حول جذور الحب مقالات وحوارات

 

كلمة المخرج     

مسرحية (جذور الحب) ترصد بشكل بانورامي سريع حركة نضال شعبنا في الجولان ومقاومته للاحتلال، وهي تبتعد عن الدراما الصرفة لتستفيد من المسرح الإحتفالي حيث: الغناء والرقص والموسيقا، والتمثيل وكرنفال من الألوان على مساحة مسرح فارغ يتأسس عليه الفعل والتشكيل البصري الجماعي باستمرار، هذا بالإضافة إلى الوثيقة السينمائية المعبرة، لرسم مشاهد البطولة والتضحية.

منذ البداية تم تحديد منهج لتنفيذ هذا المشروع الذي يقوم على الإكتفاء والإعتماد على الذات، لذلك استنفرنا طاقات الجميع (موسيقيين وراقصين، ممثلين وتقنيين، مصممي رقصات) ومما يبهج النفس في هذا العرض أننا تمكنا من نقل عدوى حب المسرح إلى كل من عمل معنا، لقد عملنا وفق توقيت زمني دقيق ومحدد، وأخيراً كان هذا العرض ثمرة لجهود الجميع. وما كان لهذا العمل أن يرى النور لولا تظافر جهود الجميع وسهرهم على إنجاز العرض بصدق وأمانة، ولولا احتضان الإدارة السياسية لهذا النشاط الثقافي المسرحي حيث دأبت على رعاية كل مشروع ثقافي.

المخرج هادي المهدي

 

 

مسرح

احتفاليات جذور الحب

هل تعيد للمسرح العسكري تقاليد السبعينات

في نشاط لافت للإنتباه قدمت الإدارة السياسية للجيش والقوات المسلحة عرضاً مسرحياً ثانياً في موسم 98-99.

على صالة مسرح الثامن من آذار عرضت احتفالية جذور الحب وهي من تأليف الكاتب (سليمان الحاج) وإخراج (هادي المهدي) .

ومشاركة عدد كبير من الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات وهذا النشاط في بداية العام الجديد، يدفع للسؤال عما إذا كانت إدارة المسرح العسكري ستعمد إلى إدراج أكثر من عرض في العام الواحد، كما كانت تفعل في الستينات والسبعينات من هذا القرن.

النص ونص العرض:

يتمحور نص المسرحية الاحتفالية حول النضال الوطني في الجولان وقد صيغ في وحدات مشهدية، حيث يستطيع القارئ إدراك غاية كل وحدة منفصلة ومترابطة مع الوحدات الأخرى في النسيج العام.

 فالشخصيات تتحرك في إطار بيتي متصارع قبل عدوان 1967 لكن الخلافات والصراعات الأخوية تذوب مع قدوم العدوان، لتحل محلها راية المقاومة والتحرير في الفعل النصي.

المخرج (هادي المهدي) صاغ سيناريو العرض من خلال منطق النص المسرحي، بإصغاء خلاق مبدع لكل وحدة مشهدية عبر اكتشاف حركة النص الداخلية المعتمدة على بانوراما سريعة وواسعة لحركة الشعب العربي السوري في الجولان المحتل، حيث تنتقل من حياة يومية عادية بسيطة إلى مقاومة الاحتلال الصهيوني، بعمليات فعالة ومتناثرة. هذا السيناريو قام على قطع أحجار متراصفة جنباً إلى جنب، ومما يزيد في الحرفية النصية، إن كل مشهد يذوب داخل المشهد الآخر مولداً ما بعده، بتراص مشهدي عبر فكرة البناء والهدم بين المشاهد المعروضة مسرحياً، والقائمة على تعدد الذرى لكل مشهد من مشاهد العرض المسرحي، والمخرج استعان بهذا الأسلوب مستفيداً من المسرح التعبيري الألماني.

المشهدية البصرية:

مالت الصياغة المشهدية البصرية للعرض نحو التكثيف الشديد معتمدة على الاحتفالية التي (توظف مسرحياً – كل المظاهر الثقافية والحضارية للإنسان العربي وذلك ابتداءً من الشعر وانتهاءً بالمعمار الهندسي، ومروراً بالمنمنمات والأهازيج الشعبية والوشم والخط العربي والحكم والأمثال والحكايات والأساطير والحناء والأعياد والإحتفالات والمواسم الدينية والتراتيل والمواويل) .

ووظف المخرج (هادي المهدي) بعض ما ذكره (عبد الكريم برشيد) في عرضه "جذور الحب"، فالمنصة شبه عارية تماماً من أي ديكور، وقائمة على الممثل الركن الأساسي في المسرح، لخلق مساحات بؤرية مركزة للنحت والتشكيل الحركي، والرقص المتوازن مع الفعل الدرامي المسرحي.

الرقص والتشكيل الجسدي للممثلين والراقصين شغل عمق الخشبة في أكثر من مشهد، فالمشهد الافتتاحي صاغ تشكيلاً جسدياً كمنطلق لممثل راقص، وممثلة راقصة بنحت رقصي تمثيلي عن حالة عشقية للجسد كمنطلق لاندفاعة احتفالية تعتمد التصميم الرقصي الجسدي أساساً للفرقة، إضاءة لونية – مونتاجية شكلت خلفية ضوئية ديكورية لكل مشهد ويضاف إلى ذلك لوحة غرائبية احتلت العمق اللوني على الشاشة الخلفية أعطت البؤر التمثيلية والرقصية جزءاً من التشكيل العام لصياغة المشهد المسرحي.

التكثيف التمثيلي ابتعد عن الخطابية المباشرة بحيث جعل الفضاء المسرحي يتسع ليشمل) بيت – ساحة، قرية – بيت للاختفاء – قرية – قرى الجولان – سورية (عبر عدم التحديد الديكوري للمكان، لتكون البؤرة التمثيلية الكرنفالية تمثيلاً شعبياً لسورية في مواجهة المحتل ومقاومته برمزين) شذى التي تمثل المرأة السورية المقاومة، والمدافعة عن حقها في الأرض والإنسان – والطيار والمختار. فعلاً تعانق الشعب والقيادة في مواجهة المحتل (، وربط الجولان بالوطن الأم في التنسيق العملياتي للمقاومة مع مركز القيادة في دمشق.

وانتقال (فادي) من متخلف عن الخدمة الإلزامية إلى ضابط في الجيش العربي السوري، يعطي دليلاً قاطعاً على الروح الوطنية التي يحملها شعبنا في الجولان المحتل إلى الوطن الأم سورية، فالملحمة الوطنية في الاحتفالية المسرحية جعلت من) الصالة – المتلقي (مع المنصة كلاً لا يتجزأ في اندماج واضح، وحضور الجمهور حتى اليوم الأخير للعرض في انقلاب غير مسبوق منذ السبعينات في المسرح العسكري كان دليلاً للروح الوطنية لدى الجمهور.

الإخراج:

قدم المخرج العراقي (هادي المهدي) على مسارح دمشق العديد من الأعمال التي لاقت قبولاً وحضوراً فنياً، وعرف عنه كتابته للعديد من المسرحيات حيث أصدر مجموعة نصوص مسرحية بعنوان (الحياة تبدأ غداً)، وكتاب في المسرح بعنوان (الطقس المسرحي المعاصر)، وعروضه التي أخرجها هي (دائماً وأبداً و دم شرقي، والكراهية) و المتابع لهذه العروض يستطيع الاستنتاج أن (هادي المهدي) لا يعمل على عروضه المسرحية بأسلوب وطريقة واحدة وإنما لكل عرض مسرحي منطقه الخاص، فهو لا يقوم بصياغة إخراجه للعمل المسرحي من خارجه، ولا يقوم بترجمة النص، وإنما يقوم باكتشاف حركة النص الداخلية، وعلى أساسها يقوّم بناء الحركة الإخراجية للنص، ففي) دم شرقي (كان مفتاح العرض المسرحي أغنية فيروزية تعبر عن الأبواب التي بني عليها الديكور والحركة، وفي عرض) الكراهية (كان لتكرار كلمة الكراهية في النص أساساً لتشكيل أدائي، وشكل ديكوري، هو صالة بيت برجوازي أنيق مقطع بحبال حادة وصارخة.

في( جذور الحب ) بني الفعل الإخراجي على سيناريو حركي ينتصب مقابل الحوار، ويكمل بناء الحكاية ويأتي الطابع الاحتفالي (الرقصة والأغنية والقصيدة) ليدخل في نسيج البناء الحكائي وينميها ويطورها على مستويات متعددة. لا يطغى الطابع الكرنفالي على الأداء والتمثيل والخطاب المسرحي، وإنما صيغ لتحقيق التوازن بين الاحتفالية والأداء التمثيلي.

لكن ما يسجل على العرض هو الصخب المرتفع لاستخدام الموسيقا والفلاش، ويضاف إلى ذلك عدم التأكيد على إظهار عرب 1948 بالمظهر اللائق، خوفاً من الوقوع في مطب تحميل ظاهرة( العاملة الاستخبارية ) للكيان المغتصب لفئة طائفية في المجتمع العربي في فلسطين على عكس ما أثاره في عرض (دم شرقي) من قراءة لحالة هزيمة انعكست في هزيمة أسرة مبنية على حالة وحدة وطنية على أرض الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه من جميع الفسيفساء الطوائفي والوطني، فعرض (جذور الحب) ربط بشفافية عالية بين (الأنثى، والأرض، والجولان، ) في حالات عشقية قائمة على مقاومة المغتصب للأرض، والأنثى، فالأرض كما الحبيبة إن لم تجد من يدافع عنها ويحميها، تتعرض للإغتصاب، واستمرار الإغتصاب، ورفع الاغتصاب عن الوطن والأرض الحبيبة لا يتم إلا بالتضحية (رجال ومال) لتحقيق الحرية للأرض والحبيبة والوطن.

الأداء التمثيلي المسرحي:

عرض (جذور الحب) قارب الأداء الكرنفالي (طابعاً مادياً جسدياً خاصة من خلال المشاركة الجسدية من جهة، وطبيعة المشاركة اللعبية – الحركية)، من خلال التشكيلة الحركية الاحتفالية التي تعامل معها المخرج عبر ثلاثين ممثلاً وراقصاً نسبة المحترفين منهم لا تشكل 30 بالمئة من العاملين في العرض، وتوظيفه المفيد لخبرة المحترفين) معد الدين بقدونس، نور الدين داغستاني، برجس عزام، ميديا رؤوف، كميل أبو صعب، كمال البني، عادل حمزة، ليلى بقدونس (، معتمداً على إعادة تركيب المشاهد بطريقة التجاور وليس التتابع، ولا يترك لممثليه فرصة الاسترخاء في الأداء، وإنما حضور ذاتي – أدائي للممثل كجزء من توصيل الموقف إلى المتلقي، وعبر الأداء التمثيلي وضح لنا عملية إنبعاث المقاومة القائمة على فكرة تحرير الوطن لدى المختار (أبو فارس) وابنة أخيه (شذى) والطيار بالتنسيق مع المركز يضاف إلى ذلك أداء المغني (يوسف حميد حميداش) بدور (فادي) باللهجة المحكية العامية بصوت جبلي قوي، وبعث حب المسرح في طاقم العاملين والفنيين، وأخيراً لا بد من الإشارة إلى النشاط الجديد للمسرح العسكري في دمشق الذي يفتح أفقاً جديداً لاستعادة دوره الستيني والسبعيني في إبراز العديد من نجوم المسرح في سورية.

بسام سفر.

فنون – العدد تسعمائة وأربعة وخمسون 4/3/1999.

 

استلهام تقاليد المسرح الغنائي والاستعراضي في (جذور الحب)

كرنفال إبداعي يستقطب الجمهور المسرحي

قدم أخيراً في دمشق عرض (جذور الحب) وهو كرنفال مسرحي من تأليف سليمان الحاج وإخراج الفنان العراقي هادي المهدي، وعرض النص وكما هي العادة في المسرح الغنائي والاستعراضي (الذي أسس له الأخوين الرحباني) بأسلوب واضح، واعتمد الأحادية والوضوح في بناء الحكاية والشخصيات والعقدة والحوار، حيث وصل إلىغاياته بشكل واضح وسريع وهذا يرجع إلى سببين:

الأول: محاولة رصد الحركة الاجتماعية العامة لحالة الشعب وبشكل بانورامي سريع وواسع، الأمر الذي يحتم الابتعاد عن الغوص في كنه الشخصيات وتعقيداتها الوجودية.

الثاني: النص مكتوب على أساس أن يقدم بشكل استعراضي، حيث حاول المؤلف أن يستفيد من مفاهيم المسرح الشامل، ليبتعد عن الدراما الصرفة، فالشخصيات تؤدي أفعالاً مختلفة والحكاية تنسج على إيقاع الأغنية والرقصة والتشكيل البصري بأجساد الممثلين.

ولا بد هنا من الإشارة إلى قضية التسطيح التي وقع فيها النص بين الحين والآخر، جراء سعيه السريع لرسم حركة مجتمع وحالة إنسانية معقدة، حيث يسيطر الشعار السياسي على كل الملامح الإنسانية، ولو أن المؤلف غذى الموقف السياسي بالإنساني لتمكن من صوغ نص ملحمي متكامل، لكن ما أنقذ هذه السطحية هو التعامل الحساس والدقيق من قبل المخرج مع النص، فقد تميز العرض إخراجياً بمستويين:

مستوى تدريب وتحريض وتنظيم طاقات الممثلين ولا سيما هذا الكادر الكبير بحجمه (علماً أن الغالبية الكبيرة منهم من الهواة )، وتعدد مستويات الحدث وتقاطعاته. وقد تمكن المخرج بنسبة جيدة من استنفار طاقات الممثلين ورسم إطار واضح للشخصيات وأهدافها ولغتها.

أما المستوى الثاني والأهم والذي يعتبر إنجاز هذا العرض وسر تميزه، هو الجانب التقني. حيث ركز المخرج لرسم صورة بانوراما واسعة وسريعة، متحركة، ومتدفقة من خلال التشكيل والنحت الجسدي حيث يبنى المشهد ويهدم باستمرار، كذلك فقد اعتمد العرض على أسلوب المونتاج، حيث يتم تذويب كل مشهد داخل مشهد آخر، وبأسلوب متشابك ومتتابع بحيث كان العرض أشبه بسلسلة متدفقة ومتشابكة من الصور والأحداث. وتركيز المخرج على الجانب التقني، جاء من خلال استخدام الإضاءة بشكل كرنفالي وتعبيري، بحيث لم تعد إنارة للأحداث، بل كانت شريكاً فاعلاً في بناء الحدث وتطويره إضافة إلى إعطاءها المناخ العام من الفرح إلى الكابوس إلى مشاهد الحب والحلم إلى مشاهد العنف والقسوة … وهكذا.

ومن مباهج العرض  أنه اعتمد بشكل رئيسي على الهواة، إلى جانب الكادر المحترف والذي لم يشكل إلا نسبة قليلة من ا لعرض، إلا أن هؤلاء المبتدئين مدفوعين بحرص مرده إلى تقديم أنفسهم بشكل لائق حتى أن البعض منهم ظهر بمستوى المحترفين ونشير هنا إلى الراقص (مهند الموح) الذي برع بدور الطيار إلى جانب الرقص، وكذلك رانيا فهي تفوح في دور شذى، وقد تميزت ميديا رؤوف كعادتها بطاقتها التمثيلية وبحثها وقدراتها الغنائية … وقد كانت ميديا قد أبدعت في عروض أخرى ونجحت في رسم أدوارها، كما تفوقت الآن في رسم دور الأم بأحزانها وغناءها، وإلى جانبها الممثل برجس عبود في دور) المختار (وكميل أبو صعب في دور (دحام) وإلى جانبهم كمال البني وسعد الدين بقدونس ونور الدين داغستاني وحيدر بدر … رغم بساطة ثقل شخصياتهم في العرض.

· حكاية مسرحية …تدور في إحدى قرى الجولان التي كانت تعيش بسلام ولها مشكلاتها اليومية البسيطة حول الأرض والزراعة وهنا يأتي العدوان الإسرائيلي الغاشم على هذه القرية، ومع الاجتياح تبدأ عمليات النـزوح والقمع والإرهاب، المسرحية تتوقف عند نخبة من الناس الذين قرروا البقاء والتمسك بالأرض ومقاومة الإحتلال حيث تتوحد الأرواح وتلغى جميع المشكلات القديمة بين الأهالي … والحكاية هذه برمتها ترسم من خلال الشعر والغناء والرقص والتشكيل الحركي.

· توظيف الرقصات جاء بشكل ناضج للغاية وذلك بالاستفادة من الفولكلور، ولكن ضمن بنية الحدث، إضافة إلى الرقصات التعبيرية مثل رقصة (سنرجع خبرني العندليب) ورقصة (خلي السلاح صاحي) .

· كان مشهد (الشهيد) أكثر المشاهد جمالية، حيث تميز بتصميمه الإخراجي الآخاذ والمفجر للعواطف وقد ساهم بإنجاحه صوت الممثلة (ميديا رؤوف) الذي عبر عن الحزن النبيل بصورة مميزة بأغنية عراقية تم توظيفها بشكل مناسب.

· الموسيقى من إبداع الفنان مطيع المصري، والرقصات من تصميم الفنان ميزر مارديني ومنذر يهني، الإضاءة والديكور وتوضيب السينوغرافيا للمخرج نفسه، مساعد المخرج الفنان عدنان سلوم، وبمشاركة أكثر من ثلاثين ممثلاُ وراقصاً إضافة إلى الفرقة الموسيقية ومجموعة الغناء في المسرح العسكري.

إبراهيم الساعدي

ثقافة               الكفاح العربي                              30/1/1999

 

الحرية

حوار المخرج العراقي هادي المهدي

ابتعدت عن الخطاب السياسي  

المباشر نحو التعقيد الجمالي 

المؤلف سليمان الحاج  

المعركة مع الكيان الصهيوني 

طويلة وتحتاج كل أنواع الأسلحة 

منذ فترة قصيرة قدم المسرح العسكري بدمشق مسرحية (جذور الحب) وتعالج نضال الشعب العربي السوري في الجولان، ومقاومة الإحتلال، بالاستفادة من عناصر المسرح الاحتفالي (الغناء الرقص، الموسيقا، التمثيل كرنفال الألوان) على منصة مسرحية فارغة يتأسس فيها الفعل والتشكيل البصري الجماعي، يضاف إلى ذلك الوثيقة السينمائية، عن هذا العرض كان لـ (الحرية) المحطتان التاليتان مع مؤلف العمل ومخرجه.

· (جذور الحب) تسلط الضوء على قصص حب إنسانية رائعة لا يسمو عليها سوى حب الوطن، والتضحية دفاعاً عن الأرض ومقاومة للأعداء، (جذور الحب) تجسيد ملحمة وطنية … من خلال رصد الطاقة الهائلة لدى الشعب العربي السوري في لحظات المقاومة للعدو الصهيوني في أرضنا الحبيبة الجولان.

· كيف تم التعبير عن المقاومة؟

· المسرحية تعرض معركتنا المستمرة مع العدو، بمقاومة أهلنا في الجولان الذين سقطوا وما لانوا … لم يرهبهم الموت ولا العدوان … منذ احتلال 1967 نضال … سجن … جراح … استشهاد … المعركة طويلة تحتاج إلى كل أنواع الأسلحة من السيف إلى القلم حتى تبقى الجذور متمسكة بالأرض، كي تزهر الأغصان نصراً …

· المخرج هادي المهدي: لأول مرة تستخدم (الرقص، الغناء، القصيدة …الخ) كيف توصلت إلى هذه الصيغة البصرية للعرض المسرحي؟

· لأول مرة وبعد عشرين عرض مسرحي، أتعامل مع نص من هذا النوع يحتوي على مستويات فنية متنوعة تحتاج إلى اختصاصات مختلفة، منها التشكيل أو النحت الحركي والرقص والتصميم، والحركة والنحت الجسدي. تعاملت مع هذا النص بطريقة بناء بؤر توتر عالية متتابعة، فلم أسمح بأي لحظة استهلال أو تمديد للفعل. كل مشهد يبتدى بذروة، وجملة مسرحية مكثفة. لذلك حاولت شطب الكثير من الجمل في النص لأدفع النص باتجاه التوتر. وأدخلت الاحتفال والرقص والتصميم بشكل لا يطغى على الدراما التمثيلية فكان الرقص والتشكيل يوازيان التمثيل.

عيب شائع

واعتقد أن هناك عيباً شائعاً في المسرح الاحتفالي هو طغيان الكرنفال الغنائي والراقص على الأداء والتمثيل والخطاب المسرحي، بحيث يتحول العرض إلى شبه حفلة. في هذا العرض حاولت صياغة المعادلة بشكل مدروس جداً، بالرجوع إلى مرجعية واضحة، هي تجارب الأستاذ روجيه عساف، بمسرح المدينة – المسرح الاحتفالي، وتجارب الكاتب الكبير عبد الكريم برشيد، وتجارب الطيب الصديقي في المغرب، وقاسم محمد في العراق، واستندت إلى هذه المرجعية لأنني لا أملك تجربة في هذه العروض المسرحية.

وكذلك حاولت خلق فعل ملون جماعي لأدفع الأشياء باتجاه الجمال، وهذا ما جعل العرض ينجو من المباشرة نحو الجمالية اللونية، والإضاءة المونتاجية للمشاهد. كل مشهد يبدأ بذروة ولا ينتهي إلى الصفر، وإنما ينقطع في المنتصف يبتدئ مشهد جديد، وبتوتر سريع مع استخدام الموسيقى على صعيد التأليف للأستاذ مطيع المصري، وهو الخبير في الفلكلور السوري وإلى جانبه الفنان كمال البني الذي اختار المؤثرات الموسيقية من الموسيقى العالمية، وهذا ساهم في أبعاد العرض عن جو المباشرة نحو جمالية موسيقية جسدية.

· في العرض لاحظنا استخدام لهجات محلية، لماذا إدخال هذه اللهجات؟

· توقفنا طويلاً في البروفات عند هذه النقطة، وكانت مثار تساؤل الجمهور المتابع، وأنا لي رؤيا في هذا الموضوع تنتمي إلى مرجعية سعد الله ونوس، وإلى كبار مسرحيينا العرب، أنا لست مع الفصحى المقعرة، ولو كان في عرض شكسبيري أو في عرض محلي، أنا مع اللغة التي تبني جسور إدراك بينها وبين المتلقي، وتثير حالة من الوعي، وحالة من الدهشة الجمالية.

· وكذلك لست مع اللهجة المحكية المغرقة في محليتها، لأن اللهجة تعبر عن الحاجات أكثر مما تعبر عن الأفكار، وأقف ضد الفصحى لأنها تزخرف الكلام أكثر مما تعبر عن منطق الحالة.

· أنا مع (اللهجة الثالثة) التي تمزج بين الفصحى المبسطة العالية المرتقية عن حضيض اللهجات. فأخلق مستوى ثالثاً ليمد الجسر بين المتلقي والمنصة ويقيم حواراً متواصلاً، فالفصحى أحياناً تخلق قطيعة، والعامية المغرقة قطيعة، التوازن يخلق مستوى آخر من التواصل في هذا العرض، دراسة كل شخصية، وهل تناسبها العامية؟ فلا يعقل أن تدع شخصية فلاحية ترد التحية وتعبر عن مشاعرها بالفصحى العالية، وإنما نستخدم اللهجة المخففة، وفي مستويات أخرى في الواقع التي تعلن حبها للوطن أو إعلانها المقاومة ارتقينا بها إلى الفصحى لأن الفكرة ترتقي إلى الفصحى.

الأغنية

· لديك مغني يؤدي دوراً غنائياً، لماذا؟

· بالأساس، النص مكتوب على شكل (كوبليهات) غنائية، تشبه الرجز أو الترانيم، وكنا نحتاج إلى مغن، هذا الشاب بالأساس مغن وليس ممثلاً، ولم يصعد إلى المسرح كممثل، فاسندت الدور إليه كمغن خصيصاً والمقاطع التي غناها هي مكتوبة للغناء.

· وهناك مقاطع أخرى لفتاة، لكن ظروف المسرح العسكري لم تسمح بالتعاقد مع مطربة ممثلة، فقمنا بتكثيف حوارها الغنائي وأعطيناه للمغني.

مأساة 1948

· العرض المسرحي تضمن مشهداً عن فلسطينيي 1948 حين قال المختار (تخجلون أن تقولوا أنكم رسل من عند الموساد) . وأنهم من جماعة (الوفاق والتعايش) الذين يدعون إلى استقرار الأوضاع في المناطق المحتلة عام 1967. والجولان للتعايش في إطار الكيان الصهيوني، وبالعودة لنص المسرحية نجد على لسان المختار ما يلي: "إخواننا عرب الداخل يعيشون معاناة فظيعة منذ عشرين عاماً في ظل الاحتلال، ومع ذلك فكل الاحتمالات قائمة … تذكروا أن أعمال الفدائيين منذ ثلاث سنوات، وحتى الآن أرعبت كيان العدو"  (ص 48) فلماذا تم حذف هذه العبارات الأخيرة وإبقاء العبارات الأولى من السؤال؟

· بدءاً مما يخص قضية الشعب الفلسطيني المذكورة في النص أنا شخصياً مع القدس ومع فلسطين بلا حدود، وبلا شروط وبلا مداهنات، وأنا اعتقد بنفسي كشخص وكفنان آخر من يؤمن بمشاريع التسوية والتصالح والتطبيع. أنا أعتقد أننا نخوض صراعاً حضارياً مع كيان فيروسي جرثومي يجب اجتثاثه أو الانتحار، وكانت لدي تجارب قديمة في العراق بالعمل على عروض، للقضية الفلسطينية مثل (الخسوف) لرياض عصمت ومسرحة قصيدة (أحمد الزعتر) للشاعر محمود درويش، وأنا أقولها بشكل جازم إن الكائن الفلسطيني في الأرض المحتلة أو في الخارج هو ما قال عنه درويش تماماً: (باسم الفدائي الذي خلق من جزمة أفقاً) . أعتقد أن الفلسطينين بجزماتهم خلقوا لنا  أفقاً أكبر مما نستحق نحن العرب. وبالعكس هم الذين يمنحوننا هويتنا الحضارية – الصراعية أزاء مشاريع التسوية والإذلال والبيع الرخيص للهوية والتراث والحاضر والتاريخ والمستقبل. الفلسطيني الذي يقتل يومياً هو هوية لإبني ولحفيدي. هذا شيء.

· في النص هناك إشارة إلى عملاء عرب الداخل، وكان يقصد في النص جانباً مذهبياً من عرب فلسطين. أنا حاولت أن أتجنب هذه القضية لأنني لا أريد أن أتهم طرفاً ما. فحذفت هذا الموضوع بالتمام. فقط أردت أن أحافظ على قضية أنه يوجد عملاء هم رمز للبرجوازية الطفيلية التي تحاول أن تنمو في أي مستنقع عدواً كان أم صديقاً، هي فقط تريد أن تحافظ على رأس المال. مظهر الشخصيات كان يدلل على بعدها البرجوازي، وهكذا كنت حريصاً جداً عليه. فضلاً عن أنني أضفت شخصية لم تكن في النص هي رئيس الدورية الإسرائيلية. هذه الشخصية هي من إضافاتي على النص ولم تكن فيه أصلاً.

· أردت القول أن القادمين ليسوا من عرب فلسطين، إنما عميل طفيلي برجوازي، زائد عملاء الموساد بأقنعة عربية. أنا أعتقد حقيقة أن (الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والعربي - الإسرائيلي طويل وشائك ومعقد. الآن أصبح واضحاً تماماً، فهناك أبطال وشهداء، وهناك تجار أردت القول بقوة وبوقاحة لأن المسرح العربي وحتى الرواية والأدب العربي حاول أن يتهرب من هذه القضية بسبب الإصرار على خطاب المقاومة. إننا جميعاً أبطال وشهداء.

· في المعسكر العربي حصلت خيانات كانت قاتلة، وهي التي أوقعت الفلسطينين في بئر غزة أنا أعتقد أنه لولا هذه الخيانات لما كان نفق غزة الضيق المعتم. هذا هو ردي على هذه القضية.

                                                                  متابعة بسام سفر

 

ثقافة وفنون

 (جذور الحب)

للمسرح العسكري:

بانوراما احتفالية عن نضال أهلنا

في الجولان ضد الاحتلال

إعداد وحوار:مها سلطان

كيف يرتفع الإنسان عن همومه الصغيرة ليعيش الهم الكبير؟كيف يكبر العشاق الصغار ليصيروا كباراً ويتحول العاشق إلى فارس وتتحول الحبيبة إلى وطن.

 (جذور الحب) العرض الذي قدمه المسرح العسكري في صالة 8آذار بين 23/1-5/2/1999، يحاول أن يروي قصة نضال أهلنا في الجولان المحتل في الفترة ما بين 1967-1973في عرض بانورامي احتفالي موسيقي تتداخل وتتلاحق فيه الصور واللوحات التي تشير إلى نماذج من ممارسات الاحتلال ومن تصدي أهلنا لهذا الاحتلال عبر الترابط والتواصل مع الوطن الأم سوريا.

يبدأ العرض على أنغام فيروزية (سنرجع خبرني العندليب) في لوحة فنية جميلة ثم تبدأ الفصول مع عودة أبو فارس (المختار) الذي باع المحصول وفاز بربح وفير لكن سرعان ما يدب الخلاف بينه وبين أخيه (دحام) حول أرض متنازع عليها مما يؤدي إلى أبتعاد أبنه (فارس) عن حبيبته وابنة عمه. ويتواصل الشقاق بين العائلتين ولا يزيله سوى سقوط الأرض في يد المحتل. فيرتقي الجميع فوق خلافاتهم الصغيرة في مواجهة الاحتلال وممارساته بحق أرضهم. وتتصاعد الأحداث مع استشهاد فارس وانخراط حبيبته شذى في العمل المسلح وصولاً إلى اندلاع حرب تشرين التحريرية 1973التي زفت الأمل للأهالي الرازحين تحت الاحتلال بإمكانية النصر وهزيمة المحتل.

الملاحظة الأساسية على العرض هي الغموض المرتبط بعنصر المكان فتارة قد يخيل للمشاهد أن الأحداث تجري على مجمل الأراضي المحتلة عام 1967أي في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، وتارة يبدو الأمر محصوراً في الجولان وحده وتارة أخرى كأن الأحداث وخاصة في نهاية العرض تجري في إحدى القرى السورية غير المحتلة. الملاحظة الثانية هي طغيان عنصر المباشرة والخطابية رغم المحاولات الملحوظة التي بذلها المخرج للتخفيف من هذا العنصر، فكثيراً ما تتحول الحوارات إلى خطب حماسية، وتتجلى صورة البطل بشكلها الكلاسيكي كما صورته السينما العربية في بداياتها، أي لا يعرف البطل النموذج الضعف ولا الخطأ.

وفي هذا الإطار جاء تحميل الشخصيات كلاماً ومواقف أكبر من مستوى وعيها ووضعها الاجتماعي بحيث يتحول الحوار بين الشاب فارس أبن الضيعة البسيط في تفكيره وتعليمه، مع حبيبته شذى إلى سجالية وطنية خطابية، ومبتسرة إلى حد بعيد.

يلاحظ أيضاً ذلك التناوب غير المفهوم في استخدام اللغة الفصحى مع العامية بحيث لا تدري أية لغة اعتمدت في هذا النص الفصحى أم العامية ولا يمكن لأحد أن يقنعنا أن اللغة المستخدمة في العرض كانت لغة وسيطة لأنها لم تكن كذلك.

وبالمناسبة فإن ما يدعى باللغة الوسيطة كما هو معلوم لا يزال مثار جدل وأخذ ورد في الساحة العربية، وهناك محاذير ومخاطر جدية لمثل هذه الدعوة إذا لم يتم الاتفاق على وجه التحديد ما هو المقصود بهذه اللغة البسيطة وهل هي البديل عن الفصحى للوصول إلى هذه اللغة الوسيطة؟طبعاً ليس المطلوب العودة إلى لغة أمرؤ القيس والمتنبي وإنما لغة فصحى ميسرة لكن صحيحة.

وللحديث عن هذه الإشكالات التقينا مخرج العمل هادي المهدي الذي قال:

· هذه المسرحية تنتمي إلى مسرح المقاومة والمسرح التعبوي، كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز همومه ومشاكله الصغيرة للوصول إلى الحب الأكبر (وهو جذر الحب الأساسي) الذي هو حب الوطن. مسرحية (جذور الحب) ترصد بشكل بانورامي سريع حركة نضال شعبنا في الجولان ومقاومته للاحتلال وهي تبتعد عن الدراما الصرفة لتستفيد من المسرح الاحتفالي حيث:الغناء والرقص والموسيقى والتمثيل على مساحة مسرح فارغ يتأسس الفعل والتشكيل البصري الجماعي باستمرار. إضافة إلى الوثيقة السينمائية المعبرة لرسم مشاهد البطولة والتضحية.

  ويبرر المخرج المباشرة والخطابية في العرض. بقوله:

· أن العرض يتناول أحداثاً مباشرة، فكان من الطبيعي أن تكون المباشرة هي الأسلوب الطاغي رغم أنني حاولت أن أخفف من هذه المباشرة من خلال الموسيقى والتمثيل لمصلحة المستوى التعبيري. كما حاولت أن أعقد الشكل وأعمقه بالإضاءة والموسيقى للأبتعاد عن البساطة قدر الإمكان وعن الدراما الصرفة وشعرية النص.

وبالنسبة للغة العرض رأى السيد المهدي أن هناك توجهاً لدى المسرحين العرب لإيجاد جسور علاقة مع المتلقي قائمة على لغة ثالثة وسيطة بين الفصحى والعامية بإعتبار أن الفصحى المقعرة لا تخدم الدراما ولا تصل إلى الناس ومثلها اللهجة المغرقة في عاميتها. ومن المعروف أن اللهجات هي دائماً تعبر عن الحاجات بينما الفصحى هي الأقدر على التعبير عن الأفكار وبالتالي الوصول إلى المتلقي الذي هو هدف كل عرض.

ورغم هذه الملاحظات التي قد نعذر بها إلى حد كبير المسرح العسكري بإعتباره مسرحاً تعبوياً -إلا أنه لابد من تسجيل العديد من النقاط الإيجابية الخاصة بالنسبة لأداء الممثلين واللوحات الفنية واستخدام الإضاءة بشكل ممتاز في خدمة أغراض العرض.

صوت فلسطين العدد 374 آذار 1999 الصفحة 38  ثقافة، الكفاح العربي 15

 

عودة الى الرئيسية

كتابة السيرة على الماء

دير الملاك

مواقع

ماكتبته الصحافة

تحت الطبع

نصوص خشنة

الحياة تبدأ غداً

الطقس المسرحي

الآن

مفتتح