بيت العنكبوت

الفصل الاول

 

                                                        بيت العنكبوت

                                                                                             ·          ويلٌ لمن يبني بيته بغير عدل، وعلايله بغير حق.     

(أرميا / الإصحاح 22)

                                                                                            ·          قائلين لا تتـنبأ يا ارميا باسم الرب فلا تموت بأيدينا.

(ارميا / الإصحاح 9)                                           

 

                                                 

                                                                            


 الشخصيات:

1- دانيال : من عناصر الأمن الداخلي، مهاجر.

2- سارة  : يهودية، عربية، من أصل فلسطيني، زوجة دانيال.

3- الجدة  : جدة دانيال لأمه / عجوز / مهاجرة متطرفة / تعتمد على العكاز في مشيها.

4- بثينة  : زوجة عدنان / عربية فلسطينية.       

5- عدنان : زوجها، مناضل.

6- دايان  : رئيس فرع الأمن الداخلي/ مهاجر / متطرف.

7- موشيه : من عناصر فرع الأمن الداخلي/ رعديد / مهاجر / متطرف.

8- ديفيد  : من عناصر الأمن الداخلي / خريج علوم سياسية / مهاجر / متطرف.

9- الدكتور: أشعياء، يهودي من أصل فلسطيني.

 

 

·         النص مستوحى وبتصرف كبير عن مسرحية المزدوجة للكاتب الإسباني أنطونيو باييخو ويحاكي تجربة الكاتب الكبير سعد الله ونوس في مسرحية الاغتصاب باتجاه آخر.


مشهد الافتتاح

 (مشهد تعبيري دانيال يراقص سارة بينما زملاؤه في العمل يحاولون سرقتها منه  واغتصابها... موسيقى صاخبة، يصرخ دانيال... توقف تام، بقعة ضوء على العيادة، الدكتور يكتب مذكراته)

الدكتور  : اسمعي أيتها السماوات، وأصغي أيتها الأرض لأن الرب يتكلم، ربيت بنين فعصوني، الثور يعرف قانيه، والحمار يعرف معلف صاحبه، أما شعب إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم، ويلٌ للأمة الخاطئة، ويلٌ للشعب الثقيل الإثم، نسل فاعليه أشر، علامَ تضربون بعد، تزدادون زيغاً، كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم، من أسفل القدم إلى الرأس، ليس فيه صحة بل جراح طرية لم تعصر، ولم تعصب ولم تليّن بالزيت، بلادكم خربة، مدنكم محرّقة بالنار
(أشعياء / الإصحاح 1)  إنها حكاية الصخب والعنف ثانية... وقبل كل شيء اسمحوا لي أن أقدم نفسي... أنا الدكتور أشعياء... مختص بمعالجة الأمراض النفسية... يهودي بطبيعة الحال ولكني من أصل عربي، آبائي من فلسطين... درست التخصص في الولايات المتحدة وعدت إلى هنا... بعد فترة من ممارستي لهذه المهنة في هذه العيادة المتواضعة اكتشفت سر معجزة الدولة الموعودة... فقد حدث أن نبهتـني سكرتيرتي بأن تسعين بالمائة من مرضاي هم من عناصر جيش الدفاع ومن فرع الأمن الداخلي... أما وقد حانت النهاية لأنهم يستعدون لإلقاء القبض عليَّ قررت أن أروي لكم الحكاية كلها... لكن أسألكم الصبر والمغفرة لما سترونه... حكايتـنا تدور حول دانيال أحد رجال فرع الأمن الداخلي... جاءني طلباً للمساعدة فلم أستطع أن أفعل له شيئاً... وقد يتساءل أحدكم لم اختارني بالذات... لذلك سأخبركم الحكاية من أولها... كنت أعرف زوجته منذ ثلاثة أعوام... أي قبل زواجهما.

سارة      : (داخل بقعة الضوء) سارة، يهودية من أصل عربي، فلسطينية، أصبت بأزمة كآبة حادة جراء تعرضي لمحاولة اغتيال على أيدي بعض الفلسطينيين، ولولا جارتـنا بثينة التي فتحت لي باب بيتها وصرخت في وجوههم...

بثينة      : (داخل بقعة ضوء أخرى) أوغاد... ابتعدوا عنها... إنها مجرد امرأة عزلاء... لا حول ولا قوة لها... أظهروا رجولتكم لذكور اليهود إن كنتم أبطالاً
حقاً...

سارة      : شكرتها... ولكن بعد فترة سمعت أنهم طرودها وزوجها من البيت ليعطوه لمهاجر يهودي جديد.

بثينة       : غادرنا المدينة كلها... ولكن هل غادرتك الكوابيس منذ تلك
اللحظة... ؟

سارة      : كلا... احلم كل ليلة بأني أستحم في بحيرة من الدماء... أصرخ وما من أحد يرد عليَّ...

الدكتور  : المهم أنك تحسنت بعد كل تلك الجلسات العلاجية والعقاقير المهدئة...

سارة      : تزوجت منذ فترة يا دكتور.

 الدكتور  : هاأنت تعودين للحياة مجدداُ... ابدئي حياتك من جديد... (تختفي سارة وبثينة) اختفت سارة فترة طويلة... سنتين وعادت فجأة تطرق باب العيادة.

سارة      : (تدخل إلى العيادة مرتبكة) دكتور أنا بحاجة إليك.

الدكتور  : هل عاودتك الحالة القديمة؟

سارة      : لا... إنما هو زوجي.

الدكتور  : ما به؟

 سارة      : (بعد فترة صمت وحرج) أنه يعاني من خمول مؤقت... هكذا قال الأطباء... يقولون إنه مصاب نفسياً...

الدكتور  : حسنٌ... اهدئي...

سارة      : وكيف دكتور... إنه زوجي... وأنا لا أستطيع أن أفعل له شيئاً... سأخسر سعادتي معه... سيتحطم بيت أحلامي...

الدكتور  : لا بأس دعيه يزُرْني.

سارة      : إنه يخشى أن يشاع خبره بين الناس وتصل أخباره إلى عمله... يقول أنهم سيسخرون منه وسيتحول إلى حكاية تلوكها الألسن.

الدكتور  : وماذا يعمل؟

سارة      : يعمل لدى الحكومة...

الدكتور   : في موساد؟

سارة      : عرفت ذلك لوحدك.

الدكتور   : فهمت... وفي أي قسم يعمل.

سارة      : إنه يكتم كل أسرار عمله.

الدكتور  : طيب دعيه يزُرْني.

سارة      : لا أستطيع... لقد قلت له ذلك ولكنه رفض بعناد.

الدكتور  : وماذا يمكن أن أقدم لك؟

سارة      : اتصل أنت به...

الدكتور  : أنا؟

سارة      : ادعه  للقاء عادي... لقاء تعارف... وأنت تعرف كيف تتكفل بالباقي... أرجوك دكتور...

الدكتور  : إنه من عناصر فرع الأمن الداخلي وليس رجلاً عادياً عليك تذكر ذلك.

سارة      : نعم ولكنه طيب القلب... انظر ما حدث له... أنا بحاجة لمساعدتك يا دكتور... أرجوك.

الدكتور  : حسنٌ... سأتصل به...

سارة      : طيب عليَّ أن أعود إلى البيت... ربما سيعود قريباً... عليَّ أن أجهز له الطعام...


الدكتور  : إلى اللقاء.

سارة      : إلى اللقاء.

 

(إظلام تدريجي مع الموسيقى)


المشهد الأول

(البيت، الجدة جالسة تقرأ ترنيمة توراتية، تدخل سارة)

الجدة     : أنت يارب إلى الأبد تجلس، لماذا تـنسانا إلى الأبد وتتركنا طول الأيام، أرددنا إليك فنرتد، جدد أيامنا كالقديم، هل كل الرفض رفضتـنا، هل غضبت علينا جداً (1)

سارة      : كيف حال الجدة اليوم؟

الجدة     : جيدة... ولكن الجدة لا تلقى الرعاية اللازمة لسنها... أصبحت منذ فترة مهملة للبيت ولي... ماذا أصابك؟ كنت هادئة وخدومة...

سارة      : خدومة؟

الجدة     : نعم أيتها العربية لا تـنسي ذلك... لقد تزوجك حفيدي لتخدميني... أليس كذلك؟ هو قال لي ذلك.

سارة      : يا إلهي... حسنٌ... سمعاً وطاعة... اليهودية العربية ستكون بخدمة الجدة العظيمة... أوامرك؟

الجدة     : لا أريد شيئاً... أريدك فقط أن تكوني بقربي حين أحتاج إليك.

سارة      : أمرك سيدتي المبجلة.

الجدة     : تسخرين ‍؟!

سارة      : كلا... بل إن خدمتك هي سعادتي الحقيقية...

الجدة     : طيب... سارة لم لا تقومين بعملٍ مفيد لوطنك... هكذا تظلين طول الوقت تتـنـزهين في الحدائق والأسواق وتـنامين تحت زوجك ليلاً؟

سارة      : جدي لي عملاً.

الجدة     : في إسرائيل فرص العمل وفيره...

سارة      : طيب لديك أصدقاء في كل أجهزة الدولة... أطلبي لي وظيفة لديهم.

الجدة     : لا... عليك أن تعملي في القطاع الخاص.

سارة      : آه... نسيت إنهم يشكّون باليهود العرب... والأجهزة الحكومية مخصصة لكم أنتم يهود أوربا... أليس كذلك... اللعنة... اللعنة...

الجدة     : ماذا تقولين؟

سارة      : لا شيء  عليَّ أن أجهز المائدة فقد يعود دانيال قريباً.(تتجه نحو المطبخ)

  (تعود الجدة إلى ترنيمتها، موسيقى، بعد فترة يدخل دانيال، يخلع سترته، يضع المسدس على الطاولة)

دانيال    : مساء الخير.

الجدة     : مساء الخير...

دانيال    : ولم تقولينها هكذا... مابها جدتـنا العظيمة؟

الجدة     : منـزعجة...

دانيال    : لِمَ؟

الجدة     : ألا تعلم؟ ليس هنالك ما يزعجني... أكثر من هذه العربية التي فرضتها عليَّ.

دانيال    : إنها يهودية... عليك ألا تـنسي ذلك... آوه جدتي هل عدنا إلى هذا مجدداً... أرجوك أريد أن أرتاح... أنا عائد من عملي مرهقاً للغاية...

الجدة     : هيا أيتها العربية جهزي له الحمام والطعام (تخرج تتكئ على عكازها).

سارة      : مساء الخير دانيال.

دانيال    : حبيبتي... (يقترب منها ثم يتوقف) كم أشعر بالخجل.

سارة      : ممَ... من الجدة؟

دانيال    : ومن نفسي.

سارة      : أوه... حبيبي لا عليك إنها أمور غالباً ما تحدث للرجال أمثالك... لا تعر للأمر أية أهمية... كل ما في الأمر أنك مرهق...

دانيال    : طوال حياتي وأنا مرهق ولكن لم تـنتبني مثل هذه الحالة أبداً.

سارة      : لقد اتفقنا ألا تـنـزعج...

دانيال    : سارة وإذا لم تـنته هذه الحالة... إلى متى  ستتحملين زوجاً... كالأخ... ؟

سارة      : نحن النساء نتحمل ولكن أنتم الرجال لا...

دانيال    : لا تسخري... أنا مرهق... ولا أستطيع تحمل كل هذا العذاب.

سارة      : لم لا تذهب لاستشارة الدكتور أشعياء؟

دانيال    : الأطباء النفسيون لا يوضحون لك أي شيء... بل على العكس يزيدون المرء ارتباكاً.

سارة      : لقد خفف عني الكثير وأنت تعلم... هل تريد أن أطلب لك منه موعداُ... ؟ لقد زرته اليوم... ووعدني أن يتصل بك للتعارف.

دانيال    : سارة... هل تريدينني أن أصبح أضحوكة بين زملائي... لو علموا بالقصة ستكون نهايتي.

سارة      : وما دخل عملك بهذا الأمر؟

دانيال    : أوه... عملي هو جوهر المشكلة. (يذهب إلى غرفة النوم)

 (صوت الجرس، تفتح سارة الباب، يدخل موشيه)

موشيه     : مساء الخير سيدتي الجميلة...

سارة      : أهلاً موشيه...

موشيه     : زوجك موجود أليس كذلك؟

سارة      : نعم... هل أخبره بقدومك؟

موشيه     : لحظة رجاءً... اعذريني إذا جئت لأنتزعه منك، إنه العمل اللعين... آه كم أشعر بالسعادة لأنني مازلت عازباً... ياللسخف...

سارة      : عن أي سخف تتحدث؟

موشيه     : إنه أمر سخيف للغاية أن يضطر المرء إلى ترك زوجة فاتـنة  مثلك ليذهب إلى العمل.

سارة      : من فضلك لا تسخر.

موشيه     : أنت تعلمين أنني لا أسخر... أنا أعبد الهواء الذي تتـنفسينه... آه كم أحلم بك... أنا وأنت في غرفة واحدة... وعاريان...

سارة      : أرجوك سيد موشيه... (تـنادي) دانيال... إنه موشيه.

دانيال    : أهلاً موشيه... مابك سارة؟

سارة      : لا شيء.

دانيال    : ماذا قال هذا الرعديد؟

سارة      : لا شيء... سخافات (تذهب).

دانيال    : ماذا وراءك يا موشيه؟

موشيه     : علينا أن نذهب الآن.

دانيال    : ماذا؟ لم آكل بعد...

موشيه     : سنأكل هناك... إنها أوامر بابا...

دانيال    : اسمع، بابا تركني حراُ هذا المساء...

موشيه     : بعد خروجك تذكر... يجب أن نجعل عصفورنا يتكلم هذه الليلة.

دانيال    : ألا يمكن أن يقوم بالعملية أحد غيري؟ لقد حجزت موعداً لدى الطبيب.

موشيه     : دعك من هذه السخافات... لدينا طبيبنا الخاص... وليس لديك شيء تشكو منه... هيا فالحفلة المسائية على وشك البدء.. وبابا ينتظرنا...

دانيال    : طيب... طيب... اسبقني إلى السيارة، أنا قادم.

(يخرج موشيه، يرن الهاتف)

دانيال    : ألو... نعم... هذا منـزل دانيال... نعم أنا السيد دانيال، آه... أهلاً دكتور أشعياء... كنا نتحدث بخصوصك منذ قليل... سيدي ليس لدي الوقت الكافي... أنا دائماً مشغول... يجب أن تحدد لي الليلة موعداً... طيب في العاشرة... شكراً... شكراً... إلى اللقاء... (ينادي) سارة... سارة...

سارة      : الطعام جاهز حبيبي.

دانيال    : ناوليني المسدس.

سارة      : (تـنظر إليه) ستذهب؟

دانيال    : سارة أرجوك...

سارة      : حسنٌ؟ (ترمي له المسدس) سآكل وحدي.

 

(يخرج، إظلام تدريجي، موسيقى)

 

المشهد الثاني

(يركز الضوء على العيادة، الدكتور منهمك بكتابة مذكراته)

الدكتور  : من أجل خطايا أنبيائها، وآثام كهنتها السافكين في وسطها دم الصديقين تاهوا بنو إسرائيل كعمي في الشوارع، وتلطخوا بالدم حتى لم يستطع أحد أن يمس ملابسهم، حيدوا نجس... نجس ينادون عليهم، حيدوا لا تمسوهم، قربت نهايتـنا، كملت أيامنا لأن نهايتـنا قد أتت(1) يقول زملائي إنني طبيب فاشل... لكنني أسخر منهم... فأنا ألجأ إلى عالم الروح والعقل بعيداً عن التخصص لكي أنقذ مرضاي... على المرء أن يلعب كل الأدوار في هذه المنطقة من العالم لإنقاذ المريض من أزماته الوحشية... (يدخل دانيال) تشرفنا بمعرفتك سيد دانيال... كيف حال زوجتك والجدة؟

دانيال    : إنهما على ما يرام... المريض هو أنا هذه المرة.

الدكتور  : تفضل بالجلوس... هل تحب أن تدخن؟

دانيال    : شكراً... المعذرة... فأنا أضحك لأنني أفعل الشيء نفسه مع زبائني...

الدكتور  : تقدم لهم الدخان؟

دانيال    : نعم.

الدكتور  : إذن احك لي مشكلتك.

دانيال    : كما ترى الأمر ليس سهلاً.

الدكتور  : عليك بالهدوء وابدأ من حيث تريد...

دانيال    : أريد أن أقول ما لدي دفعة واحدة لكي أرتاح من هذا العذاب... دكتور لا أستطيع الإنجاب رغم أنه قد مر على زواجنا ثلاثة أعوام... ومنذ فترة قريبة أصبحت غير قادراً على القيام بواجباتي الزوجية.

الدكتور  : هل تخيفك الكلمة؟

دانيال    : ماذا؟

الدكتور  : تريد أن تقول أنك تعاني عجزاً جنسياً؟

دانيال    : نعم... وهذا يخيفني للغاية.

الدكتور  : الإنجاب مسألة تختلف عن العجز.

دانيال    : سأقول لك... قبل زواجنا حملت مني إحدى صديقاتي وقد تخلصنا من ذلك الأمر... ولكن الآن لا أستطيع الإنجاب ولا...

الدكتور  : فهمت... فلنحاول فهم الأمر... هل تشعر بالرغبة أم أنك لا تشعر أساساً.

دانيال    : أحاول ولا أستطيع.

الدكتور  : هل سبق أن حدث لك هذا في ظروف أخرى.

دانيال    : أحياناً لم أكن أشعر بالرغبة... لكن هذا أمر عادي على ما أعتقد.

الدكتور  : هل أنت رجل ذو مزاج حاد سيد دانيال؟

دانيال    : نعم... كنت دائماً صاحب مزاج خاص.

الدكتور  : هل تحب زوجتك؟

دانيال    : أحبها أكثر من أية امرأة أخرى.

الدكتور  : وبالرغم من ذلك هل يمكن أن تجد نفسك ولو للحظة متعباً منها؟

دانيال    : لقد حاولت أن أجرب الأمر مع صديقتي القديمة... ووجدت شيئاً مذلاً ومهيناً... حينها استعبدني الخوف... وفي الأيام الأخيرة أخذت بعض الحقن من الهرمونات طلبتها من الطبيب الذي يشرف على علاجنا في مقر العمل... متذرعاً بأنني أمر بمغامرة خاصة ولا أريد أن اهمل زوجتي... وكان هذا بلا جدوى.

الدكتور  : يبدو أنك رجل سليم من هذه الناحية... على أية حال أجبني بصراحة... ماهو عملك؟

دانيال    : موظف حكومي.

الدكتور  : أعرف هذا... ولكن في أي نوع من الوظائف الحكومية.

دانيال    : لم نعتدِ على الصراحة فيما يتصل بهذا الموضوع...

الدكتور  : تعمل في أحد فروع الأمن القومي؟

دانيال    : الأمن الداخلي...

الدكتور  : لِمَ لَمْ تُخبر طبيبك في العمل عن حالتك؟

دانيال    : هناك؟ كلا... لا أريد أن يعرفوا شيئاً عن ذلك.

الدكتور  : مفهوم... كيف بدأت العمل في فرع الأمن الداخلي؟

دانيال    : هل من الضروري أن أحكي ذلك؟

الدكتور  : إنه ضروري جداً.

دانيال    : أعمل في فرع الأمن الداخلي منذ مراهقتي... أي منذ خمسة وعشرين عاماً... رئيسي الحالي في العمل صديق قديم للعائلة... أشار على جدتي بعد وفاة والدي ووالدتي أن يقوم بإعدادي للإلتحاق... وهكذا بدأت الخدمة... وهو بنفسه نقلني إلى قسم التحقيقات لأعمل بإشرافه فقد وجدني الرجل الناضج والمناسب.

الدكتور  : وكيف توفي والدك.

دانيال    : والدي قتل أمي لأسباب خاصة... مشاجرة عائلية... وبعدها توفي بفترة قصيرة... بسبب تشمع الكبد...

الدكتور  : مفهوم... حسناً وما هو رأيك في الأسباب الممكنة لهذا الاضطراب الذي
 تعانيه؟

دانيال    : أنا لا أعرف.

الدكتور  : فكر معي... حادثة ما... في مرحلة الطفولة... حادثة تتصل بوالديك...

دانيال    : اسمع أيها الدكتور... هنالك العديد من الأقاويل تدور حول علاقة  والدتي برئيسي في العمل إنها أقاويل وقد تحققت من كذبها، ورئيسي في العمل رجل متدين حتى النخاع... أما علاقتي الجنسية بصديقتي كانت جيدة... وحملت مني... الأمر أصبح هكذا مؤخراً...

الدكتور  : مؤخراً... ماذا حدث؟ لم تـنظر إلي؟

دانيال    : أريد أن أقول.

الدكتور  : لقد طرفت عيناك أمام سؤالي...

دانيال    : ربما صدفة.

الدكتور  : لا ليس صدفة... فأنت رجل أمن وتعرف ذلك جيداً... فكما تعرف كيف تقدم الدخان لزبائنك كي يثقوا بك أعرف أنا أيضاً الوسائل البوليسية... ولكن على طريقتي الخاصة... اروِ لي...

دانيال    : هذا لا علاقة له بالأمر... إنه أمر تافه...

الدكتور  : اروِ مهما كان الأمر تافهاً...

دانيال    : ولكن لا علاقة له بما نحن فيه الآن... زد على ذلك أنه يعتبر من أسرار المهنة.

الدكتور  : ومن أسرار مهنتي أيضاً... هنا يأتي الناس يا سيد دانيال ليقصوا أسرارهم.

دانيال    : على أية حال لا ينبغي أن أبوح بهذا الأمر.

الدكتور  : لك كامل الحرية ولكن في هذه الحالة لا أستطيع مساعدتك (يحاول
 إنهاء الجلسة).

دانيال    : انتظر مادمت مصمماً... فسأروي لك ما حدث... ولكني لا أرى له علاقة بوضعي.

الدكتور  : تكلم سيد دانيال... من أجل هذا جئت إلى هنا.

دانيال    : إنها أمور يفهمها معظم الناس... لكنها ضرورية...

الدكتور  : تفضل...

دانيال    : منذ عشرين يوماً كان علينا أن نعامل بصلابة كافية أحد الفلسطينيين الإرهابيين... وبابا... هكذا نسمي رئيسنا في العمل... كلفني بأصعب مهمة...

الدكتور  : هل أنت من أطلق عليه هذه التسمية؟

دانيال    : لا أذكر.

الدكتور  : هل هو صديق العائلة القديم؟

دانيال    : نعم.

الدكتور  : الذي أثيرت حوله وحول أمك الشائعات؟

دانيال    : نعم... نعم...

الدكتور  : استمر... أرجوك لا تبال... استمر...

دانيال    : أنت تعرف أننا نعيش الآن أياماً حرجة... والإرهاب يزداد ضراوة... إن  مهمتي شاقة يا دكتور ولكن بدوننا ستغرق إسرائيل... تُـنسف من الوجود... ينبغي أن تفهم هذا.

الدكتور  : استمر.

 

(تداعي، موسيقى، إظلام تدريجي، يضاء مكتب التعذيب)

 

المشهد الثالث

 (المكتب، يدخل دانيال يستقبله دايان)

دانيال    : مساء الخير بابا.

دايان     : مساء الخير... تأخرت أيها المدلل... ماهي أخبار زوجتك الجميلة والجدة؟

دانيال    : إنهما بخير... ولكن الجدة مازالت تـناكد سارة بكلماتها المزعجة... أيتها العربية...

دايان     : أوه الجدة متطرفة المشاعر ضد العرب... كلا... أنا لا أوافق على هذا... سارة واحدة منا... ولا شأن لها بالعرب... وعلى الجدة أن تعلم أن أجداد سارة هم أوائل من قاتلوا العرب... لا... سأتصل بها حين أفرغ من  عملي وأؤنبها على ذلك.

دانيال    : والآن ماذا لدينا؟

دايان     : إنه الوغد عدنان... رغم كل مافعلناه معه لم يعترف...

دانيال    : من هو عدنان؟

دايان     : الذي أغتصبتم زوجته قبل أسبوع... مابك؟ زوجته التي قطعت حلمتها...

دانيال    : آه...

دايان     : لم يعترف بعد... لقد طلبته الآن وأريدك أن تكون إلى جانبي لنحمله على الاعتراف مهما كلف الأمر...

دانيال    : بعد كل الذي فعلناه لم يعترف... ماذا يريد هذا الرجل؟

دايان     : يظن نفسه بطلاً... ونحن لن نسمح للأبطال أن يولدوا بعد الآن... هاتوه.

(يدخل عناصر فرع الأمن الداخلي وهم يسحبون عدنان مقيداً)

دانيال    : اخلع عن يده الأغلال... هل كانت ضيقة عليك؟

عدنان    : لا... ولكنها موجعة بسبب الحروق.

دانيال    : آه الحروق... لكن هذه ليست إلا شرارات بسيطة من النار... أرني أظافرك... لا تتضايق فنحن حتى الآن لم نمس يدك اليمنى إذ يجب أن تحتفظ بها سليمة للتوقيع.

موشيه     : (يدخل فرحاً) لقد اعترف سليمان وعلي... فرخا بيضاتهما. لذلك تركتهم ينعمون بالراحة بعد توقيعهما على الاعتراف.

دايان     : هل سمعت أيها الأحمق... كلهم يعترفون... ويوقعون على اعترافاتهم، اقترب إنها ليست حيلة... اقرأها... لم يبقَ سواك وستتكلم.

عدنان    : قلت لكم كل ما أعرف.

موشيه     : استمع... بابا... دانيال... يقول إنه اعترف بكل مايعرف.

دانيال    : إنه مؤثر حقاً.

دايان     : اصمت موشيه... أعطه سيجارة دانيال، إنه حوار ودي... عدنان بقيت حلقة اتصال وحيدة لم نعرفها وأنت الوحيد من يعرف الأمر... اعترف بهدوء، وأنقذ نفسك من تشويهات تجعل زوجتك تشمئز من رؤيتك...

عدنان    : وهل بعد اغتصاب زوجتي ما يخيفني؟

موشيه     : هنالك اخواتك أيضاُ.

دايان     : وأمك إذا شئت.

عدنان    : ستزيدونهن طهراً  على طهرهن... إنكم تتصورن العرب مجرد بدو لا يفكرون إلا بهذه الأشياء... الشرف شيء آخر... واعلم أن جميع الفتيات اللواتي اغتصبن لديكم سارع الخيرة من الشباب للزواج منهن ليس إشفاقاً بل تقرباً من الكرامة بأبهى صورها...

موشيه     : العربيات المغتصبات صورة للكرامة؟ كلام مؤثر حقاً!

دايان     : أنك مغفل. الذي حشا رأسك بكل هذا الهراء؟

عدنان    : كل عربية تقول لا بوجهكم هي صورة للكرامة.

دايان     : آه... دانيال هل تقول لك زوجتك  كلمة لا؟

دانيال    : نعم سيدي.

دايان     : إذن هي صورة للكرامة العربية... (يضحكون) إن زوجته يهودية عربية وفلسطينية إذا أحببت... ادركت السخف الذي تهذي به.

عدنان    : إنها يهودية... ليست عربية... وليست فلسطينية كذلك لأنها تخلت عن مواطنتها لصالح أوهامكم... ولذلك لم تعد منا.

دانيال    : ولكنها تتقاتل مع كنتها من أجل اصلها العربي.

عدنان    : هذا شأنكم... لا دخل لي...

دايان     : صحيح... عدنان رجل متفهم... هذه شؤون يهودية خاصة (يضحكون).

دانيال    : طيب ولكنهم اعترفوا عليك... رفاقك ما هم إلا جبناء ولا يستحقون صمتك... ألا تدافع عن نفسك بذكر الحلقة المجهولة في تـنظيمكم؟ لا تخدع نفسك... زملاؤك يبوحون بالأسرار سريعاً... وسيكشفون عن رئيسكم قريباً...

موشيه     : هل تريد أن نحضر أختك إلى هنا؟

دايان     : لا... سيكون هذا فظيعاً فهي مخطوبة منذ فترة قريبة وخطيبها ينتظرها
عذراء...

دانيال    : مارأيك سيدي أن نمنعه من الإنجاب... مادام لا يهتم لاغتصاب زوجته... نكسر خصيته وينتهي الأمر وبعدها لا نريد أي اعتراف منه... نتركه يعيش بقية حياته مع زوجته كأخت لها... سيكون ذلك ثمناً فادحاً لصمته...
(يضحكون).

دايان     : هل سمعت... هو جاد فيما يقول... فقد ضقنا بك ذرعاً.

عدنان    : لا أعرف شيئاً... لا أعرف.

دايان     : كفى... أنت الذي تريد أن تفعل هذا بنفسك... احملوه إلى الداخل.

عدنان    : قلت لكم لا أعرف شيئاً.

دانيال    : ستخسر رجولتك جراء عنادك هذا.

عدنان    : ياه... ياللحماقة... أتدرون أن هنالك بين العرب من يفكر بإمكانية التعايش معكم... آه لو تمكنت من الفكاك... لو هربت... لو... لو...

دانيال    : وماذا تريد أن تفعل لو تركناك حراً؟

عدنان    : كنت هتفت بكل الشوارع... وكتبتها على كل الجدران... إسرائيل مشروع عقيم... إسرائيل لا يمكن التعايش معها... إسرائيل جرثومة لا تـنتعش إلا بالدم...

دايان     : خذوه... أنهوا رجولته...

(يحملوه للداخل)

دانيال    : كان لا بد من الوصول بالأمر إلى مداه... حتى النهاية.

(إظلام تدريجي، تعود الإضاءة للعيادة)

 

المشهد الرابع

 (عودة إلى عيادة الدكتور)

الدكتور  : ياليت رأسي ماء وعينيَّ ينبوع فأبكي نهاراً وليلاً، ياليت لي في البرية مبيت مسافرين فأترك شعبي وأنطلق من عندهم لأنهم جميعاً زناة، جماعة خائنين، لأنهم خرجوا من شر إلى شر، وإياي لم يعرفوا يقول الرب(1) كيف فعلت هذا؟

دانيال    : فعلته وانتهى الأمر.

الدكتور  : هل تكلم المعتقل؟

دانيال    : لقد انهار وأصبح من اللازم حمله إلى المستشفى.

الدكتور  : هل استعاد قواه؟

دانيال    : اطمئن لقد أوشك على الشفاء ولكنه لن يكون رجلاً بعد الآن.

الدكتور  : هل أنت متأكد؟

دانيال    : هذا ما أكده الطبيب.

الدكتور  : أتـندم على ما فعلت؟

دانيال    : إنه واجبي... أظنك قد اقتـنعت.

الدكتور  : بِمَ؟

دانيال    : بأنه يتوجب البحث في جانب آخر لمشكلتي.

الدكتور  : على العكس، الحالة واضحة للغاية.

دانيال    : واضحة للغاية؟

الدكتور  : أنت تقول أنك لم تـندم.

دانيال    : لم أفعل شيئاً أندم عليه.

الدكتور  : ليتك تشعر بالندم.

دانيال    : لا أفهم؟

الدكتور  : إنه أمر بسيط لقد اخترت الندم من خلال المرض... ولجأت إلى هذا الوسيلة على وجه الخصوص لأنك لم تشعر بالندم.

دانيال    : اسمع يا دكتور يؤسفني أن أخبرك أن تحليلك غير مقنع.

الدكتور  : أنت لا تبحث عن الشفاء لأنك لا تريد مواجهة نفسك.

دانيال    : لقد جئت إلى هنا من أجل ذلك.

الدكتور  : لقد جئت إلى هنا وفي أعماقك شيء يقول لك إن ما تفعله لا يصح فعله، مع أنك تؤكد أنه كان واجباً عليك... لكي تشفى... عليك أن تقر بأنك ارتكبت جرماً رهيباً... لا يمكن أن يبرر... وحتى لو اعترفت بذلك لا أعتقد أنه يمكنك أن تشفى، ربما إلا إذا وصلت إلى اقتـناع مطلق بأن هذا وما يشبهه من أعمال القسوة هو أمر عادل وجدير بالإحترام والتقدير... ولا أحد في العالم يمكن أن يقتـنع في أعماقه بشيء مثل هذا... وأنت بطبيعة الأمر لست مقتـنعاً بذلك.

دانيال    : لنفترض أن هذا هو السبب فيما حدث لي... ولكنني سأعرف كيف أتفوق على هذا الضعف.

الدكتور  : حاول مادمت تظن ذلك ممكناً.

دانيال    : (ينفجر) دكتور هؤلاء الإرهابيون يستحقون الإحتقار أكثر من أي مجرم
عادي...

الدكتور  : ربما... ولكن ينبغي أن تأخذ في اعتبارك الإحتمال العكسي... هم أيضاً يعتقدون بأنهم على حق وأن احتقاركم أمر مفروغ منه.

دانيال    : هل أنت يهودي حقاً؟؟؟

الدكتور  : ليست يهوديتي المشكوك فيها بل ولائي لإسرائيل، أهذا ما تبحث عنه؟

دانيال    : تقول ذلك بكل صلافة... إذن لم جئت؟ عد إلى حيث موطنك الأصلي.

الدكتور  : ياللأسف فهذا هو موطني... أنا يهودي من أصل عربي.

دانيال    : تلك هي الحكاية إذن... يهودية عربية... ويهودي عربي... إنها مؤامرة تحيكونها ضدي أنت وسارة.

الدكتور  : ياللأسف أيضاً... إنها تعبدك...

دانيال    : أعلم ذلك... ولكن أنتم تتعاطفون مع العرب وكأن الأمر لا يعنيكم فيما نهدد نحن يومياً بالقتل على أيدي الإرهابيين.

الدكتور  : وهم مهددون بالقتل على أيديكم أيضاً.

دانيال    : نحن نبني إسرائيل.

الدكتور  : فوق الجثث والدماء تُبنى المملكة المقدسة؟

دانيال    : إنك من اليهود الضعفاء... أعرفكم جيداً تجيدون الخطابات والحديث عن السلام والتعايش وكل هذه الخزعبلات... إسرائيل لن تقوم إلا بحسب وصايا الرب... ألم يقل... لا تبق منهم شجرة أو حماراً... أو جملاً؟.

الدكتور  : هذا هو الرب إذن؟

دانيال    : أتشكك بذلك أيضاً؟

الدكتور  : مادمت مقتـنعاً بأنك تـنفذ مقولة الرب لم هذا المرض إذن؟

دانيال    : لأنني ضعيف... تلك هي المشكلة...

الدكتور  : جميع رفاقك مصابون بأمراض مختلفة.

دانيال    : أيزورونك؟!

الدكتور  : لا أعرفهم بالتحديد... ولكن معظم زبائني من صنفك.

دانيال    : أنت تشكك، هذا هو دورك... وعليَّ أن ألتزم الحذر... هل يمكنك أن تصف لي علاجاً ما؟

الدكتور  : إن ما حدث لا يمكن إصلاحه... فأنت لا يمكنك أن ترد لهذا الرجل المسكين رجولته ولهذا فقد قضيت على رجولتك أيضاً...

دانيال    : ماذا يعني ذلك؟

الدكتور  : آسف لا يمكنني متابعة حالتك.

دانيال    : أنت طبيب.

الدكتور  : أنت الآن طبيب نفسك... مشكلتك داخل نفسك...

دانيال    : ولكن لم لا تُحل؟؟؟

الدكتور  : كان يجب أن تدفع ثمناً غالياً لما فعلت... طاب مساؤك.

دانيال    : أتطردني... تشمئز مني؟

الدكتور  : آسف للغاية...

دانيال    : هل يتوجب عليَّ دفع ثمن هذه الزيارة؟

الدكتور  : لقد دفعت بما فيه الكفاية.

(يخرج  دانيال مسرعاً).

الدكتور  : طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنساناً عاملاً بالعدل، طالباً للحق، فاصفح عنه، وإن قالوا حيٌ هو الرب، فإنهم يحلفون بالكذب، يارب أليست عيناك على الحق، ضربتهم فلم
يتوجعوا، أفنيتهم وأبوا قبول التأديب، صلَّبوا وجوههم أكثر من الصخر
(1)
منذ تلك الليلة بدأت جولات مراقبتي ومضايقتي لم أستطع أن أسكت صوت ضميري فقلت الحقيقة، كنت أعلم أنه سيخبر رئيسه وأنهم سيضايقونني ولكن... لا فائدة... متى يظهر الرب لينقذ أبناء هذه المملكة... إنهم يستعدون للإلقاء القبض عليَّ... وعليَّ أن ألتزم الحذر...

 

(إظلام تدريجي، موسيقى)


المشهد الخامس

(المكتب، ديفيد وموشيه)

ديفيد     : ولكنك لم تعد تميز بين الاسرائيليات والفلسطينيات.

موشيه     : المرأة خطيئة... هذه مقولة الرب... بعد ذلك يأتي الاعتياد... قد تستغرب الأمر ولكن ما إن تبدأ بممارسته حتى تعتاده... وبعد كل هذه التجارب لا أستطيع أكل المرأة إلا بهذه الطريقة.

ديفيد     : ولكن ماذا لو تزوجت؟

موشيه     : أنا؟... أنا لا أصلح لمثل هذه العلاقة المنظمة... إنني أفعل الشيء نفسه حتى مع الراغبات بي... لا أستطيع قبول استسلامهن... لابد من القسوة... الإذلال... التوسلات... أحياناً أسأل عشيقاتي عن أسوأ شيء يكرهنه في العملية فأجبرهن على ممارسته معي... بعضهن يهرب بعد المرة الأولى والكثيرات يصبن بالإدمان عليَّ... تخيل حالتي... أنا مرهق طوال الوقت... نساء في العمل نساء في البيت نساء في الشارع وحتى في الباصات الليلية.

ديفيد     : ولكن ما هي حكاية تلك النمساوية... عضوة وفد الأمم  المتحدة لحقوق الإنسان؟

موشيه     : أوه... إنها قصة قديمة... فقد حدثت قبل التحاقك بالعمل معنا بسنوات.

ديفيد     : إذن صحيح ما سمعته... اغتصبتها رغم حصانتها الدبلوماسية؟

موشيه     : كانت مجرد  نمساوية قذرة… استطاعت الحصول على بعض الصور والوثائق حول ممارستـنا للتعذيب ضد الفلسطينيين... حاولت أن تبعث بها للأمم المتحدة وللصحف... فأمرني بابا بالتكفل بأمرها... قلت لها: لقد تعبت من العمل بهذه المؤسسة الدموية ولا أستطيع النوم بسبب وخزات الضمير... ضميري يعذبني ليل نهار على ما نفعله مع هؤلاء الأبرياء... فصدقت تلك المسيحية البريئة... وعدتها بأن أزودها بوثائق وصور أخطر من تلك التي حصلت عليها... فذهبت معي إلى شقتي... وكان كل شيء معد سلفاً... صورّنا لها فيلماً تعجز عنه أكبر شركات البورنو في العالم.

ديفيد     : ولكن كيف استسلمت لك؟

موشيه     : لم تستسلم... في البداية حقنتها بهرمون الهوس الجنسي... إنه أحد مبتكرات علماء إسرائيل الكبار... فعل فعله مباشرة... آه لو رأيتها... أصبحت مثل الصقر... نهشتـني نهشاً... انظر (يفتح قميصه) آثار عضاتها وأظافرها مازالت واضحة رغم السنوات... لقد اغتصبتـني... وهي المرة الاولى التي اغتصب فيها... كانت فرصة نادرة لتذوق الفاكهة النمساوية المحصنة دبلوماسياً... فاكهة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان... أخيراً وقبل مغادرتها إسرائيل كان الفيلم بحوزة المنظمة الدولية... لقد سخرنا منهم... أرفقنا رسالة باسم مواطن فلسطيني مع الفلم... قلنا فيها: انظروا أية عاهرة أرسلتم لكي تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني (يضحك) كانت سخرية لاذعة... أليس كذلك؟ بعدها وزعنا الفيلم على نطاق واسع... فذهبت نسخة منه لسفارة دولتها ونسخة لزوجها وأخرى للقناة التلفزيونية الرئيسية في النمسا مع رسالة مختصرة: تفرجوا مجاناً...

ديفيد     : وهي، كيف تلقت الصدمة؟

موشيه     : انتحرت... (ينفجر ضاحكاً) كما ترى أنا أقوم بواجبي على أحسن وجه... بالمناسبة ما هي أخبار خطيبتك الهولندية... يقولون إنها غادرت البلاد لعدم قدرتها على التعايش مع الخليط اليهودي هنا... هل انفصلتما؟ من المؤكد أنك حصلت على عضة من هذه الجبنة الهولندية؟

ديفيد     : توقف عن هذه السخافات... لقد قررنا الزواج ولكن خارج إسرائيل... فأنا لا أستطيع حمايتها هنا بوجود أمثالك.

موشيه     : على فكرة، هذا الكلام لا يزعجني... فهو امتيازي.

ديفيد     : إنك وغد حقيقي.

موشيه     : إسرائيل بحاجة إلى أوغاد مثلي... كما هي بحاجة لمثقفين مثلك... لا فرق كلانا في ميزان واحد.

ديفيد     : إنها مصيبتـنا الحقيقية يا موشيه... فنحن في إسرائيل ابتلينا بأمثالك الذين لا يجيدون شيئاً سوى العنف... انتم تصنعون لإسرائيل أكثر من عدو في اليوم الواحد... بينما نحاول نحن وبطرقنا التي تسخر منها أن نكسب الأنصار... الدهاء هو أن تجعل خصمك يستسلم لك ويشعر بالندم على مواقفه المعادية لك... الحنكة هي أن تبطل أسلحة خصومك وإلى الأبد... تستدرجهم للعمل إلى جانبك... لو كنت المسؤول لما سمحت لأمثالك بالعمل في هذا المجال الحساس... أنتم تولّدون الحقد ضدنا... تكاثرونه.

موشيه     : قلت لك إسرائيل بحاجة إلي كما هي بحاجة اليك.

ديفيد     : تلك هي المصيبة وإلا لما قبلت العمل معك في نفس المكان.

             (يدخل دايان بادياً عليه السرور)

دايان     : مساء الخير... تتشاجران كالعادة؟ القط والفأر... ها... ها... توم وجيري.

موشيه     : مساء الخير بابا.

ديفيد     : مساء الخير سيدي.

دايان     : أرأيت يا موشيه... إنه رسمي أكثر من اللازم... فهو الوحيد بينكم لا يناديني ببابا... يريد أن يذكرني دائماً إننا في وظيفة رسمية ولسنا في أسرة متآخية.

ديفيد     : عفوا سيدي ولكن...

دايان     : (يقاطعه) لا... لا تبرر... لا يزعجني هذا الأمر فأنا بحاجة لواحد مثلك... متعلم... مثقف... داهية في الأدلة السياسية والتبريرات المنطقية... على الأقل فأنت تحمينا من الكبار الذين ينـزعجون من عملنا أحياناً... فتجد التبريرات المقنعة  لأخطائنا... إن مؤسستـنا العظيمة بحاجة إلى رجل مثلك يا ديفيد ولو توقف الأمر على موشيه ودانيال لطردنا رؤساؤنا من العمل منذ زمن طويل.

ديفيد     : عفوا سيدي إننا تلاميذك الصغار.

دايان     : ويعجبني تواضعك أيضاً... على العموم هل هناك أخبار جديدة؟

موشيه     : بابا... إن دانيال بدأ يتهرب في الفترة الأخيرة من أداء واجباته... ويدعي أنه مريض... ولكني كشفت الأمر...

دايان     : انظر ديفيد... مؤسستـنا بحاجة إلى رجل كهذا... واشٍ وجلاد لأصدقائه أيضاً... تابع موشيه.

موشيه     : بابا...

دايان     : لا تصطنع الكبرياء فأنت لا تجيد هذه اللعبة... هيا يا رجل النساء تكلم... أفض بأسرارك قبل أن تـنفجر روحك فأنت تتحرّق شوقاً لإخباري بها... وستكافأ بالمزيد من الثقة كما عودتك دائماً...

ديفيد     : (بسخرية) هكذا يبدو الأمر حسناً، موشيه هيا تكلم؟

دايان     : ماذا كشفت في وضع دانيال؟

موشيه     : دانيال مصاب بخمول جنسي...  ومنذ فترة طويلة لا يعاشر زوجته إلا كأخ.

دايان     : أتقول الحقيقة؟

موشيه     : وهل أخبرت البابا يوماً بأكاذيب أو ظنون؟

دايان     : كلا... دائماً أخبارك كانت مؤكدة... ولكن كيف عرفت؟

موشيه     : لقد تابعته مساءً وهو يذهب لعيادة الدكتور أشعياء... دكتور الأمراض النفسية الذي يقيم في المستوطنة التي يسكنها دانيال... تعرفه ذلك الموسوس المتخاذل.

ديفيد     : أشعياء إسماعيل... إنه متعاطف مع العرب وينشر مقالات حول إمكانية التعايش معهم...

دايان     : أريد معلومات كافيه عنه... موشيه وبعد؟ تابع.

موشيه     : قمت بغواية سكرتيرته التي تبيِّض مسودات الجلسات الطبية التي لا يطلع عليها أحد... وبعد...

دايان     : ها... ها... بعد أن نمت معها... اغتصبتها...

موشيه     : حدثتـني بكل ما جرى في العيادة... ولكنها أخبرتـني بشيء أهم... أن الدكتور حرض دانيال على ترك العمل من أجل الحفاظ على زوجته.

دايان     : وما علاقة سارة بالأمر؟

موشيه     : أوه إنها مريضة الدكتور القديمة... وصديقته الأبدية...

دانيال     : الأمر يبدو مقلقاً تابع التحقق من الأمر؟

موشيه     : أريد زيارة الدكتور بشكل رسمي فهل تسمح لي؟

ديفيد     : سيدي دايان... أعترض على ذلك إذا سمحت لي... فهذا الدكتور رجل مثقف وله أعوان من الصحفيين والكتاب وأخشى أن يدخل موشيه معه في مشاجرة...

موشيه     : وهل نخاف من هذا المخنث وأصدقائه خونة إسرائيل؟

ديفيد     : ليس الأمر هكذا يا موشيه... بل القضية اعقد من ذلك... وأنا  أعتقد إنها خطةٌ لاختراق مؤسستـنا وتفتيتها.

دايان     : هذا هو العقل... موشيه أنت مجرد رعديد لا تفهم إلا باللحم الأنثوي... تكلم ديفيد.

ديفيد     : سيدي إنه أمر مقلق حقاً...  لذلك يجب كشف أوراق هذا الدكتور بطريقة أخرى.

دايان     : إذن تكفل بالأمر أنت ديفيد ولكن بسرعة... أريد التقرير خلال أيام.

ديفيد     : لا بد من وضع خطة.

موشيه     : أيحتاج هذا الدكتور إلى خطه؟ ضربتان على مؤخرته وسيعترف.

دايان     : اصمت موشيه...

ديفيد     : سيدي لا بد من حيلة لكشف نواياه فهو رجل محنك وداهية.

دايان     : وأنت داهيتـنا الكبرى ديفيد.

ديفيد     : نعم سيدي اعتمد عليَّ...

موشيه     : لقد سرقت صيدي تذكر ذلك...

دايان     : طيب... هيا إلى العمل ماذا وراءنا... تذكرت... موشيه أنت راقب دانيال وسارة... ولكن أحذر المساس بهما... عن بعد... التزم بما أقوله وإلا فالويل لك... لا أريد المزيد من الحماقات... هيا اذهبا إلى عملكما...

 

(يخرجان، إظلام تدريجي، موسيقى)



(1) – (مراثي أرميا / الإصحاح 5)

 

(1) - (مراثي أرميا / الإصحاح 4)

(1) - (أرميا/ الإصحاح 9)

(1) - (إرميا / الإصحاح 5)

 

 الفصل التالي  عودة للغلاف     عودة للرئيسية