سيناريو عرض مسرحي صوري 

كفـن

 سيرة الحياة التي سقطت علينا

 

الى د.صلاح القصب وبقية أحلام بيننا أجلتها أقدارنا العجيبة!

 

هادي المهدي

 

 

اللوحة الاولى

 

صباح العالم الاول

 

مساحة واسعة يغطيها كفن كوني هائل... لونه ترابي مصفر ... اضاءة زرقاء مصفرة تسقط على المكان والشاشة الخلفية المتماوجة كقماش الكفن نفسه ... سماء كئيبة ومتهدلة تكاد تسقط الى الارض وهي بين الحين والاخر تفلت نجومها وكوكبها وملائكتها ... فيتساقطون الى الارض مخلفين ورائهم دوي أخرس ... أعمدة دخان ترتفع هنا وهناك ... برق وعواصف تهز المكان ... ثمة عجوز لها عمر الدهر جلست وسط الكفن ترقعه بقطع قماش لها نفس لون الكفن ... تخيطه بابرة خرافية وخيوط سوداء سميكة ... شعرها الابيض اللامع يمتد ليتيه مع الخيوط وتموجات قماش الكفن الهائل ...الرقع المنتشرة على سطح الكفن تتحرك ... تنبض كالجنين في الرحم ... ثمة ملائكة تسقط بين الحين والاخر من السماء الى الارض ... تحتضر وتموت دون أن ينتبه لها احد ... فجأة تبدأ الرقع بالحركة ... وبشكل بطىء وبصعوبة بالغة تظهر منها أجساد بشرية ملفوفة بالكفن وقد تمت خياطة أيديها وأرجلها ورؤسها الى اجسادها بخيوط سميكة واضحة ... أغلبهم حلقي الرؤوس نساء ورجال والقليل منهم بشعر كثيف وجدائل طويلة ... أحدهم يتدلى لسانه حتى قدميه وآخر قد خرت عينيه على وجهه ... يتماوج الكفن الذي أصبح مثقبا جراء خروج الرقع تلك منه ... يتعالى صوت العاصفة وهدير البحر ... العجوز ... (خياطة المصائر) تغرق في الكفن ولكنها لا تختفي ذلك انها تظهر في أي لحظة تشاء ... وهكذا ... كان صباح وكان مساء اليوم الاول .

 

  / قـطـع /

 

اللوحة الثانية

هم في التيه العظيم

 

 

  ولكن من هم ؟

 هنا ستتقدم شخصيات روايتنا ألبصرية لتعرف نفسها بصور فردية وربما ثنائية أو جماعية وهم على سبيل المثال لا الحصر :

 

·                    بهلول الملك لير : بساق متورمة يحمل لوحة الموناليزا فهو يخشى عليها من تدمير نووي سيجتاح العالم .

·                    فلاديمير واستراجون : هاربانمن انتظار غودو الى روايتنا هذه ولكنهما رغم ذلك منشغلين بألانتظار أو محاولة ألانتحار.

·                    حفار القبور : كما ورد في قصيدة ألسياب ولكنه يهرب ألآن من قوته .

·                    أنكيدو : بعين واحدة كبيرة تتوسط جبهته ... إنه يشم رائحة ألموت ... لا يعيش ولا يموت ... إنه يحتضر وحسب.

·                    المحارب : أينما يجد ألأسلحة يدفنها ... إنه لا يريد ألمزيد من ألحروب ألتى عفنت روحه .

·                    الملاك : سقط من السماء ولكنه لم يمت ... ينزف باستمرار إلا انه مازال يحتفظ بأجنحته ... يجمع الحجارة ويرميها بكل اتجاه فلا تسقط ...إنها تختفي .

·                    الحارس : حارس حديقة ألوجود ذات الأزهار ألميتة.

·                    البنَاء : عازم على بناء سد في كل مكان لمنع ألموت من ألاقتراب من البشر .

·                    الحامل : انهى الشهر ألثالث بعد ألمليون ولكنها لا تلد أبداً.

·                    المصورة : بيضاءحتى انمحت ملامحها تماما ... وقريبا ستدون تاريخ ألزمن بكاميرتها وتتحول إلى غيمة عابرة.

·                    العديد من الشخصيات ألأخرى كألجراحين وحملة ألمشاعل الضوئية وملائكة ألصلبان الضوئية سيرد ذكرهم حسب رواية سقوط ألحياة علينا .

/ قـطـع/

 

 اللوحة الثالثة

لو ثقبنا الوجود ومضينا؟

 

 

السرب البشري يتيه في الكون ... ألأمطار والعواصف تبعثرهم ... أقدامهم تنغرس في ألأرض التي هي كفنهم ألكبير ...(هنا سيتخيل  د: صلاح القصب إنهم يحملون غرامافون ومظلات اسطورية بيضاء ... أوافقه على هذا أيضا ) يسقطون إلى الأرض ... يتلوون من ألعذاب ... يصيبهم ألعماء فجأة ... يتصادمون ... وينشب بينهم ألعراك ألدموي ... فجأة يصرخ أنكيدو  الذي جلس بعيدا عنهم ... يصرخ صرخة ذئبية وهو يشير إلى بقعة ضوء بالغة ألصغر في آخر ألافق ... يحتضر ويموت ... هي في حالة جمود مشكلين بذلك تشتت في الرؤيا بين جثة أنكيدو وتلك البقعة ألنورانية ألتي تزداد إتساعا ...

تظهر خياطة ألمصائر ومعها اثنان من ألجراحين ... تقوم بتفكيك خيوط جثة أنكيدو ... وتطمره تحت ألكفن ... تضحك ضحكة عاهرة وتخرج .

هم يسيرون بشكل رتل بإتجاه بقعة ألضوء ألتي كبرت ... وما أن يدخل فيها ألواحد منهم حتى يختفي مخلفاً وراءه صرخة من يسقط في هاوية ... إنهم ينجذبون نحو ألنور دون إرادة منهم .

 

/ قـطـع /

 

اللوحة الرابعة

 

 

الخلود

 

 

لا ممثلين ولا مفردات بصرية ... باستثناء ألضوء والموسيقى كل شيء يختفي ... ألضوء يتحرك مع صوت الموسيقى وخرير ألمياه بشكل سمفونية ضوئية موسيقية ... ألكل قد تحول إلى روح أثيرية في عالم ألخلود هذا ... لحظات تمر ... وفجأة يبدأ الضوء بالإهتزاز وتنطلق ألشرر النارية من السماء . ويعم الدخان ... صوت ألعاصفة يقترب حتى يصم الآذان ، وما أن تهدأ ألعاصفة وينجلي الدخان حتى نشاهدهم وقد أستيقضوا من حلم ألخلود ومعهم أنكيدو ... ذلك اننا جميعا نموت في ألاحلام ... كل يوم نفعل  ذلك  .

  /  قــطـع /

 

اللوحة الخامسة

 

 

 /   ا لكون يتقيأ حضارته !/   

 

الساعة الرملية تشير إلى التوقف ... الارتجاج يصيب المكان والكائنات من صدمة التوقف الكبيرة ... وفجأة تنطلق أصوات الغربان والعواصف ... السماء تمطر حروفا ... كتبا واسطوانات ... آلات موسيقية وملائكة ... السرب التائه في الابدية يحاول يحتمي من تساقط السماء بالكفن ... فجأة تسقط راقصة باليه من السماء ... إنها تئن وتزحف محتضرة يخرجون وقد حملوا إطارات خشبية للوحات فارغة ... يحاولون من خلالها حماية أنفسهم وبالتالي فهم يشكلون صورتهم الحقيقية ( الخوف الدائم من الهلاك الذي تتحفنا به الحياة ) أثناء العاصفة الاولى كان كل منهم منشغل بعاداته اليومية ... فلاديمير واستراغون يحاولان الانتحار دون جدوى ... المحارب يدفن الاسلحة ... الطفل الملاك يقذف السماء بالحجارة ... الحامل تحاول الاجهاض من دون جدوى ... أنكيدو يحتضر ويموت ... ويعود ... راقصة الباليه تحترق وتتحول الى ما يشبه جذع شجرة ميتة ... السرب يتحرك داخل إطاراته الخشبية ويتوقف بين اللحظة والاخرى وهم بذلك يشكلون صورة لليأس والخراب ... صورة للحضارة وقد تهشمت ... واخيرا يتكتلون حول بعضهم البعض وبأجسادهم وبالاطارات يشكلون صورة الهلاك الأخيرة ... تدخل خياطة المصائر ومعها الجراحين تفكك جسد راقصة الباليه وتدفنها ... أثناء ذلك كله تعرض الشاشة الخلفية سيل من الكلمات وبكل لغات العالم تقول ... أنقذوا أرواحنا ..!

  /  قـطـع / 

 

 

اللوحة السادسة

 

قفى الوجود!

 

 

بعد أن هدأت العاصفة يكون الجميع قد تحولوا الى ركام بشري ... فجأة يستيقظ الطفل الملاك ويبدأ بتفحص الكفن الكوني ... يصفر فيدخل من العمق سرب ملائكة صغار يحملون أجنحتهم وصلبان فسفورية ... يبدأون بالدوران حول الكفن والأجساد البشرية يشكلون حلقة كبيرة ... يبدأون برفع الكفن ... يستيقظ البقية هلعين ... يهبون لمساعدة الاطفال الملائكة وهم  ممزقي الثياب وحفاة ... الكفن يتماوج بثقله ... الكفن يعاندهم ... تبدأ حالة صراع بينهم وبين الكفن ... هم يحاولون قلبه ... هو يقلبهم ويشتتهم  ... أخيرا يتمكنون من قلبه إلا انه ما زال يفور ويغلي ... يحاولون تثبيته بأجسادهم ... يهدأ ويرضخ لهم أخيرا ... ينهارون على الارض مرهقين وهم يتنفسون بقوة ... السماء ترتفع وقد استعادت عافيتها ... تهب موسيقى روحية صافية العذوبة ... ينهضون ويخلعون عنهم اكفانهم ... فنشاهد أجساد طينية عارية بالغة الجمال وبكل تدرجات لون الطين... يباشرون بإشعال المشاعل وهم يرقصون بنشوة كبيرة ... بعد قليل نشاهدهم وهم يقفزون قفزات طويلة ... بعد ذلك يحلقون إلى أمتار وهكذا إلى أن يحلقوا إلى السماء ... تنسحب الاضاءة من الارض وتتم بقية المشهد في الفضاء السماوي ... يرقصون ويسبحون ويركضون ويلعبون بالمشاعل ... مع نسيم موسيقى صافية ... فجأة ينطلق الرعد والبرق وتمطر السماء ... يحاولون الفكاك والهرب دون جدوى ... تذوب أجسادهم الطينية بفعل المطر ... ويتساقطون إلى الارض الواحد تلو الآخر ... ومع سقوط كل واحد منهم نسمع صوت تكسر الحجارة والزجاج وصفير سيارات الاسعاف ... وأصوات مقاسم التلفونات والطابعات الالكترونية ... إنها القيامة !!

/   قـطـع

 

اللوحة السابعة

 

إحياء العظام وهي رميم !

 

 

يعود الضوء تدريجيا وقد خفتت الاصوات ولم يبق إلا الانين وأعمدة الدخان ولميض برق بعيد ... ليس هنالك إلا الكفن وأشلاء بشرية تناثرت هنا وهناك خلال فتحات الكفن الكوني ... من كل الجهات يدخل فصيل من الجراحين بلباس غرفة العمليات ومن الوسط تتقدم خياطة المصائر وتعطيهم الاشارة ببدأ العمل ... يباشرون بلصق الأجساد ولكن بشكل سيء هذه المرة ... حيث يكون كل جسد عليل ومهلهل ... الكل يبدأ الحركة بشكل عشوائي وكأن الجسد فقد ذاكرته ... هي تنظر إليهم وتطلق ضحكة عاهرة وتخرج يتبعها سرب الجراحين ... هم يبدأون بالأنين والبكاء والصراخ حد الجنون ....

 

قـطـع

 

 

اللوحة الثامنة

 

 

الحياة أيضا... و أيضا ...

 

يبدأ كل منهم بممارسة أفعاله اليومية ... وبشكل مكرور ورتيب ... أفعالهم تتكرر كما الشريط السينمائي ... ( أحدهم يرمي الحجارة ... والآخر يبني سد الموت والبهلول يدافع عن الموناليزا ... والحامل تجهض ... وأنكيدو يصرخ محتضرا ... فلاديمير واستراجون ينتظران غودو ... المصورة تتابع أخذ اللقطات ... الخ ) ومع كل تكرار لهذه الأفعال تضيق مساحة الحركة شيئا فشيئا حتى يسجن الجميع في حلقة ضوء تحيط بها العتمة من كل إتجاه ... يشعرون بالإختناق ... يحاولون الفكاك ... الخروج لا يستطيعون ... يحاول بعضهم كسر حلقة الضوء بيديه ورجليه دون جدوى ... أخيرا يتمكنون من فتح كوة صغيرة ... يخرجون منها الواحد تلو الآخر بشق النفس ... يبدأون بايقاد أعواد الثقاب تضاء العتمة ... يتجمعون وبشكل روتيني هذه المرة وهم يرتبون ثيابهم ويقفون لأخذ صورة جماعية ... المصورة تقف في الأمام وتعيد ترتيبهم ... يسود الصمت والتوقف لفترة طويلة ... طويلة جدا ... بعد ذلك يبتسمون ... يسيل الدم من أفواههم ويغطي أجسادهم ... إنها صورة من أجل الحياة القادمة ...

قـطـع

 

 

اللوحة التاسعة

 

محاولة قتل الحياة نفسها !

 

 

تظهر خياطة المصائر والأقدار وهي تردد لحنا سومريا قديما ... يحاولون مهاجمتها وهم يطلقون كلمات مبهمة غاضبة ... توقفهم بإشارة منها ...يتوقفون ويهجمون مرة أخرى ... توقفهم يتصاعد غضبهم ... يهجمون عليها ... يشتبكون معها ... فجأة وبينما يتناثرون نجد أنهم اشتبكوا فيما بينهم وقد أختفت هي ... تتحول المعركة إلى حالة ذئبية فريدة من نوعها ... يهشمون بعضهم ... الضوء والموسيقى يشاركان في وحشية المعركة ... يتلاشون في العتمة ...

 

قطع

 

 اللوحة العاشرة

 

 

قبض ريح !

 

 

هم أشلاء متناثرة ... خياطة المصائرتعيد خياطتهم يساعدها في ذلك سرب الجراحين ... يحملونهم كالتماثيل ويرتبونهم في مقدمة المسرح بأشكال يرثى لها ... وهم ملفوفين بالكفن الكوني الذي يمتد ويتماوج بلا نهاية ... بلا توقف .. ذلك أن كل يوم سيتكرر... كل ساعة ستتكرر ... والعرض نفسه سيتكرر مع آلاف الممثلين والمشاهدين الموتى سلفاً !

 

 

10/ 2000

الدانمارك  

 

 

 

·                    هادي المهدي كاتب ومخرج مسرحي عراقي مقيم في الدانمارك .

·                    مسرح الصورة نظرية وتطبيق للمبدع العراقي الكبير د . صلاح القصب وفيه تتجسد الرؤية بلحظات شعرية وفلسفية مكثفة ونادرة ذلك انها تتخطى الصيغ المسرحية الأخرى المألوفة .

 

عودة الى الرئيسية عودة الى الشبيه
دير الملاك كتابة السيرة على الماء ماكتبته الصحافة مواقع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح