كلمة المخرج :        مسرحية دائماً وأبداً

ثمة أشخاص يفقدون بوصلتهم الداخلية باستمرار … يجلسون ويتحدثون … تتفشى بينهم الرغبة في تدمير الذات والآخر … وبينما هم يتحدثون ربما ينتهون إلى تحطيم حياتهم!.

دائماً وأبداً دعوة ( إلى وليمة ) الحوار المشاكس بين الكائن والممكن / بين المعرفة والجمال / بين الأنا والشخصية / بين المكتوب والمرتجل / بين العفوي الطازج والمدبر / بين الممثل والمخرج والفضاء المسرحي / بين الشعري واليومي / حوار يقوم على الإقتراح البصري والمعرفي وبدون مسلمات … وفي النهاية هي محاولة لمقاومة: التلف / النسيان / الإدمان / الإمتثال / والاعتياد … دائماً وأبداً عرض مسرحي بلا نيات مسبقة الصنع.

 

مسرحية (دائماً وأبداً) الواقعية الفجائعية

خضر الآغا

 

تلك الآلة المسرحية لم تكن متخفية وراء الستارة، كانت أمامنا منذ بدأنا – نحن المتفرجين – ندخل الصالة. ثمة إشارات راحت تبثنا إياها قبل أن تبدأ. كان كل شيء واضحاً منذ البداية، خلفية سوداء، وطاولة سوداء، والأشخاص الخمسة يتهاوون على الخشبة، وكانت الموسيقا تتساقط في الأرجاء منذرة بشؤم فوضوي وبكارثة بشرية كانت قد تحققت منذ التكوين الأول لطغاة الوجود، وسوف تستمر.

الستارة مفتوحة، وآلة الاشارات التي تبثنا، تعمل صامتة، إلا من تلك الموسيقا، ولا يفصلنا عنها إلا تلك الخيوط المتشابكة التي اتخذت مكان الستارة لتتخذ فعل الدال الذي يخفي تحته أحد مدلولين:

- إما أنه خيوط عنكبوتية للتدليل على أن الاشخاص الخمسة الذين على الخشبة هم على حالهم المتهالك هذا منذ زمن بعيد، وإنهم ما زالوا منذ ذلك الزمن في خرابهم الذي بنى عليه العنكبوت خارطة وجوده.

وإما أنه قضبان حديدية للتدليل على أن الخمسة أولئك هم – منذ ذلك الزمان البعيد يعيشون داخل سجن بشري هائل.

أو لنقل أن ذلك الدال حمل المدلولين معاً: فهو سجن بشري هائل، ولشدة قدمه وخرابه، اتخذه العنكبوت مكاناً.

وليكتمل نسق الإشارات كان لا بد من قوة ما تقودنا – نحن المتفرجين – إلى أن نرى أنفسنا بعد قليل، وقد أحيطت بنا قضبان حديدية، وخيم العنكبوت علينا. فكانت تلك القوة على شكل موسيقا كربلائية الإشارة، لتستمر في فعلها النفسي حتى تتحقق تلك الكارثة الكبرى، ونعجز عن إزالة خيوط العنكبوت عن أجسادنا التي تورمت من كثرة وشدة الصفعات التي تلقيناها .

وإذاك، بدأت المسرحية، وشعرت أن الجملة الأولى التي قالها الشخص (صلاح) والتي بين فيها أنه دخل الثلاثين من عمره دون أن يفعل شيئاً، شعرت أنني أنا الذي قلتها، أنا المتلقي أو لأقل جميع من كان في الصالة.

وتتوالى إشارات المسرحية، وهي تدخل نسقها الفوضوي، ويبدأ النسق بالتخلخل ونبدأ – نحن المتفرجين – نتوالى بتعذيب أنفسنا بين ضحك وبكاء، نبكي على أنفسنا، ونضحك – كذلك – على أنفسنا، ولم تنفع محاولات الشخص (بسام) الدينية، إلا في إزادتنا حرجاً وانكساراً، خاصة عندما بدأ يشكك في كل قيمه (الدينية) ويظهرها على أنها وهم يريد التمسك به، ليجعلنا نستحضر بالتالي مأثورة بوشكين: (وهم يسمو بالنفس خير من ألف حقيقة دنيئة) .

إنها (لحظة الخراب) إذاً، تلك اللحظة التي تشكل زمننا كله، ولكن لمليون سبب نهرب منها. هذه المسرحية استطاعت أن تقبض عليها، وتوقفها وتضعها على الخشبة، كفعل انتحاري بمواجهة الجمهور والذات، ليقوم الممثلون – دون وعي – بالدوران فيها (أي في لحظة الخراب) لينقلوا وعيها إلينا بكارثية. إن كل الإضحاك الذي كانوا يمارسونه وخاصة الشخص (رمضان) في محاولة لجعلنا نمارس انتحارنا بسعادة، لم يستطع إلا أن يزيدنا شقاء، لأننا نعرف كلنا وبشكل مسبق، أننا لن نموت سعداء، وأن كل حقيقة نعيشها هي وهم مشوه، وعكساً فالوهم أحياناً يبدو وكأنه حقيقة شوهاء لسبب بسيط هو أننا نعرف أنه وهم ونعرف أننا تقمصناه لنسمو بأنفسنا، وبامتياز أيضاً.

 (دائماً وأبداً) مسرحية نستطيع أن نقول أنها منحازة إلى الواقعية الفجائعية، ذلك أنها بنيت على واقع فجائعي والأشخاص الذين تمثلهم هم أشخاص الهامش، ليس بمعنى أنهم خارجون عن الفعل لخلل فيهم بل لأنهم مهمشون. ولكثرة ما مورس عليهم فعل التهميش انتقل إلى بيئتهم الذاتية فصاروا هامشيين تماماً، لا يعرفون ما يريدون، الجميع متفق على أن الحل شأن شخصي والجميع متفق على أن الحل بالهروب، وحتى الهروب، الفعل الأكثر خساسة، يفشلون في تحقيقه مجتمعين.

إن أحدهم ليس (مكبث) أو (عطيل) أو حتى (حلاق بغداد) إنهم بشكل ما أنا، أو صديقي الذي كان يجلس جانبي وكان يمارس فعله الهذياني في شتم الحياة. خلع الممثلون قمصانهم امامنا نحن المتفرجين ليظهروا لنا التقاطيع الشوهاء في اجسادهم ولم يجرؤ الممثلون على أن يقولوا لنا أنهم فقدوا كل شيء: تاريخهم اللاتاريخي، أحلامهم الواقعية، ووجودهم الهذياني، واستعاضوا عن ذلك بفعل رمزي وصل إلينا ببساطة، لقد قاموا بخلع قمصانهم متساوين كلهم في ذلك، كما هم متساوون في خيباتهم المتلاحقة: · رجل الدين: الذي استطاع (بسام ناصر) أن يحافظ على اتساقه بصفته شخصية عرجاء منكسرة بوهم الخلاص مقموعة بإفرازات سيئة للواقع المعاش معاشياً وذهنياً.

· الصحفي (صلاح الهادي) منظم الخراب الذي لم يساهم في التكاليف المادية المفترضة لعملية الهروب إلا بنظارته (في العرض الأول) وبجريدته (في العرض الأخير) لقد أدى ذلك بفعل وحركات تلقائية جعلته يبدو وكأنه هو كذلك شخصياً.

· الشاعر (غسان) المريض بالربو ليس جسده فحسب بل حياته كاملة مصابة بالربو وتحتاج دائماً إلى مساعدة على التنفس وبالتالي على الاستمرار – البراغماتي – الفوضوي – الهزلي (رمضان) الذي حسبته فعلاً (ابن شارع) لكثرة ما مارس فعل (ابن الشارع) في علاقته مع الأشخاص الأربعة الآخرين.

· والمتأتئ المنكسر، المنهزم، الضال (زكي) الذي استطاع – باتقان – أن يظهر أن التأتأة ناتجة ليس عن تشويه عضوي إنما كانت تأتأة نفسية لصدمات شديدة تعرض لها منذ كان أولياؤه يوصونه بالخجل الرفيع.

لقد استطاع المخرج (هادي المهدي) أن يذكرنا بفجائعنا وبفضائحنا التي نمارسها بسعادة، وربما ليستطيع أن يقول لنا ذلك الشكل الذي يريد قام بكتابة النص أيضاً. فإن أحداً لا يستطيع أن يعبر عني لذلك لم يتكئ على نصوص غيره فقدم ما يريد بشكل يفتقد الحكاية، وهذه هي النقطة الأكثر الأهمية في المسرحية فلقد ملت أذهاننا الحكايات التي اعتدناها منذ ألف ليلة وليلة وحتى تاريخه. وهذه (الفقرة الجديدة) جعلت بعضهم يقول أنها مسرحية (حكي بحكي) لأنها خالفت بذلك عادة التلقي لدينا. وأعتقد أن كسر العادة واحدة من مهمات الفن الأساسية إن لم تكن أهمها.

 (هادي المهدي) قال للأعور (أعور بعينه) ولم يكتف الممثلون بذلك إنما قالوا للأعور ذاته: (وقبيح أيضاً) دائماً وأبداً مسرحية فجائعية بواقعيتها تستدعي الاستيقاظ من مسرح شاكس التلقي الحيادي.

صحيفة البعث العدد ..... ــــــــ

(تستند هذه القراءة إلى عرض ليلة الختام).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مسرحية دائماً وأبداً على خشبة القباني

سعاد زاهر

ثمة عقم يطرح في عرض دائماً وأبداً يأتي من انتظار الغد الذي لن يتحقق، ومن انتظار المعجزة التي لن تحدث تدور خمسة كائنات حية، خمسة أموات، خمسة أرواح، تعتقد أنهم في كل لحظة موتى حقيقيون يتحولون إلى وميض أرواح، وثمة مفارقة بين الحقيقة والحلم المشبعين بالعقم، يريدون السفر لحظة ويصرون عليه لكن أياً منهم لا يسافر ولا يعثرون على أي شيء يحقق لهم الحد الأدنى للحياة، الأفكار سجن، والفراغ هو الحل، ومن ثم يبدو الاستسلام وكأنه مصير حتمي والتمرد كأنه يؤدي إلى الموت، أو اللاراحة والقلق. . ليعودوا ثانية إلى ما هربوا منه، نعيش مع هذه الحالات والأفكار من خلال شخصيات مسرحية (دائماً وأبداً) التي تعرض حالياً على خشبة مسرح القباني من إخراج وتأليف هادي المهدي في موضعنا الحالي نتوقف مع فريق المسرحية الذي يقدم عمله حالياً على مسرح القباني.

محاولة لمنع موت العرض المسرحي

مخرج العمل هادي المهدي خريج أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد قسم الاخراج المسرحي لعام 1990 قدم عدة أعمال وحاز على جائزتين في الاخراج المسرحي عن منتدى المسرح التجريبي وحائز على أفضل ممثل واعد في التمثيل الصامت.

يكتب النص والنقد المسرحي ونشر له العديد من الكتب في المغرب وبيروت وبغداد والقاهرة وسورية. .

أول أعماله المسرحية في سورية (دائماً وأبداً) ويأتي هذا العمل في إطار نادي المسرح الخاص بالتجارب الجديدة وبالمحاولات التي تهتم بالصياغات البصرية للعرض المسرحي وحول نقاط عديدة أجابنا مخرج العمل:

· هل من جديد ركزت عليه في دائماً وأبداً؟

· قد تبدو مسرحية دائماً وأبداً محاولة صعبة ومعقدة لأنه تم الغاء الحكاية بمعناها التقليدي، والفعل. حيث لا يوجد أي شيء يحدث، وإنما أحداث المسرحية تدور حول فكرة واحدة حاولنا من خلالها الارتجال ومزج العامية بالفصحى ومزاوجة الشعري باليومي من أجل خلق لغة عرض كثيفة وقابلة لخلق التواصل.

أما العرض فيعتمد الاسلوب الحركي ومبدأ الارتكاز والصمت، في محاولة لايجاد عرض يمسك بزمام المتفرج ويحاور مشاعره وعقله ويضعه أمام اسئلة عديدة ربما لم نجد لها أي جواب عند فريق العمل.

· ما الذي أبقيت عليه في العرض بعد إلغائك للحكاية والفعل؟

لدينا في العرض خمسة أشخاص يجلسون ويتناقشون حول مجموعة من الأفكار الرئيسية من دون أن يستطيعوا الوصول إلى جواب لأن العرض اقتراح للمتفرج لكي يفكر ويعيد انتاج ما شاهده ويبدأ العرض الحقيقي لدائماً وأبداً في ذهن المتفرج بعد انتهاء العرض، وهي محاولة لمنع موت العرض المسرحي.

· ماذا تعني بموت العرض المسرحي وكيف تحاول منع هذا الموت؟

يعاني المسرح من قضية رئيسية كونه فناً يكتب على الريح وأية محاولة لأرشفة العرض المسرحي لن تكون في النهاية مسرحية حقيقية. لذلك فالأرشيف والحياة الحقيقية للعرض المسرحي هي في ذهن المتفرج ولذلك اعتقد أن معالجة خطاب النص المعرفي والمعالجة البصرية لصورة العرض يجب أن تتم بطريقة تجعل منه كائناً حياً ينبض في ذهن مختلف المشاهدين.

وبذلك يولد العرض باشتباك الممثل مع المشاهد وجدانياً وعقلياً من دون تزييف، فيخرج المشاهد وهو يفكر.

· ما هي أهم الأفكار التي يطرحها العرض للنقاش؟

محاولة الهروب من الواقع أو مواجهته بالبحث عن الخلاص؟ ومسائل متعلقة بالحب والجنس والانفلات الأخلاقي بمواجهة التطرف والتزمت الاخلاقي.

ويناقش الاعتياد والادمان على وضعيات وحالات اجتماعية واقتصادية تتحول الى قيد  وسجن، ونتطرق لفكرة الموت ومنها ينطلق فريق العمل لمناقشة الأفكار الدينية الرئيسية حول الوجود والموت والعدم.

ومن خلال هذا النقاش يتم في كل لوحة التركيز على كل شخصية من هؤلاء الخمسة، حيث نستمع إلى آراء الآخرين به ويكشف عن جوهره الانساني.

· يعتمد العرض على الذهني كيف تعاملت مع هذه المسألة لتبني العرض بصرياً؟

ينتمي العرض إلى المسرح الذهني ولكننا قربنا الأفكار الكبيرة من اللغة اليومية، فالممثل يتكلم كأي إنسان آخر، ولكن بطريقة فنية ودقيقة.

