نص مسرحية

 زيارة قصيرة

                  

                                                                                                                                                        q      مستوحات وبتصرف عن:

                                                            سيناريو فلمي وجهاً لوجه

                                                            و سوناتا الخريف لانغمار بريغمان

                                                        وقصائد للشاعرة الايرانية فروغ زاده

مقاطع من نص الخال فانيا لتشيخوف 

 

 

 

الزمان: معاصر

المكان: باحة منزل

الشخصيات

1- إيفا- الابنة في الثلاثين من عمرها.

2- شارلوت- ممثلة مشهورة في خريفها.

3- فيكتور- الزوج كاهن سابق.

4- هيلين- الابنة الخرساء.


 

المشهد الأول

( موسيقى / ضوء شموع /هيلين على عربة المقعدين تدور في المسرح لوحدها وتدريجياً تصاب بنوبة هيستيرية تهرع إليها إيفا من الداخل وتحاول إعطائها الدواء / يدخل فيكتور فزعاً / إيفا تسحب هيلين إلى الخارج / فيكتور يجلس ويبدأ بقراءة قصيدة من الكتاب الذي بين يديه / بينما تدخل إيفا  وتبدأ بكتابة رسالة / الموسيقى مستمرة.)

فيكتور : سأحدثكم عن نهاية الليل ... عن الظلام ... هنا ... حيث لم يعد أحد يفكر بالحب ... لا أحد يفكر بشيء قط ... لم يعد هنالك إنسان على الاطلاق ... أي زمن هذا موحش وكئيب ...

( موسيقى )

إيفا :     (وهي تكتب) أمي العزيزة ... علمت بوفاة صديقك ليوناردو ... لم لا تأتين لزيارتنا ... بيتنا واسع ... إننا وحيدون الآن ... الجو جميل هنا ... أرجو أن تأتي من أجلي ... من أجل فيكتور ... سأهتم بك كثيراً ... أنا بحاجة إليك
 الآن ... سأفسدك دلالاً ... مضت عشر سنوات على لقائنا الأخير ... أنا أنتظرك بفارغ الصبر ... ابنتك إيفا.

فيكتور :إيفا ... مساء الخير.

إيفا :    ماذا؟

فيكتور : لقد حلّ المساء.

إيفا: وما الجديد في ذلك؟

فيكتور: أردت أن أقول مساء الخير فقط.

إيفا: تبدو مرحاً هذا اليوم؟

فيكتور: ولم لا ... هل أكملت الرسالة؟

إيفا: نعم.

فيكتور: أظنها الرسالة العاشرة في هذا الشهر ... لم تلحين عليها مادامت لا تجيب ... ربما  هي غير راغبة بزيارتنا.

إيفا :     ولكنني أحتاج إليها الآن.

فيكتور : أنت لم تلتقيها منذ عشر سنوات ... ما حاجتك إليها الآن؟

إيفا :    ولكني أريد رؤيتها الآن ... كتبت لها عشرات الرسائل دون أن ترد ... لكني لن أتوقف ... سأبعث المزيد من الرسائل حتى تأتي ... فيكتور هل تعتقد أن أمي بلا قلب؟

فيكتور : إيفا حبيبتي فكري بنفسك ... فكري بي ... بأختك هيلين إنها بحاجة إليك باستمرار ... لم تفكرين بهذه الأشياء الحزينة والمفزعة؟

إيفا :     كم تبدو حكيماً.

فيكتور : لا إيفا ... أنا الآخر ما زلت طائشاً وتنتابني الدهشة أحياناً.

إيفا :     أنت طائش حقاً ... فقد خسرت إيمانك ولم تعد تذهب إلى الكنيسة.

فيكتور : لا إيفا ... لم أقصد ذلك ... بل قصدت شيئاً آخر ... الشوق ... ينتابني نوع من الشوق ...

إيفا :     الشوق؟!

فيكتور : والرغبة فيك إيفا ...

إيفا :     فيكتور ...

فيكتور: إيفا إنك لا تفهمين ما أقصد ... يجب أن نستمر ... أن نعيش ... قبل الموت بيوم واحد يمكن للإنسان أن يبدأ الحياة من جديد ...

إيفا: ولكن كيف؟ كيف نبدأ الحياة من جديد؟ كيف أجبني؟ لقد متنا منذ زمن بعيد ... متنا مع صغيرنا الذي غرق في البئر ...

فيكتور: نعم مات وانتهى كل شيء ... هكذا أراد الله ... الله سمح بموته مثلما يسمح الآن بموت مئات الأطفال جوعاً أو مرضاً أو قتلاً ...

إيفا: فيكتور إنك تجدف!

فيكتور: لقد تعبت إيفا ... لقد استوطن المرض والكآبة هذا المنزل ... منذ فترة وأنا أحاول أن أستعيد نفسي ... أن أستعيدك ... ولكن دون جدوى ... لقد هربت الحياة من بين يدي ... وها انت تهربين مني إلى أمك ... إلى أين؟

إيفا: سأبعث الرسالة إلى امي.

 

(تتجه إلى الخارج / نسمع صوت قطار قادم من بعيد / تدخل الأم شارلوت.)

 

المشهد الثاني

             ( موسيقى / تصل الأم / تحمل حقيبة سفر صغيرة وهي ترتدي فستان
و ربطة شعر ونظارات سوداء / تقف كالتمثال بينما يهجم عليها فيكتور وإيفا بحب )

إيفا :     أمي ... حبيبتي ... أوه ... أهلاً ... إنني سعيدة جداً بقدومك ... أكاد لا
أصدق ... إنه أمر حقيقي ... ستمكثين فترة طويلة ... أليس كذلك ... ياإلهي ... تبدين متعبة ... لم أكن أتوقع قدومك في ساعة مبكرة كهذه ... هذا هو فيكتور ... فيكتور هاهي ماما أخيراً ...

فيكتور : أهلاً سيدة شارلوت ... شرف كبير لي أن أتعرف إليك ... نفخر دائماً بك عندما نشاهدك على شاشة التلفزيون أو في السينما ... ولكنها المرة الأولى التي نلتقي فيها ... اسمحي لي أن أنقل حقائبك إلى الغرفة التي خصصتها لك إيفا ... عن أذنك سيدتي ...

(  يخرج فيكتور / يسود الصمت والموسيقى )

شارلوت: أنا آسفة بشأن موت الطفل .

إيفا :     ( صمت طويل / موسيقى ) أزور قبره كل يوم ... غرق قبل عيد ميلاده الرابع بيوم واحد ... عندنا بئر قديم خلف المنزل ... بطريقة ما ... رفع غطاءه وسقط فيه ... عثرنا عليه في الحال ... لكنه كان ميتاً ... حزنت عليه كثيراً ... أما في أعماقي فإنني أشعر وبكل أحاسيسي إنه ما زال حياً ... وإننا كنا وما نزال نعيش معاً جنباً إلى جنب ... ما عليّ سوى التركيز بضعة دقائق حتى يكون معي ... أحياناً عندما أريد النوم ... أكاد أشعر به يتنفس قرب وجهي ... ويلمسني بيديه ... هل تجدين في ذلك شيئاً من الجنون ؟ إنه أمر طبيعي بالنسبة لي ... إنه يعيش حياة أخرى ... لذلك ... في أي لحظة ... يستطيع أحدنا الوصول إلىالاخر ... لا شيء يفصل بيننا..... هل تعرفين ماذا أعني ؟ هناك حقائق لاحصر لها ... ليست الحقيقة التي نراها فقط بحواسنا المتبلدة ... بل هناك   حقائق أعمق ... ألا تعتقدين ذلك ؟

شارلوت: إيفا ... إنك ترغبين بالحديث عن اتصالك بولدك الصغير الميت أنت تحاولين حل لغز الكون ... لديك أجوبة لكل الأسئلة ... أعتقد انني في هذه الليلة سأتناول كمية جيدة من الأقراص المنومة ... الفاليوم يناسبني هذه الليلة تماماً ... جلبت معي بعض الشكلاتة بإمكانك أخذ قطعتين منها .

إيفا :     أمي ... أنا لا أهتم بالشوكلاتة .

شارلوت: يا للغرابة ... كنت تحبينها عندما كنت صغيرة .

إيفا :     أنت تنسين دائماً ... هيلين هي التي تحب الشوكلاته ... لن تكون أفضل مما عليه الأن ... أمي هناك شيئ أريد أن أخبرك به ( صمت ) هيلين ... هنا .

شارلوت: (غاضبة ) كان عليك أن تكتبي لي عن وجودها هنا ... لا أحب هذا الأسلوب في التعامل مع الأمور .

إيفا :     لو كنت أخبرتك بوجودها هنا لما أتيتي .

شارلوت: أنا واثقة من أنني كنت سأحضر .

إيفا :     وأنا واثقة من عدم حضورك في تلك الحالة .

شارلوت: ألا يكفي موت ليوناردوا ... أكان عليك سحب المسكينة هيلين أيضاً ؟ أتريدين المزيد من    تعذيبي ؟

إيفا :     هيلين تعيش هنا منذ سنتين ... كتبت لك ذلك .

شارلوت: لم أستلم تلك الرسالة قط .

إيفا :     بل إنك لم تزعجي نفسك بقرائتها .

شارلوت: ألا تعتقدين أنك غير منصفة ؟

إيفا :     ماما ... أنا أسفة بشأن ليوناردو ...

شارلوت: بقيت جالسة مع ليونارد في يومه الأخير... قال لي في مثل هذا الوقت من العام المقبل لن أكون موجود معك ... حينها أكون قد رحلت لكنني سأكون معك دائما وسأفكربك كالمعتاد ... ولكنني لن أستمر في الحزن عليه ... لافائدة من الحزن ... تضحك فجأة ) هل تعتقدين بأنني تغيرت في هذه السنوات العشر التي لم نلتق فيها ؟ أنا أصبغ شعري بالطبع ... اشتريت هذه الملابس من سويسرا ... ألا تعتقدين إنها جميلة ؟

إيفا :     إنها رائعة جداً.

شارلوت: إيفا عزيزتي ما الأمر؟ أتبكين الان ؟ أين الخطأ ؟ هل قلت شيئاً سخيفاً ؟

إيفا :     إنني أبكي من فرط السعادة ... إنني سعيدة برؤيتك

شارلوت: تعالي لأعانقك لا تبدو السعادة عليك... يجب أن تخبريني عما يؤلمك... سأدخن... هل تمانعين؟ كيف هي الأمور عزيزتي إيفا ؟

إيفا :     نعم... نعم ... ماما هيلين تود رؤيتك ... أعتقد أنها ستفرح بوجودك ماما ... أرجو أن تقومي بزيارتها في غرفتها ... أنت تعلمين إنها غير قادرة على الحركة ... أرجوك .

شارلوت: لست مستعدة الآن لرؤيتها ... اليوم على الأقل ... لا أستطيع رؤيتها .

إيفا :     أماه .

شارلوت: أنا لا أستطيع التعامل مع أناس لا يدركون تماما معنى أهدافهم .

إيفا :     هل تعنين ذلك ؟

شارلوت: طبعاً.

إيفا: سيكون العشاء جاهزاً بعد قليل.

شارلوت: أنا أفضل النوم باكراً ... وعادةً أنام بلا عشاء ... تصبحين على خير.

إيفا: وأنت كذلك  

(تخرج إيفا / موسيقى / تبقى شارلوت لوحدها )

المشهد الثالث

شارلوت: أحس وكأن درجة حرارتي قد إرتفعت ؟ لم أريد أن أبكي ؟ هذا كثير ... كثير جداً... يجب أن أخجل من ذلك ... أوه ... أوه ... الشعوربالذنب دائماً وأبداً ... سأخذ حماما ثم أنام قليلاً ..... بعدها ... أرتدي شيئاً جميلاً للعشاء ... كي تعرف إيفا ... إن والدتها العجوز لا زالت في حالة جيدة ... من أجل المسيح لا أريد البكاء الان ....سأختصر زيارتي الأن ... سأبقى فقط أربعة أيام لعينة وأمضي ..... سأعود إلى سويسرا كما خططت ... يا إلهي إنه مؤلم بالطريقة نفسها التي تتألم فيها ... تؤدي مشهد من مسرحية  هملت / وبينما تنسجم مع الأداء يدخل فيكتور ويراقبها بإعجاب شديد دون أن تنتبه له. ) ألا ليت هذا الجسد الصلد يذوب ويتحول إلى قطرات من ندى ... ألا ليت الأزلي لم يضع شريعته ضد قتل الذات ... رباه كم تبدو لي عادات هذه الدنيا عتيقة ... فاهية ... لا نفع فيها ... ألا تباً لها تبا ... (يصفق فيكتور / تنتبه لوجوده وهي مرتبكة)

فيكتور: شكسبير ... أبونا شكسبير ... مساء الخير سيدة شارلوت ... هل ذهبت إيفا إلى النوم؟

شارلوت: نعم.

فيكتور: إذن تصبحين على خير. (يهم بالخروج فتمسك به بشكل مفاجئ)

شارلوت: سيد فيكتور أريدك ... أعني أريد أن أحدثك بشيء خاص.

فيكتور: ماهو سيدتي الجميلة؟

شارلوت: إنني أرتعب عندما أسمع إيفا تبدي ما في سريرتها إنه شيء عصابي ... تقول إنها علىاتصال بولدك الصغير المتوفي ... تعتقد إنها حلت سر الكون ... لديها الاجوبة لكل الأسئلة ...

فيكتور : ( يبتسم ) نعم ... وبعد ...

شارلوت: لايمكنك تركها تدور هكذا ...

فيكتور : ماذا تعنين ؟

شارلوت: في الحقيقة أعتقد أنها حزينة جداً ... وأنها ستكتشف فجأة في يوم ما كم هي سيئة  حياتها ... وقد تفعل أمراً يائساً.

فيكتور : هل تعتقدين ذلك حقاً ؟

شارلوت: نعم ... أعتقد ذلك .

فيكتور : إذا سمحت لي ... سأحاول أن أشرح رأيي في زوجتي .

شارلوت: حسناً ... تفضل.

فيكتور : عندما طلبت من إيفا الزواج قالت مباشرة بأنها لا تشعر بالحب تجاهي ... سألتها إذ كانت تحب رجلاً آخر ... أجابت بأنها لم تحب أحداً قط ... وأنها غير قادرة على الحب ... عشنا انا وإيفا بضعة أعوام هنا ... كان أحدنا عطوفاً على الآخر ... بذلنا أقصى جهدنا في العمل ... ذهبنا في إجازات ... ثم ولد الطفل ... كنا حينذاك قد يئسنا من الإنجاب ... وتحدثنا عن تبني أحد الأطفال ... حسناً خلال فترة الحمل طرأ تغير على إيفا ... أصبحت سعيدة ... لطيفة ... ثم أصبحت كسولة ... ولم تعد تهتم بعملها ...كانت تدمن الجلوس على كرسيها ...متأملة ... سابحة في أفكارها ... أصبحنا فجأة سعداء ... وإن سمحت لي أن أقول ذلك ... أصبحنا سعداء جداً في الفراش ... إنني أكبر من إيفا بـ عشرين عاماً ... حينها أحسست وكأن غشاءً رقيقاً رمادياً يغطي الوجود ... إن أعني ما أقوله ... أحسست وكأني أصبحت قادراً على التفاخر بنفسي ... نعم مرت علينا سنوات غنية ... كان عليك أن تشاهدي إيفا خلالها ...

شارلوت: كنت مشغولة وقتها بتصوير فلم ... لم يكن لدي يوم فراغ واحد ...

فيكتور : وجهنا الدعوة إليك مرات ومرات ... ولسؤ الحظ لم يكن لديك الوقت .

شارلوت: نعم كنت مشغولة طوال تلك السنوات...

فيكتور : وعندما غرق وحيدنا... أصبح العالم الرمادي أكثر رمادية وعتمة ... أنا فقدت إيماني ولم أعد قادراً حتى على الذهاب إلى الكنيسة ... وإيفا أصبحت مختلفة.

شارلوت: مختلفة كيف ؟

فيكتور : تعيش مشاعر متقلبة ... اصبح مزاجها غير متوازن ... تتحول فجأة من الراحة إلى الغضب الشديد ... ولكني لا أعتقد أنها عصابية أو غريبة الأطوار ... وإن كانت تحس أن ولدها مايزال حياً وقريباً منها ... إنها لا تخبرني بحقيقة مشاعرها ... لانها تعتقد أن ذلك يسبب الازعاج لي ... ولكنه أمر حقيقي ... إن ماتقوله صحيحاً ... إنني أصدقها.

شارلوت: بالطبع فأنت كاهن في النهاية.

فيكتور : ولكن لم يعد لدي الكثير من الايمان ... أنني أعتمد عليها الآن لمواصلت حياتي ...

فيكتور : آسفة إن كان حديثي قد آلمك ؟

شارلوت: لايهم ... كان يجب أن نتحدث ... أنا لست مثلك أو مثل إيفا ... فأنا إنسان قلق ... وغير متأكد ... ربما هي غلطتي ... أسمحي لي ... تصبحين على خير ...

(يخرج فيكتور تبقى شارلوت لوحدها / موسيقى / إظلام تدريجي )

المشهد  الرابع

(  شارلوت لوحدها تمثل مشهداً من مسرحية فيدرا لراسين وبعد ذلك تجلس منهكة )

شارلوت: أعتقد انني سألقي نظرة على حساباتي (تتناول دفتر أحمر للملاحظات ) يجب أن لا أنسى تنبيه المحاسب حول استثمار أموال ليوناردوا التي تركها لي ... المنزل يستحق مبلغاً لا بأس به ... لم أزعج  نفسي وأتمسك بمسائل المال ... تركت كل المشاكل لمحاسبي... ولكن ليوناردوا كان يقول ...  شارلوت أنت حكيمة جداً في مسألة المال ... شارلوت أنت وزير ماليتي ... ومرة ... عندما كان غاضباً علي قل بأنني كنت شحيحة ... ربما إنني بخيلة ... حريصة على المال بطبيعة الحال دم والدي المزارع وطبعه الحاد أثر فيَّ ...  ثلاثة ملايين ... سبعمائة و35 ألف وثمانمائة وستة وستون فرنك ... هل يحلم المرء أن يكون له مثل هذا المبلغ الكبير ؟ ليوناردوا ... من يصدق ذلك ... وتركته كله لشارلوت العجوز ... لدي عش صغير ... أيضاً ... معاً يكون الحساب أكثر من خمسة ملايين . ماذا سأفعل بهذا المبلغ من المال ؟ سأشتري سيارة جميلة لفيكتور وإيفا ... ( تتثائب ) وأخيراً بدأت أشعر بالراحة و النعاس ... (تستيقظ بشكل مفاجئ) لمَ لا أعطي سيارتي المرسيدس لإيفا وأشتري لنفسي سيارة جديدة ... بإمكاني العودة إلى باريس  بالطائرة بدلاً من أن أضطر لقيادتها طول الطريق ؟

(موسيقى / إظلام تدريجي )

المشهد الخامس

          (موسيقى / تظهر على الشاشة الخلفية صورة الكابوس حيث تحاول إيفا وهيلين خنق شارلوت /  فجأة نسمع صراخ شارلوت  )

إيفا :     أماه ... ماذا حدث ... سمعت صراخك ؟

شارلوت: آسفة لإيقاظك ... لقد حلمت حلماً مزعجاً ... حلمت أن...

إيفا :     نعم .

شارلوت: لا أستطيع أن أتذكر الحلم .

إيفا :     كما تريدين ... سأجلس إن أردت التحدث معي .

شارلوت: إيفا أنت تحبينني حقاً ؟

إيفا :     طبعاً أنت أمي ... حسناً وأنا بدوري سأسألك ... هل تحبينني ؟

شارلوت: نعم أحبك .

إيفا :     هذا غير صحيح .

شارلوت: إنني مقتنعة بحبي لك ولهيلين .

إيفا :     هذا لا يصدق !

شارلوت: أتتذكرين تلك الفترة التي تركت فيها عملي وقررت البقاء معكم في المنزل

إيفا :     لا أدري ... أيهما الأسوأ ... الفترة التي كنت فيها في المنزل تلعبين دور الزوجة والأم أم تلك الفترة التي كنت تمضيها في التجوال ..كلما فكرت بك ... أدرك جعلت حياتنا جحيما حياتي وحياة والدي ...

شارلوت: أنت لا تعرفين شيئاً عن علاقتي بوالدك .

إيفا :     أبي.. كان خائفاً ومطواعاً ... مثلي ومثل أي فرد آخر عرفك .

شارلوت: ذلك غير صحيح أنا ووالدك كنا سعداء ... كان أكثر الرجال محبة لي في العالم

إيفا :     ولذلك كنت غير مخلصة له !

شارلوت: إخرسي... تعنين مارتن ؟ علاقتي به لم تتجاوز الثلاثة أشهر .

إيفا :     في تلك الفترة كان يتوجب عليّ التخفيف عن والدي ... وكان عليّ أن أردد أمامه إنك تحبينه بالرغم من كلِ شيء ... وإنك ستعودين اليه ... كنت أخدعه بعدم وجود إنسان أروع منك في الوجود ...

شارلوت: إيفا أنت تكرهينني ؟

إيفا :     لا أعرف بالتحديد ... إنني مرتبكة جداً ... جئت إلينا فجأة بعد غياب عشرة أعوام  كنت أنتظر قدومك بفارغ الصبر فكرت بأنك وحيدة وحزينة ... واعتقدت انني قد نضجت وأن بإمكاني النظر إليك بشكل اخر ... طابت ليلتك ... لا فائدة من الحديث عن الماضي ... إنه مؤلم جداً ...

شارلوت: تقذفين سيلاً من الإتهامات وتهربين .

إيفا :     على كل حال الوقت تأخر .

شارلوت: ما الذي تأخر ؟

إيفا :     لا يمكننا تغيير أي شيء .

شارلوت: أه ... هملت إنك تعكس نظري إلى داخلي فأرى بقعاً سوداء لن تزل لها صبغة ...

إيفا :     وبودي لو أعتصر قلبك ... إذا كان قلبك من مادة يمكن النفاذ إليها ...

      (  نسمع صراخ هيلين بشكل مفاخىء / إيفا تهرع بإتجاهها / موسيقى / شارلوت تبقى لوحدها / بعد قليل  يدخل فيكتور غاضبا )

شارلوت: اللعنة ... ما الذي جاء بي إلى هنا ... اللعنة ...

فيكتور : سيدة شارلوت أيّ قلب تحملين في صدرك ... هيلين تحتضر فوق شوقاً إلى رؤيتك وأنت تقفين هنا غير مبالية ... منذ قليل طلبت مني أن أصفك لها ... لأنها نسيت ملامحك ... أنت السبب أنت من أبعدها ... سيدة شارلوت أرجوك ساعديها ... إنها بحاجة إليك الآن.

شارلوت: لا أستطيع ... إن رؤيتها تسبب لي عذاباً لا يطاق ... إنني نادمة ... لقد أخطأت ... لو سمح لي أن أبدأ حياتي من جديد لما تزوجت ولما لأنجبت على الإطلاق.

فيكتور: يا إلهي ألهذه الدرجة تتعذبين ... سيدة شارلوت جدي حلاً لك.

شارلوت: مثل ماذا؟

فيكتور: مثل ...

شارلوت: الصلاة ... الذهاب إلى الكنيسة؟

فيكتور: ربما...

شارلوت: سيد فيكتور ان رؤية المسيح مصلوبا بهذا الشكل المروع والتراتيل والبخور كلها تسبب لي شعور بالغثيان ... سيد فيكتور هل تعتقد أن المسيح صلب حقاً لينقذنا؟

فيكتور: سيدة شارلوت أنت لا تؤمنين بالتضحية ؟

شارلوت: لقد أصبحت كبيرة على هذه الأوهام ... ألا تكفيك الحماقة التي صدقت إيمانك بينما تخليت عنه أمام أول صدمة واجهتك.

فيكتور: لست إلا رجلاً ضائعاً ... ولكن من أنت سيدة شارلوت وماذا تريدين؟

شارلوت: أنا شارلوت امرأة من نار وتراب ... تعال وجربني ... أنا العسل الذي لم تذقه في حياتك ... آه فيكتور ... إنني أحبك ...

فيكتور: سيدة شارلوت أرجوك ...

شارلوت: شارلوت فقط ... آه يا فيكتور لقد أوقعت بي ... فيكتور أنا ... أنا ... فيكتور: أنت لعنة ... أنت أكبر لعنة لحقت بنا جميعاً.

شارلوت: ومن أنت ملاك؟ نبي نسي إيمانه؟

فيكتور: ومن قال إني أمثل الصليب ... لست إلا إنسان ضال ... ولكن أنت ...

(تدخل إيفا بشكل مفاجئ)

إيفا: ماما هيلين تريد رؤيتك الآن ... إنها ترفض الدواء أو النوم ... أتوسل إليك افعلي هذا من أجل المسيح.

شارلوت: لن تجدي توسلاتك بشيء ... قلت لا أريد رؤيتها.

إيفا: طبعاً لن تجدي توسلاتي معك أيتها الممثلة العظيمة ... أيتها العجوز المتصابية.

شارلوت: ومن تكونين إيفا ... لست إلا صورة من أبيك ... كومة من التشوهات والعقد ... ما أنت إلا حقد يمشي على أقدام ...

فيكتور: وهكذا كما ترين يا سيدة شارلوت ... فإن الحياة ليست مسرحاً ... إنك تتسلين بقتل ضحاياك ... تعبثين بينما تسيل الدماء من حولك.

إيفا : فيكتور إنها ماما ... أعني كيف تتحدث مع ضيفتك بهذا الشكل؟

شارلوت: ها ... ها ... ها ... أخيراً تذكرت بأنني ماما وبأنني ضيفة لديكم ... برافو ... (تصفق)

فيكتور: أنا آسف لقد نسيت نفسي ربما بسبب حالة هيلين ... هيلين إنها تحتاج المساعدة سأذهب إليها الآن. (يخرج مسرعاً)

شارلوت: يهرب كعادته ... كنت أعتقد أن هذا الكاهن استطاع أن يعالجك من أمراضك.

إيفا: نعم أنا مريضة ... مريضة ... ومرضي هو أنت ... أنت يا أماه

شارلوت: كفى إيفا كفى ... كفى عذاباً وتعذيباً.

(موسيقى ويسود الصمت لفترة)

المشهد السادس

(  إيفا وشارلوت / موسيقى  )

إيفا :     كنت بالنسبة لك مجرد دمية تلعبين بها كل ما يتوفر لك وقت فراغ ... وتدفعيني إلى المربية ... أو إلى أبي ... كلما أصبت بمرض.. كنت تغلقين الباب على نفسك . وتعلمين باستمرار لم يكن مسموح لأحد إزعاجك ... تعودت الوقوف خلف الباب لأصغي إليك وأنت تتدربين على أدوارك المسرحية نعم ... كنت معنا ولكن عقلك كان في مكان آخر  لم أستطع البكاء أمامك يوماً ... لأنك تكرهين دموع الناس الاخرين وفي كل مرة  كانت حقائبك تقف في الطابق الأسفل وفجأة أجدك تتحدثين في التلفون بلغة أجنبية مع مخرج أو منتج أو مع الأستديو ... وتحددين موعد التصوير ... كنت أدعو الله أن يصنع شيئاً ليمنعك من السفر ... أن تموت الجدة أو يحدث زلزال أو تتوقف كافة الطائرات ... ولكنك كنت تسافرين على الدوام ... سيتوقف قلبي الآن ... إنني أموت انه شعور مؤلم جداً ... آه ... لن أكون سعيدة طوال حياتي هل يمكنك تصور عذاب طفلة ... تتركها أمها لشهور وشهور ... وعند عودتك ... أكون متلهفة الى الحد الذي لا أستطيع الكلام فيه ... لقد أحببتك ولكنني لم أثق بكلماتك ... انتظري ... يجب أن أنهي كلامي ... لقد صمتُّ بما فيه الكفاية ... دعيني أسألك هنالك شيء لا أفهمه ... ما هو لغز علاقتك بأبي؟

شارلوت: ليس هناك أي لغز كان يمكن لوالدك أن يكون أعظم المهندسين المعماريين في العالم ... لكنه كان متواضعاً وحذراً كان يلعب الدور الثانوي أمام شقيقه الذي لم يكن يمتلك نصف موهبته ... ولسوء الحظ فإن والدهما ترك الشركة لهما مناصفة مسكين لكنه رجل عظيم ألا تصدقين كلماتي ؟

إيفا :     وماذا يهم كلماتك تنسجم مع حقيقتك ... كما تنسجم كلماتي مع حقيقتي فلا قيمة للكلمات إذن ...

شارلوت: أحاول أن أتكلم بصدق ... إنني لا أهتم بها ستقولينه فيما بعد.... علي أن أقول كل شيء لننتهي من هذا الموضوع الى الأبد ... كانت عروضنا المسرحية في تلك الفترة تسير من سيء إلى أسوء ولكوني مرضت لم يعد أحد يختارني في التلفزيون والسينما وفكرت أنه يمكنني الجلوس معكما في المنزل بدلاً من كل هذا العناء ... وقتها أديت دور الملكة في مسرحية (هملت ) بشكل سيء ... حينها قال لي صديقي ليوناردو لم لا تمكثين مع زوجك وطفلتك وتعيشين حياة محترمة ..بدلاً من تعريض نفسك للإهانات والنقد باستمرار ... في تلك الليلة لم أستطع النوم ... وأخيراً اتخذت قراري . سأتوقف عن التجوال عن حياة الإستديوهات والمسارح وأمكث في البيت مع زوجي وطفلتي ... عندما أخبرت والدك في التلفون بذلك لم يصدق وبكى من الفرح ... كانت مجرد فكرة طفولية ساذجة ... بعد شهر أدركت أني قد أصبحت عبأً عليك وعلى والدك... اللعنة أشعر بالحنين إلى البيت لكنني ما أكاد أصل إليه حتى أدرك إنني بشوق إلى السفر والعمل ... المهم ... كانت أيام جميلة ... كنا سعداء حينها ..أليس كذلك ؟

إيفا :     لا لم أكن سعيدة أبداً .

شارلوت: لماذا ؟ ما هو الخطأ الذي إرتكبته ؟

إيفا :     لم تخطئي بشيء ... بل كنت رائعة على الدوام ... أصبحت تهتمين بشعري وبملابسي ... وأعطيتني كتباً لم تعجبني قرائتها وكان يتوجب علي مناقشتها
معك ... كنت خائفة أن تكشفي غبائي ... تحولت الى دمية مشوهة صنعتها
أنت ... كنت أقلدك في كل شيء ... كم كنت مخيفة يا أماه ..ودون أن أدري ... أصبت بكراهيتك ... وفجأة اكتشفنا هروبك مع عشيقك .

شارلوت: ألا تسامحيني على ذلك ؟ ألا تنسين هذا الأمر أبداً ؟

إيفا :     أتذكرين ستيفان صديقي ؟

شارلوت: بالتأكيد أتذكره ... لم يكن ... لم يكن بوسعكما أنت وستيفان التعامل مع الطفل

إيفا :     لا ... بل كنا سننجح ... كنا نحب بعضنا

شارلوت: ألم تدركي بأن ستيفان مجرد مجرم صغير أحمق ؟

إيفا :     بذلت كل جهدك لتحطيم علاقتنا .

شارلوت: أنت كنت راغبة بتسقيط الطفل لم أرغمك على ذلك .

إيفا :     بل تعرضت لعملية غسيل دماغ على يديك .

شارلوت: كنت مقتنعة أن إسقاط الطفل هو الحل الوحيد ... يا إلهي كم تكرهيني إختزنت كل هذا الحقد ضدي ... لم.لم تقولي شيئاً من قبل .

إيفا :     لأنك لم تصغي إلي أبداً لأنك مشهورة بتهربك ولأنك في الحقيقة والواقع تكرهيني وتكرهين هيلين ... لا أمل فيك على الأطلاق ... حملتني في رحمك البارد وقذفتني منه بكراهية ولأنني كنت مجروحة كما أنت  الآن ... حاولت خدش كل ما هو جميل تتحدثين عن كراهيتي ؟ لم تكن كراهيتك أقل ... بقينا أنا ووالدي وهيلين تحت رحمتك سنوات أنت الخبيرة في إيماءات الحب وحركاته أناس مثلك يشكلون خطراً على المجتمع ... يجب وضعكم خلف أبواب مقفلة للتخلص من شروركم ... ما أفظعها من مشاعر قلق وحطام ... وكل شيء يتم باسم العناية المفرطة ... تعاسة الأم يجب أن تكن تعاسة الأبنة أيضاً ... وكأن الحبل السري لم يقطع بينهما سوء حظ الأبنة هو انتصار للأم ... حزن الأبنة هو الفرح السري للأم ... ألم تدركي ذلك لقد عشنا حياتنا على طريقتك ...

شارلوت: إنك تشكلين صورتي بكراهيتك الحقيقة لي ... هل هي صورتي الحقيقية هل تتذكرين جدتك ... لا بطبيعة الحال ... كنت في السابعة عندما توفيت ..كانت مسيطرة جسدياً وعقلياً على والدي ..جدك الحنون ...أتذكرينه ؟ كان والدي من أساتذة الرياضيات ... من ذوي الأخلاق الطيبة  ولكنهما كانا يعاملاني بلا دفء ... لا أذكر أن أحدهما قد لمسني لمسة حب أو عقاب ... في الواقع ..أنا أجهل ‏كل ما يمت بصلة للحب بالرقة  بالعلاقات الحميمة وبالدفء ... فرصتي الوحيدة للتعبير عن مشاعري كانت في التمثيل ... أحياناً أستلقي في الفراش ليلاً أتعجب بيني وبين نفسي إن كنت قد عشت حقاً ... ما أروع الحياة التي تعيشينها أيتها السيدة شارلوت هكذا يقول لي الآخرون دائماً ولكنني أعتقد إنني غير حية إنني لم أولد قط لقد إندفعت خارجاً من جسد أمي الذي إنغلق في الحال واستدار نحو
الأب ... إنني لم أخلق بعد ... وأتسائل باستمرار إن كان حال جميع البشر هكذا هنالك أشخاص لهم قدرة عظيمة على الحياة ... بينما هنالك أشخاص لا يعيشون مطلقاً بل خلقوا وحسب ...

إيفا :     منذ متى وأنت تعرفين هذه الأشياء ؟

شارلوت: منذ زمن بعيد ولكن لا داعي لكل هذا ... أرجو أن نتوقف أتعلمين ... كنت أخافك دائماً  .

إيفا :     أيعقل ذلك ؟

شارلوت: كنت أريدك أن تحبيني ولكني لم أستطع لأنني كنت أخشى طلباتك .

إيفا :     لم تكن لدي طلبات أبداً .

شارلوت: كنت أشعر أنني عاجزة ... لم أستطع أن أكون أم حقيقية لك .

إيفا :     أهذا ما تشعرين به حقاً .

شارلوت: وهل هناك ما يدعوني للكذب ... اللعنة ... هل اؤدي دوراً تمثيلياً أنا أقول الحقيقة ... ياه لكراهيتك الفظيعة لي ... إيفا كوني رحيمة بي ... إنه شيء مؤلم حقاً .

إيفا :     وماذا بخصوص مرض هيلين ؟

شارلوت: هل تعنين أنها مرضت بسببي ؟

إيفا :     نعم .

شارلوت: هل أنت جادة في الكلام ؟

إيفا :     عند بداية ظهور أعراض المرض ... لم تهتمي بها  وواصلتي فيما بعد إهمالي وإهمالها ... وحينما إشتد بها المرض بعثتي بها إلى دار العجزة ...

شارلوت: هذا إفتراء ... إفتراء ... إفتراء .

إيفا :     وهل لديك دليل آخر يناقض كلامي ... دعيني أسمعه أماه أنظري ألي ... أنظري إلى هيلين أماه لا أعذار لديك ... أنت لم تتجرأي إلى الآن على الدخول إلى غرفتها والنظر اليها ... حتى الآن مازلت تخافين التطلع إلى خطيئتك .

شارلوت: ولكنني لم أتعمد .

إيفا :     طبعاً لم تتعمدي .

شارلوت: إذاً لا يمكنك إلقاء اللوم علي .

إيفا :     تتوقعين دائماً ان تتم الأمور لصالحك ... لقد وضعتي نوعاً من النظام قابل للحسم والخصم مع الحياة ولكنك في يوم من الأيام سترغمين على معرفة أن اتفاقك ذاك هو من جانب واحد لا غير ... سترغمين على إدراك مدى الذنب الذي إرتكبته .

شارلوت: لا أعرف ... فيما أذنبت ... تعال إلى هنا ... قربي ... إنني خائفة بشدة هل تسامحينني على كل تلك الأخطاء التي ارتكبتها ... سأخاول إصلاخ أساليبي ... يجب أن تعلميني ساعديني فقط ... كراهيتك فظيعة ... لم أدرك ذلك كنت أنانية وقلقة وتصرفت كالأطفال المشاكسين اضربيني إذا أردت إيفا ... ساعديني . الآن أريد رؤية هيلين ...

إيفا :     هل أنت متأكدة ؟ إذهبي إليها إنها هناك .

شارلوت: اتركيني للحظة أريد أن أهيىء نفسي .

( تخرج إيفا / موسيقى  )

شارلوت: (تتحدث في التليفون ) بول عزيزي إنني آسفة لإتصالي بك في هذه الساعة المبكرة،  يجب أن أتحدث معك بصوت منخفض كي لا يسمعني أحد، هل تؤدي لي خدمة كبيرة ؟ أرجو منك إرسال برقية لي تقول فيها بأنه يتوجب علي التوجه إلى باريس في الحال لتصوير فلم ، لا أستطيع تحمل المكوث هنا يوم آخر ولكنني لا أقدر على مغادرة هذا المكان يجب أن يكون هناك سبب ما لقطع زيارتي ، إفعل أي شيء يا عزيزي بول ... هل هجرت تلك المراهقة ... برافو سأجعلك تعيش معي أيام لن تنساها ، إنني أعدك سأكون معك دائماً يا صديقي الجميل المدلل ... سأنتظر برقيتك ...

                                                         ( موسيقى / إظلام تدريجي )

المشهد  السابع

( يدخل فيكتور لوحده مع صوت نواقيس الكنيسة وهو يقرأ بكتابه) 

فيكتور: الناس ماتت قلوبهم ... شرارة صغيرة ستنطلق في يوم من الأيام لتبيد هذه الحياة ... بينما يتفرج الأنبياء على هذه المجزرة ... الشعور بالرعب يشل أرواحهم ... أي زمن هذا موحش وكئيب ...

(تدخل شارلوت حاملة حقائبها وهي تريد الهرب)

فيكتور: سيدة شارلوت إلى أين؟

شارلوت: اعذرني يجب أن أذهب.

فيكتور: بهذه السرعة؟ إنها السادسة فجراً.

شارلوت: أعلم ولا أريد أن توقظ إيفا.

فيكتور: أنت متكدرة إلى هذا الحد؟

شارلوت: لا أريد البقاء دقيقة اخرى ... أشعر وكأنني في محكمة سيقرر قاضيها الحكم عليّ بالموت عاجلاً أو آجلاً.

فيكتور: أنا آسف ما كنت أتمنى أن يحدث كل هذا ...

شارلوت: لا تأسف سيد فيكتور فحتى إيفا ليست مذنبة ... إنما هي الحياة.

فيكتور: الحياة ...

شارلوت: يجب أن أذهب لقد تأخرت ... (تقبله على جبينه وتخرج / يجلس وحيداً)

فيكتور : الحياة إنها تبدو للكثيرين منا صماء لا أمل فيها ... إلا أنها يجب أن تصبح أرحم وأوضح ... آه لو أنها تصبح كذلك بسرعة ... بسرعة فقط ... (تدخل إيفا).

إيفا: فيكتور صباح الخير.

فيكتور:   إ يفا ... إيفا ... لدي شيء أريد إخبارك به ... سافرت أمك صباح هذا اليوم ... لم تود أن أوقظك ... كنت غارقة في نوم عميق بسبب تلك الأقراص ... أوصت والدتك بتبلغيك حبها ... كانت قلقة وحزينة ... وقد بكت ... لقد حاولت طوال فترة تواجدها أن أكون بعيداً عنكما ولكن دون جدوى ... كان يجب أن أكون قاسياً معك ... فهل هذا هو اللقاء الذي كنت تعلقين عليه آمالك ... لقد سارت الأمور بشكل سيء ... لا أستطيع فهمك يا إيفا ... ما الذي يحدث ياإلهي ... لمَ نختزن كل هذه الكراهية لبعضنا ... لم نحاول أن نجعل من الآخر إلهاً لتنفيذ كل رغباتنا وحين يفشل ... ولابد أن يفشل لأنه ليس أكثر من إنسان ... إنسان مثلنا تماماً  ... نلعنه
ونسحقه ... نصب على رأسه كل لعناتنا ونمحله كل إحباطاتنا ... لماذا ؟ ... لماذا ؟ من أين للإنسان كل هذا المقدار من الكراهية ؟! علي أن أذهب لأبلغ هيلين بسفر والدتها (يخرج).

إيفا: (تصلي) عليّ أن أهدئ من نفسي ... عليّ أن أبكي بهدوء كي لا يسمعني أحد... أمي المسكينة تهرب كعادتها ... رحلت لأنني أفزعتها ... ربما لن أرها بعد الآن ... يا له من عذاب ... ليتني أموت ... لا ربما يريد الله الاستفادة مني بخدمة زوجي وأختي المريضة وبعدها يطلقني من سجن الحياة ... طوبى لأنقياء القلوب لأنهم يرثون العالم.

         (نسمع صوت تكسر زجاج نافذة وصرخة هيلين / تفزع إيفا وتحاول الذهاب إليها يدخل فيكتور)

 

المشهد  الثامن

إيفا: ما هذا؟

فيكتور: لا شيء ... تابعي صلاتك ... إنها الريح.

إيفا: فيكتور هل أخبرت هيلين بسفر والدتها؟ هل بكت؟ هل قالت شيئاً؟ أرجوك يا فيكتور أن تغفر لي ... ما حدث قد حدث رغماً عني ... آه يا فيكتور لو تعلم كم أعاني.

فيكتور: لا بأس ... ما العمل ... علينا أن نعيش ... سنعيش عدداً من الأمسيات الطويلة ... وسنتحمل بصبر كل تلك المحن التي ستبلونا بها الأقدار ... وعندما نموت ... هناك خلف التابوت سنقول إننا عانينا ... إننا بكينا ... إننا قاسينا بمرارة ... وسيشفق الله علينا ... يجب أن يشفق علينا ... سنرى يا إيفا أياماً مشرقة ... رائعة وجميلة ... وسننظر إلى بؤسنا هذا مبتسمين.

إيفا: آه يا فيكتوري الجميل ... الصبور ... لقد عذبتك بما فيه الكفاية ... معي لم تعرف الفرح ... ولكن مهلاً ... ستصبح حياتنا منذ الآن رقيقة ... دافئة كالحنان ... أنت تبكي الآن لماذا؟ لماذا؟

فيكتور: لقد رمت هيلين بنفسها من النافذة.

(إيفا تحتضن فيكتور وتغط في بكاء صامت / موسيقى / إظلام تدريجي)

 المشهد التاسع

            (مرت عشر سنوات / فيكتور جالساً يقرأ في كتابه وإيفا
 تكتب المزيد من الرسائل لأمها)

فيكتور: (يقرأ) ياله من فراغ بلا نهاية ... لقد ماتت الشمس ... والأرض لم تعد تقبل الموتى تحتها ... ولم يكن أحد يعلم أن اسم تلك الحمامة التي فرت من القلوب ... الإيمان.

إيفا :     (تكتب رسالة ) أمي العزيزة ... أدركت الآن أنني مخطئة بحقك ... عذبتك بكراهية بغيظة ... إني أطلب مغفرتك الآن ... الماضي هو الماضي ... ولكني لن أدعك ترحلين ثانيةً ... أصلي من أجل محبتك ومن أجل عودتك لنا... لا أريدك أن تختفين من حياتي ... سأكتب لك المزيد من الرسائل ولن أستسلم حتى توافقي على زيارتنا ... لقد مر على لقائنا الأخير عشر سنوات ...

فيكتور: إيفا إنها الرسالة العاشرة في هذا الشهر... لم تلحين عليها ربما هي لا تريد زيارتنا.

إيفا: ولكنني بحاجة إليها الآن ...

(تحاول الخروج / نسمع صوت القطار ثانيةً / تدخل شارلوت وهي تحمل حقيبة سفر)

 

فيكتور: سيدة شارلوت ...

إيفا: ماما ... ماما...

شارلوت: أنا آسفة بشأن موت هيلين.

(موسيقى / إظلام تدريجي)

                                        

                                                         تـمـــت

                    دمشق 1999

مراجع النص:

1.                   سيناريو فيلمي وجهاً لوجه

  وسوناتا الخريف لانغمار بريغمان.

2.                    قصيدة أناشيد أرضية للشاعرة

  الايرانية فروغ زاده.

3.                    مقاطع من نص الخال فانيا

  لانطوان تشيخوف

عودة الى الرئيسية عودة الى الشبيه
دير الملاك كتابة السيرة على الماء ماكتبته الصحافة مواقع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح