من هنا فهل يمكن لنا أن نجري اتصالاً هاتفياً... هناك أمر خطير يجب التبليغ عنه.

سعدى    : اسمع... يريدون هاتفاً وسيبلغون عني وعنك... يالها من ليلة لعينة لنهرب

المدير     : إنهم عمالي... عمال مياه المجاري لا تخافي... ياللمصيبة سيفتضح أمري وأخسر البلدية.

(يخرجان، موسيقى)

العامل1   : ما بهم! كأني طائر شؤم، هربوا مني.

العامل2   : اسمع ألم يكن لهذا الرجل نفس هيئة المدير... مديرنا؟!

العامل1   : يا لوساوسك السوداء... هيا لنبحث عن هاتف ونبلغ عن هذه المصيبة.

 

(يخرجان راكضين)


المشهد الثالث

  (تسلط الإضاءة على نافذة أحد البيوت، موسيقى صاخبة، رجل  يجيء ويذهب، ينكث شعر رأسه ويهذي كالمجنون)

الصحفي : والـ... مياه... أزمة القاذورات المترسبة... سوف... لن سوف تتأزم... يا إلهي... لقد أخطأت ثانية... الصباح على الأبواب ولم أكمل المقالة بعد... سيطردونني من الصحيفة... مدير التحرير حذرني إن لم أكمل هذه المقالة صباحاً فعلي أن أقدم استقالتي... يا إلهي... لن أيأس... أنا ابن رشد الثاني عشر العبقري لن أعجز عن كتابة مقالة عن أزمة مياه المجاري... ولكني لا أملك معرفة ولا مصادر هذا الموضوع... دعني أرتجل... المياه... القذرة... (يستمر بالهذيان)

المحقق      : (أمام النافذة ومن الخارج) من هذا؟

التمثال    : هذا مسعود الذي يدعي أنه حفيد ابن رشد الفيلسوف العبقري.

المحقق     : ولماذا يدعي ذلك؟

التمثال   : لأنه وجد نفسه في منصب صحفي غير مناسب فراح يكتب شمالاً ويميناً وهم يصفقون له... فجن جنونه وادعى العبقرية.

المحقق     : لابد أنه يستحق هذا النجاح.

التمثال   : أنت لا تعرف لقد كان جاري وصديق طفولتي ومراهقتي... لقد زجه أبوه في المدرسة بالقوة رغم رسوبه لعدة سنوات... كان والده مساعد محامٍ قديم وكان يدعي أن العبقرية تـنحصر في سلالتهم الكريمة... وهكذا نجح مسعود هذا بالرشاوى والتوصيات حتى وصل إلى ما هو عليه... ابن رشد الثاني عشر..

المحقق     : صيد مهم... هيا اهجم...

التمثال   : انسحب أنت يا رأس المصائب...

 

(يدخل التمثال من النافذة، يتضح ديكور غرفة الصحفي)


المشهد الرابع

  (غرفة الصحفي، كتب وصحف متـناثرة، يدخن بشراهة)

الصحفي : يا إلهي ابن رشد الثاني عشر يعجز عن الكتابة... وفي أي موضوع؟ موضوع أزمة مياه المجاري القذرة... قذرة حقاً... كتبت في الاقتصاد والفنون والسياسية والأدب والباراسايكولوجيا ويستعصي عليَّ هذا الموضوع إنه العجب العجاب...

التمثال   : سلاماً...

الصحفي : (يلتفت فزعاً) من أنت... من أين دخلت... لم تطرق الباب... بل لم أشعر بصوت الباب وأنت تفتحه... من أنت؟

التمثال   : أنا.

الصحفي : يا إلهي صدقت النبوءة... أخيراً جئت... انتظرتك سنوات... أنا ابن رشد الثاني عشر... لا تخف... لم تخطئ العنوان وأخيراً جئت... يا معلمي وملهمي يا معيني... ياسر العلم الخالد... وكنـز المعرفة اللامحدود.

التمثال   : ماذا تعني؟

الصحفي : أنت متعب أليس كذلك... أعلم أنك اجتزت عصوراً لتصل إليَّ هنا في هذا الزمن... أنت مرهق... ها؟

التمثال   : حقاً لقد بقيت طوال حياتي منصوباً مثل عمود الكهرباء.. أنا متعب حقاً.

الصحفي : نعم أعلم بذلك... لاتجهد نفسك استرح... منذ وفاة فاوست الأول ولم تعثر على عبقري يرث عبقريتك مثله... إنك متعب.

التمثال   : لا أفهم؟

الصحفي : استرح أنت متعب حقاً... يالك من وسيم... يا للأسف يسمونك شيطان العبقرية... مخطئون أولئك الذين سموك شيطاناً... أنت الرقيق الواهن الوديع... شيطان!؟ مسكين الرحلة أتعبتك... والعلم الذي تحمله أكيد أرهقك حتماً... ولكنك نبيل وشريف... لقد جئت في الوقت المناسب... أنا في أمس الحاجة إليك... عندي موضوع يا سيدي وعلي أن أقدمه صباحاً... خذ كأس ماء... دخن سيكارة... كما شئت... ولكن مدّني بالمعلومات... تفضل  (يعطيه كأس ماء وسيكارة) ها... ارتحت؟ هيا... الموضوع يدور حول أزمة مياه المجاري القذرة... هيا...

 التمثال   : أية مياه قذرة يا صديقي القديم؟

الصحفي  : آه... ها أنت تسميني صديقك القديم، يالك من شيطان وفي... ولكن هيا... ليس لدي وقت للمجاملات... وأنت عمليّ كما أعرف لندخل في صلب الموضوع (يتـناول ورقة وقلماً) أزمة مياه المجاري بين الإشكالية والمشكلة... هيا؟

التمثال   : يا صديقي مابك لا تعطيني مجالاً للحديث... أنت واهم...

الصحفي : آه تذكرت... تريد أن تكتب العقد... هيا... أنا موافق... تريد أخاً روحياً بعد موتي حسنٌ أنا موافق... ليس لدي مانع.

التمثال   : ماذا يقول هذا المعتوه؟ لأجاريه وأرى النهاية.

الصحفي : بماذا تهمس؟ قلت لك أنا مطالب بالموضوع صباحاً... وأنا موافق على منحك روحي بعد الموت... هيا...

التمثال   : وماذا أصنع بروحك بعد الموت.. أريدك وأنت حي.

الصحفي : هذه الفكرة جديدة... كنت أعلم أنك تريد الأرواح بعد الموت، ماذا تفعل بي حياً؟

التمثال   : تأخذ مكاني.

الصحفي : أين؟

التمثال   : على المنصة في الساحة العمومية فقد نصبوني تمثالاً هناك... تمثال...

الصحفي : ولكني أريد أن أحيا.

التمثال   : وأنا كذلك.

الصحفي : أرفض هذا الطلب.

التمثال   : كما تريد... وداعاً... ولكن ألم تؤجّر نفسك للجريدة... أجّر نفسك لي وسأكتب لك أروع المواضيع التي لم تكتب بعد على الإطلاق.

الصحفي : حسنٌ... ولكن أعطني مهلة عام واحد وبعدها أقف مكانك.

التمثال   : اتفقنا.

الصحفي : هيا... أزمة مياه المجاري (يبدأ بالكتابة مثل الببغاء).

التمثال   : ولمَ لا تكتب عن أزمة الحياة؟

الصحفي : والمجاري أزمة الحياة.

التمثال   : وعن النفاق والخداع.

الصحفي : والأنفاق واستخدام مصفيات الخداع المتطورة.

التمثال   : المتطورة... لقد تشوهت المدينة.

الصحفي : القذارة شوهت وجه المدينة وعمارتها... وبعد...

التمثال   : كف يا هذا عن هذا الهراء.. ألا تخجل... أنا صديقك القديم... أنا شمس... لست الشيطان ولستَ أنت ابن رشد.. أنا شمس.

الصحفي : آه... صدقت...  ولكن يا للجنون كيف تحركت؟ ماذا تريد مني؟ ألم نجعلك تمثالاً ورمزاً وكتبنا عنك الشعر والمقالات؟

التمثال   : تتاجرون بي؟

الصحفي : وماذا تريد أكثر من ذلك... أنت لا تستحق حتى هذا... كنت مجرد بائع فواكه بائس وجاهل... صرت بفضلنا رمزاً تدرسه الأجيال...

التمثال   : تعيشون على ذكرى دمي... لقد شوهتم كل شيء... وها أنت تريد أن تبيع نفسك... لِمَ يحدث هذا... هل أنت رخيص لتفرّط بنفسك بهذه السهولة؟

الصحفي : لقد فرّطت بحياتي... أكتب ما يريدون...  وأحب ما يحبّون... وأكره ما يكرهون... وماذا أصنع بنفسي...

التمثال   : ولم تفعل هذا؟

الصحفي : الحياة الصحفية تتطلب ذلك...

التمثال   : كنت أعجب بكتاباتك تلك رغم أني لم أكن أفهمها.

الصحفي : ومن الذي يفهمها لا مدير التحرير ولا حتى أنا... إنها مجرد كلمات تباع       وتشترى.

التمثال   : ولم كل هذا الخداع؟

الصحفي : ليس خداعاً... إنه فن العصر...

التمثال   : بل هو سوق العصر... مزاد علني.

الصحفي : لا تتطاول يا جاهل.

التمثال   : أنا جاهل؟ أنا الذي تُكتب عنه كل عام آلاف الصفحات.

الصحفي : ومن يدري بذلك... يشترون ما نقدمه دون اعتراض.

التمثال   : يالك من حثالة.

الصحفي : احترم نفسك... واخرج هيا اخرج... يا صعلوك... يا جاهل... يا بائع الفواكه... لقد أخرتـني عن عملي... هيا اخرج عليَّ أن أكتب.

التمثال   : عن أزمة مياه المجاري أليس كذلك؟

الصحفي : (بعصبية) نعم... نعم.

التمثال   : أنصحك أن تدفن نفسك فيها.

الصحفي : جاهل... غبي... اخرج من بيتي... هيا... اللعنة عليك وعلى من أرسلك وعلى هذه الليلة   المزعجة...

           (يهم بضربه فيهرب التمثال باتجاه المحقق في الجانب الأخر من المسرح)

المحقق     : هل أصابك بسوء؟

التمثال   : لقد شتمني.

المحقق      : هل أصبت بأذى؟

التمثال   : لا... لقد هربت قبل أن يصيبني بغضبه... ذلك الوحش.

المحقق      : المثقف يصبح وحشاً آخر الليل.

التمثال   : هيا قبل أن يطاردني ذلك العبقري المجنون؟

          (تخفت الإضاءة عليهما وهما ينسحبان، يدخل العمال من إحدى الجهات)

العامل1   : هذا هو بيت الصحفي المشهور ابن رشد الثاني عشر... ولابد وأنه يمتلك هاتفاً.

العامل2   : هيا لنطرق بابه...

العامل1   : سيدي... سيدي... نرجو المعذرة..

الصحفي   : ماذا تريدون... هل تتآمرون على إزعاجي هذه الليلة؟

العامل1   : يا سيدي يجب أن نتصل بالمدير المسؤول.

الصحفي   : أي مدير؟!

العامل2   : نحن عمال مياه المجاري وهناك مشكلة.

الصحفي   : لدي موضوع سأكتبه عنها.

العامل1   : ولكن يجب أن نبلغ عن الكارثة التي ستحدث.

الصحفي   : وإذا بلغتم ماذا سيحدث؟

العامل1   : سيعالجون الأمر.

الصحفي   : وأنا أخسر الموضوع... ماذا سأكتب لو عالجوا المشكلة؟ أذهبوا يا أوغاد.

العامل2   : ولكن يا سيدي.

العامل1   : أرجوك ساعدنا.

الصحفي   : سأتصل بالشرطة... اغربوا عني... سأتهمكم بالسرقة.

العامل1   : هيا لنهرب يا خفيف الوزن.

العامل2   : وأنا في الهزيمة كالغزال.

(يهربان، تخفت الإضاءة وتفتح على المحقق والتمثال في الجهة الأخرى)

التمثال   : هل تعلم من يسرق مخازن الدجاج؟

المحقق      : من؟

التمثال   : لن أقول لك.

المحقق     : هل تلعب معي؟ لقد اتفقنا.

التمثال   : حسنٌ لا تساومني... هات سيكارة...

المحقق     : ألا تشبع من التدخين... خذ وقل من يسرق.

التمثال   : إنه ابن رشد الثاني عشر.

المحقق     : هو؟! اللعين... عندي بلاغ ضده لقد سرق مقالة أحدهم ونشرها باسمه
 (يغرقان بالضحك) وإلى أين الآن نذهب؟

التمثال   : إلى بيتي.

المحقق     : وماذا نفعل هناك؟

التمثال   : أراهم أولاً... لقد اشتقت إلى أطفالي... وعسى أن نحصل على شيء منهم.

المحقق     : يقال أن زوجتك... (يصمت)

التمثال   : تزوجت... تزوجت ابن عمي، أعرف ذلك.

المحقق     : إنه ثري.

التمثال   : ولا يعرف سر ثرائه إلا الله... سافر إلى الخارج شحاذاً وعاد ثرياً... كيف... لا ندري؟

المحقق     : ألا تتردد؟

التمثال   : كلا... سأفضح كل شيء.

 

(إظلام تدريجي، موسيقى)


 الفصل التالي  عودة للغلاف     عودة للرئيسية