مسرحية                                                   الشـبيـه

أو

العشاء الدامي

 

هادي المهدي

·                    إقتباس عن قصة قصيرة لغابريل غارسيا ماركيز .

·                    مكان وزمان الحادثة:كوبنهاغن, الآن  .                                            

·                     شخصيتي الحادثة:

·                    ليليـان : منفيه تجاوزت الثلاثين من العمر تعمل منضفه في احدالمستشفيات الخاصه.

·                    الرئيس: عجوز كان دكتاتور لبلاده وقد تم خلعه يعيش في المنفى منذ سنين,يعيش بشكل متخفي ومصاب بامراض عديد واجرى الكثير من العمليات الجراحيه.

·                    مقترح لصياغة العرض: النص مكتوب بلغة السيناريو لذلك يعتمد الامكنه والازمنه المتعدده والمتعاقبه الامر الذي يستوجب على الاخراج اقتراح امكنه عديده او مكان متحرك يحتمل التعدد.

 

 

المشهد الاول    

   في المشفى

 

( المكان غارق بالعتمه فجاءة نسمع زعيق سيارة الاسعاف ويندفع نحو المسرح سريرنقل المرضى عليه عجوز يسعل بقوه ويكاد يختنق ,يضاء المكان تدريجيا ونشاهد في زاوية الغرفة وهي بزي الخدمه وقد انحنت تمسح الارض وبجانبها سطل وممسحه ,نسمع صوت خطى الاطباء يتراكضون وصوت مديرالمشفى يعطيهم الاوامر....... )

 

صوت المدير:  إنها حالة خاصة لقد اتصلو بنا من الرئاسه والخارجيه...يجب التكتم والحذر ...لا اريد مشاكل...لا صحفيين ولا متطفلين...يجب ان يتم الامر بسريه عاليه فالمريض رئيس سابق ولديه من يلاحقه للنيل منه ...هل فهمتم ...ليليان...اتركى هذه الغرفه بسرعه.

 

هي : حاضر سيدي المدير ساخرج بسرعه.

 

( ليليان تتحرك نحو الخروج يتحرك فضولها فتقترب من النقاله وتنظر الى المريض وتهلع فجأة تلفت بسرعه وتهمس )

 

هي : اخيرا .....هو اخيرا......

   ( موسيقى ,اضلام تدريجي مع خروجها )

 

المشهد الثاني

                 في المستشفى بعد اسبوع

 

( هو نصف جالس على السرير وقد سلط عليه من الخلف ضؤ ازرق,وضع نظارته الطبيه على عينيه وراح يقرأ بنهم احد الصحف اليوميه,يرتدي بدله سوداء قديمه ولكنها انيقه, هي تدخل متنكره بزي الاطباء وتحمل سماعة الفحص وجهاز قياس الضغط,تتلفت خائفه ,تقترب منه بحذر ,هو ودون انا ينظر اليها يتكلمبطريقه معتادة لديه )

 

الرئيس : أحضري لي فنجان قهوة بسرعه .

هي : ماذا؟

الرئيس : ( ينتبه ) آه عفوا ... اريد فنجان قهوة لو سمحتي؟

هي : ( تتهرب من نظرته ) ولكنك ممكمنوع من القهوة كما أعتقد.

الرئيس : هذا صحيح ...انني ممنوع من شربها منذ ثلاثين عاما ... الا إنني أقسمت ان اعوداليها

           اذا تاكدت من ان موتي اصبح قريبا...

هي   : والآن هل تأكدت بانك ستموت ؟

الرئيس :  لذلك اريدها على الطريقة العربية... ان القهوة على الطريقة العربيه تجعل الميت ينهض واقفا على قدميه...

           ( صمت قصير ) لقد مت منذ زمن بعيد في صباي اصبت بالقرحه ... (يضحك ) وكان ذلك بسبب الشعر .

هي   : الشعر... يا للغرابة؟؟

الرئيس : لو لم يحدث كل ذلك لكنت الان من الشعراء المهمين في العالم وربما كنت ساحصل على جائزة نوبل كالآخرين ...

           ( يضحك ) ولكنهم أ رادوني رئيسا ... وذلك وحده كافيا لكي يقودني نحو الموت بسرعة ... لقد ربحو رئيسا عاديا

           ولكنهم لايعلمون انهم  خسروا شاعرا مهما...والمصيبه انني أحتفظ بلقب الرئيس وأوسمته وسمعته السيئه بينما             أَضعت تلك القصاصات الروحيه التي كتبت فيها أجمل ما عندي ... على اية حال ... وفي كلا الحالتين كنت سأموت في النهايه

هي   : لم تصر على التفكير بالموت ... أنت الآن في أجمل مدينة في العالم ...هناك العديد من البحيرات والحدائق...

          وتوجد كذلك نساء للأجرة في الشارع المجاور للمشفى

الرئيس : للأسف يا آنسه لم اعد مناسبالكل ما تذكرين ... انني مثل أي شيء قديم ... بالي ... أفكر بالأنزواء بعيدا عن العيون والفضوليين بل وحتى عن البحيرات والحدائق والنساء ... أ ريد أن اكون مجهولا ... نعم هذا ما أريده بالتحديد

          أن اكون شخصا مجهولا في اجمل مدن العالم هذه . (يضحك ويسعل بقوة ...صمت قصير )

هي   : ( تناوله كأس من الماء وتقترب منه لأول مرة ) بدلة سوداء انيقة ... وصدرية من الحرير ... وقبعة قاسيه

          كقبعات القضاة المتقاعدين... وشارب متشامخ كفرسان العصور القديمه ... وشعر كثيف فيه لمسات رومانسية

         ويدك كانها يد عازف كمان ... وعينان سعيدتان ... ماذا تريد أكثر؟؟ الشيء الوحيدالذي يشي بحالتك الصحية

         هو ارهاق البشرة ...مازلت متأنقا كأمير ... كل ما تحتاج اليه إمرأة تجعل خداك يتوردان من الحب والشهوة.

الرئيس : أنت تسخرين مني بلا شك ...لقد اصبحتبعيدا عن اي نوع من انواع الزهو فقد خلفت ورائي دون رجعه كل سنوات المجد والسلطة والرجولة ...لم يبق امامي الا سنوات المرض والموت ... وهاأني في هذه المدينة...  المنفىالبارد والبعيد عن وطني ما زلت حيا رغم العديد من الحروب التي اشعلتها ... ما زلت حيا وابحث بأخلاص عن اجابة حاسمه لالم لم يستطع الكثير من الأطباء تحديد سببه ... جئت الى هنا وكل ظني أن الأمر لا  يحتاج إلا لعشرة او خمسة عشر يوما ... ولكن هاهي ذي ستت اسابيع قد مضت في فحوصات مرهقة ونتائج مبهمة وما زالت  النهاية غير واضحة المعالم ... بحثواعن السبب في الكبد والبنكرياس والكلية والبروستات  .... ولم يجوا اي شيء...

هي   : أنت معجزة... سيدي الرئيس ... حتى مرضك يشكل لغزا للأطباء.

الرئيس : يا للحسد... على ماذا تحسديني ؟ على مرضي ؟ على حياتي التي انفقتها في غرف العلاج والعناية المشددة كأي سجين ؟  أن المشافي هي زنازين من نوع آخر ...( يضحك )

هي   : ( بعدائية مباغته تغرس اصبعها في بطنه ) هذا هو سر ألمك أذن ؟

الرئيس : الزنازين تقصدين ؟

هي   : كلا ... نعم ... نعم أهي  المشافي التي تؤلمك؟

الرئيس : ألمي محير كونه ينتقل بسرعه ... يتجول في جسدي دون رادع ... في الخاصرة ... في اسفل البطن ...

          ويفاجئني احياننا على شكل وخزات في اعلى الفخذ... انه يظللني ويظلل الاطباء... يا للداء الخبيث ... ولكنني اعتقد إنه هنا ( يشير إلى رأسه ) غير ان الفحوصات تقول غير ذلك... وهاهم بعد ستت أسابيع يقولون لي ... ان اصل ألمك سيدي الرئيس هنا في القلب ... سنخضعك لعملية جراحية لا تخلو من المخاطرة ولكن لا مفر منها ... في السنتين الأخيرتين أجريت لي سبع عمليات ... وها انا انتظر الثامنه وهي أخطر من سابقاتها بكثير ...

هي   : كم هي نسبة المخاطرة ... الم يحددو ذلك؟

الرئيس : لم يخبروني ... ولكن أحساسي يقول انها ستكون كارثة وليست عملية

هي   : اوه سيدي الرئيس خائف كا الاطفال ... لقد تطور الطب كثيرا ... اذهب الى العملية وانت مطمئن وعليك الا تنسى انه كلما اجريتها بسرعه كان ذلك افضل .

الرئيس : افضل لمن ؟

هي   : لك ... ولنا جميعا ... ( تضحك )

الرئيس : تعجبني روحك المرحه ... حان الان وقت نومي أليس كذلك ؟

هي   : الا تشعر الان بتحسن ... الا تفكر بالخروج للتنزه قليلا ... كما قلت لك انا دكتورة ومر علي الكثير من امثالك ... العلاج هو النساء... صدق ذلك ... طيب جرب ذلك ولن تخسر شيأ.

الرئيس : حسنا ... اعطني حقنة الحياة هذه وساجرب .

هي   : حسنا تفعل ... ( تحقنه في مؤخرته فيصرخ ) اه الا تتحمل هذه سيدي الرئيس يالك من رجل رقيق .

الرئيس : ( وهو يزر بنطاله ) كنت تتوقعين ان تجدي رجلا من حديد اليس كذلك ؟ سأجرب وصفتك الان ... ساخرج للتنزه .... قلتي يوجد رصيف للنساء في الشارع المجاور؟

هي   : ( تبتسم بخبث ) نعم سيدي الرئيس ... أتمنى لك الموفقية بصيد دسم .

                  ( يخرج تبقى وحدها في بقعة ضوء وبينما تخلع عنها صدرية الاطباء تبدأ بارتداء فستان سهرة خاص ببنات الهوى المعروف باباحيته ... موسيقى) 

المشهد الثالث                                           

                بين المشفى وشارع الهوى   

 

(بينما تقوم بتغير ملابسها والخروج الشارع يدور المنلوج التالي )

 

 هي  : ولكن ماذا لو مات حقا في هذه العملية ؟ هل ادعه يموت بسلام ؟ اووه انها ليست الاولى وهو قط بسبعة ارواح ... سيعيش ... نعم سيعيش ... ولكن لنفترض ان ارواحه السبعه نفدت في العمليات السبع السابقه؟هذا يعني انه سيموت في الثامنة... حينها لن اسامح نفسي... كيف اتركه يمضي هكذا بلا عقاب... يجب ان يعاقب ويقتل لا ان يموتويمضي دون ان يسدد الفواتير التي عليه ... نعم يجب تعذيبه بقسوة كما فعل مع ضحاياه...ولكنه الآن لايتحمل وخزة ابرة فكيف يمكن ان يتحمل التعذيب ... يا إلهي لم اكن انتظرفرصة الانتقام منه بيدي ولم اتوقعها... بل لم  كن احلم بذلك ... وهاهو الآن امامي  بلا حرس وبلا اعوان أعزل كجرذ ...بعد كل سنوات النفي والعذاب يأتي ليرمي بنفسه بين يدي وباستسلام تام ... وبقدرتي ان انتقم منه أن اثار لنفسي ولأهلي ولوطني كله من هذا القذر ...         ( تتحرك باتجاه الى الشارع )  واذا شفي الناس من جرائمه بحكم الزمن فما زلت اتعذب من الحرمان والتشرد بسببه

... نعم ... بل ان ما يحدث الان من كوارث في الوطن هي ثمرة من ثمرات حكمه البغيظه ... ولكن ماذا افعل مع هذه الجثة المهترئة؟ لقد نخرته الامراض والعمليات وهو الان لا يستحق  الا الشفقه ... هل اشفق عليه الآن؟؟؟

القذر لم يعف عن احد خلال سنوات حكمه... قتل الناس بلا محاكماتوبلا ادلة ... لقد جر البلاد الى وحل من الدم والكراهية والعنف لا أول ولا آخر له ... حروب وفتن ... الخوف والخيانة انتشرت كالقذارة في الشوارع بسببه...

لم يعد هنالك من احد قادر على كنس بلادي... انه يبحث عن الشفاء ولكن من يشفي بلادي؟؟؟

 

( تنثال موسيقى سيكسيفون مثيرة تمضغ علكه وتبدأبالسير وسط الشارع وتقف عند عمود نور ... هو يطهر من بعيد تشير اليه ان يقترب  ... يقترب منها بخجل ... يتجادلان ... يتفقان .... يذهبان معا وقد وضعت يدها حول خصره وتطلق ضحكه .... موسيقى ... إضلام تدريجي )

المشهد الرابع

في مطعم خاص

( هو وهي يدخلان الى مطعم راقي حيث كل شيء يبرق وتنثال موسيقى سيكسفون... هي تسحبه ورائها بغنج )

هي   : قلت لي بأنك رئيس ... رئيس حقا ... أيعني ذلك انك مازلت رئيسا ... اقصد ... عفوا ... أقصد مازلت تمارس وظيفتك؟؟

الرئيس : كلا... لقد أطيح بي منذ زمن بعيد . (يضحكان )

هي   : أترك لي حرية الاختيار... فأنا أعرف الطاولة التي تناسب امثالك سيدي الرئيس .( تتلفت وتختار طاولة وتفتح ذراعيها مع انحنائه صغيرة ) تفضل...

الرئيس : شكرا... ليت الجميع مثلك يحترمون وقار المنفي.( يجلسان تشعل الشموع الخاصه بالطاولة بقية المكان يغط بالعتمة ) عفوا ماذا قلتي لي ... ما أسمك ... تبا لذاكرتي؟

هي   : سولا...

الرئيس : اه ... سولا ... عفوا ...

هي   : لا داعي للاعتذار فلم نلتق الامنذ قليل.

الرئيس : ان ذاكرت رجل عجوز مثلي لا تستطيع حفظ أسم آنسه تشع بالحياة مثلك .. تبا لي ولذاكرتي ...

هي   : انها كلمات رجل ... وانا لا اصدق الرجال في مثل هذه المواقف ... أنكم دائما تقولون اشياء وفي السرير يظهر

           العكس..

الرئيس : آه ... أنت خبيرة أذن  بالرجال ... يتوجب علي ان احترم خبرتك

هي   : ماذا تحب ان تأكل ؟

الرئيس : لناكل اضلاع ثور مشوية على الفحم

هي   : آه رائع ... برافو ... انت تتكلم باسمنا نحن ألأثنين ... تقول لنأكل بينما يتوجب عليك قول اريد ان أأكل ...

           أو بماذا ترغب آنستي الجميلة... كل هذه السنوات بعيدا عن السلطة ولم تعتد بعدعلى الكلام بطريقة اخرى ؟

الرئيس :أوه أنا اسف حقا .

هي   : انت كثير ألأسف هذه الليلة ... أليس جميلا أن يتأسف رئيس جمهورية لآنسة مثلي ؟ ماهو رأيك ؟؟

الرئيس : أنت مدهشة حقا .

هي   : وألآن ماذا نطلب ؟

الرئيس : مثلما قلت لك ... عفوا أقصد أرغب بأضلاع ثور مشوية على الفحم... وأطلبي أنت ما تشتهين .

هي   : ولكن اللحم محرم عليك ... ألم تقل لي منذ قليل ونحن في الشارع بأنك مريض ... أرأيت دائما يقول الرجال

          أشياء ويفعلون عكسها ؟

الرئيس : أه آنستي الذكية ... أنا مريض منذ قرن ... والحقيقة إنني محروم من كل شيء .

هي   : أذن نطلب بطاطا مسلوقة ؟

الرئيس : حتى البطاطا ممنوع عنها ...

هي   : ولكنك محروم من القهوة وقد تناولتها صباحا رغم ذلك ؟

الرئيس : وكيف عرفتي ؟

هي   : ( ترتبك ) هل نسيت لقد قلت ليللتو بأنني ذكية ... أن رائحة القهوة تفوح من انفاسك عزيزي ...

الرئيس : صحيح ...أنت أذكى مما توقعت ... أذن لنجعله يوما أستثنائيا ... وليذهب المرض وألأطباء إلى الجحيم ...

           لنأكل أضلاع ثور مشوية على الفحم وبطاطا وسلطة خضار طازجة... و... و

هي   : مع نصف دجاجة مشوية وزجاجة نبيذ بورندي ؟

الرئيس : نعم كل ماذكرتي  ... أيها النادل ...

هي   : ها هو فتاي الذي اريد .... ( يضحكان )

الرئيس : لقد بعثتني من القبر ... برافو ... ( يصفق لها وينهض راقصا )

هي   : هل يمكنني أن أريك شيأ ؟؟ ( تفتح حقيبتها وتخرج صوره قديمة )       

الرئيس : بكل سرور ( يجلس )

هي  : تفضل سيدي الرئيس انها صورة تذكارية لا تنسى .

الرئيس : يا للهول هذا انا ؟ لقد قلت دائما ان الانسان يشيخ في الصور اكثر مما يشيخ في الحياة ... لقد ولى شبابي ...

          أين تلك الأيام ؟ ولكن كيف حصلتي عليها ... ولم تحملينها معك ... هل كنت تتوقعين رؤيتي هذا اليوم  ...

         ومن أخبرك بوجودي في هذه المدينة وانني سأتي الى الشارع إياه وساختارك دون ألأخريات ؟؟؟؟؟

هي   : هدأ من روعك ... هذه ميزتي وعليك ان تعترف  ... وما الفائدة لقد إعترفت للتو بأني اكثر من ذكية .

الرئيس : ولكن هذا كثير علي ... كثير جدا ... من أنت ؟؟

هي   :أنظر إلى الصورة جيدا ... لقد أخذت لك في إحتفالات الثورة التي قمت بها وبمناسبة تجديد البيعة لك...

           وهذه أنا ...

الرئيس : ( يضع نظارته الطبية ويمعن النظر ) أسف أنا عجوز بما فيه الكفاية وقد يحرجك هذا الامر امام الناس ...

           هذه أنت ؟ كنت ما تزالين صبية في ذلك الوقت ؟

هي   : تقريبا

الرئيس : أنت من وطني أذن ؟؟؟

هي   : باتأكيد... وكما ترى كنت أؤيد سيادتك خلال حملة تجديد البيعة لك ... كنت متحمسة لك وأعمل لك الدعاية مجانا

          في ألأوساط الطلابية .

الرئيس : وأنا الأحمق كنت لا اعيرك نظرة واحدة بالطبع؟

هي   : بل على العكس كنت لطيفا جدا... ولكننا كنَِ كثيرات بحيث يصب عليك ألأهتمام بنا واحدة واحدة ...

الرئيس : يا للمصادفة ... وبعد حدثيني عن تلك ألأيام؟

هي   : في تلك ألأيامكنت معجبة بك ككل ابناء جيلي ... كنت مؤمنة بالثورة وشعاراتها التي تدغدغ ألأرواح والعقول ...

          عقولنا الصغيرة طبعا ... كنت مؤمنة بك إلى حد الموت من أجلك ... وقتها لم أكن قد مررت بتجربة حب بعد ...

         حتى الآن ... كنت أتمنى أن أهبه نفسي عن رضا ولكن رجالك ... أعتقلوه وبقيت عذراء حزينة .

هي   : هذا جيد ... التوقيت كان مناسبا جدا ... فلكونك عذراء وصبية كان بأمكانك أن تبدئيمن جديد  ... مع رجل آخر ...

           شباب وطننا يتحلون دائما بشيء من الوسامة والجاذبية .... ( يضحك )

هي  : ولكن رجالك لم يمنحوني الفرصة لتحقيق ذلك... فقد ورد أسمي في التحقيقات مع ذلك الشاب بوصفي صديقته وقد أكون تأثرت بأفكاره المعاديه للثورة ... أتهمت معه ... لم يصدقوا إني بريئة وإنني لم اكن أعرف بم يفكر ... لم يبالو بقسمي لهم بأنني مؤمنة بالثورة وبسيادتكم ... إغتصبوني ... وبعد ذلك ... تأكد لهم أني بريئة وأن علاقتي بذلك الشاب كانت سطحية ... أغلى ما عندي فقدته في المعتقل  ... في العتمة ... صدقنيعندما أفكر بالأمر بعد كل هذه السنوات اتحسر على شيء واحد ... لو ان الذي إغتصبني فعلها في النور ... كان من حقي ان أرى وجه رجلي ألأول ...

الرئيس : لتثأري منه ؟ انهم يفعلون هذه ألأمور في العتمة لكي لا يتعرف اليهم أحد.

هي   : لا لم افكر بالأنتقام كماتفكر النساء عادتا ... بل كنت اتوق لمعرفة الرجل الذي كسر صندوق كنوزي .

                                                                                                                             ( تصمت )

الرئيس : وماذا بعد ؟

هي   : ماذا بعد ؟ عندما أطلقوا سراحي نظر الي الجميع كعاهرة ...

الرئيس : عفوا بلا كلمات نابية رجاء .

هي   : رجاء بلا دبلوماسية ... هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع ... وألا ماذا تتوقع من بلد كل شيء فيه مغتصب وملوث

          ترابه وهوائهودماغه ... رجاله واطفاله ... إغتصابكم للبلاد جعل منها راكعة في وحل من ألأمراض المستعصية            

        ... الكراهية والعنف... الشك باقرب الناس ... وتوقع الموت أو ألأعتقال  في اي لحظة ... لذلك هرب الجميع الى التدين ... فمادام سيادتكم قد صنع هذا الجحيم فلا بد من اللجؤ الى الجنة في ألأعلى ... ( صمت ) في البداية وبعد خروجي كان ألأمر صعباعلي والى حد اللعنة ...ولكني بعد أيام استعدت وعي ... نظرت حولي كان كل شيء مغتصب وملوث وراكع في الوحل ... فكرت هل أركع مثل ألآخرين ؟ فكرت بجسدي ... بحبي للحياة ... بلحظة إغتصابي المعتمة ...

     ورحت أتلذذ بها ...( تنهض وترقص حوله بشكل بطيء مع السيكسيفون وبشكل شهواني ) ولأن البلاد كانت ضحية ألأوهام التي صنعها سيادتكم وأمثاله ... عن الشرف والمجد والعزة الوطنية ... و ... و... و ...فقررت الهرب بعيدا ...

       الهرب منك ومنهم ... جئت إلى هذا المنفى البارد ... عانيت كثيرا من الاذلال والغربة والوحشة ... اضطررت للعمل

       في مختلف الوضائف لكي اكسب رزقي ... وها انا وكما ترى الآن أصبحت حرة كأي واحدة من نساء هذه المدينة ...

      أمتلك نفسي ووجودي كله بارادتي بعد ان تخلصت من اوهام بلادنا ... ولكن آه لو لا ذلك الماضي التعيس لكنت أسعد       إمرأة في العالم ... ما زال ذلك الماضي يقض سعادتي ... أهرب منه بالعمل والخمرة والعلاقات السريعة وبالحب احيانا ولكن دون جدوى ... إنه لا يكف عن ملاحقتي بكوابيسه المفزعة ...

الرئيس : أنا وأنت ضحايا ذلك الماضي ...

هي : إذن نحن متساويان ... يا للمفاجأة ؟ !

الرئيس : هل يتوجب علي الأعتذار عما حدث لك ...

هي : ( تطلق ضحكة عاهرة ) الأعتذار؟ وما ينفعني الأعتذار الآن ... يتوجب عليك الآن دعوتي إلى الرقص على إقاع السكسفون الذي يثير كل خلية في جسدي ويجعلني أحلق ... (تسحبه الى الرقص ... هو لا يعرف ... هي تبدأ بالرقص حوله بشكل جنسي لاذع ).

الرئيس : وماذا بعد حدثيني عن تلك الأيام ؟

هي : ( وهي ترقص ) ومن يستطيع أن يعرف ماذا حدث بعد ذلك أفضل من سيادتكم ... بعد ذلك وقع الإنقلاب العسكري ضدك .. ها .. ها .. ها ... والمعجزة ... كل المعجزة هي اننا انا وأنت ما زلنا أحياء نعيش بسلام في هذه المدينة الجميلة والبعيدة ... نعيش ونفكر ... بماذا ... نفكر بأكل اظلاع ثور مشوية على الفحم وشرب النبيذ ... وربما تمكنَا من فعل اشياء أخرى في البيت عندي إذا أردت أن نكمل السهرة هناك ... (تضحك بعهر ) إنه الحظ سيدي الرئيس ... لم يحظ كثيرون غيرنا بمثل هذا الحظ سيدي الرئيس ... أفرح ... وأضحك ... إنها المعجزة بعينها ... تفضل العشاء جاهز ...

         

 المشهد الخامس

 

 ( يعودان إلى الطاولة ... فيجدان العشاء مرتب بشكل فاخر... والشموع قد أشعلت .. يجلسان ... فترة صمت ) 

الرئيس : علي أن أستخدم الفوطة فإذا لم أفعل هذا فانني سأفقد ربطة عنق في كل وجبة ...

هي : أنت لا تجيد الأكل ؟ .

الرئيس : بل لا أجيد أشياء كثيرة ...

هي : كالرئاسة مثلا ؟ .

الرئيس : لا ... بل القسوة ! .

هي : القسوة ؟ مع كل تلك البشاعات التي كنت تمارسها ...

الرئيس : لو كنت كما تقولين لما كنت جالسا معك الآن هنا ... ولكن هنالك أمر يحيرني ... أمر لا أستطيع تفسيره ...

هي : ما هو سيدي الرئيس ... أنا بخدمتكم إذا أستطعت المساعدة ...

الرئيس : أسمعي أيتها الشريرة الصغيرة ( يضرب على الطاولة وينهض ) قولي لمن يدفع لك أجرك ألا يتوهم بأنني أصبحت ضعيفا وأعزل ... فصحتي على خير ما يرام ولدي الكثير من الاعوان وأستطيع فعل أشياء كثيرة ... لدي الكثير من المال والمرتزقة في كل مكان ... ما زلت ذلك الرجل الخطير الذي يحسب حسابه ...

هي : ( تصفق بهدوء) برافو... ما زالت قادرا على التهديد... هذا عهدي بك... نعم اظهر على حقيقتك ... هذا هو الرجل الذي كنت لنتظر رؤيته بشوق!

الرئيس : آه ... ( ينهار على كرسيه بضعف شديد ويتوسل ) ارجوك ... ارجوك لنكف عن هذه السخافات ... انا ... انا ..

هي   : ماذا؟

الرئيس : أنا مجرد ظل ... ظل رجل ... ليتك تفهمين ... ان حواسي اصبحت ضعيفة وبشكل لا ييحتمل ومع ذلك استطيع تمييز صوتك ... لقد سمعت صوتك يتردد حولي هذه الايام ... نعم هذه في المدينة ولكن متى وأين؟ لا اتذكر ... انني لا اصدقك وأخافك هل تفهمين ؟ سأعترف لك آنستي الصغيرة ... ساعترف بكل شيء ... سأكشف عن كهولتي فقط مقابل أن اعرف من انت وماذا تريدين ؟ أعذريني لم أصدق ولاكلمة مما قلتي حول ماضيك ...أنت مريبة ووضعي الصحي لايحتمل هذا الوضع ... فأنا مصاب بأمراض عديدة ... نعم ... لاتنظري إلي هكذا ... أنا أصبغ شعري بالطبع وقامتي منتصبة بفضل العديد من القطع المعدنية التي غرسها الاطباء لي في عمودي الفقري ... أحدى كليتي لاتعمل ... الاثني عشري مصاب بالقرحة ... وجهازي التنفسي ليس على ما يرام بسبب كميات الدخان التي أخذتها في الماضي ...

هي : نعم أصدقك ... فماذا تريد الآن بعد قائمة الشكوى هذه ...

الرئيس : من أنت رجاء ً... وماذا تريدين مني ... ها أنا مستسلم امامك ... بلا حماية وبلا واق ضد الرصاص .. فقد مضى زمن طويل على خلعي من الحكم وتبادل العرش بعدي رؤساء كثيرين لذلك لم أعد خطراً على أحد ... ولهذا السبب أيضا أسقطو عني كل حقوقي هنا في الحماية والحصانة الدبلوماسية ... لم أعد ذلك المهدد بالاغتيال ... لم أعد أعني أحداً ... صرت مجرد ذكرى ... ظل رجل ... أتمشى في الشوارع فلا يعرفني أحد ...امضيت ستة أسابيع في المشفى ولم يسمح لي بالعودة إلى سكني لأنني ما زلت تحت الفحص ... إنني أنتظر الموت لحظة بلحظة ولكن اللعنة على الاطباء كلما يشعرون بالموت يقترب مني يحصنوني ضده .. فأعود الى الحياة وكلي مرارة .. منذ خمسة سنوات وأنا أعيش ذات المأساة اليومية.

ألم لا نهاية له ...

هي : أنت معي في هذه المدينة منذ خمس سنوات ... لم أكن أعلم بذلك ... كنت أتوقعك في دولة أخرى ... لقد سمعت من الاخبار قبل سنين بأنك قبلت كلاجيء سياسي في نمسا ... أو في ...

الرئيس : هذا صحيح ولانهم أرادوا المحافظة على حياتي راحوا ينقلوني كل سنة أو سنتين من دولة إلى أخرى ...  من مدينة إلى عاصمة ... ومن عاصمة إلى قرية ... وكان علي أن أحتمل كل هذا التنقل مع آلامي الجسدية ... لا لشيء إلالكي أبقى حياً ... أخيراً ومنذ خمس سنوات فقط وافقوا على أستقراري في هذه المدينة ... أنا لا أريد الحياة الآن ولكنهم يصرون على بقائي حياً .

هي : ربما يريدون الاحتفاظ بك حيا لانك إنسان نادر الوجود في أوربا ... فهم لم يشاهدوا دكتاتور مثلك مطلقاً ... ولهذا تجدهم يريدون لشعوبهم التمتع برؤيتك حياً ... أنت شخص نادر الوجود سيدي الرئيس .

الرئيس : لا ليس هذا ايضاً ... لقد نسوني ... لاأحد يعرفني ... لاأحد يتصل بي ... أسكن الآن في مأوى العجزة في الدير خارج المدينة ... وبفضل عطف الكنيسة علي أنا هنا للعلاج ... في البداية كان الصحفيون يلهثون ورائي طمعاً بحوار أوكلمة أو تصريح أو لالتقاط صورة لي ... ولكنهم بعد ذلك ملو وهجروني ... وها أنا وكما ترين رجل مجهول في مدينة شهيرة ... ولكن من أنت ؟ .

هي : أنا موظفة في المشفى الذي تعالج فيه ..

الرئيس : نعم ... نعم هذا هو بالضبط ... قولي ذلك ... الم أقل لك أني سمعت صوتك منذ أيام ..

هي : بل هذا الصباح تحديداً ..

الرئيس : نعم أنت نصحتيني بالخروج للتنزه ولالتقاط إمرأة من الشارع .

هي : فصدقت ذلك وخرجت .

الرئيس : وبدورك تبعتني ... غيرتي ملابسك ووقفتي لي على ذلك الرصيف ... مع بنات الهوى ..

هي : بالضبط ... لبست ما يثيرك فأنا أعرفك جيداً سيدي الرئيس ..

الرئيس : وأنا المغفل جئت والتقطتك من بين كل الأخريات .

هي : هذا دليل على نجاحي وأريد ان احتفل به الليلة .

الرئيس : أعترف لك بهذا النجاح .

هي : لقد بقيت طوال هذه الأسابيع الستة الاحقك واراقبك وأتحين الفرصة للحديث معك على حده .

الرئيس : ولم كل هذا ... لماذا لم تقتربي مني بشكل مباشر بدل أسلوب التحري هذا ؟

هي   : عرفتك منذ الوهلة الاولى...  رايتك وهم يدخلونك من الباب المخصص للحالات الخاصة ... حينها تأكدت بأنك

          وحيد ودون مساعديك .

الرئيس : لقد اتخذت إدارة المشفى وبناء على طلبي قرار بضمان السرية المطلقة .

ليليان   : لم أكف عن ملاحقتك منذ اليوم ألأول وحاولت التحدث معك بشتى الطرق ... تحينت الفرصة وها قدأصطدتك !

الرئيس : انني سعيدلأنك فعلت ذلك ... مع انني لااستحق كل هذا العناء .

هي   : بل تستحق ... انني سعيدة جدا واكاد احلق من فرحي .

الرئيس : هذا ليس عدلا... لقد هزمتني !

هي   : كيف؟

الرئيس : كنت أعتقد انني حققت أكبر انتصار في حياتي خلال هذه السنوات الأخيرة ... وذلك بجعل الناس ينسوني ... 

           وها أنت وبكل بساطة تعرفتي عليّ!

هي   : كم انا سعيدة الآن لأني أجلس معك وأنت حي تحتفظ بكل قواك ... سليما كأي شاب وسيم .

الرئيس : (يضحك بأزدراء ) شكرا ولكن كل شيء يشير الى انني سأموت قريبا .

هي   : إحتمالات خروجك سليما من هذه ألأزمة كبيرة .

الرئيس : ياللعنة هل أخترقت ألأسرار الطبية ايضا ؟

هي   : لا يوجد في اي مشفى في العالم أسرارتخفى على العاملات .

الرئيس : أذن أنت عاملة هناك ؟

هي   : منظفة ... هذه هي مهنتي .

الرئيس : يا لها من مهنة شاقة !

هي   : ليست بمشقة مهنتك سيدي الرئيس .

الرئيس : ولكنك تعرفين عني كل شيء ؟

هي : حتى مقاس حذاؤك أعرفه.

هو : ولكن حالتي الصحية لا يعرف بها أحد بأستثنائي ... وانا بدوري عرفت ذلك منذ ساعتين فقط ومن فم الشخصالوحيد الذي يجب أن يعرف ... هل أنت ملاك ؟ لا يجوز ان تكوني عزرائيل.... ؟

هي : حتى الملائكة تخشى ألأقتراب منك !

هو : ولكنك أقتربتي؟

هي : أنا أمرأة حمقاء ... مهوسة بماضي بعيد ... وعلى العموم فأن موتك لن يكون أمراعاديا ... ولسوف يضعونك في المكان المناسب الذي يليق بك كنموذج عظيم للدكتاتورية .

هو أشكرك على هذا التنويه ... كنت قد قررت عدم ألأهتمام بمصير جثماني بعد وفاتي ... أما ألآن فأنني أرى أنه لا بد من إتخاذ بعض التدابير وعلى طريقةالروايات البوليسية حتى لا يعثر أحد على جثتي ... وينفذ بي أحقاده القديمة !

هي : (بعد لحظة تفكير ) كلا بل أنت ترغب بأن تتحول إلى لغز ... سر من أسرار الكون ... قديس غامض ومجهول ...

      إختفاء غامض ولا احد يعرف لك قبرا ... قد يوحي هذا للجهلاء في الوطن بأنك رجل خرافة ... رجل أسطوري ...

     ويمكن لأعوانك ألأدعاء بأنك إختفيت وستعود في زمن آخر وبشكل آخر ... ستعود بقوة مدمرة تعيد بها السلام الى العالم !

هو : لديك خيال خصب ... ولكنه خيال ديني !!

هي : هذا الخيال تربى في ظل سلطتكم ... فمع كل تلك القسوة والبشاعة ماذا كنت تتوقع منا أن نفعل ؟ نحن الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة ... بالتأكيد كنا سنتجه نحو السماء ... الميتافيزيقيا ... الى الدين ... إلى الله ... الجنة و العدل اللذين يقعان في الاعلى دائما ... في الحياة الأخرى ... صرنا نؤجل حياتنا من أجل ذلك العالم الذي سنكافء فيه عن جميع خساراتنا ... صرنا متدينين حد الهوس والجنون ... فليست هنالك من قوة قادرة على ألأنتقام منك ومن عصابتك بأستثناء الله!  لقد ساعدت الله ائما مساعدة  في تلك ألأيام !!!

هو : أذن هناك من سيرحمني اذا مت في النهاية ...لأنني عملت من أجله ؟

هي : أذا كان موجودا وسامحك فلن أغضب حينها لأنك وهو متشابهان إلى حد القرف !!!

 

( ينظران الى بعضهما بصمت صارخ / موسيقى / ينهض هو اولا وهي تتبعه / يخرجان / إظلام تدريجي )  

 

 

المشهد السادس

في الشارع ثانية

 

 

( في الشارع ثانية / الوقت ليلا / هنالك مصطبة وعمود نور واضواء كوبنهاغن من الخلف ... موسيقى )

 

هي : هل كانت االليلة ممتعة ؟

هو : بل أكثر من ممتعة آنستي الكريمة ... ماذا قلتي ؟ ماهو أسمك ؟

هي : ليليان

هو : آه ليليان ... آسف ذاكرتي...

هي : ليس مهما .

هو: ليليان ياله من أسم جميل  ... البرد يضرب عظامي ...

هي : أنك ترتجف سيدي الرئيس ولن تستطيع المشي بدون معطف .

هو : آه لقد نسيته في المطعم ؟

هي : أنا لم أنسه ... هاهو ... هيا تدثر جيدا . 

هو : (تضع المعطف عليه يمسك بيدها على صدره ) أنت أكثر من رائعة  ... شكرا لك ... لقد جعلتي يومي هذا أستثنائيا    حقا ... منذ فترة طويلة لم تمتد يد كهذه لتحنو علي .

هي : ( تسحب يدها مرتبكة ) أنا سعيدة بذلك ... ولكني ما زلت أشعر ببعض الشك وظنوني توخزني أتجاهك ؟

هو : لا أفهمك ... ماذا تقصدين ؟ اتفكرين بقتلي أيتها الحمقاء ... لا تكوني سخيفة كالآخرين ... انظري لي جيدا ...أنا مت منذ زمن بعيد ...

هي : لا ... أقصد انا قلقة بخصوص عمليتك الجراحية ... متى ستقوم بها ؟

هو : لم يحددوا موعدا للعملية بعد ... وأنا شخصيا لا أعرف حتى ألآن أن كنت سأجريها أم لا ... واذا ماجرت الأمور على     خير مايرام فسنلتقي ثانية أعدك بذلك .

هي : ولم لا نلتقي قبل ذلك ... أنا أطهو بشكل جيد ... ليس هنالك من يطبخ الرز مثلي ... سأكون سعيدة بإستضافتك في بيتي المتواضع ..

هو :  حددي أنت الموعد وسأكون متلهفا للحضور ...

هي : السبت ... إنه يوم عطلتي .

هو : جيد في الساعة السابعة مساءً سأكون في بيتك وسيكون ذلك مصدر سعادة بالنسبة لي . 

هي : سأحضر لمرافقتك ... فقط أنتظرني عند المحطة المجاورة للمشفى ... أنت تعلم وضعي حساس لذلك لا أريدهم أن يكشفوا علاقتي بك ... قد أطرد من عملي .... لقد حصلت على هذه الوظيفة بعد عناء كبير أتصدق ذلك ... الحصول على مهنة متواضعة كهذه أصبح محالاً على واحدة مثلي لأني بلا كفاءة وبلا تخصص ... وذلك كله بسببكم سيدي الرئيس ..

هو : عدنا ثانية ... أسمعي يا حلوتي جسدي لايحتمل هذا البرد يجب أن أطلب تكسي بسرعة فقد أصاب بنزلة برد وحينها يتعسر علي الحضور إلى موعدك !

هي : حسنا ... يوم السبت لاتنسى ذلك ..

هو : طابت ليلتك ... ماذا قلتِ أسمك ...

هي : ليليان ... (تضحك .. يضحك .. يذهب بإتجاه آخر لطلب تكسي ، تقف هي وحيدة تحت عمود النور ... موسيقى )

هذا الخرائي الكبير يريد إقناعي بأنه مجرد رجل مريض ومعدم ... ينتظر أن تتكفل جمعية خيرية بدفنه في أحد المقابر الجماعية ... والجميع يعلم إنه أثرى المنفين في العالم ... يا للسخرية .... ( إظلام تدريجي )

 

المشهد السابع

 

العشاء الدامي

 

 

( في شقة ليليان المتواضعة /غرفة بسيطة حيث لا يوجد أكثر من سرير وصوفة وخزانة ملابس وأدوات الطهي ... موسيقى شعبية ... هي مشغولة بإعداد الطعام ... هو ينظر نحو البحر من النافذة )

هو : (يقرأ قصيدة ) حياتي كلها آية مظلمة تتكرر ... (يتوقف ) غرفتك مليئة برائحة البحر ...

هي : في أي يوم ولد سيادتكم ؟ أوه يا لغبائي في الثالث عشر من آذار ... كيف نسيت ... إنه عيد وطني لطالما أحتفلت به مع أهلي والجيران رغما عنا ... كنا نحتفل بعيد ميلادك وندعوا لك بالموت أوالجنون أو الجحيم ... تصور ..

هو : كنت أتوقع ذلك ... ولكنها إفتتاحية سيئة لمساء أتوقعه جميلا ..

هي : آه لك مزاج رومانسي اليوم ... طيب لنغير الموضوع ... ألا تعتقد إنه من الكثير جداً أن يكون أثنان من برج الحوت في مكان واحد .

هو : آه ... أنت من مواليد برج الحوت أيضاً ... برجنا للأسف سيء الصيت ..

هي : لا ... أعتقد أنها مجرد مبالغات وأفتراءات حول الأبراج .

هو : ولكن يجب أن تعرفي أن أسوء ما جرى لوطننا المسكين هو أنني كنت رئيسه ، لا تنظري إلي هكذا ... إنني أتكلم من قلبي .

هي : أشرب القهوة ... أسمح لي أن أطفأ الضوء ... لنبقى على ضوء الشموع ... هكذا أفضل .

هو : لقد أخترت منفاي في هذه المدينة نتيجة لنصيحة أحدهم ... كانت نصيحة مجدية أخيراً فقد ساعدتني هذه المدينة على الإلتقاء بك ... لقد تخلى عني الجميع لأنني لم أعد ثرياً بما فيه الكفاية لكي أدفع لهم ... زوجتي ماتت دون أن تنجب لي طفلاً ..

هي : هذا من حسن حظ البلاد .

هو : أمضيت خمسة عشر عاماً من الوحدة ... كان علي أن أقاوم طوال هذه السنين الإغراءات العديدة والوعود بأعادتي

 إلى السلطة ...

هي : هل كانت هنالك إغراءات ووعود فعلا ؟

هو : بالطبع ... لكني وبعد فترة وجيزة قررت عدم فتح الرسائل ... فقد أكتشفت أن أكثر الرسائل أستعجالاً وجدية تصبح أقل أستعجالاً وبلا أدنى جدية بعد أسبوع ... حتى أن كاتبها ينساها بعد فترة ... وعندما أذكره بحماسته تلك أجده يغير الموضوع بطريقة صرت أعرفها جيداً ... التوقيتات كانت غير دقيقة ، سنترقب الفرصة ... سخافات ( يخطف السيجارة من يدها ) أنك تدخنين بلذة كبيرة تجعلني عاجزاً عن مقاومة الأغراء ... لقد تخليت عن التدخين منذ سنوات لكن التدخين نفسه لم يتخل عني نهائياً ... وأستطاعت السجائر التغلب علي في بعض الأحيان مثلما جرى الآن ... آسف .. ( يعيد إليها السجارة ) .

هي : بعض أنصارك القدامى صاروا رؤساء بعدك ... أوه ... لِمَ أخبرك أنت أعلم بهذه الأمور مني ... خصوصاً رجال الجيش والمخابرات ..

هو : جميعهم مثلي ... إننا ننتحل شرفاً لا نستحقه ... نحتل بقوة وظيفة لا نحسن القيام بها ... البعض يفعل ذلك حباً

بالسلطة... أما الأغلبية فهم يبحثون عما هو أدنى من السلطة ... كالسرقة مثلاً ... سرقة الأموال والهرب بأسرع وقت

 ممكن ... بالنسبة لهؤلاء الرئاسة طريقة مناسبة للثراء السريع ... ( يضحك ) .

هي : هل تعرف ما يقال عنك ؟

هو : إيه ... الكثير ...

هي: وهل هي أكاذيب ؟

هو : إن كانت أكاذيب أو حقائق لن يغير ذلك شيئا في الأمر .. ففي ما يتعلق بالرؤساء يمكن لأسوء المخازي أن تكون الأمرين في الوقت نفسه ... حقيقة و أفتراء معاً ... لا فرق ..

هي : هذا صحيح أتفق معك ... خصوصاً وأن بعض الحكايات التي سمعتها غير مقنعة على الأطلاق ...

هو : أشكر لك هذا التعاطف ..

هي : إذن أنت تعيش الآن بدون أي أتصال بالعالم الخارجي ...

هو : هذه هي الحقيقة ..

هي : خذ هذه الصحيفة وأنظر ماذا يقال عنك ..

هو : (يقرأ ) ياإلهي متُ في لشبونة ... إنها الصحيفة التي ساعدت على تأسيسها ... مديرها صديقي .. كان دائما يعتمد على مساعداتي المالية لكي يستمر بأصدارها وها هو ذا يكتب الآن أنني مت في قاعة القمار في لشبونة ... قاعة قمار وفي منتجع الإنحطاط ذاك ... إنه المكان الوحيد في العالم الذي لا أود الموت فيه .

هي : زوجتك توفيت هناك أيضاً ... هكذا قالوا... ماتت من التأنيب المستمر .

هو : تقصدين تأنيبي ...

هي : نعم حول قضية أخيها ..

هو : لقد شارك في محاولة الأنقلاب علي ... أعدمته كبقية الخونة والمتآمرين أليس هذا عدلاً ؟ !

هي : كان لديه ما يبرر فعلته ... هو الآخر يريد السلطة وعلى أية حال أنت لست أفضل منه ..

هو : نعم ولكنه لم يحصل على السلطة هذا هو حظه من الحياة ... هكذا نحن جميعا في ذلك الوطن ... نغامر فأما أن نصبح رؤساء أو مجرمين ... لا يمكن أن يخلصنا أي شيء من أفكارنا و طموحاتنا ... وطن القذارة ... بل قارة حبلى ببراز العالم بأسره ... قارة بلا حب ... إننا أبناء الارهاب والعنف والانقلاب والتعصب ... أبناء الأغتصاب والمعاشرات المشينة والخداع والكذب ... إننا أعداؤنا الحقيقيين ... نعم ... وجدتها ... هذا ما كنت أبحث عنه منذ سنوات ... تسمية تليق بنا ... نحن أعداؤنا ..

هي : وإذن هذا هو الرئيس الذي دفعنا ضريبة سلوكه القذر ... يجلس هنا في المنفى ويتفلسف كمعلم قديم عن القارة ...

لقد أحسنوا صنعاً بالإطاحة بك ... فما أنت إلا أبن قحبة ... وغد ... مخادع ... خرائي كبير ... وحش فظيع ..

هو : رجاءً بدون كلمات نابية لو سمحتِ .

هي : أسمح ؟ أنا التي يجب عليها أن تصمت الآن؟! وتعض على لسانها؟! وتسامح؟! تهدء وتتكلم بدبلوماسية؟! أنا

التي يجب عليها ان تكف عن النظر إلى الوراء ؟! كما يجب عليها التطلع إلى الأمام وعلى شفتها أبتسامة مشرقة؟! وغد وأبن قحبة ... سأثأر منك الآن ... سأغتصبك من أجل ... من أجل الجميع ...

( تهجم عليه ... تسحبه نحو السرير ، تمزق ثيابه وتجلس فوقه ... هو مستسلم بين يديها كقشة ... تحاول أغتصابه تشعر باليأس من فشل محاولتها تقلبه على وجهه تركض لتجلب عصا المكنسة تدفعها داخل مؤخرته ... يصرخ بهستيريا ...

يسيل منه الدم ... موسيقى ... صمت ... تسقط إلى الأرض من الفزع ... ينهض ببطء شديد ... يلملم نفسه ) .

هو : ماذا فعلتِ بي أيتها المجنونة ... ( تشهر المسدس وتلاحقه في أرجاء الغرفة ) .

هي : أنظر أيها النمر ... أيها المواطن الأول ... أنظر إلى نفسك جيداً ... ( تضع المرآة أمامه ) كم تبدو كنمر وأنت مهان ومخوزق بهذا الشكل ... لم أعد أطيق رؤيتك حياً ... كل كلماتك كذب ... وهراء ... أتريد خداعي ... أيها القذر ... أتريد أقناعي بقولك أنك كنت أسوء رئيس لبلاده ... تتبجح بذلك الآن ... إذن لم تمسكت بالسلطة وقاتلت دفاعاً عنها ... لقد فتكت بالآلاف من الأبرياء ... أهدرت الكفاءات وبددت الثروات ... والآن ... الآن فقط تشعر بالندم ... بماذا يجدي ندمك الآن... ماذا يقدم ندمك العظيم هذا لبلادي المخربة والتي لايرجى أي أمل منها الآن ... سرقت الأموال وهربت ... عشت وتمتعت بالحياة كيفما شئت ... بينما نحن خسرنا كل شيء... خسرنا حاضرنا ومستقبلنا وماضينا ... هل تفهم ...لم أعد أطيق أدعاءاتك الكاذبة بأزدراء السلطة وكأنك صوفي من زمن آخر ... أنت كذاب كبير فما زلت تحلم بها حتى الآن ... أقسم

بأنك مستعد لتقديم أي شيء مقابل عودتك ولو للحظة إلى الرئاسة لتجعل الجميع يعضون التراب تحت قدميك ... وأنا من بينهم بالطبع ... هل كنت ستتكرم بزيارتي لو كنت رئيساً ؟ (صمت قصير )

هو : (هو غاية في الأنكسار ) وهل كنتِ ستدعينني لزيارتك لو كنت ما أزال رئيساً؟ ( صمت قصير ).

هي : ربما كنت سأدعوك لأنتقم منك ... (صمت ) .

هو : والآن لماذا دعوتني؟ ( صمت ).

هي : لأقول لك كم أنت قذر وأبن قحبة .

هو : أهذا كل شيء؟!

هي : نعم هذا كل شيء ... أغرب عن وجهي ... أم كنت تتوقع أن تجدني خاشعة تحت قدميك ... لقد أصبحت مدمناً على دلال السلطة بحيث لم يعد ممكناً أشباع واحد مثلك إلا بإذلال الناس وقتلهم ... إذهب إلى الجحيم .

هو : ( وهو يخرج ) طبتِ مساءً .

( صمت ... يتناول معطفه ويخرج ... موسيقى / إظلام تدريجي ... تلحقه )

 

 

المشهد الثامن

 

  في الشارع أخيراً

         

( يسير وهو يتعثر ساحبا وراءه معطفه بينما تركض هي وراءه ، تقف أمامه وتقطع عليه الطريق وتشهر المسدس بوجهه)

هي : إلىأين تذهب ؟

هو: إلى الجحيم ... ألم تطلبي هذا مني؟ سأعود إلى دير العجزة لأموت هناك ... سأعود إلى غرفتي الصغيرة وأدفن نفسي.

إنها المكان الوحيد الذي يلائمني الآن ... كما أنها تذكرني بسنوات شبابي ... كنت أقيم في السكن الجامعي حيث درست الأدب لأربع سنوات.

هي : كنت تدرس الأدب؟

هو : وفي العطل وأوقات الفراغ أعمل بناءً لكي أعيل نفسي .

هي : وأين هي أموالك ... هل بددتها؟

هو : ( يخرج من جيبه ساعة ذهبية بسلسلة من الأحجار الكريمة ويقدمها لها ) هذا كل ما تبقى لدي في هذه الحياة ... لم

يبق لي من خيار آخر سوى بيعها ... لقد بعت مقتنياتي البسيطة التي أستطعت الهرب بها لكي أعيش حياة متواضعة بعد

 أن تخلى عني الجميع ... والآن يجب أن أبيعها هي الأخرى لكي أتابع بقية أيامي بهدوء  ودون أن أضطر لمد يدي إلى الكنيسة .

هي : ماذا أتخدعني ثانية؟

هو : أريد بيعها بأقصى قدر من التكتم ولذلك لبيت دعوتك هذه الليلة ... أنني بحاجة إلى مساعدتك لكي أواصل بقية أيامي بسلام .

هي : أتريدني بيعها لك ... ولكن ... هل تملك فاتورة بملكيتها إنها تحفة نادرة .

هو : لا أملك أية فواتير ... لقد التقطتها من خزانات القصر وأنا أستعد للهرب .

هي : وكيف يمكن لي بيعها ... ربما أتعرض للمسائلة أو أسجن .

هو : في هذه الحالة لم يعد أمامي إلا أن أسفر عن وجهي وأبيعها بنفسي ... وهكذا ستجد الصحافة موضوعاً تتسلى به ... سيادة الرئيس المخلوع يبيع مقتنياته ليعيش ... وهكذا أخسر وقاري ... آخر ما تبقى لدي في هذه الدنيا ... أصبح أضحوكة للجميع .

هي : أنا آسفة .

هو : أنا آسف ... أرجوكِ سامحيني ... يا للبؤس ... لا أحد يعلم مقدار بؤسي ... لا أحد يعرف مقدار بؤس رئيس فقير...

حتى البقاء على قيد الحياة يبدو شنيعاً بالنسبة لواحد مثلي... ( تعيد إليه الساعة ) .

هي : ولكن بأمكانك أن تبقى دون أجراء العملية الجراحية ... إنما من الصعب ان تبقى حياً وأنت لا تعرف كم الساعة ...

هو : شكراً لكِ .

هي : يا للعجوز المسكين ... يا لحياتك الخرائية ... آسفة ... المنفى علمني كل هذه البذاءة .

هو : أتعلمين لماذا أصر على أجراء العملية الجراحية ؟!

هي : لكي تشفى وتعود إلى البلاد على رأس حركة إنقلابية من أجل ما تسمونه قضية عادلة وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي ومن أجل كرامة الوطن ... وبعد ذلك يبدأ سفك الدماء.

هو : كلا ليس من اجل هذا ... بل أصر على إجراء العملية لكي أنتحر .

هي : ماذا؟

هو : نعم أنتحر ... فالعملية فرصة ملائمة للموت وأنا في الغيبوبة ودون أن أشعر برهبة الموت.

هي : ألف عملية جراحية لن تقضي عليك... فأنت لن تموت ... لن تموت ... لن تموت ...

 هو : لن أموت ؟؟

هي : إلا بشيء واحد .

هو : وماهو ؟؟؟

هي : هذا... (تشهر المسدس بوجهه وتسحب الزناد )

هو : (يشعر بالأسترخاء فجأة ) يتوجب علي أن أشكرك على شجاعتك المفاجئة هذه ... إنك تعملين من أجلي ... صدقي ذلك

      ألم تلاحظي منذ قليل كيف أستسلمت بين يديك وانت تمزقيني بأظافرك وتخوزقيني ... وبعد إتمام مهمتك الرائعة هذه ه

     هنالك أمر يحزنني ... فما ذنب آنسة جميلة مثلك لتقضي بقية حياتها في السجن بسبب قتلها عجوز مثلي ؟؟؟ كما يحزنني أمر آخر ...أنني لست الرجل الذي تريدين قتله !

هي : ماذا تريد أن تقول ؟ ماذا تقصد ؟

هو : أعني ... آه... كم حاولت أن اوضح لك لكنك لم تفهمي ... لم  تنتبهي.

هي : ماذا تعني ؟ هل تقصد بأنك لست الرجل ال....؟؟؟؟

هو : نعم ... لست الرئيس !

هي : لغز آخر ... خدعة أخرى ؟ ومن تكون  أذن ؟؟؟

هو : أنا الشبيهز

هي : البديل ؟!

هو : بل الشبيه ... ألا تذكرين أم تراك نسيتي ؟ لقد كتب عني الكثير ونشرت الصحف صوري وأحدهم ألف كتاب عن حكايتي وشرح بالتفصيل معاناتي وكيف أنهم حولوني من شاعر موهوب الى شبيه بغيض للرئيس ...لقد أجروا لي العديد من عمليات التجميل لأبدو مثله ... ألا تذكرين ؟؟ وأساسا امراضي كلها جراء ذلك التغيير .

هي : نعم ... أت.. ذكر ... ولكن ؟؟؟

هو : هو مات في لشبونة منذ سنوات وكما قالت تلك الصحيفة حقا ... نعم أنا مجرد شبيه عجوز ينؤ بوزر جرائم لم يرتكبها

      قضيت حياتي معزولا ومنبوذا بسبب كراهية الناس له هو ... وها أني أقتل بسببه هو أيضا ... حتى الموت لن يكون من أجلي ... أريد موتي الخاص ... هذا الموت من أجله ... إنه موته !

هي : لا ... أنت تحاول خداعي ... أنت كذاب كبير ...

هو : وما فائدة الخداع ألآن؟ أنا أنتظر الموت بفارغ الصبر... ولكنك ستقتلين الرجل الخطا ...

هي : كلا ... أنت تكذب ...

هو : بل هي الحقيقة ... ألم أقل لك إننا أعداؤنا ...أغلبنا مثله كم نشكو من قسوته لكننا قساة مثله ... غير قادرين على الأصغاء مثله..غير قادرين على التسامح مثله ... لا نملك حلا إلا بالعنف ... إننا نشبهه ....

هي : كلا ... تكذب ... إنك هو ...

هو : أنا الشبيه .... مجرد شبيه ... تلك هي الحقيقة ...

هي : بل تكذب ... تكذب ......

(يستمران بالصراخ ويذوب صوتهما مع تعالي الموسيقى وإطفاء الأضاءة تدريجيا )

 

28.4.200

DANMARK 

NYKOBING .F

عودة الى الرئيسية عودة الى الشبيه
دير الملاك كتابة السيرة على الماء ماكتبته الصحافة مواقع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح