مسرحية

في مهب الحب

الى روح فنانة الشعب زينب

 

. النص عن فكرة وردة عبر التأويل في قصة قصيرة للكاتبة السورية سمر يزبك بعنوان الصديقتان والنصوص الشعرية الواردة في النص للشاعرة الايرانية الراحلة فروغ فرغ زاده .

. زينب : الزوجة / سيدة في الخاتمسة والثلاثين لها ملامح حادة اتعبتها الأيام .

. مريم : العشيقة / في الثانية والثلاثين مازالت تتقد جمالا .

. يوسف : الزوج / العشيق / رسام / الحاضر الغائب .

 

 فرضية أولية لفضاء النص والعرض :

 

المسرح مساحة سوداء داكنة وصماء /ألأرض سجادة من    الرمل الاصفر المتماوج حيث

الشخصيتان تنغرسان فيها / في مقدمة يمين المسرح ثمة كرسي منغرس في الرمل جلس

رجل( يوسف ) وقد أرتدى بدلـة سوداء واعطى الجمهور ظهره / في الرمـل تنغـرس

ايضا شموع وزهوروينطلق منه البخور من اماكن متعدده .

 

 

. مفتتح 

         

 مع دخول الجمهور ثمة غضاءة شاحبة على المكان وتنبعث أغنية لفيروز( مشوار) ومع نهاية ألأغنية تنطلق موسيقى 

 بيانو مع كمان حزينة وهادئة وهنا تتحرك زينب التي كانت راكعة في وسط عمق المسرح وتحدق بيوسف بينما تدخل مريم وهي ترتدي معطف أحمر وتحمل حقيبة سفر وعندما تكتشف الحداد الذي يحيط بالمكان تسقط الحقيبة من يدها وتنطلق بحركة راقصة تعبيريه عن ألألم الذي يمزقها ألآن ولكن بشفافية كبيرة بينما تتابع زينب قصيدتها ...

 

زينب : وها أنذا أمرأة وحيدة ... على عتبة الفصل البارد ... مضى الزمن ... والمنقذ يرقد في تابوته ... لقد مضى الزمن ...

         حبيبي ... يا حبي ألأوحد ... أنك تائه مثل روح النبيذ ... فأنى لي أن أمسكك أو أراك بعد ألآن ؟ أنا ألآن مع عطرك الراحل عن الدنيا غير عارفة ماذا ينسج لي الغد...ووجودي كله آية مظلمة تكرر نفسها ... آه  حياتي كلها ترتعد ألآن لأني لا أراك يا للحسرة نحن معذبون وآفلون ... ياللحسرة نحن سعداء وهادئون ... سعداء لأننا نحب ... معذبون لأن الحب لعنة !!!! *

 

( صمت / تتوقف مريم في جمود تام وتتوقف الموسيقى )

المشهد الاول :

مكابدات زينب

 

                  ( مريم جالسة على حقيبتها وزينب راكعة وسط الرمل .... )

 

مريم : ماذا؟ هل عدت الى كتابة الشعر ؟ (صمت )

زينب : غريب ... طوال حياتي لم أهجره حتى أعود إليه ألآن ... بعض ألأشياء تختفي في دواخلنا ... تصمت ... تختفي عن 

         الرؤية ولكنها لا تموت ... إنها تظهر بمجرد أن نستدعيها ...  أعني ألأشياء ألأصيلة وحسب ...

( صمت / تنهض زينب /تتهربان من النظرلبعض)

مريم : زينب ... مابك ؟ هل أصابك مكروه ؟ أكيد حدث لك شيء ... وجهك ... عيونك تقول ذلك ؟ هل أزعجك أحد ما ...

(بعد تردد تتابع ) يوسف مثلا ؟! طيب ... حسنا ... لم كل هذا السواد ؟     

                                                                                            ( صمت طويل )

زينب : طبعا تسألين ... هل كلفتي نفسك المجيء الى هنا أو ألأتصال لمعرفة ماذا حدث ؟ أول مرة تفعلين ذلك معي ... منذ كنا صغيرتان لم تبتعدي عني للحظة ... وألآن مضى اسبوع ولم أرك فيه ... أسبوع مضى وأنا جالسة لوحدي ... أشرب القهوة وحدي ... أنام واصحو وحدي ...

مريم : وحدك ...؟!

زينب : أين كنت ؟

مريم : ( تتهرب ) مشاغل الحياة ... أقسم بحياتك ... أنت تعلمين ما هي مشاغلي ... آه تذكرت انت السبب ... كنت مشغولة بسببك ... الم تلحي على في موضوع الزواج  ... سأفعلها أخيرا ياصاحبة الجلالة ... سأنفذ أرادتك الملكية ... سيتحقق حلمك ...

سأتزوج ويكون لي بيت وأطفال  كما تتمنين ... طيب حقك علي ... ( تحاول تقبيلها فتهرب زينب منها  ... صمت طويل )

زينب : أنت تكذبين ...

مريم : زينب ؟!

زينب : ليس هذا هوالسبب الحقيقي ...أتذكرين تلك الأيام التي نتفق فيها على عدم رؤية بعضنا كنت تكسرين الأتفاق وتأتين لرؤيتي ... أتذكرين يوم قررتي الهرب من المدينة إلى الريف ... كنت كل يوم تضعين ذريعة وتأتين لزيارتي ...

مريم : نعم ... نعم ... ولكني كنت آتي لأطمأن الشباب رفاقنا ... وقتها كان الوضع مخيف ... كنت خائفة عليكهم وعليك ....

زينب : عليَ.

مريم : كنت أخشى أن يتم إعتقالك مثل البقية ... آه يا لتلك الأيام ... كان لها طعم ثان ... كان للأشياء لحم ودم ولون ورائحة ... أتذكرين أيام الرب ... (حرب الخليج ) ... لم ننم ليلتها ولا في الليالي الأخرى ... أما الآن لو قامت الدنيا ولم تقعد لا أحد يهتم ... أنا شخصياً لو حدث إنفجار نووي يدمي هذا الكون كله لن أتحرك ... أعترف لك الامبالاة  لف  حياتي وضيعتني معها ...

زينب : كل شيء يصبح بلا لون وبلا طعم وبلا رائحة عندما نتعامل معه بلا صدق وبلا إحساس ...

مريم : رجاءً بلا مثاليات سلبية ... أنت مثلاً ... هل أنت زينب زمان ... أنت زينب التي كانت المدسة تغار من ضحكتها ... طبعا لا... وأنا لم أعد تلك المعلمة التي كانت تتلهف للأستيقاظ صباحا لتعلم الصغار وتربيهم على القيم ... تورمت عيناي وأنا أقرأ مصدقة لتلك القيم والشعارات ... بلا كلام فارغ رجاءً ... لم يتبق منا ، أنا وأنت إلا جسد متهدم وحياة مخربة تنهار يوما بعد يوم ... لماذا تركت كتابة الشعر؟ لماذا تركت المدرسة بعد أن أصبحت مديرة ؟ لماذا هجرت الحياة ؟ وقعدت في بيتك كالسجينة؟

زينب : هذا موضوع آخر ... وضعي أنا قصة ثانية ...

مريم : لا قصة ولا بطيخ ... القصة الحقيقية أننا كنا نحلم أحلام كبيرة مثل كل بنات جيلنا ... أحلام بالحرية والأنعتاق ... وماذا بعد ... أنت أصبحت مديرة وأنا تركت التعليم وأشتغلت براتب لا يكفيني لنصف الشهر ... فجأة أكتشفنا أن كل أحلامنا كانت مجرد فقاعة صابون ... فقاعة صابون يا شاعرتي ...

 زينب : ( بهدوء وحزن ) يوسف أصبح كل حياتي... أعطاني ما لم تعطيني أياه الحياة ... هكذا كنت أعتقد ...

مريم : يوسف رجل بقدر الحياة ... أنه يكفي لكل نساء العالم ... لكن كان يجب أن تقاومي.

زينب : أقاوم ماذا ؟ كان رفيقك في النضال وأنت التي عرفتني عليه ... وأنت تعرفين جيدا أنه لا يقاوم!

مريم : ( بأندهاش ) ياه ... ذكرتيني ... كان صديقي مضبوط ... يوسف كان صديقي وفجأة يصبح صديقك ...وفجأة أذهب إلى الريف بعد ما أنكسرت روحي وأحلامي ... هربت من ياسمين العاصمة المتغلغل في نفسي ... بينما كان يوسف ينغرس في روحك ... فجأة عدت وشاهدتكما معاً.

زينب : فرحتِ؟

مريم : ( بحزن ) فرحت طبعاً؟

( تنهض زينب وتمسك شعرها .... وتتلمس جسدها وتمشي بغنج هاديء ) ( أغنية فيروز أبقا ميل أبقا سأل ) .

زينب : مريم أتعلمين أن يوسف لا يوجد رجل مثله على هذه الأرض ... غريب ... ويعشق لأنه غريب ومدهش ... ضحكته تخلق لي الفرح ... لا ... ليس أي فرح ... الفرح الذي يدغدغ الروح من الداخل ... عندما يضحك أشعر أن دمي يضحك معه ...

تكفيني نظرة واحدة حتى أشتعل وكل نقطة في جسمي تتحرك ... تنثار وتطلبه ... لكثرة ما أشتهيه أشعر بجلدي يحكني ... وأحس أن لديَ الرغبة بأن أقبل حتى أصابع قدميه ... عندما يجلس ليرسم في مشغله ... أترك كل شيء وأجلس مبهورة لأتفرج عليه ساعات وساعات ... أنسى الدنيا ومن فيها .... أحدق في أصابعه الملائكيه وهي تشكل اللوحة ... يا ألله كم أعشق أصابعه الطويلة ...

طوال الليل ... ناديتك أنت...

كان وجودي كله مثل كأس خمر ، بين يديك ...

طوال الليل ... بين نهدي أحد ما يلهث يائساً..

نفساً ... نفساً ...

أحد ما ينهض ... أحد ما يريدك ... أحد ما يناديك ...

وأنت جئت من البعيد البعيد

من أرض العطور والأنوار

أنت ... يا من كله أخضر ... يداك اللتان مثل ذكرى ملتهبة

ضعهما بين يدي العاشقتين ... وشفتاك كأنهما أحساس دافيء بالوجود

ضعهما برفق على شفتي العاشقتين ...

ستأخذنا الريح معها ...

ها أنت الآن هنا ... كعطر الأكاسيا ... ثقيل على صدري ...

حار في يدي ... سكران في ضفائري ... محترق ... مندهش ... انت الآن هنا ...

آه لقد ذهبت الآن

إله الحزن القاتم ...

بخفة يتقدم مني

يضع يده على معبد عيني

ويكتب على جدرانها ... آيات كلها سواد ... سواد   *

( تتوقف ) 

           

زينب : ( تتابع ) لم أشعرفي يوم من الأيام بأي نقص معه ... بأي حاجة إلى شيء غيره ... كان قد ملء روحي وحياتي وأقفلها

بيديه ... أشعردائما أن قلبي يطوف في دواخله ... لا بل أرى روحي في روحه ... نعم ... أرى  ذلك من عنيه الغارقتين فيَ ...

( تتوتر ويتضح عليها الأنفعال ) لكني معه كنت أموت ... كل يوم ألف مرة ... موتني وأحياني كثيراً ... وأنت تعرفين ذلك...

مريم : زينب أهدأي قليلا .. ( تتغير الموسيقى زينب تتصاعد بالتوتر )

زينب : كل ليلة أضع فيها رأسي على المخدة  وهو ليس في البيت ... كنت أتخيله جالسا أو نائما مع أمرأة غيري ... مرة أتخيله مع سمراء ومرة مع شقراء ... مرة مع طويلة ومرة مع قصيرة ... مرة مع سمينة ومرة مع ضعيفة ... وكنت أسأل نفسي كيف ينام معهن ... كيف يتنهد معهن ... كيف يتعرق جسده على أسرتهن ... لم أكن أنام ... لم أعد أنام إلا وهو بجانبي ... صرت أغار من كل فتاة ... يا للغرابة أنا لم أكن هكذا في الماضي ... ماذا حصل لي ... عندما قررت ترك المدرسة كان ذلك نتيجة لخوفي من أن أضيع يوسف من بين يدي ... خدعت نفسي بالقول : أن يوسف رسام كبير ومشهور يجب أن أتفرغ له ... كنت مقتنعة أنه سيحدث ثورة في الحركة التشكيلية ... آمنت به حد العبادة ... تركت الدنيا من أجله ... وحتى الأولاد يا مريم لم أنجب من أجله...

أنت تعلمين كم كنا نحلم بالإنجاب لما كنا مجرد بنتين تلعبان في الحارة ... كنا نريد أن نركض بالزمن لنكبر ونتزوج وننجب أولاد نعرف كيف نربيهم ... كنت أحلم بأن أصبح أماً كنت أتلهف لسماع كلمة ماما ... أحلم بولد أو بنت صغيرة مثل العصفور ينام على صدري في الليل ... أرضعه وأغني له ... (تضغط على صدرها ... فجأة تصرخ ) ... قال لا أريد ... ال أريد الإنجاب ولا الأولاد ...لا أريد شيء يؤثر على الرسم ويقيد حركتي الفنية ... وأستسلمت له عن طيب خاطر ... وقلت يا الله يا بنت ... بلا أولاد بلا وجع رأس ... يغيب لأيام وشهور وأنا أعرف أين يكون وأصمت ... وعلى سريري كل ليلة يحترق جسدي شوقا إليه ... وأصابعي تبدأ بلعبتها المألوفة ... لعبة قديمة من أيام الصغر ... وما كنت أتخيل رجلا غيره ... كان هو في مخيلتي وأصابعي تلعب وتلعب وتلعب ... ولا تترك في النهاية غير الدموع والغصة في فمي وروحي ... وعندما يعود ... يأتي محملا بالقصص والحكايات ويجلس يرسم ويرسم لأيام وأيام دون أن ينتبه لي ... لا بل كنت أخبيء وجعي في قلبي وأكتم عليه ... وكأن شيئاً لم يكن ... فجأة أكتشفت أنني وحيدة بلا أهل بلا أصدقاء ... حتى أصدقائي خرجوا من حياتي دون أن أنتبه ... طبعا ما عداك ... صحيح ... كيف لم نبتعد عن بعضنا لحد الآن؟

مريم : ( تمس شعرها وتخاطبها بحنان ) أتفق معك تماماً... يوسف قادر أن يصيب أي أمرأة ... أقوى أمرأة بالجنون ...إنه رحال دائماً... لا يكف عن الحركة ... يحلق دائما ولا يقف على الأرض ... يعشق حد الجنون ... ويعبد كالآلهة ... حمقاء تلك التي تتزوجه لأنه يهلكها هلاكاً ... ولكني لو كنت متزوجة منه لكنت سعيدة ولم أندم على ذلك ... لكن المشكلة ليست هنا ... المشكلة الحقيقيه فيكِ أنت ... يوسف طار بك لأنك كنت شابه قوية ... أقوى منك الآن ... بنت فوق الريح ... محلقة بالنشاط والأنوثة والأفكار... كنت تصيبين الرجال من حولك بالجنون ... ولكن فجأة أستسلم ذلك الطائر المغرور لشراك يوسف ... أصبحتِ له بكل تفاصيلك ... وهو لم يكتفي بذلك ... بل جعلك ملكاً خاصاً من أملاكه ...سجنك في روحه ... وسيطر عليك بعقله وتفكيره ... وعندما أنتهى منك ... بدأ يفكر في الأشياء الأخرى ... إنه يحب المستحيل ... يعشق الأشياء التي تعانده ... قفز قلبه من صدره...

وسافر بعيدا عنك ... هو رسام متميز لأنه يرسم بحرية قلبه ... لا يحب أن يسيطر عليه أحد ... يموت إذا أمتلكه أحد ... ولكنك أصبحت مثل كل النساء العاديات ... وبدل أن تحركي فيه الأشياء صرت قيداً ... لا بل دمية تنتظر قراراته ... لأجل ذلك ...              

( صمت )

زينب : لأجل ذلك ماذا ؟

مريم : ( تتوتر وتخفي وجهها بين يديها ) ... لا ... لا شيء ...

زينب : أتعلمين كنت أخدعه أحيانا ... أوهمه بأنني ذاهبة لمقابلة رجل ما .... أرتدي أحلى ما عندي من الملابس الداخلية وأضع مكياج فاقع عندما أخرج وعندما أعود أمسحه عن خدودي وشفتاي وأحدثه عن روعة ذلك الرجل الوهمي لعله يغار منه ... فأجده يقول ... ولم لم تدعيه لزيارتنا ... مرة من المرات أنفجرت بوجهه صارخة ... وبكيت ... صارحته بحقيقة مشاعري .. أتعلمين بماذا أجاب...قال...أنا لاأغارلأنني متأكد انه لا يوجد رجل في العالم قادر أن يأخذ مني شيء يخصني ... نسائي سجناء هذا القلب و إلى الأبد ... نرجسي فظيع ... صدقيني مريم أنه لم يكن يكذب ... كلامه صحيح مئة بالمئة ... كنت أظل أحوم حوله وأقول لنفسي ... هل بأستطاعتي هجرانه .... آه لو أستطيع العيش لوحدي ... وعلى حريتي أن أعود كما كنت طائر حر ... هل بأمكاني العيش بحرية دون أن يتدخل أحد بحياتي ... كنت أهجره لكني كنت أشعر بأني أكذب على نفسي ... لأنني كنت أصطدم بعواطفي باسئلتي ... ترى لو طلقت يوسف كيف سأعيش بعيدا عنه ... مع أهلي ... آه ساعتها لن يتركوني أعيش على سجيتي...وانا بدوري لا أستطيع الحياة على طريقتهم هذا حلال وهذا حرام ... هذا عيب وهذا منافي للتقاليد ...

                                                                                                                                        ( صمت )

 

هراء ... كلام سخيف ... يجب الا أفكر هكذا ... واحدة مثلي يجب ألاتخاف من هذه الاشياء التافهه ... ياه .. هل انا نفسي تلك البنت التي أكلت ضرب من أهلها حتى شبعت لكي تتزوج من تحب ... يا للقرف ... مريم ... كيف وصلتي إلى هذا الوضع... كيف مرت كل هذه السنوات عليَ ... وماذا فعلت بي هذه السنوات لقد صنعت مني إمرأة تافهه .... تفكر بطريقة أمها... وجدتها ...ها..ها.. ها ...

 ( تضحك بيأس) على كل حال أنا مرتاحة البال لأن أهلي وأقاربي قد تبرؤا مني لأني تزوجت رجل فنان ومشهور بأنه زير نساء ... سكير وفلتان ... هكذا يقولون عن يوسف ... طائش وليس من عائلة معروفة وعريقة ... عندما جاء إلى خطبتي طردوه اكثر من مرة وقالوا عنه دهان. صباغ . ويريد بنت الحسب والنسب ... وأنا وقفت كألجدار بوجوههم ... ليس من اجل العناد أو تكسير طوق التقاليد ... لا بل لانني لا أستطيع العيش بدونه ... ولكنه يقول انه يستطيع العيش بدوني ... يا للسخرية ... كم تعذبت من أجله ... كم قاسيت ... هو يعترف أنه يقدر صبري عليه وعذابي من أجله ... إلا انه لا يكف عن هوسه بالحرية والنساء ... وانا سكت ليس من أجل شيء... بل من أجله ... من أجل حبي له ... من أجل حريته ونجاحه ...سكت لان جرحي مع يوسف شيء مرعب ومخيف ... فاذا ما صرخت فلن يفهم أحد صرختي وسر سكوتي وعبوديتي هذه ...

سكت لانني أعرف جيدا عدم قدرة أي كان على تفهم ما يحدث بيننا ... كنت أخاف حتى من صمتي عليه أحياناً فقد يتهمني البعض بأنني متواطئة معه ... أقود له بصمتي ... تصوري ... يا للهول ... يا للرعب ... يا للخيبة ..

                                                                                                                             ( صمت )

كنت كل صباح أكتب له على ورقة قصيدة وأضعها تحت وسادته ... كل صباح .... ينهض ويخرج وتبقى الورقة خرساء تحت الوسادة لم يقرأها ... لم يبالي ... لم ينتبه ...      ( تردد قصيدة مع الموسيقى )

 

                                 أنظرمن كوتي انا لست سوى  دندنة أغنية

                                 لست خالدة .... ولا أبحث إلا عن تلك الدندنة

                                 أنا أغنية من القلب إلى القلب ...

                                 أنا ... يا للغرابة ... ما هذه السعادة ....

                                 أنا مدمنة يأس ... **

 

 

( تتابع ) مرة حاولت قتل نفسي ... كنت أعلم أنه ما من أحد غير الموت سينقذني منه ... وجعي به أخذني من روحي ... لا أستطيع النوم ولا الحركة ... أصبت بالشلل ... ساقاي لم تعد ترغبان بالمغادرة من البيت مادام هو موجود... ولما يغيب أخاف الخروج لئلا يرجع ولا يجدني ... لا لخوفي منه ... فهو لا يغضب لغيابي ... وهو لم يتدخل في حريتي مرة ... كنت ابقى جامدة كالتمثال في انتظاره لكي أتلذذ برؤيته ... لماذا ؟ أنا لم أكن هكذا من قبل ... كنت أسخر من حب العبودية هذا ... وأسخر من النساء المستعبدات ... النساء المراهقات المفتونات بالحبيب ... لكن يوسف تلبسني ... تقمصني ... ولم يخرج من روحي ... سجنني سجناً مؤبداً ، سجناً لذيذاً ... بلا جريمة أقترفتها سوى أنني أحببته ... لم أستطع طرده من روحي ... ولم أستطع أن أكون حرة مثله ... ماذا أفعل ... ماذا أفعل ... ماذا أفعل  ( نواح )  في كثير من الاحيان اتخيل نفسي بطلة رواية ... صار من الواجب ان يكتبوا عني رواية الوله الشرقي أو يصنعوا من قصتي فلما أو مسرحية أو مسلسلا تلفزيونيا ... ليس هذا فقط ... ولكنني كرهته أيضا ... كرهته كثيرا ... كرهته جدا .. جدا .. جدا .. آه أتراني أحزن أم أصبت بالجنون ... أم أنني من عذابي أحتضر وأهذي ... آه ليتني أموت ....

                                                                                                                 

  ( تنهار على الأرض )

مريم : ( تهجم عليها وتوقفها ) كفى توقفي عن هذا الجنون ...

زينب : أي جنون ... أن أموت من أجله ... نعم هذا ما أتمناه .... ما أحلى الموت من أجل يوسف .. سوف أقتل نفسي وأرتاح ...

مريم : كفى ... توقفي ... كفى ..

زينب : لا ... هذا لا يكفي لقد كرهت ضعفي وبكائي ... يجب أن أنتهي من هذا الوجع ... الموت هو الحل ... والآن .. الآن .

( تنهض لقتل نفسها مريم توقفها وتصفعها بقوة ... تسقط و تنهار معها مريم وتبدأ بمسح دموعها وتعترف بشكل لا أرادي ...

ودون أن تنتبه لنفسها ... )

مريم : وأنا أحبه أيضا ... أحبه حد الجنون ... حد الإدمان ... أحبه أكثر منك ومن أي  إمرأة أخرى ... حب أكبر من أي قصة حب في التأريخ .... حب أكبر من قصص الحب من أول ما بدأت الحياة وإلى يومنا هذا ... وأحبك أنت كذلك يا زينب ... مثل ما أحببته ( تنهار المرأتين ... وينسحب الضوء ، وتسلط بقعة على الكرسي في الأمام حيث يجلس الرجل ... موسيقى ) .

( مريم تنطلق في رقصة عذاب كتمهيد لحكايتها مع موسيقى خاصة ) .

 

 

المشهد الثاني :

 

                                                أعتراف مريم بالوجع المحرم   

                                           

                                     ( زينب متكورة على نفسها وهي جالسة ، مريم تناجي شخص وكأنه بعيد عنها )

 

مريم : أتعرفين ماذا يعني أنني أحببته ... لا أحد يفهم ماذا يعني هذا الحب ... لا أحد يفهم كيف نضج هذا الحب ... أنه مثل الكثير من الأشياء العادية التي تمر بنا وفجأة نشعر أنها ليست عاديه ... بل أنها أهم شيء في حياتنا وأكبر من وجودنا ... قبل أن تتزوجيه لم اسأل نفسي لماذا أحببته ... ولم يخطر ببالي ذلك الجنون الذي سأصاب به وبسبب حبي له ... هبط علي من السماء البعيدة مثل شال حرير بنفسجي ... وقبل أن أرتوي منه حلق عني بعيدا ... أتفهمين ماذا أعني ؟ لما رجعت من الريف ورأيته معك ... يدك بيده ... وسريره أصبح سريرك ... ونفسك صار نفسه ... هربت ... سافرت مرة أخرى إلى الريف .... لم أهرب بسبب الأوضاع التي لم تعد تطاق ...لقد أدعيت ذلك... لا ... كان هربي لسبب أكبر من ذلك ... وعندما أصبحت بعيدة عنكما ... تعذبت كثيرا ... بكيت ... ونزفت روحي من الألم ... كنت كطفلة تركض وراء قوس قزح تطلب منه الهبوط وهو يمد لها لسانه يشاكسها ويسخر منها ... وأخيرا يذوب مع ضوء الشمس ... قاومت ... قاومت ... ولكني فشلت ... أستسلمت وعدت ... رجعت يا زينب ... رجعت لأنه كان قدري ... هنالك شيء أعرفه ولكنه لا يوصف ... شيء أكبر من الكلمات دفعني لكي أتعلق به حد الجنون والهوس ... فيه شيء يسحرني ... يمكن جنونه ... أو حريته ... نعم حريته ، لم أعرف شخصا حرا مثله في حياتي ...

جنونه بالرسم ... حنان يديه ... لا أعرف ... لا أعرف بالتحديد ... صدقيني زينب يوسف يحبك كثيرا ... يتكلم عنك بأستمرار..

يتكلم عنك مثل شيء إلهي ... دائما يتغزل بك وهو معي ... وأنا لم أكن أغضب ولا أغار لأني كنت أعرف انك تستحقين أكثر من ذلك ...كذلك فأنا أحبك بقدر ما أحبه ... امر غريب اليس كذلك ؟ يا للقدر اللعين ... ياللفخ الغريب الذي وقعنا فيه نحن الثلاثة .... اتعلمين عندما يذكر اي امرأة اخرى غيرك كنت اجن من الغيرة والحقد ... كنا نجلس ونتحدث عنك بدفء ... كنت حاضرة بيننا دائما ... نحبك ونخاف عليك ... مثل تحفة غالية .. كاي شىء مقدس نخشى خدشه او ضياعه... كنت في قلبينا انا ويوسف ... كان يقول : ليتني كنت من نمط اخر لاسعد زينب ... هي لا تستحق منى كل هذا السخف  . ( صمت ) اما انا فلم اكن اريد منه اكثر من الحب ... عشقت عوالمه وسحره وطريقته في تحليل الافكار والاشياء ... كنت دائما افرق بين اصابعه واصابع ابي التي طالما تركت على خدي اثار سوداء وحمراء وزرقاء ... بسبب تلك الاصابع القاسية لم اكن اعرف كيف اعيش بين الناس ... تلك الاصابع الجهنمية اصابت روحي بالمرض ... عقدت حياتي .... وعندما كانت اصابع ابي تتعب من الصفع كان ياتي دور اصابع كف الاخ الاكبر واثارها تتكاثر فوق وجهي ....... اما مع يوسف فقد تغيرت علاقتي مع كل الاشياء من حولي ...

صرت اعشق الأصابع ... قبل معرفته كنت أقول اتمنى لو يعاد خلقي بهيئة حمار او صرصار ... اي شيء اخر مهما كان حقيرا بدلا من ان اكون بنتا ... اما معه صرت احب الفتاة التي في داخلي ... صرت اعشق جسدي ... صدري وشعري ... ساقاي...

 وشفتاي ... في بداية علاقتنا قلت له : انني ارتعب منه عندما يقترب مني ... ( صمت ) تصوري من وقتها لم يقترب مني...

ظل يجلس بقربي دون ان يلمسني حتى جاءت تلك الليلة الالهية ... انا ذهبت اليه... ودعوته الى بيتي ... لم استطع المقاومة..

كل شيء فيً كان يطلبه...يريده ...لم اخف منه حينها ... بل ونسيت ايام الكوابيس السوداء تلك ... نسيت البنت الصغيرة التي تخاف من اي رجل يقترب منها لانها تتخيله وحش يريد تمزيقها ... وحش كذاك الوحش ... عبد القهار ... وحش عبدالقهار ...

ابن العم ... المتدين ... الوحش ... مدمن صلاة الجمعة في الجوامع ...الذي  كان يحفظ القرآن والادعية عن ظهر قلب ..ويكثر من الصوم.. الوحش البليغ بمواعظ الحلال والحرام ... عبدالقهار...

ابن العم ... الوحش الذي اطبق علي في فراغ بيتنا وانا طفلة ليذبحني من بين على ارضية باحة الدار الحجرية وأمام السماء التي كانت شاهدة أخرس على تلك الجريمة ... صرخت لا ... وانا الصغيرة التي لم تعرف بعدالحروف وارقام الحساب .... صرخت حرام .. حرام ... الا انه كان يغرس خنجره في روحي ليشلها ...

                                                                    ( صمت ، تنفجر ضاحكة )

نمت مع يوسف في الحديقة العامة ... اتصدقين ذلك ... لقد تخلصت من تلك البنت الخائفة التي لم تكشف حتى عن جريمة اغتصابها خوفا من الله والاعراف والتقاليد ... نعم فعلتها معه في السينما وفي المكتبة العامة ... مرة وقعنا في كمين حارس الحديقة وكاد يمسكنا فهربنا منه كالمراهقين وبقينا نضحك ونضحك حد البكاء ... كنت استعيد طفولتي وحريتي معه ... بل كنت استعيد كينونتي بكاملها وعن رضا ... والمرة التالية كانت في المصعد ... بثواني انتهينا لا اعرف كيف ... النشوة والشهوة والرغبة بتكسير المألوف والمنطق كانت هي السبب ..ولكن اتعلمين لا تكاد ساعة تمر الا ويذكرك..

ويوصيني بك ... قائلا : مريم انتبهي رجاءاقسم انني اموت الف مرة عندما ارى زينب غاضبة او منزعجة ... يا الله كم كنت احبه اكثر عندما يقول ذلك ... يا الله كم هو انسان .. بل اكثر من انسان ..

                      (يسلط الضوء على زينب التي تكاد تنفجر )

زينب : يا ساقطة ... يا شريرة ... وانا الغبية كنت اقول لنفسي لا مستحيل ... مريم لاتفعلها ...

مستحيل مريم تقترب من يوسف وهو يحمل روحي ورائحتي ... لا كل النساء الا مريم ... هاه ...

كنت تريدين الانتقام مني ... عدت من الريف واصطدمت بزواجنا ... لم تصدقي ان يوسف يمكن ان يحبني بدلا عنك ... ويفضلني زوجة له عن جميع النساء ... نعم تزوجني واعطاني اسمه دونا عنكن جميعا ... يا .. عاهرات ... عاهرات ... عاهرات ....

مريم : لا تكوني غبية ... انا رفضت الزواج من يوسف قبل ان يرتبط بك ... لم اكن ارغب بالزواج منه ... لم ارغب ان اكون في مكانك هذا ... وفي وضعك السخيف هذا الذي وصلتي اليه ... لم ارغب ان اكون تلك الجارية التي تجلس في البيت بانتظار ولي امرها ونعمتها لتقول له شبيك لبيك خادمك بين يديك ... لا يا زينب انا اذكى منك بكثير ... كنت انظر الى الامام وارى مستقبل تلك العلاقة... كنت الجانب الابيض والحر في يوسف ... اما جانبه الاسود فتركته لك ... لم اكن اريد ان اكون اكثر من عشيقة له وتركت دور الزوجة التي تتعذب من خيانته لك ... كنت اريد اجنحته التي يحلق بها لاحلق معه عن عالمي المخرب والبائس وماضيً الاسود ....

زينب : والآن ....

مريم : ماذا ؟

زينب : لم تعد لديك ذلك الجناحين .... يوسف لم يعد موجودا ...

مريم : كيف لم يعد موجودا ؟

زينب : مات ...

مريم : ما ....ت ؟!

زينب : نعم ... انا قتلته بيدي هاتين لاتخلص منه ومن عذابي معه .... بعد الان لم يعد بمقدوره خيانتي ... بعد الان لم يعد بمقدور اي امراة ان تحقق نشوتها معه ... هو الان تحت التراب ويتلوى بين الوانه السوداء وقد يكون نسي لون عيني وعينيك ...كان يجب ان يموت حتى يتوقف الدمار الذي ينشره حوله اينما ذهب .... ولكن كيف لم تسمعي بخبر وفاة الفنان العظيم  لقد نشر الخبر في الصحافة والتلفزيون ... في الداخل والخارج ...

مريم : ( بانهيار وخيبة تحمل حقيبتها وتريد الخروج ) كنت مشغولة بشيء آخر ... كنت اعد نفسي للهرب معه ... كنا سنسافر انا واياه نلف الدنيا  لنهرب من هذه البشاعة التي تحيط بنا وتريد ان تكون الاساس في حياتنا وترسم لنا سلوكنا واحلامنا ... كنا سنرحل عنكم ... ونبقى معا ... هكذا احرار ... بلا اي قيود ... ( تتوقف ، ترمي حقيبتها وتهجم عليها ).

كلا لا اصدقك ... انت تكذبين ... تمزحين ... انت مجنونة ... زينب ارجوك .. انت غاضبة وتريدين الرد علي وحسب ... تكلمي .. اين يوسف ..

زينب : مات ... قتلته ... قتلته ...

مريم : ( تركض في ارجاء المسرح وتصطدم بالجدران كالحمامة في القفص ). يوسف ... يوسف .

يوسف ...

( موسيقى \ يتحول ركض مريم الى الى رقصة عذاب وزينب تلقي قصيدتها بحس هستيري )

 

زينب :

                                تركت نفسي في الظل

                                في ظل عشق لا يبالي ...

                                في ظل هروب السعادة

                                في ظل عدم التوازن ....

                                حياتي كلها ترتعد لاني لا أراك الآن ...

                                يا للحسرة نحن سعداء وخائفون ....

                                سعداء لأننا نحب

                                وخائفون لأن الحب لعنة... ***

  

 

 ( مريم تحاول الهروب والمغادرة تلتفت اليها زينب وتصرخ بها )  

                                                         

زينب : توقفي .... انتظري ... ابقي معي قليلا ...

                      

       

                        ( تتوقفان بجمود تام \ موسيقى .... )

 

المشهد الثالث

من هو يوسف ؟

 

( تتحركان وتجلسان على الرمل مقابل بعضهما )

 

مريم : يا ترى خنتك كثيرا ام قليلا ... كم ؟

زينب : انت قولي .. كم ؟

مريم : قولي لي ماذا تعني الخيانة ؟

زينب : لا ادري انت اعلم مني بهذه الامور .

مريم : يا ترى لو انني احببته وخبئت حبي له في صدري اكون خائنة .... انا كنت حقيقية اكثر من اللازم ..

زينب : يجوز كنت حقيقية ولكن مع نفسك وليس معي ...

مريم : هو الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتي ...

زينب : اكيد ؟

مريم : انت تعرفينني ... ولم اكذب ... زينب ... اسمعي ... ( تتلعثم ) الان طز فيك ... طوال حياتي لم احاول ايذاءك ... طوال حياتي كنت احرص على مشاعرك اكثر من حرصي على مشاعري ...

زينب : واين البرهان على ذلك ؟

مريم : اي برهان واي هراء ... كلما كان يغيب عني ينشغل بك انت ... لا بواحدة اخرى ... اكون سعيدة لانك تشعرين بالسعادة معه .. لم احبه لوحده .. بل احببت يوسف وزينب معا جنبا الى جنب ...

لم اتخيله وحيدا ابدا .. بل هو وانت معا ... بلا صورتك لم يكن حبي ليكتمل معه ...

زينب : غريب ...

مريم : طبعا غريب ... كل شيء غريب ... كل ما حدث معي غريب ...قبل ان اترك التدريس كنت اعلم الاولاد في المدرسةماذا يعني الوفاء ... وكم هو بشع الكذب ... وكم تحط الخيانة من قيمة الانسان ... وكنت اخجل من نفسي وانا اقول ذلك لهم ... لانني كنت افعل عكسه تماما ...

بكيت كثيرا ... نزفت من هذا الامر ولكن بلا جدوى ... كرهت نفسي وكرهته ... وكرهتك ... وتساءلت لم قدر لنا نحن الثلاثة ان نكون معا في زمان ومكان واحد ... من هو المسؤول عن هذا الفخ الذي تورطنا به ...ولكني كنت اعود الى حبه لانني ادمنت عليه ... هل تفهمين ...

زينب : افهم ماذا ؟

مريم : زينب انا لا اكره شيء اكثر من الخيانة ... وانت تعلمين جيدا  باننا جيل مخدوع ... وان خيانة الكبار هي التي قادتنا وجميع الناس والوطن الى هذا الحضيض ... ولكن حبي ليوسف شيء اخر..

آخر ... آخر ...

زينب : الكبار ايضا يبررون خيانتهم باسم التوازنات و . و. و.الخ من هذا الهراء ...

مريم : ترى من الذي قرر هذه القوانين ... من الذي تدخل ليرسم لنا حياتنا بكل تفاصيلها ...

زينب : المجتمع .

مريم : وما هو دخل المجتمع بالمشاعر ... المجتمع يتدخل بالمشاعر ليخربها ... هل يتعذب المجتمع مثلما نتعذب عندما نعاني من الكبت والحرمان ...من وضع المجتمع سلطان علينا ... نحن صنعنا هذا الوهم بايدينا وعقولنا البائسة ورحنا نمشي وراءه كالاسرى المقيدين ... ودون ان نفكر باصل الاشياء صرنا نكذب و نصدق الكذب ... المجتمع ... الاعراف ... التقاليد ...  السيرة .. الاجداد ... ووراء هذا السطح الذي يغلف عقولنا وارواحنا كانت رغباتنا تتعفن وتقبلنا عفونتها ... لقد تركنا الحقيقة وتبعنا

الوهم ... ترى هل يشعر هذا الوهم الذي تسمونه المجتمع بانين ارواحنا ... هل يصاب بالجلطة مثلما

نصاب ... هل يموت معنا محروما من تحقيق احلامه مثلما نموت بالمئات يوميا من الحرمان ...

لماذا تسكتين الآن ... انا امراة حرة ... لم ادع اي احد يقرر لي حياتي... صدقيني انا لم اخنك ...

بل كنت امارس حقيقتي وحريتي ولم امس حريتك او حقيقتك بسوء ... ولكي تكوني مرتاحة كانت لك الاولوية دائما في حياة يوسف ولم اعترض على ذلك بل كان ذلك يسعدني ... لكنها راحة اللعنة ...

فعندما ترتاحي انت اتعذب انا ... وعندما ارتاح انا تتعذبين انت ... عندما تشعرين بالسعادة معه نصفي يشعر بالسعادة من اجلك والنصف الآخر ينكوي ويحترق ... هذا هو الجحيم اذا ... نعم

جحيم ... عشته معك ومع يوسف عشرين عاما ... عشرين سنة جالسة على كرسي الاعدام منتظرة

لحظة التنفيذ ...

                                       (صمت )

زينب :  كل ما تقولينه ليس الا تبرير لخيانتك حتى يرتاح ضميرك ... الخيانة خيانة ... والكذب كذب والذي فعلتيه معي هو الخيانة بعينها ... وما تقولينه الآن نفاق ... لقد سرقتي مني شيء يخصني وحدي ... فعلتي ما تفعله اية ساقطة ...

مريم : وانت الم تكوني تلك الساقطة التي كانت تسرق يوسف مني لانها وقعت معه مجرد ورقة في المحكمة ... لا ... لا يا زينب يوسف لم يكن شيء حتى يسرق منك او مني ... لم يكن قطعة اثاث او

نقود ... او اي شيء آخر ... يوسف انسان وانسان حر ... اكبر مني ومنك ... واذا ما اخلصتي له طوال عمرك فانك مارستي حقيقتك ... فعلتي هذا من اجلك وليس من اجله ولا من اجل اي احد آخر... ولهذا عليك الا تطالبي الناس ان يقدروا لك هذا الامر وكانه تضحية او معروف ... لقد فعلتي

شيء انت مقتنعة به ... وانا بدوري فعلت ما انا مؤمنة به ...

زينب : يوسف كان يحترمني لاني زوجته ..

مريم : كلا لم يحترمك لهذا السبب ... بل لانه يحبك ...

زينب : عندما ياتي الى البيت كان يحب ان يجد كل شيء جاهزا ... الملابس ... الحمام ... مرسمه ...

كان لا يحب الاكل الا منصنع يدي ...

مريم : كذب ... كان يحب ان يطبخ بيديه ... كان يقول لي انه لا يتلذذ الاكل الا اذا طبخه بيديه ...

آه وما اجمل الطعام الذي يطهيه ... وكان يحب ان ارقص له بعد الاكل وهو يدخن ويشرب النبيذ ...

زينب : كذب ... عندما كنت ارقص له او لنفسي كان ينزعج ... كان يقول الرقص خلق للنساء المصابات بمرض الاستعراض .. كان يختار لي ملابسي بنفسه .. كان يعشق اللون الازرق الدافيء. 

مريم : كذب ... كان يحب اللون الاحمر ... وانظري الى لوحاته ... لما تواعدنا على السفر طلب مني ان ارتدي هذا المعطف الاحمر ...

زينب : لما ينام كان يشخر ... وكنت اعشق شخيره ...

مريم : مثل النسمة ... مثل الطفل كان ينام وهو يحضنني وكنت اشعر بقلبه وهو يدق على صدري ..

زينب : كان يقبلني قبل ان ينام ولكنه يستدير ... يعطيني ظهره ويتكور كالطفل واضعا يديه بين ساقيه ويحشر نفسه في حضني ..

مريم : كان يمص شفايفي حتى يغفو ...

زينب : كذابة هذا ليس يوسف انت تتحدثين عن واحد آخر ...

مريم : وانت كاذبة ايضا يوسف ليس كما تصفين ...

زينب : كذابة ..

مريم : كذابة .. 

 

 

                           ( موسيقى .. صمت )

المشهد الرابع :                 

الوهم والحقيقة

 

                                ( تنهضان وتحيطان بكرسي الرجل )

 

زينب : من فينا نحن الاثنتين عاشت مع الوهم ومن عاشت مع الحقيقة ؟

مريم : لا اعرف ولكن يجوز نحن الاثنين عشنا مع الشيء الحقيقي ... الحقيقة لها اكثر من وجه ولكنها تبقى حقيقة ... لذيذة ... حقيقي على قدر رغبتي وحقيقي على قدرك ايضا ...

زينب : وقد تكون له صبية ثالثة ايضا ... وجه ثالث ... حقيقة ثالثة ايضا ...

                ( تنتفض مريم عند سماعها تلك الكلمة وتصرخ بحقد )

مريم : ابتعدي يا قاتلة .. مجرمة .. مريضة ...

زينب : ( بسخرية ويأس معا ) ترى هل حصل على كل ما يريده .... كل ما يشتهيه ... لا أعرف ؟

هل اكيفى بملء حياته وحياة الآخرين بافكاره والوانه الخاصة لا اعرف ؟ كل الذي اعرفه باني تائهة بدونه ... ولا ادري هل هو نبي ام مجرد كذاب ؟

مريم : يوسف لم يكذب في حياته ... كان رجل حالم ومتعطش لكل ما حوله .... كيف ساعيش بدونه ... واي شيء سيملء حياتي بعده ياقاتلة ... ( تهجم على زينب وتحاول سحق رأسها في الرمل , زينب لا تقاوم , انما تقول بهمس ).

زينب : لم اقتله بل مات بحادث سيارة الاسبوع الماضي... يبدو انك لاتقرأين الصحف هذه الايام ...

نشروا خبر وفاته في كل مكان ... كان يجب ان اتلاعب باعصابك قليلا لكي اتاكد من شكوكي ..

                                     ( صمت )

مريم : حادث سير ؟

زينب : كيف خطر لك اني يمكن ان اؤذي يوسف ... كيف صدقتي ايتها الحمقاء باني قادرة على قتل الهي الشخصي ... كل حياتي الماضية معه وانا اعرف كل شيء يدور حولي ومن وراء ظهري ...

كنت اعرف حتى اليوم والساعة التي ينام فيها معك ... كنت ارى ضحكتك في عينيه وكنت اشم رائحتك في جسده كنت اعرف كل شيء ... من اليوم الاول ...

مريم : وسكتً ؟

زينب : سكت لاني كنت اعرف كم كنت تحبينه ... كذلك انا كنت مصابة بذات الداء ... كنت احبكما معا ... مريم صديقة العمر ويوسف حلمي بالحرية والجمال ... لقد تعودت على ذلك ... نحن الثلاثة معا ندور في حلقة عذاب ... نحب بعضنا ونخدش بعضنا بحب وصمت ... انا اعلم انك لن تبخلي علي بشيء لو طلبته منك ... الا يوسف لانه كان كل حياتك ... ومن اجله صرت عانس ... واعلم كم تعذبتي من اجلي ... وهكذا لا اعرف الآن من الجلاد والضحية فينا نحن الثلاثة ... من هو الصح ومن هو الخطأ... الذي اعرفه الآن انني احب ذلك العذاب كله واكرهه في آن واحد ...

مريم : ( صوتها مبحوح ومنهارة ) وانا كذبت عليك كذلك لم نكن نريد الهروب ولا السفر لقد قطعت اتصالي بيوسف منذ فترة ... وعزلت نفسي في شقتي لاضع حدا لهذا العذاب ... عذاب الضمير والحب ... واتخذت قراري اخيرا ... قررت السفر بعيدا ... الهرب الى خارج الوطن هو الحل ...

وقد جئت لاودعكما ...فوجدت الكارثة ... لم افكر بحياتي ان اهينك او اسرق يوسف منك ... ولا يوسف , لم يفكر في ذلك ايضا ... كان بمقدوري ان اتزوجه في بيت بعيد عنك وكنت استطيع ان اقنعه بالحمل منه فقد اشترطت عليه ذلك ووافق رغم انه رفض الخلف منك ....لكني لم افعل ذلك وقررت البقاء معلقة بنجوم سماء وهمية ... تنطفي حين تشاء ... واسقط حينها الى الارض محطمة     

لا استطيع ان اصدق ان يوسف مات ... لان موته يعني ضياعي ...

زينب : وانا حياتي ضاعت وانتهى الامر ... فلا هو ولا اولاد ولا اهل ... ماذا سافعل ؟؟؟

مريم : انت لم تجربي حياة المرأة العانس ... تعيش لوحدها والعيون والالسن تدور من حولها ...

لكني لست نادمة لاني جربت كل ما ارغب به ... ومع يوسف تخلصت من جذوري ... من القمع والاعراف الزائفة ... ذقت طعم الحرية ... ولن اتراجع عن ذلك ... لن اندم على ذلك ابدا ... علي ان اواجه قدري منذ الآن لوحدي ... ( تدير ظهرها لزينب , تحمل حقيبتها وتحاول الخروج ).

 

زينب : وانا الم تفكري بي .. انا ضائعة من بعده ... لا اريد العودة الى قفص الاهل وحياة الماضي ...    

مريم : رفاق الماضي انكسروا مثل الشعارات واختفوا في تفاصيل الحياة ... انا تائهة ولكني رغم ذلك سعيدة ... لقد تعلمت الكثير من هذا كله ... ولو قدر لي ان اعيش مرة اخرى فساختار المصير نفسه ولن اندم ... جئت لكي اودعكما وكنت خائفة حد الموت من وداعكما ...

الآن اصبح الامر سهلا ... ساحمل تابوت يوسف وحزن عينيك في روحي ...

مريم : هل استطيع ان ابتسم بعد الان ؟؟؟

زينب : نعم نستطيعين ان نبتسم من جديد ... اذا اردنا ذلك .

مريم : الآن الى اللقاء ... او وداعا .....

زينب : لا تقولينها .... لقد اصبحنا وحيدتين في هذا العالم ... ليس لنا الا بعضنا ... ابقي معي ... لنعيش معا .......

               ( تجمدان في مكانهما -  موسيقى -   تذوب الاضاءة تدريجيا )

 

بعد فاصل الضوء :

 

مريم ترقص رقصة الخلاص ....

 

زينب : الآن وقد بلغنا الذروة لفني بحرير قبلاتك ... عمدني بنبيذ الامواج ......

 

تـمــت

 

 

1999 – 2000

سورية - الدنمارك

  

عودة الى الرئيسية عودة الى الشبيه
دير الملاك كتابة السيرة على الماء ماكتبته الصحافة مواقع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح