مفتتح :

من القصة الىالمسرحي

 

ان الصفة الرئيسية التي تجمع بين هذه النصوص هي انها قادمة الينا من القصة القصيرة ولكن باعادة صياغة وتاويل كاملين مما يعطيني الحق بوضع اسمي كؤلف مسرحي لها . وهنا اود فتح ملف اسرار ورشتي المسرحية لكي اشيرالى الطريق الذي سلكته تلك القصص للوصول الى فضاء النص المسرحي والذي هو بين أيدينا الآن :

 

  نص  العشاء الدامي مقتبس عن  قصة قصيرة جدا لغابريل غارسيا ماركيز ( والتي نسيت اسمها  لسؤ الحظ )  وهي تتحدث عن لقاء ودي وعابر بين رئيس متقاعد ومواطنته في احد المشافي خارج وطنهما , ولكن عبر التاويل اتخذت القصة مسار اخر تغير معها الحدث والشخصيات والمكان والزمان والهدف مما يجعلها بعيدة كل البعد عن مصدرها وقريبة كل القرب من اشكالية الشبيه التي تمزق عالمنا المبتلى بالدكتاتورية لقد اوحت لي القصة بفكرة محاكمة المجتمع والسلطه عبر مرآة واحده تعكس عمق التشابه بين الضحية والجلاد بحكم التعاطي المستمر بينهما والتي يحذر منها برخت بقوله :( احذروا وانتم تطاردون الوحش ان تتحولو الى وحوش مثله ! )

 

اما مسرحية في المهب فقد انطلقت من فكرة غير رئيسية في أقصوصة سمر يزبك الصديقتان و التي لاتتجاوز العشر اسطر ولكن عبر التاويل المستمر والشحن المتواصل لفكرة طالما ارقتني حول اشكالية الحب والزواج الشرقية او العالم ثالثية والتي هي في الحقيقة تؤرق الشرق باكمله , انفتحت الحكاية على فضاء اخر زمان ومكان وشخصيتين وبالتالي مجتمع بكل تكوينه التاريخي والاجتماعي والسياسي والديني .

ليس لدى الكولونيل من يكاتبه , اعود مرة اخرى  لماركيز , الكاتب الذي يؤسرنا بحكم اقترابه الجريء من عالمه الامريكي لاتيني والذي  يشبه عالمنا كل الشبه , اعترف ان جهد تحويل الكولونيل الى مسرحية  كان ابسط من النصوص الاخرى ذلك  اني لم اهتم بتاويله بل بتقريبه من فضاء النص و الخشبة وحسب وقد شهد المبدع والصديق شيرزاد حسن والناقد السوري الكبير نبيل الحفار بخطورة وجدية هذه المحاولة .

وهنا لابد ان اشير الى اهمية الموازنة الفنية والادبية والتقنية التي يقوم بها الكاتب وهو يحول نص من جنس ادبي الى نص مسرحي بكل امتيازاته . ان عملية كهذة تنطوي على مخاطرة حقيقية قد تودي بالنص الاصلي لصالح الانحيازالتام  للمسرحه ( مسرحة القصة او القصيدة او الرواية او اي نص نثري اخر ) اوقد يحدث العكس , وهنا تنفتح امامنا مشكلة الاقتباس والاعداد , فالاعداد وبكل بساطة لا يتعدى عملية تقريب النص القصصي او الشعري الى  فضاء خشبة المسرح  وهو عمل يناسب الدراما تورج اكثر مما يناسب المؤلف المسرحيذلك انه عمل حرفي اكثر منه ابداعي وعليه يقوم رجال الورشة المسرحية بهذه العملية في اغلب الاحيان حيث يحتكمون الى خبرتهم المسرحية والى هدفهم االمحدد بتحويل تلك القصة او القصيده الى عرض راهن , ولذلك فالاعداد يناسب مخرج ما بعينه واسلوبه الاخراجي وهو لا يصلح لاي مخرج اخر او عرض اخر , فالاعداد عملية تبداء وتنتهي بالورشه والعرض المسرحي وحسب . اما الاقتباس فهو عمل ابداعي كامل يقع عليه ما يقع على التاليف المستقل غير ان مايلزمه بصفة الاقتباس ويبعده عن صفة التاليف ان الحدث او الفكرة او المقولة  فيه منتقات او مقتطفه او منتزعه من مكان اخر.  وبحسب هذه الرؤية كتب اليونانيين اوديب وانتيجونا لاكثر من مره معتمدين على حدث واحد بافكار ومقولات متعدده وكذلك فعل الكتاب المعاصرين في الغرب والشرق حيث استلهموا الاساطير والموروث الانساني بل وحتى الخبر الصحفي  في انجاز اعمال ابداعية كبيرة .

وعلى اية حال  فانا اجد في هذه النصوص مقترحات جدية لعروض مسرحية حيث يمكن ان تلهم الكثير من المخرجين الشباب صياغات بصرية وجمالية تغني مسرحنا  سيما وانها تناقش قضايا ساخنه وصارخه مسكوت عنها في عالمنا ومسرحنا , لذلك رايت ان اضعها في كتاب بين يدي  المهتمين بالادب والفن المسرحي  والذي بداء ت الكتابة فيه تنضب كماأرى واعتقد .

هادي المهدي

16 5 2001

الدنمارك

عودة الى الرئيسية عودة الى الشبيه
دير الملاك كتابة السيرة على الماء ماكتبته الصحافة مواقع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح