حكاية تمثال في مدن الآن

الفصل الثالث والرابع

الثالث   

آخر الليل... كشف المسرات المهلكة

المشهد الأول

            (مجموعة من شبان المدينة  سكارى في ركن معزول، أو قرب قاعدة التمثال)

المجموع  : (يغنون) عللاني واسقياني من شراب الأصفهاني... من شراب الشيخ كسرى أو شراب القيروان.

المدمن    : رائع... رائع... هائل...

المحقق     : (جانباً) من هؤلاء؟

التمثال   : هؤلاء الخيرة من شبان المدينة... انظر ذاك الشاعر المعروف (حزقيال) وذاك موظف البنك المركزي ولو أنه فصل من العمل بتهمه الرشوة... وذاك
الثالث مجرم خرج للتو من السجن.

المحقق     : بأي تهمة سجن؟

التمثال   : قتل.

المحقق     : وتلك المرأة... من هي؟

التمثال   : نعم... امرأة بزي رجل تلك العانس (فيفي) المسكينة، وعدها أكثر من واحد بالزواج... خدعوها جميعاً، وتركوها هكذا أسيرة العلاقات المشبوهة... ياله من حفل صاخب... انظر.

            (تخفت الإضاءة عليهم، تضاء على العاملين)

العامل1   : ألو... ألو... السيد المدير..

العامل2   : هيا أخبره بسرعة... إنها كارثة على بعد أقدام.

العامل1   : سيدي المدير... أرجوك نحن عمال أنابيب المياه... نعم... نحن الخفر  الساهر... وهناك مشكلة... ماذا؟! أقدم لك تقريراً في صباح الغد؟! ولكن ياسيدي هناك كارثة لا تـنتظر الصباح... أرجوك ياسيدي... عفواً... ماذا... أنت الآن خارج حدود عملك... ولكن المشكلة...  سيدي... آه.

العامل2   : ماذا؟

العامل1   : لقد أقفل الخط... أتدري ماذا كنت أسمع عند السيد المدير؟

العامل2   : ماذا؟

العامل1   : طبل وغناء صاخب... الله وحده يعلم من هم ضيوف سيدنا المدير.

العامل2   : إذن دعنا نذهب ونبلغ الشرطة.

العامل1   : هيا...

(يخرجان، تعود الإضاءة على المجموعة)

الشاعر   : أعتقد أن حرية المرأة واجبة.

المجرم      : وامتصاص شفافيتها أيضاً.

الموظف   : إنكم تتركون الأهم.

المدمن     : ما هو؟

الموظف   : العاطلون عن العمل لا يمنحون رواتبهم.

المرأة      : ولكن كيف يا شاطر تجلس هنا... تحشش وتكرع الخمرة وتريد مقابل ذلك أجراً؟

الشاعر    : نعم... نعم له الحق فهو يمارس فعل وجوده... وجوده حياً في هذه الحياة التي لا تستحق أن تعاش... ألا يكفي هذا سبباً ليأخذ راتباً؟

المرأة       : وأنا... نسيتم مشكلتي... أريد زوجاً...

المدمن     : لا... هذه مسألة شخصية إضافة إلى كونها قضية كلاسيكية مألوفة.

الشاعر    : علينا أن نعلن التمرد والعصيان.

الموظف    : سنثير إشاعات... ليصحو كل الناس...

المجرم       : سنحرر روح الأجداد من الموت.

المدمن      : لنشرب نخب الأجداد وأرواحهم الطاهرة.

           (تخفت الإضاءة عليهم، تـنتقل إلى الزاوية الأخرى حيث المحقق والتمثال)

المحقق     : أسمعت... سألقي عليهم القبض.

التمثال   : وتفسد اللعبة؟

المحقق     : ولكنهم...

التمثال   : لا تخف منهم فهم يثرثرون فحسب... دعنا نكشف ألاعيبهم... هيا راقب... سأذهب إليهم...

المحقق     : ولكنهم سكارى ومجرمون... هناك خطر عليك.

التمثال   : سأمثل دور السكران وأسايرهم في الحديث، لا تخف... راقب... احم ظهري ولا تخف.

المحقق     : هيا...

           (يتقدم التمثال منهم، الإضاءة تخفت تدريجاً وتضاء على الجانب الآخر،
يدخل عمال المجاري ويعثرون على المحقق)

العامل2   : آه... هاأنت سيدي المحقق.

المحقق      : من أنتم وماذا تريدون؟

العامل1   : نحن عمال مياه المجاري.

المحقق      : ما لذي جاء بكم... ألم تسمعوا بأمر منع التجول؟

العامل2   : سيدي هناك مشكلة.

العامل1   : نحن نسهر ونراقب أنابيب مياه المجاري.

المحقق      : ولا كلمة اذهبا بسرعة... ممنوع التجول... لا تعطلوا عمل الشرطة.

العامل2   : ولكن فقط اسمعنا.

المحقق      : قلت اذهبا... وإلا سأسجنكما.

العامل1   : ولماذا؟

المحقق      : لأنكم تفسدون عملي... اذهبا بسرعة.

الاثنان     : هيا بنا...

العامل1   : يا للحظ العاثر لا أحد يريد سماعنا... (يخرجان)

(تعود الإضاءة على مجموعة السكارى)


 المشهد الثاني

           (يدخل التمثال على مجموعة السكارى)

التمثال   : مساء الخير يا أصدقائي الثعالب.

المجرم     : أهلاً بالثعلب العجوز.

المدمن    : من أنت هه... تكلم؟

التمثال   : ها... لقد سكرت... كنت معكم منذ قليل...

المجرم     : ماذا يقول... هل تعرفه؟

التمثال   : طبعاً يعرفونني... قسماً بروح جدتي المخضرمة...

الموظف   : ما بك يا حفيد عنترة بن شداد، لقد كان معنا منذ قليل؟

التمثال   : (يغني) ألا يا أيها الساقي... ألا تذكر... حرية المرأة... زواج الملكة هذه ألا تذكر... ها... ها... حقاً سكرت؟

المدمن    : هيا لنشرب... هذا خمر، معتق سرقته هذا المساء من الحانة.

التمثال   : وكيف سرقته؟

المدمن    : ألا تعلم؟ لدي مفتاح مزور، ومتى شئت أفتح القفل وأستورد ما شئت من الخمور ما لذَّ وطاب.

الشاعر   : آه... لو أن عندي مفتاح قفل المكتبة لسرقت المخطوطات التاريخية.

التمثال   : وتحرم الآخرين منها؟

الشاعر   : ومن يقرؤها؟

التمثال   : وماذا ستصنع بها؟

الشاعر   : أبيعها... في المدن الأخرى يشترونها بأغلى ثمن...

التمثال   : فهمتك يالك من خنـزير... تفكيرك عملي...

الشاعر   : علمي وعملي... هيا غنوا... وارقصوا..

(يغنون ويرقصون)

المرأة       : لنعد إلى موضوعنا... ماذا قلنا..

المجرم       : يجب أن نثير الشغب ونعلن التمرد والعصيان.

الموظف    : نحطم أبواب البيوت والمحلات.

الشاعر    : حسنٌ وبعد؟

المجرم      : أنا مستعد لقتل شرطي واحد فقط لا غير.

المدمن     : حسنٌ رائع وبعد...

التمثال    : لدي سؤال...

الشاعر    : تفضل...

التمثال    : ولماذا العصيان؟

المجرم      : وحق جدي عنترة أكاد أشك بهذا المخلوق... ألم نجتمع هنا لنجد حلاً لهذا الوضع؟

التمثال   : وما به الوضع؟

الموظف   : ألا تتفق معنا أن الوضع سيء... وعلينا أن نبعث روح الأجداد...

التمثال   : ولكن لماذا؟

الشاعر   : انظر... هذا فصل من عمله لأنه مرتشٍ وهو الآن بلا مصدر رزق... وأنا
لا ينشرون قصائدي... وهذه عانس بلا زوج... أهذا عدل؟ 

التمثال   : فهمت، ولكن أليس من الأفضل أن نجد مبدأ نتصرف من خلاله؟

الشاعر   : مبدأ؟ ماذا تعني؟ هذه ثورية كلاسيكية...

التمثال   : ندرس الوضع... وندرس التاريخ والموروث... والمستقبل...

الشاعر   : أي موروث، يالك من ساذج... سنفتح جنة من جديد في هذه المدينة.

المجموعة  : عاشت المدينة... عاشت الجنة... عاش... عاش... (يصرخون وتصيبهم حالة من الهستيريا) ها... هو... هوه... هاو...

التمثال   : كفى... توقفوا... أنا جدكم  شمس آمركم أن تتوقفوا عن هذا الضجيج والهلوسة...

المرأة     : أنت جدنا... يا فاسق؟

المدمن    : وهل كان جدنا سكيراً... إنه يسيء إلى شرف أجدادنا هذا الجاسوس...

المجرم     : سكر الأحمق وأصبح جداً لنا.

الموظف   : سكير... حمار... بغل (يحاصرون التمثال)

التمثال   : قسماً... أنا جدكم.

المرأة      : أنت يا فاسد؟

التمثال   : اصمتي يا عانسة.

الشاعر   : إنه يشتم زهرتـنا البرية... ارجموه بالحجارة... هيا يارجال...

            (يتهيأون لضربه، يدخل عمال المياه)

العامل1   : يا أيها الناس... هناك كارثة.

العامل2   : (لا أحد يسمعهم) أنابيب المياه.

الشاعر    : صمتاً... إنها مؤامرة... فليهرب الجميع... مؤامرة... (يهربون)

العامل1   : لقد هربوا...

العامل2   : لا أحد يريد أن يصغي لنا...

العامل1   : لا يحترمون وجودنا.

العامل2   : ماذا سنفعل...

العامل1   : يا للمصيبة... إنها كارثة... (يخرجان)

             (يدخل المحقق لنجدة التمثال)

المحقق     : آه لم  تسمع كلامي... يا للأسف هرب الأوغاد... سألقنهم درساً لن ينسوه... ولكن حتماً سأجدهم؟

التمثال   : لا تخف سيأتون ليلة غد...

المحقق     : هل نستريح أم نتابع؟

التمثال   : نتابع... نتابع... ألم تتعب؟

المحقق     : قليلاً... بقي القليل... هيا إلى بيتك... هل نسيت الشوق؟ هيا...

(تنبعث موسيقى حزينة)

المشهد الثالث

            (بيت برجوازي، الزوجة وزوجها وأطفال)

التمثال   : مساء الخير.

الزوجة   : من... من أنت؟

الطفل    : ماما إنه بابا.

الزوجة   : اصمت يا غبي... أبوك مات وشبع موتاً.

التمثال   : انظري إليَّ... ألست شمس زوجك المرحوم؟

الزوجة   : يا الله... إنه هو... مالذي جاء بك... تفضل... استرح... هيا يا ولد، قدم لأبيك نسكافه أو كولا... كيف عدت إلى الحياة؟

التمثال   : كولا... يابنت الناس الفقراء.

الزوجة   : أوه ألم تزل رجعياً متخلفاً؟

التمثال   : وأنت ماذا أصبحت؟

الزوجة   : سعيدة... مودرن...

التمثال   : مو...

الزوجة   : مودرن...

الزوج    : من هذا؟ غريب في بيتي ياللخيانة.

الزوجة   : لا تتعجل هذا زوجي المرحوم.

الزوج    : من؟! زوجك شمس عاد إلى الحياة... كيف؟ نعم... ولكن كيف عاد؟

الزوجة   : بل هو... لا أدري.

الزوج    : ألست تمثالاً حجراً؟

التمثال   : وتحركت...

الزوج    : يا مرحباً... يا مرحباً...

الزوجة   : حبيبي هل أكملت حساب أرباح المجوهرات التي بعتها؟

الزوج    : ليس بعد... المهم ماهي أخبارك... كيف صحتك؟

التمثال   : وأنت ما هي أخبارك؟

الزوج    : الحمد لله لدي محلات جواهر وتحف، أتاجر مع المدن الأخرى، وحق جدي قارون الأول سأصبح أغنى رجل في المدينة... اسمع لقد جئت بوقتك... سنقيم مشروعاً مشتركاً... وستربح.

التمثال   : مشروع؟

الزوج    : مشروع تجاري.

التمثال   : تجاري؟

الزوج     : طبعاً... مشروع تجاري... وهل تتصورني أهتم بالمشاريع الثقافية أو الخيرية؟! إنه مشروع تجاري هائل.

التمثال   : وما هو؟

الزوج     : لا تتعجل... اعطِني أذنك.

التمثال   : كيف؟ أخلعها لك؟

الزوج    : قصدي اصغِ إليَّ... ولا تقاطعني...

التمثال   : سأصغي.

الزوج    : اسمع... المشروع كالآتي... هناك متاحف في العالم تشتري التحف وكل شيء يعود إلى التاريخ... يشترون كل شيء بأسعار خيالية... وسنقوم أنا وإياك بصفقه مهمة.

التمثال   : وماذا سنبيع لهم؟

الزوج    : نبيعك أنت... ألست تمثالاً؟

التمثال    : نعم... نعم؟

الزوج     : لا تتعجل ولا تتعجب... لقد هاجرت مفلساً وعدت ثرياً... أليس هذا هو الحق؟

التمثال   : نعم وإني لأعجب لذلك كيف حدث؟

الزوج    : لقد بعت لهم تمثال جدي قارون بثمن خيالي... وضعوه في أرقى متحف... تدفئة وتبريد... تعطير... لن تجد مثل هذه الراحة أبداً في أي مكان في العالم... صدقني وستربح... وستجد هناك تمثال جدي وستكوّن معه صداقة رائعة... هه... ماذا تقول؟

التمثال   : وماذا سأربح؟ ستأخذ المال... وأنا؟

الزوج    : أنت ستربح الراحة... سترتاح من الشمس والبرد وضجيج السيارات... وتربح الهواء البارد في الصيف... والتدفئة في الشتاء.

التمثال   : أتبيع جدك وابن عمك... ؟

الزوج    : هذه دعابة نخدع بها الصغار... أترك هذا الكلام غير المجدي وتعال للكلام العملي.

التمثال   : تعالي يا أرملتي العزيزة واسمعي ما سيفعله زوجك المحترم بي، أنا زوجك المرحوم.

الزوجة    : هو ابن عمك قبل أن يكون زوجي.

التمثال   : يريد بيعي إلى متاحف الغرباء.

الزوجة   : ومابك؟ مشروع تجاري هائل... سنعطيك جزءاً من الأرباح لو أردت... وسترتاح هناك.

التمثال   : حقاً أنت زوجتي... تتاجرون بي؟!

الزوج    : سترتاح من الضجيج.

الزوجة   : لاتتعب نفسك معه، لقد رضع الفقر من ثدي أمه.

الزوج    : اصمتي... اسمعني (للتمثال) دعنا نتفاهم.

التمثال   : وداعاً...

الطفل    : بابا... لا ترحل... عد إلينا يا بابا... ماما تزوجت غيرك.

التمثال   : اللعنة... حتى طفلي أصبح مهرجاً... أغرب عني... وداعاً... لقد خسرت كل شيء... وداعاً (يخرج)

الزوج    : لقد ذهب.

الزوجة   : اللعنة عليه...

الزوج    : لقد خسرنا صفقة.

الزوجة   : وربحنا راحة البال.

الطفل    : ماما أريد بابا.

الزوجة   : هيا نم... وراءك عمل في الصباح... نم... غداً ستذهب لبيع السكائر في السوق، هيا اذهب للنوم.

الطفل     : ماما جلدي يحكني.

الزوجة    : حكه أنت أيضاً.

 

(إظلام تدريجي، موسيقى)


المشهد الرابع

            (صوت الليل، المحقق والتمثال يقطعان المسرح باتجاه الجامع)

المحقق     : اسمع لم يتبق أمامنا سوى الجامع، علينا أن نجد رجلاً واحداً يساعدنا  في هذه المدينة.

التمثال   : تقصد شيخ الجامع؟

المحقق     : نعم... لعله يدرك المشكلة ويساعدنا... فهو يملك تأثيراً على عقول الناس.

التمثال   : وهل أنت متأكد من هذا؟

المحقق     : كل التأكيد.

التمثال   : هيا إذن (يتحركان)

           (تضاء باحة الجامع، شيخ جالس يصلي ويقرأ، يدخل التمثال)

المحقق     : اسمع... حدثه بلغة خاصة.

التمثال   : ماذا تعني؟

المحقق     : لغة يفهمها هو... حرّضه على الناس... أُشْكُ له حالتك وحال الدنيا التي تغيرت.

التمثال   : فهمت قصدك يا خبيث.

المحقق     : هذا واجبي.

التمثال   : شرطيّ لا تـنسى ذلك أبداً... أعوذ بالله منكم... إلى اللقاء...

           (يختفي المحقق، التمثال مع الشيخ)

التمثال   : سلام الله على شيخ الجامع.

الشيخ    : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... (يلتفت) من ألقى علينا السلام... لابد أنه ذهب...

التمثال   : يا سيدي لقد جئتك بطلب خاص ولولا هذا الأمر لما جئتك في هذا الليل المدلهم.

الشيخ   : (يلتفت) ولكن أين أنت؟  يأتي صوتك كأنه من السماء؟ هل أنا في حلم أم علم؟

التمثال   : علم ويقظة يا سيدي... ولكن صوتي هكذا...

الشيخ    : وأين أنت؟

التمثال   : هذا أنا (يظهر له).

الشيخ    : الله أكبر... (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)... الحمد لله الذي أظهرك... لقد صدقت نبوءة أبي. أبي قال لي سيكلمك أهل القبور... ألست من أهل الأموات؟

التمثال   : نعم ولكني صُلبتُ في المدينة منذ سنين... نصبوني تمثالاً هناك، ولقد سئمت أحوال الدنيا وأحوال الناس... وجئتك أشكو إليك...

الشيخ    : يا الله يا حافظ... يا ستار... لقد صدقت النبوءة...

التمثال   : يا سيدي يجب أن تساعدني؟

الشيخ    : وهل يساعدك من هو مثلي... أنا الضعيف... الفقير... الحقير... امنحني بركتك... لقد أوصاني أبي ألا أترك الفرص تذهب دون أن أخذ بركاتك...

التمثال   : وهل تصدق هذا الكلام؟

الشيخ    : حاشا لله إنه كلام الأجداد الكرام.

التمثال   : جئت إليك لتـنصرني وتـنصر المدينة لأمنحك البركات، فأنا عبد مثلك مسكين وحقير وفقير...

الشيخ    : وهذا الكلام أيضاً أعرفه... لقد أوصاني جدي الأول أنك ستحاول أن تخدعني... امنحني بركاتك يا سيدي.

التمثال   : يا سيدي إن أحوال الناس...

الشيخ    : ومالك وللناس دعهم وشأنهم...

التمثال   : يجب أن نصنع شيئاً...

الشيخ    : هذا قضاء علينا من الله...

التمثال   : ولكن الله يطالبنا أن نعمل ونعمر الحياة...

الشيخ    : امنحني بركاتك يا سيدي..

التمثال   : كف عن هذا الأمر واسمعني...

الشيخ    : امنحني بركاتك.

التمثال   : أمنحك لعنتي (يخرج)

الشيخ    : (لوحده وهو ينادي) يا سيدي أرجوك... عد إليَّ... تعال... أرجوك... لقد ذهب... لابد وأني لم أقدر حضوره... سأصلي من جديد وأستغفر لذنبي لعله يعود...

            (إظلام تدريجي على الشيخ، تضاء مساحة العمال)

العامل1   : اسمع دعنا ننم فلسنا المسؤولين عن هذه الكارثة... لقد أردنا...

العامل2   : أن نبلغ ولم يستمعوا لنا.

العامل1   : وهل تستطيع أن تـنام؟

العامل2   : ولمَ لا؟!‍

العامل1   : ولكن الأنابيب لو انفجرت ستغطي المدينة والشوارع والبيوت.

العامل2   : والرائحة ستـنتشر في كل مكان.

العامل1   : وهل نستطيع نحن إيقافها؟

العامل2   : لستُ سوبرمان ولا طرزان.

العامل1   : نم هيا.

العامل2   : لا أستطيع.

العامل1   : خذ حبوباً منومة  هيا.   

 

(ينامان، إظلام)


الفصل الرابع  

الصباح... وكان صباح اليوم الأول

المشهد الأولى

           (في المخفر مجرد كرسي وشرطي)

الشرطي  : أين كنت ياسيدي لقد بحثنا عنك منذ أول الليل ولم نجدك؟

المحقق     : كنت في مهمة سرية.

الشرطي  : لقد خشينا عليك.

المحقق     : وهل أنا ممن يخشى عليه؟ أخْشَ على أهل المدينة مني.

الشرطي  : ماذا أقول... لم تزل جديداً على هذه المدينة... وقريباً ستعرف عنها الكثير، وستهرب كما هرب الآخرون قبلك.

المحقق     : حسنٌ سترى؟

الشرطي  : سنرى؟

المحقق     : ماذا لدينا الآن؟

الشرطي  : سيدي منذ أول الليل وهناك شكاوى عديدة تصل إلينا.

المحقق     : حول ماذا؟

الشرطي  : موضوع التمثال.

المحقق     : اقرأ لي هذه الشكاوى وبسرعة.

الشرطي  : أولاً من المواطنة سعدى، شكوى... تدعي أن تمثال جد زوجها جاءها الليلة وأراد اغتصابها ولديها شهود.

المحقق     : آه... هناك شهود... أكمل... وبعد؟

الشرطي  : شكوى من الصحفي ابن رشد الثاني عشر يزعم أن تمثال جدّ أحد زملائه ومنافسيه في الصحيفة جاء وسرق منه مقالته التي كتبها هذا المساء.

المحقق     : ولديه شهود؟

الشرطي  : نعم كيف عرفت؟

المحقق     : أكمل...

الشرطي  : شكوى من شباب المدينة.

المحقق     : كفى... كفى... فهمت...

الشرطي  : وشكوى من شرطي يزعم أن التمثال سرق مسدسه... وشكوى من طفلة تقول أن التمثال سرق دميتها...

المحقق     : اسمع... ستذهب صباحاً وتجمع كل أصحاب الشكاوى هذه وجميع أهل المدينة قرب نصب تمثال الجد شمس.

الشرطي  : رحمه الله وقدس روحه.

المحقق     : كف عن هذا واسمع... بلّغهم بالحضور ومن يتخلف سيدفع غرامةً عن غيابه...

الشرطي  : وحدي أبلغ المدينة وهل أنا اخطبوط؟‍!

المحقق     : خذ معك من تريد من الشرطة... هيا وبسرعة... سأستريح وبعدها سنرى... آه يا مدينة الأجداد الكرام... سنرى...

           (إظلام تدريجي، إضاءة على التمثال وقد عاد إلى مكانه)

التمثال   : لقد فضحتهم وانتهى الأمر... آه... أنت ألم ترحل بعد؟

الشاب   : (يدخل) لقد حزمت كل شيء... سأرحل.

التمثال   : كن شيئا وعد إلينا ثانية.

الشاب   : طبعاً سأعود.

التمثال   : وهل ستتجه شرقاً أم غرباً؟

الشاب   : لا أدري.

التمثال   : إذن على بركة الله...

الشاب    : وداعاً.

التمثال   : بل إلى اللقاء...

الشاب   : إلى اللقاء... إلى اللقاء...

 

(إظلام تدريجي، موسيقى)

لوحة الختام

 

           (في الساحة العامة قرب التمثال حشد من الناس، لغط وضجيج، المحقق              يصعد قرب التمثال)

رجل1    : ما الأمر؟ ماذا هناك؟ لماذا جاؤا بنا؟

رجل2    : قسماً بروح جدي هنالك مشكلة.

الثالث    : لابد وأن تكون هناك مشكلة... أيها المحقق.

المحقق     : نعم؟

الصحفي  : لقد طال بنا الانتظار... نريد الذهاب.

المحقق     : حسنٌ... هدوء... هدوء... مساء أمس وعيتم أن روح الأجداد عادت إلى الحياة... وهي تريد أن تعيد المجد لكم... نعم لقد جاءني جدي ليلة أمس وبارك أفكاري الرائعة.

المجموعة   : وأنا كذلك... وأنا... أقسم لقد جاء جدي... نعم...

المحقق     : هدوء... طيب وإضافةً إلى ذلك وصلتـنا شكاوى متعددة منكم تتهم أجداد بعضكم بالسرقة والاغتصاب..

المجموعة   : لم يحدث هذا... هذا كذب... هذا تزوير...

المحقق      : حسنٌ... اقرأ يا شرطي.

الشرطي   : شكوى من المواطنة سعدى... بأن جد زوجها جاء لاغتصابها.

سعدى    : نعم لقد حدث هذا.

الزوج    : عليك اللعنة... إنها تريد أن تشوه جدي... لأني تزوجتها وهي ليست عذراء... تريد أن...

سعدى    : لا تكذب يابن الكلب.

المحقق     : كفى فرقوا بينهما... فرقوا بينهما...

الشيخ    : كف عن قراءة الشكاوى... كف عن إثارة الفتـن...

المحقق     : اصمت فأنت متهم معهم.

الشيخ    : متهم؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

المحقق     : والحل لمشكلتكم ياأهل المدينة...

المجموعة   : نعم الحل... الحل... نريد الحل.

المحقق     : الحل هو أن نحطم هذه التماثيل ونرتاح منها.

الجميع    : (صخب) كلا... لن نسمح بهذا... هذه روح الأجداد... لن نسمح... الويل لك أيها المحقق... اللعنة على من يمس روح الأجداد.

المحقق     : وماذا ستصنعون بها... إنها سر المشاكل.

المجموعة   : إنها تعيد المجد لنا... وكرامتـنا... وتباركنا.

المحقق     : الويل لكم... اسمعوا... كيف تبارككم روح الأجداد... ليلة أمس سجلت كل أحاديثكم مع زائركم هذا... جدكم شمس... يا حرس لا تجعلوا أحداً يهرب... واسمعوا...

            (صوت المكبر يذيع مقاطع من حوارات المسرحية السابقة / مقطع من حوار التمثال مع سعدى / مقطع من حوار التمثال مع الصحفي والشاب والسكارى و زوجته ومع شيخ الجامع)

المجموعة   : (تصيبهم حالة هيجان وغضب) كلا هذا تزوير... هذا خداع... من فعل ذلك؟ من شوه روح الأجداد؟ أنت المسؤول أيها المحقق... أنت فعلت ذلك.

المحقق     : أنا... حسنٌ يا شمس، أخبرهم بالحقيقة هيا...

رجل1    : وهل يملك التمثال روحاً؟

رجل2    : لقد أصيب المحقق بالجنون.

المحقق      : قبل قليل قلتم إنّ روح الأجداد عادت إلى الحياة... والآن تتـنكرون لذلك... نعم لقد عادت روح الأجداد ولكن ضد الظلم... ضد الجهل والبطالة والخداع والزيف... هيا أخبرهم.

التمثال    : (يتحرك) نعم حدث كل هذا...

المجموعة   : يجب أن نحطمه... الموت للتمثال

المحقق     : قبل قليل قلتم إنها روح الأجداد... تبارككم...

الصحفي  : يجب هدم هذا التمثال... ليسقط التمثال...

المجموعة   : يسقط... يسقط... يسقط...

المحقق     : ولكن هنالك ألف تمثال وتمثال!

المجموعة   : لنهدمها جميعاً...

المحقق     : كلا ستبقى جميعها... ستبقى، هل فهمتم، لا يمكن أن ندير ظهرنا لها... وعلينا أن نتعلم منها.

المجموعة   : يجب هدمها.

المرأة      : لقد فضحنا هذا التمثال.

الثالث    : جلب لنا العار...

الرابع     : إنه لا يستحق البقاء...

الخامس   : يجب أن نهدم هذا العار...

المحقق     : بل هو البطل الوحيد والحقيقي... لقد كشف الحقيقة والخداع...

رجل1    : يجب أن نهدمه.

المحقق     : لن نهدمه... سيبقى ذكرى لفضيحتكم هذه.

التمثال   : يا صديقي أين الوعد.

المحقق     : أي وعد؟

التمثال   : ألم نتفق على هدمي وإزالتي.

المحقق     : كلا ستبقى لأنك أصبحت بطلاً حقاً.

التمثال    : لقد خدعتـني... لقد خدعتـني...

المحقق      : أعتذر لك... ولكن ستبقى شاهداً على الكذب والخداع.

التمثال    : ولكني أريد الراحة.

المجموعة   : يجب أن يهدم. يهدم... يهدم... يسقط التمثال... يسقط التمثال.

المحقق     : لن نسمح بهذا الأمر...

           (ضجيج، يدخل عاملا المجاري راكضين وهما يصرخان)

العامل1  : لقد حدثت الكارثة.

الثالث    : كارثة يا أيها الناس ولا مهرب منها.

المحقق     : ماذا هناك؟

الشرطي  : تكلموا.

العامل1  : أردنا أن نبلغكم ليلة أمس ولم يسمع أحد.

الثالث    : أنتم المسؤولون عما حدث... أنتم جميعاً.

المحقق     : وماذا هناك تكلموا.

العامل1  : لقد انفجرت أنابيب المياه القذرة وفاضت القذارة... إنها تجتاح المدينة كلها.

العامل2  : الرائحة ستخنق الجميع.

المجموعة   : أنتم السبب.

المحقق     : أنتم شغلتمونا عن هذا.

المجموعة   : أنت السبب رحت تطارد تمثالاً آخر الليل.

المرأة      : التمثال هو السبب.

المحقق     : بل أنتم.

المجموعة   : بل أنت السبب.

المرأة      : التمثال هو السبب

           (يهجم الكل على بعضهم البعض وتعم الفوضى والصراخ وتتعالى الموسيقى وهكذا إلى أن تطفأ الإضاءة) 

 تمت

 

 عودة للغلاف  

  عودة للرئيسية