بالنسبة للتشكيل البصري حاولت أن أجعل من المكان فضاء يحيل المشاهد إلى أمكنة عديدة في ذاكرته ومخيلته من دون تحديد وكذلك حاولت أن أجعل من الفعل المسرحي المرسوم فعلاً يبدو من الخارج طازجاً وتلقائياً وأحياناً عشوائياً وفي بعض اللحظات استطعنا أن نتوصل إلى كسر الحالة المسرحية والدخول في طبيعة الحياة الحقيقية. ويؤطر هذه الأشياء اسلوب الكتل التحتية واسلوب النحت الجسدي داخل الفضاء ونظام العلاقات بين الممثل والديكور والإضاءة والاكسسوار، فكل شيء يتم بجمالية خاصة من أجل تأطير العرض بصورة أنيقة.

· أين يكمن التجريب في عرضك؟

التجريبية في كل مكونات العرض بدءاً من النص إلى الممثل والحركة والسينوغرافيا وأكثر ما يثير المشاهد هو الجهد الاستثنائي للممثل، فالممثل هنا يفكر ويرتجل ويعيد صياغة الأشياء بشكل جديد يشاكس فيه خبرته السابقة ويمنح فرصة لنفسه للانفتاح على شكل آخر في الاداء قد يبدو قاسياً معقداً.

وأعتقد أنه لا وجود للحداثة وما بعدها بدون أسئلة جديدة. والتجريب في المسرح محاولة لطرح أسئلة جديدة وجدية حول نظام العلاقة. وتتم صياغة عناصر العرض بشكل يتوافق مع هذه الرؤية.

فأنا أعتقد أن التجريب يكمن في امكانية جعل المتفرج شريكاً ومنتجاً للعرض المسرحي، وأن يكف عن لعبة الفرجة الحيادية. لذلك أحاول أن تبدو الصورة المسرحية المصنوعة بقصدية حقيقية وطازجة لاستدراج المشاهد إلى لعبة التفكير وطرح المزيد من الأسئلة حتى بعد نهاية العرض. أما على صعيد وسطه الاجتماعي فإن التجريب المسرحي يكمن في صياغة أشكال جديدة للمشاعر البشرية التي لم تتغير أبداً، أما الأسلوبية أو المدرسية في العمل فهي تعني الركون إلى أشكال ابتكرها غيرنا ونحن لا نفعل أي شيء سوى اجترارها.

الممثلون

زكي كورديللو: خريج المعهد المسرحي، له عدة أعمال مسرحية.

يقول عن دوره في العمل أقدم شخصية الثالث الخجول نتيجة تجربته الحياتية، المليئة بحالات القمع الدائم مما يؤثر على تركيبته فلا نراه صاحب موقف أو رؤية خاصة به، بل تتكون شخصيته من خلال أفعال الآخرين ورؤاهم.

وبالنسبة لي أشعر أن هذا الشخص مظلوم ولم يصبح بلا شخصية إلا نتيجة الضغوط المحيطة به.

لقد حاولت تعميق الجانب المكتوب في الشخصية بإضافة العديد من الارتجالات خاصة ان النص يسمح بمثل هذه الاضافات كونه مكتوباً بصيغة ليست نهائية.

صلاح الهادي: خريج معهد الفنون الجميلة من بغداد اشترك بأعمال مسرحية عديدة في سورية.

يقدم شخصية رجل مثقف يمتهن الصحافة ويبحث عن مكان توجد فيه السعادة ولكنه يصطدم بواقع معين، ويرى أن الخلاص غير ممكن ولأنه لا يستطيع أن يتغلب على العقبات ويبقى حتى النهاية يدور في دوامة حول نفسه.

يقول عن تجربته في هذا العمل أن ما يميزها مزج الأداء الحرفي المدروس بالفعل التلقائي اليومي إلى درجة يشعر الممثل أنه لا يجسد حالة مرسومة أو كتاباً مكتوباً سلفاً بل يصنع شخصيته أمام المتفرج وبشكل مباشر شخصيته المسرحية و شخصيته كإنسان يفكر بالحياة وبما يجري حوله.

رمضان حمود: فنان مسرحي من حمص له عدة أعمال مسرحية في مدينة حمص كمخرج وممثل. أنا في المسرحية شخص لا يبالي بأي شيء، ويمكن ان يقوم بأي عمل يوصله لهدفه ولو على حساب الآخرين، وهو لا يؤمن بالآخر ولا يثق به وثقته بنفسه مستمدة من عدم ثقته بالآخرين، ويعتمد على مقولة "لا يوجد في الحياة شيء سوى القاتل والمقتول، والآكل والمأكول، وأنا بصراحة قررت أن أكون آكلاً".

غسان الدبس: خريج المعهد المسرحي له عدة أعمال مسرحية.

أقوم بدور شاعر. . حالم مصاب بمرض الربو، يعالج المشاكل بشيء من الحلم والشاعرية ويدور ضمن هذا المنطق ويتعامل مع الآخرين بفوقية محاولاً فرض رأيه ومنطقه على كل شيء.

بسام ناصر: خريج المعهد المسرحي قسم النقد.

أمثل دور الرجل المثالي ضمن ظرف يجمع مجموعة من الأشخاص في بحثهم عن الخلاص ولذلك فهو يقدم اقتراحاته المثالية ليجد نفسه في النهاية ضمن مثاليته أو فوضوية الآخرين المحكومة بظروف وقيود محددة.

الموسيقا

وضع موسيقى العمل محمد عزاوي ويقول أنه حتى الآن لم يجد أسلوبه الموسيقي الخاص ولذلك فهو يتابع العرض وينتبه إلى روحه وروح الحركة وإيماءاتها ضمن المشهد بعيداً عن الموسيقى الموقف.

وبالنسبة لموسيقا دائماً وأبداً فقد استمعت إلى موسيقيين متميزين حديثين مثل بيتر غاربرييل وعلي خان وكيتارو وغيرهم. ونتج عن ذلك موسيقى مؤلفة من روح موسيقاهم تتضمن عذابات الإنسان حيث نلاحظ وجود قيمة متكررة هي عبارة عن صوت شخص نشعر أنه مصلوب وتصدر عنه آهات.

 

(صحيفة الثورة العدد: 10060-31-7-1996 )

 

 

البيان 31  الجمعة 2محرم 1418هـ – 9مايو 1997 العدد 6169

الكاتب والمخرج العراقي هادي المهدي:

اختراق المحظورات يجب أن يكون متزنا ومقنعا في النص المسرحي

ضمن برنامج عروض نادي المسرح السوري، يعاد عرض مسرحية (دائما وأبدا) من تأليف  وإخراج هادي المهدي، المولود في جنوب العراق، وخريج أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد –قسم الإخراج المسرحي بأطروحة (كاليجولا)، حصل على جائزتي افضل إخراج من منتدى المسرح التجريبي لعامي 87-89. ويشارك في التمثيل كل من (طلال نصر الدين – زكي كورديللو - نضال السيجري- بسام ناصر-رمضان حمود) . عن النص والإخراج كان للبيان الحوار الآتي مع الكاتب والمخرج العراقي هادي المهدي.

مسرحية (دائما وأبدا) كتأليف ليست تجربتي الأولى في الكتابة ولا هي بالأخيرة غير أنها يمكن أن توجز للمتابع المختص طبيعة البنية التي أنساق وراءها، فمن خلال تجاربي السابقة في الكتابة (الحياة تبدأ غدا، أيها العالم الغريب وداعا) حاولت التركيز وبشكل ملح على العنصر الجوهري في الأزمة العربية لا بشكلها الأيديولوجي فحسب، بل بأبعادها العقلية والنفسية والثقافية، لذلك تجد الشخصيات عبارة عن أمثلة نموذجية لبشر متشرذمين هنا وهناك. ومن خلال الفرضية الجمالية والمعرفية التي اقترحتها كإطار لفضاء الشخصيات أحاول استدراج شخصياتي للحديث والبوح عما هو جوهري وساخن لذلك اعتقد أن وظيفة المسرح المعاصر تكمن في قدرته على استنطاق المصموت عنه في واقعنا وخدش ذلك الكبرياء الوهمي لا بقصد التشويه وانما بقصد المواجهة مع ذواتنا دون الحاجة إلى آخر، فلن يتبرع سوانا لعرض غسيلنا، ولن يكشف عن عللنا أي مفكر أو مسرحي آخر. إننا معنيون بمواجهة الذات (الهوية) المرتكزات الأساسية التي تستند إليها ذواتنا عبر التاريخ وصولا إلى يومنا الراهن، وباعتقادي أن المواجهة تجعلنا نقبض على حقيقة ما يحدث ونكشف الستار عن تلك الأيدي المختبئة وراء الكواليس، وتحركنا بشكل جبري (تعسفي) لارتكاب كل هذه الحماقات.

· النص يعالج قضايا محظورة كيف خرقت المحظورات وعالجتها؟

- مشكلة النص المسرحي العربي انه وقع أسير الايديولوجيا وكتابنا على اختلاف اتجاهاتهم يحشرون ثقافتهم وألسنتهم ووعيهم في الحدث الدرامي ويتقولون على السنة الشخصيات أفكارهم بشكل تعسفي، لذلك تجد النص السبعيني نصا ميتا، وغير قابل للتأويل والتعدد، وهو أشبه ما يكون بقصيدة مناسبة. وضعت هذه المشكلة أمامي، وانصرفت إلى مشروعي (دائما وأبدا) وحضرت لوليمة حوار مشاكس، متعدد، متضاد، لذلك لم اقف مع شخصية ضد الأخرى، ولم أكرس فكرة على حساب أخرى، حيث نجد الأصولي يدافع عن حلمه بمواجهة البرغماتي المنفلت، والشاعر بحلمه التجريدي يجابه الصحفي المحبط، المقموع اجتماعيا يواجه سوداوية الصحفي والانحطاط البرغماتي، وصرامة الاصولي، وتجريد الشاعر بحثا عن حلمه الأرضي في العيش دون سلطة أو قهر. اختراق المحظور هدف بحد ذاته، ولكنه لا يدفعنا للسطحية والمجانية في مصادرة السديد من الأفكار الخطيرة والفاعلة على صعيد الواقع والتي قد اختلف معها بشكل حقيقي. إن مواجهة الذات بحاجة إلى ديموقراطية في الوعي وامكانية تحمل خطاب الآخر ورؤاه وأحلامه، الآخر الذي قد نختلف عنه …وهكذا جاء الخرق للمحظور السياسي والاجتماعي متزنا ومقنعا من خلال الردود التي واجهتها في العرض والنص.

- النماذج الذكورية الخمسة الموجودة من طبائع مختلفة. ما الذي يجمع هذه النماذج وما الذي يفرقها؟

- لاشيء يجمع هذه الشخصيات سوى الفرضية التي افترضناها لطرح مجمل الأفكار، يوميا، ولكن ليس في بيت واحد وانما في مدينة أو دولة أو قارة، أننا نتعايش يوميا مع أعداد مختلفة ونتحاور ونختلف ونتشاجر معهم، وفي النهاية نحن وهم نعيش في المكان نفسه، وكل منا يحاول رسم صورة المستقبل على طريقته.

- النماذج الخمسة تقوم على تنميط (سياسي، اجتماعي) كيف استطعت خرق التنميط على منصة المسرح؟

- ببساطة تستطيع التخلص من النمط بمنح نفسك (كمؤلف ومخرج) وبمنح الممثل حرية التفكير بالشخصية، وفتح الآفاق أمامها دون تعسف ودون خطط ومواقف مسبقة منها. هكذا أبحرنا مع الشخصيات ودون مصادرة إلى الحد الذي توصلنا إلى لا وعيها والصامت فيها، إلى المتوقع والمدهش فيها، مع أننا قد نختلف عنها ومعها في الواقع. توصلنا إلى شخصيات حقيقية تبوح بالمها ودون تصنع، لذلك اختفى التمثيل كصنعة وبالتالي اختفت النمطية القاتلة.

· الافتتاح بأغنية، والإغلاق بالأغنية نفسها على أي أساس اعتمدت هذا التوظيف؟

- انا من منطقة تقع بين مدينة (بابل) بكل ارثها الأسطوري وأناشيدها العذبة ومدينة (النجف) بكل فجيعتها الحسينية المتواصلة. النشيد احمله في دمي، نشيد الرثاء، رثاء الوجود كل صباح وكل مساء، لذلك وبشكل لا واع وجدتني ابتدأ كل لوحة بالأغنية ذاتها (خمسة يجلسون في الظلمة، ضمن بكاءات خمسة أحزان، خمس وخمسون ليلة، يجلس الخمسة في الظلمة) . وعندما سألتني الآن، انتبهت فلم أجد غير ذلك الإرث الكربلائي والبابلي الذي احمله في روحي وانـزفه بشكل جمالي معاصر، الأغنية نواح متواصل، تتنوع على جنباتها كل التفاصيل الأخرى، الموت، الحرية، ذلك أن الفجيعة تغلف كل ما حولنا فرغم الحياة التي ندافع عنها لا نـزال نقهر ونذل يوميا ونحن نحلم بالحياة الأفضل.

- المكان غير محدد، لكنه يفتح فضاء دلاليا. فما الغاية من عدم التحديد مكانيا؟

- المكان في العرض المسرحي ليس مكانا محددا بل هو مقترح جمالي ومعرفي لأمكنه متعددة يحددها خيار المتلقي، فنحن نقترح فضاءً مسرحياً، ومن خلال عناصر اللون والديكور ونظام العلامات بين الشخصيات نحاول أن نعطي الفرص للمشاهد (بوصفه شريكا في إنتاج العرض) في أن يحرك ذاكرته ليحيل المكان المسرحي إلى الأمكنة المغروسة في ذاكرته، وهنا تأتي أهمية ترك المكان مفتوحا ومتعددا دلاليا، وذلك للسماح بتعدد القراءات والإحالات والتأويل دون فرض هيمنة مسرحية تعسفية على ذهن المتلقي.

- المؤثرات الصوتية عمقت الحالات على المنصة المسرحية. كيف وصلتم إلى هذه الصيغة الموسيقية؟

- الموسيقى هي من صنع الفنان الشاب الموهوب (محمد عزاوي) أحد طلبة المعهد العالي للموسيقى، وقد توصل إلى هذه الصياغة من خلال حوارنا الطويل وحضوره المستمر للبروفة، وتفهمه الدقيق لنبض العرض وروحه فكرا وشكلا لذلك صنع موسيقا "دائما وأبدا" أشبه ما تكون بكاسيت متكامل اللحن والأغنية والموسيقى التصويرية. لقد ساهمت الموسيقى في صنع مناخ العرض وبشكل دفع الفعل المسرحي نحو مناطق جمالية لم يكن ليصلها لولا الموسيقى، فالموسيقى التعبيرية صنعت لنا مساحات من الصمت والتأمل داخل العرض، وكانت هذه الخطوة ضرورية لتوريط المشاهد نفسيا، وعقليا في لعبة العرض.

متابعة الإضاءة لتحرك الشخصيات جعلت منها كاشفا لكل ما يدور على المنصة المسرحية فهل الكشف مقصود؟

الإضاءة عنصر رئيسي في صنع الصورة المسرحية ومهندس الإضاءة لابد ان يكون رساما أو شاعرا ذلك انه يصنع مزاج العرض، فلقد كفت الإضاءة عن لعب دور الكشف عن وجه وجهد الممثل بحيث أصبحت تلعب دور (المونيتر) في المسرح، فمن خلال الإضاءة تستطيع أن تصنع من حركة الممثل موضوعه وان تخلق لجهد الممثل فضاء من اللون يعبر ويشارك في خلق فكرة العرض، ولقد اعتمدت على نفسي في تصميم إضاءة العرض و إلى حد ما في تنفيذها وذلك لعدم وجود مهندس إضاءة يرتقي إلى مستوى الفكرة وان كانت بسيطة ولقد تمكنت إلى حد ما من صنع فضاء مسرحي ملون يتعدد بصريا حسب حركة الضوء وزواياه واتجاهاته.

- في نهاية العمل العودة إلى نقطة الانطلاق لكن بفقدان الشخصيات جميعا. وبقاء الأغنية فما الغاية من العودة إلى بداية العرض؟

أننا لم نقرر العودة إلى نقطة البداية، إنما هي حتمية الـ (دائما وأبدا) فليس ثمة شيء يخرق هذا التكرار إلا الموت أو التغيير. وشخصياتي عاجزة عن تحقيق أي تغيير لأنها محبطة وأسيرة قهر داخلي وخارجي متعدد (أسيرة القهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أسيرة الأحلام المجردة الكبيرة والخلل النفسي واحباطات الفشل المتكررة) .

لذلك كان لابد من العودة إلى نقطة البداية ذلك أن الذي حدث على المسرح لم يكن إلا مقطعا من الزمن عرضناه وشاركنا فيه جمهورنا وتركنا شخصياتنا تعود إلى واقعها الحقيقي حيث. . لا شيء يحدث لا أحد يجيء. . ليس تشاؤما ما أقوله… إنما هي دعوة للكشف وتحريض على التغيير دون شعارات.

24/8/1996-8                      الحرية                                   13

مخرج مسرحية (دائما وأبدا) 

لن يتبرع الآخرون لعرض غسيلنا

الفنان هادي المهدي: مشكلة النص العربي أنه وقع أسير الأيديولوجيا

- هل لك أن تعرف القراء بك؟

إذا تيسر لي أن أوجز حياتي سأقول: هادي المهدي ولدت عام 1965في جنوب العراق. دخلت صالة المسرح عن طريق الخطأ في الرابعة عشر من عمري. حصلت إثرها على جوائز في التمثيل الصامت (الإيمائي) . دخلت أكاديمية الفنون الجميلة – بغداد – قسم الإخراج المسرحي. وتخرجت بدرجة جيد جداً عن أطروحة (كاليغولا) عام 1990.

عامي 1987و1989 حصلت على جائزتي أفضل إخراج عن منتدى المسرح التجريبي التابع للمسرح القومي العراقي وكتبت النص والنقد و التنظير المسرحي. ونشر لي في بغداد

 والمغرب والقاهرة ودمشق وبيروت. عملت مساعد مخرج ومخرج ثان مع أستاذة المسرح العراقي. شاركت في تأسيس فرقة المسرح التجريبي في العراق.

 

* النص يطرح مشاكلنا اليومية العميقة، (الموت، السفر، الجنس، الدين، الحرية) كيف تم جمع هذه القضايا في نص واحد؟!

** مسرحية (دائماً وأبداً) كتأليف ليست تجربتي الأولى ولا هي بالأخيرة. غير أنها يمكن أن توجز للمتابعة والمختص طبيعة البنية التي انساق وراءها. فمن خلال تجاربي السابقة في الكتابة" الحياة تبدأ غدا. أيها العالم الغريب وداعاً" حاولت التركيز وبشكل ملح على العنصر الجوهري في أزمتنا العربية لا بشكلها الأيديولوجي فحسب. بل بأبعادها العقلية والنفسية والثقافية الأخرى.

لذلك تجد الشخصيات هي عبارة عن أمثلة نموذجية لمصاديق متشرذمة هنا وهناك. ومن خلال الفرضية الجمالية والمعرفية التي اقترحتها كإطار لفضاء الشخصيات، أحاول أن استدرج شخصياتي للحديث والبوح عما هو جوهري وساخن. ذلك أني أعتقد بأن وظيفة المسرح المعاصر تكمن في قدرته على استنطاق المصموت عنه في واقعنا وخدش ذلك الكبرياء الوهمي لا بقصد التشويه إنما بقصد المواجهة. مواجهة ذواتنا دون الحاجة إلى آخر. فلن يتبرع سوانا بعرض غسيلنا.

ولن يكشف عن عللنا أي مفكر أو مسرحي آخر. إننا معنيون بمواجهة الذات. الهوية, المرتكزات الأساسية التي تستند إليها ذواتنا عبر التاريخ وصولاً إلى يومنا الراهن. وباعتقادي أن هذه المواجهة ستجعلنا نتعرف على حقيقة ما يحدث ونكشف الستار عن تلك الأيدي المختبئة وراء الكواليس والتي تحركنا بشكل جبري (تعسفي) . لارتكاب كل هذه الحماقات. يقول أحد أبطال النص: (أنني أعرج. . بل نحن جميعاً مصابون بالعرج، من أرواحنا وعقولنا، إننا نعيش الحياة بالإيجار حياة المريض في غرفة العناية المشددة. منذ فترة. ونحن نلعب أدوارا مجبرين عليها، نحن أدوات تحركها مشيئة الآخر والظروف على رقعة الشطرنج، جلادون وضحايا. وفي النهاية مساكين لا نستحق إلا الشفقة) .

من خلال مداخل حقيقية إلى كنه الشخصيات واستدراجها عبر فرضيات غاية في البساطة تمكنا (أنا وفريق العمل) من مناقشة أزمة الدين. الجنس. الحرية. الموت. الهروب. الإدمان الامتثال. . والعديد من الأزمات التي أجزم أنها حديث مواطننا العربي وبشكل يومي.

وأنا متهم بأنني أهتم بالمسرح الذهني والحشد الفكري إلا أنني أحاول ومن خلال عناصر الصورة المسرحية أن أصيغ فعلاً جمالياً مطّرداً على الخشبة لا بقصد كسر الجمود الفكري المطروح ولكن لاعتقادي بأن الأفكار الكبيرة بحاجة إلى جمال كبير يعبر عنها.

وهكذا ومن خلال المقترحات الفرضية المعرفية والصورية توصلنا إلى هذا التركيب الشائك والمعقد.

* في النص معالجة لقضايا الممنوعات (الجنس، الدين، السلطة) كيف تم خرق الممنوعات العربية، ومعالجتها بهم يومي معاش؟!

** مشكلة النص المسرحي العربي أنه وقع أسير الايديوجيا. وكتابنا وعلى اختلاف اتجاهاتهم يحشرون ثقافتهم وألسنتهم ووعيهم في الحدث الدرامي. ويتقولون على ألسنة الشخصيات أفكارهم وبشكل تعسفي لذلك نجد أن النص السبعيني نص ميت وغير قابل للتأويل والتعدد. وهو أشبه ما يكون بقصيدة المناسبة. وضعت هذه المشكلة أمامي وانصرفت إلى مشروعي (دائماً وأبداً) وحددت منذ البداية أن النص والعرض لن يكون سوى وليمة لحوار مشاكس. حوار متعدد ومتضاد.

لذلك لم أقف مع شخصية ضد الأخرى. ولم أكرس فكرة على حساب الأخرى. وهكذا كان الأصولي يدافع عن حلمه بمواجهة البرغماتي المنفلت. وكان الشاعر بحلمه التجريدي يجابه الصحفي وانحطاط البرغماتي وصرامة الأصولي وتجردية الشاعر بحثا عن حلمه الأرضي بالعيش فحسب دون أن يكون عرضة للتسلط أو القهر.

اختراق المحرم هدف بحد ذاته ولكنه لا يدفعنا إلى السطحية والمجانية في مصادرة العديد من الأفكار الخطيرة والفاعلة على صعيد الواقع. والتي اختلف معها بشكل حقيقي. إن مواجهة الذات بحاجة إلى ديمقراطية في الوعي…وإمكانية تحمل خطاب ورؤيا وأحلام الآخر الذي نختلف عنه. . وهكذا جاء الخرق للمحرم السياسي والاجتماعي والديني متزناً ومقنعاً ومن خلال مختلف الردود التي واجهت النص والعرض.

· كيف قمت باختيار ممثليك، ومجموعة العمل؟!

** يعاني المسرح  السوري من غياب الممثلين الكبار عنه ولأسباب معروفة تتعلق بطبيعة المردود المادي والتحجيم الإعلامي الذي يواجهه المنجز المسرحي. وإذا عمل أحد هؤلاء فإنه يتعامل بفوقية مع النص والمسرح. لذلك بحثت عن شباب ما زالوا يحملون ولو القليل من الأيمان بالمسرح وقدرته على توصيل أوجاعنا اليومية إلى الناس. بحثت عن شباب لم تمنح لهم الفرصة الكافية. وخصوصاً أولئك الذين يملكون مواهب فنية جيدة نوعاً ما. وهكذا كان لقاؤنا. وأعتقد أن الممثلين في هذا العمل تواصلوا مع خطاب النص، ومن خلال حرية الارتجال التي أطلقها لهم وبشكل واع. وقد انصهروا مع العمل إلى حد أنه أصبح يمثل كابوساً وحقيقة مهمة على صعيد همهم الشخصي.

* النماذج الخمسة النصية والتمثيلية تقوم على نمط (اجتماعي- سياسي- ديني-) كيف تعمل للخروج من التنميط، وتعميق الشخصيات على الخشبة؟!

** ببساطة تستطيع التخلص من النمط بمنح نفسك (كمؤلف ومخرج)، وبمنح الممثل أيضا حرية التفكير بالشخصية، وفتح الآفاق أمامها دون تعسف، ودون خطط ومواقف مسبقة منها. . هكذا أبحرنا مع الشخصيات، ودون مصادرة إلى الحد الذي توصلنا فيه إلى لا وعيها والصامت فيها. . اللامتوقع والمدهش فيها مع أننا قد نختلف عنها ومعها في الواقع.

توصلنا إلى شخصيات حقيقية تبوح بألمها ودون تصنع. لذلك اختفى التمثيل كصنعة وبالتالي اختفت النمطية القاتلة.

* نلاحظ استخداماً مفيداً لعمق الخشبة خصوصاً في منولوج (زكي كوريد للو) بحيث تتوضح هذه الشخصية ومشاكله القديمة والجديدة. كيف؟ استغلال العمق لتوضيح هذه الشخصية؟

** خشبة المسرح هي لوحة يؤطرها الضوء والموسيقى. وأنا داخل هذه اللوحة أحاول الرسم من خلال النحت الحركي. . جسد الممثل كتلة قابلة للتشكيل بأشكال عديدة. ولكن شرط أن تكون الحركة النحتية ذات دلالة جمالية ومعرفية دقيقة. ليس المهم أن تقف الشخصية في الوسط أو في المقدمة بل المهم أن تقف في أي جزء من أجزاء المسرح، وتكون معبرة ومعززة بالضوء والموسيقى والتركيز في التشكيل.

* الديكور لعب دوراً في الإيحاءات المكانية، والضيق الذي تعيشه الشخصيات، كيف تم توظيف الديكور بهذين الاتجاهين؟

** كما أسلفت أنا مع حرية التأويل مكانياً. وذلك لمنع العرض من الوقوع في مطب الخاص والمحدود. لذلك أحاول ومن خلال الديكور أن أجرد المكان من سلطته الاجتماعية والاقتصادية والوظائفية النفعية بقصد الحفاظ على حريته وامكانية انفتاحه على أمكنة عديدة يقترحها المشاهد.

ولكي تتم لعبة التأويل بشكل دقيق وحيوي. فأنا أختزل وأكثف. وأجرد عناصر الديكور لكي تساهم في تحويل المكان إلى مكان شمولي ولكي تساهم أيضا في صنع الفعل المسرحي. فالفرضية المكانية وعنصر الديكور بالنسبة لي هو الأساس في بناء الفكرة والفعل.

* المؤثرات الصوتية لعبت دوراً في تعميق الحالات، والإحالات، كيف عملت للوصول إلى هذه الحالة؟

* الموسيقى هي من صنع الشاب الموهوب محمد عزاوي أحد طلبة المعهد العالي للموسيقا. وقد توصل إلى هذه الصياغة من خلال حوارنا الطويل، وحضوره المستمر للبروفا. وتفهمه الدقيق لنبض وروح العرض فكراً وشكلاً. لذلك صنع موسيقى (دائماً وأبداً) أشبه ما تكون بشريط كاسيت متكامل باللحن والأغنية والموسيقى التصويرية. لقد ساهمت الموسيقى في صنع مناخ العرض. وبشكل دفع الفعل المسرحي نحو مناطق جمالية لم يكن ليصلها لولا الموسيقى. فالموسيقى التعبيرية صنعت لنا مساحات من الصمت والتأمل داخل العرض. وكانت هذه الخطوة ضرورة لتوريط المشاهد نفسياً وعقلياً في لعبة العرض.

* الإضاءة كشفت عن الكثير من التعابير على الشخصيات. . على إي أسس اعتمدت لعملية الكشف هذه؟

** الإضاءة عنصر رئيسي في صنع الصورة المسرحية. ومهندس الإضاءة لا بد أن يكون رساماً أو شاعراً. ذلك أنه يصنع مزاج العرض.

فلقد كفت الإضاءة عن لعب دور الكشف عن وجه وجسد الممثل بحيث أصبحت تلعب دور (المونيتير) في المسرح. فمن خلال الإضاءة تستطيع أن تصنع من حركة الممثل موضوعة. وأن تخلق لجسد الممثل فضاء من اللون يعبر ويشارك في خلق فكرة العرض ولقد اعتمدت على نفسي في تصميم إضاءة العرض وإلى حد ما تنفيذها. وذلك لعدم وجود مهندس إضاءة يرتقي إلى مستوى الفكرة. وإن كانت بسيطة. ولقد تمكنت وإلى حد ما من صنع فضاء مسرحي ملون يتعدد بصرياً حسب حركة الحضور وزواياه واتجاهاته.

 

 

 

دائماً وأبداً

طريق الجلجلة علىخشبة القباني

بعد أن قدم عرضه الأول والناجح لهذا الموسم، ونعني به عرض (صمت الكلام) هاهو نادي المسرح والموسيقا يقدم عرضه المسرحي الثاني (دائماً وابداً) الذي حمل توقيع هادي المهدي مؤلفاً ومخرجاً.

وهو عرض مستعاد من الموسم الماضي، إنه الفقر الفني والإنتاجي – ولا شك – في المسرح كما في معظم أجناس الثقافة والفنون في بلادنا.

بداية. . ينجح هادي المهدي في صياغة عرض مسرحي، وذلك بتضافر عناصره من نص مكتوب وسنوغرافيا غنية بالدلالات الجمالية والمعرفية، وموسيقا محمد   عزاوي – واضاءة – نصر سفر – وغناء مختف تحت عباءة الإنشاد الكنسي، ولكن ماذا أراد أن يقول ؟؟؟؟؟ وللإجابة على ماسلف، لا بد من استعادة  تحليلية – ولو مكثفة – لسير عناصر العرض.

يبدأ العرض قبل بداية الأداء التمثيلي بثماني دقائق، حيث الخشبة مكشوفة أمام النظارة يلف جدرانها السواد، تتوسطها مائدة مستطيلة جداً خضراء اللون وحولها بعض الكراسي الخشبية هل هي مائدة العشاء الأخير للسيد المسيح؟ ويقبع تحت الطاولة مجسم للكرة الأرضية، وعلى الطاولة رقعة شطرنج وأحجاره، وفي الجانب الأيمن من عمق أرض الخشبة توجد بعض المهملات، أما في المقدمة فقد انسدلت حبال مشدودة ومائلة من السقف إلى ارض مقدمتها، لتشكل تلك الحبال حاجزاً بين الخشبة والصالة وفي الجانب الأيمن من أعلى جدار عمق الخشبة تتوضع نافذة مغلقة، لتتحول الخشبة بذلك إلى ما يشبه الزنـزانة. وتنهمر الإضاءة باللونين الأصفر والأحمر القاني على وسط الخشبة – الطاولة، وفي تلك الأثناء يسمع النظارة موسيقا متكررة توحي بالخوف، وكأننا في بداية عرض سينمائي لفيلم من أفلام الرعب.

وبعد انقضاء تلك الدقائق لا تلبث أن تعتم الخشبة والصالة لثوان قليلة ثم تضاء الخشبة فتظهر لنا خمس شخصيات – ممثلين – وأمام الطاولة – على الأرض – رجل ممدد فيكتشف زملاؤه أنه ميت فيرفعونه ويرمونه في زاوية المهملات، ويحدث ذلك على وقع غناء يستفيد من الإنشاد الكنسي، حيث يغني المنشد والكورال (كانوا ستة) سيخرجون من العتمة إلى النور، ست وستون إلخ. ليكشف الترتيل عن المتوالية الرهيبة للعذاب الإنساني، فهل هو طريق الجلجلة؟ وليكشف الترتيل أيضاً أن الخروج إلى النور لا يكون إلا بالموت. . فهل من ماتوا كانوا قديسين؟ وهل من سنراهم على الخشبة حيث سيقصون علينا نتفاً من حكاياتهم، هم قديسون ايضاً؟

طلال الشاعر والمثقف المصاب بالربو الصدري – كناية عن الاختناق من الجو العام. . بسام، رجل الدين الإسلامي المتعصب والخائف دائماً من الله والمحتاج للسماء دائماً وأبداً. . نضال ورمضان وزكي البسطاء الهامشيون، خمس شخصيات متنافرة في كل شيء وحتى في الشطرنج يلعب بعضهم به منفرداً. . ولكن يجمع تلك الشخصيات المكان والبؤس والبحث عن منفذ تارة بالهجرة وطوراً بالحلم، وتتحدث تلك الشخصيات عن مجيها من مكان آخر، هل هو فلسطين؟) أم أي بلد عربي كان – وقد ضاق بأهله  والمخرج من العراق الشقيق؟ لا نريد من الإشارة إلى فلسطين أو غيرها أن نحمل النص أو العرض أكثر مما يحتمل، ولكن مرجعية الإنشاد الديني والطاولة – الرمز الذي أسلفنا الإشارة إلى مدلوله سيتضافران مع إشارة أخرى قرب نهاية العرض، وذلك عندما يبدي نضال تذمره من الجريدة فيقول: لا، منذ الـ 48 وهم يقولون نفس الكلام، ولا شك أنها إشارة إلى نكبة فلسطين، ولكن المخرج قد يعني بداية الاستقلالات الوطنية للدول العربية، وبالتالي فإن سياسات الحكم الوطني في مختلف الأقطار العربية منذ الاستقلال وحتى الآن، قد قادت المجتمع العربي برمته إلى الاختناق الحاضر في زمننا هذا، ولكن المخرج لا يلبث أن يجعل شاعره – طلال – يلقي مقطعاً شعرياً – وأظنه لمحمود درويش – يقول فيه: (تمنيت لو كل شفاه نساء الأرض في فمها لقبلته واسترحت) .

وعود على بدء، فإن تلك الشخصيات متنافرة، يخون بعضها البعض وتكذب على بعضها البعض، ولا يحترم بعضها البعض، ورغم تواجدهم في مكان مغلق، ورغم أن الشاعر مصاب بالربو فإن نضال ورمضان لا ينفكان عن التدخين، وبخاصة عندما تجتاح الشاعر نوبة ربو خانقة، ولكن رغم ذلك فإنهم بشر، وهم بحاجة إلى الحب، إلى المرأة تلك الغائبة الحاضرة دائماً في أحاديثهم وهم بحاجة إلى العمل والطعام، والأهم من ذلك الإحساس بالأمان، وبالتالي فهل كل البسطاء هم قديسون عاديون بمعنى ما؟ أم أن الألم، الذي يرافق الإنسان في بلادنا منذ ولادته وحتى مماته، يسمو به إلى مرتبة القداسة والقديسين؟

قبل نهاية العرض بقليل، سيموت الشاعر مختنقاً دون أن ينتبه إليه أحد، وعندما يلاحظ زملاؤه ذلك يغطونه بالجرائد ويعود الإنشاد (كانوا خمسة. . خمس وخمسون) ثم وبحل إخراجي دقيق ستطفأ الأنوار لجزء من الثانية فيختفي شخص آخر، وليعود الإنشاد: (كانوا أربعة. . أربعة وأربعون) وهكذا حتى يختفي الجميع، ليعودوا بعد ذلك ويضع أحدهم مجسم الكرة الأرضية على الطاولة وقد أناره فيضعون أيديهم عليه ثم يتجهون قبالة النظارة، فهل يشكل تعاملهم مع هذا المجسم اختصاراً للعذاب الإنساني وبالمعنى العام.

إنها ولا شك – مرجعية عامة ولكنها لا تنفي على الإطلاق ما قد سبق واشرنا إليه في معرض تحليلنا.

إن كل من يشاهد عرض (دائماً وأبداً) ستترسخ لديه قناعة بأن المخرج الشاب هادي المهدي هو صاحب موهبة غير قليلة، تدعمها دراية كبيرة بعناصر الإخراج وبالتالي فهو صاحب موهبة وحرفة ولكنه – وللأسف – أخطأ في أمرين: الأول: عندما سمح لبعض ممثليه بالارتجال (رمضان حمود ونضال سيجري) وكلنا يعلم أن الارتجال يحتاج إلى خبرة عميقة في التمثيل، وموهبة نضال سيجري وحدها لا تكفي، كما أنه – أي المخرج – سمح لرمضان بالتهريج ونعتقد أن جدية العرض – وإن داخلته بعض اللمسات الكوميدية وهي من صلب حياة الإنسان الحقيقي – ولكنها لا تبرر الجنوح نحو التهريج، كما أن المخرج لم ينجح في إدارة طلال نصر الدين الذي قدم دوراً مقارباً لدوره في عرض (صمت الكلام) ، والذي انتهى عرضه منذ أسابيع قليلة، فقد سيطر على أدائه توتر غير مبرر وميكانيكية حركية غير مقنعة على الإطلاق كما لم ينجح المخرج في إدارة زكي كورديللو وبخاصة على مستوى الأداء الصوتي ولا نقول اللفظي – إذ استخدم الممثل المذكور في أدائه اللفظي طبقات صوتية رفيعة وحادة ومتشنجة وغير مقنعة، وهذا لا يغفلنا عن ذكر الأداء المقنع لبسام ناصر رجل الدين – ولكنه لم يكن بسوية عمله السابق (صمت الكلام) حيث كان قد لفت الأنظار بمستوى أدائه الرفيع.

والأمر الثاني: هو أن النص كان بحاجة إلى معالجة فقد بدا التفكك واضحاً في بعض المقاطع – والمشاهد، كما كان بحاجة إلى تكثيف في مواضع أخرى، ونعتقد أن الكاتب لو استعان باستشارة درامية لكانت النتيجة أفضل وبكثير.

إن هو إلا إيجاز شديد تقتضيه الكتابة في صحيفة يومية.

ولولا الضرورات لاقتضى الحديث أن نتطرق إلى التشكيلات الحركية – الميزانسيات، وتعامل الممثلين مع المكان ومع الأغراض، وعلاقة الممثل مع الفضاء المسرحي واستخدام اللغتين الفصحى والعامية وجدوى ذلك. . إلخ. .

خاصة أن هذا العرض هو العمل الأول – على الأقل في سورية – للمخرج هادي المهدي، كما أن هذا العمل يدخل في سياق التجريب المسرحي، وأن هذه التجربة تستحق التشجيع وندعو المخرج إلى المثابرة، ولكن لا بد من التأني أكثر، والتبصر أكثر، وإن استعانة المخرج بأصحاب الخبرة فيما ينقصه لا يسيء إليه، لا بل العكس من ذلك، سوف يعزز من قيمة موهبته الإخراجية الواضحة.

حسن المير علي

السفير الأربعاء 14/8/1996

 (دائماً وأبداً) على مسرح القباني بدمشق

كوميدية ينبعث منها الاحتراق والنسيان

يقدم المخرج العراقي هادي المهدي عرضه على أنه ذو سمة تجريبية، قبل دخول العرض على خشبة مسرح القباني بدمشق، وذلك من خلال اشارتين مذكورتين في دليل العرض، الأولى أنه يقدم في اإطار فاعليات نادي المسرح التابع لمديرية المسارح والموسيقى، بما يعني ذلك – حكماً – من أنه عرض اختباري يحمل رؤية مسرحية جديدة وخاصة، الثانية أنه قدم لاسم عرضه بـ (المسخرة المسرحية: دائماً وأبداً) مما حمل دلالة إضافية في أن ما نشاهده يعتمد شكلا جديداً، خاصة وأن المخرج نفسه هو مؤلف العمل.

تعالج مسرحية (دائماً وأبداً) في اطار كوميدي عدة حالات، تنبعث منها رائحة الاحتراق والنسيان والموت المتتالي، عندما يعلن المخرج عن جوهر عرضه في أغنية بكائية تبدأ بها المسرحية وتنتهي باستمرارية لها، فقدم في المشهد الأول دلالة ايحائية لموت الشخص السادس بفعل خارجي – اطلاق نار – وليس موتاً طبيعياً، مما يعني أن هذه المجموعة، المؤلفة من خمسة أشخاص (ذكور) ، محاصرة بأخطار خارجية تشكل هاجس العرض الأساسي، الذي بني على ادانة الحالة التي وصل إليها خمسة محبطين عجزوا عن أن يؤلفوا ولو مؤمناً واحداً، اذ فشلت كل محاولاتهم لتحويل الجهود الفردية إلى قوة جماعية أقوى، حيث اصطدم ذلك بمصالح وأنانية كل منهم، مجسدين فلسفتهم الخاصة بأن الخلاص بات شأناً فردياً، وتالياً تسقط كل الحلول الجماعية المقترحة أمام ترسخ أيمانهم بهذا المفهوم الذي نشأ في ظل الضغوط والظروف الخارجة عنهم.

تمثل هذه الشخصيات خمس حالات متنافرة، متضادة لا يجمعها سوى: الصراع، ولذلك فهم يحتارون ماذا يسمون اجتماعهم الذي حل رغماً عنهم، ويتساءلون إن كانوا أصدقاء فعلاً. . أم أعداء سجنتهم الظروف في مكان واحد. . وتالياً كان عليهم أن يتلاءموا مع ذلك، فما استطاعت أن تجمعهم سوى الأخطار. وللدلالة على هذا (السجن) الاجتماعي وضع المخرج في مقدمة الخشبة فاصلاً من الحبال ما بين الخشبة والجمهور، ليضيف إليها بعداً ايحائياً آخر، ألا وهو خيوط العنكبوت، في افتراض زمني طويل مضى عليهم. . ورغم ذلك نرى كل واحد منهم، منذ بداية العرض، منغلقاً على نفسه، في محاولة فنية تمهيدية لدراسة كل حالة على حدة مرة ومجتمعين مرة أخرى، وحيث أن دليل العرض يقدم اسماء الممثلين على أنهم بلا أدوار: (زكي كورديلو، صلاح الهادي، ، بسام ناصر، غسان الدبس، رمضان حمود) إلا أن العمل كان يقدم شخوصه بتمايز كلي، حتى في ظل غياب أسماء الشخصيات المسرحية، مما دفع الممثلين إلى الاتكاء في كثير من اوقات العرض على اسمائهم الحقيقية في مخاطبة بعضهم، حيث يجرني هذا إلى ذكر الاسماء الحقيقية للممثلين في تحليل الشخصيات التي أداها كل منهم، وكأن المخرج المؤلف تقصد تغييب مسميات لشخوصه حتى يعطي دلالات اسقاطية أكثر عمومية، بالنسبة للمشاهد الذي لا بد أن يتقاطع مع شخصية أو أخرى، جزئياً أو كلياً.

انكسارات

إن الظرف الذي سجنت الشخصيات  فيه، ما هو إلا عنوان لمكان ما في دول العالم الثالث، حيث لا يحصد المرء الا الانكسارات المتتالية، فـ (صلاح) الذي أصبح في الثلاثين من عمره يبكي سنيه التي احترقت هباء منثوراً من دون أن يستطيع تحقيق شيء  سوى اصابته بالقرحة وتسوس اسنانه و (حياته) حيث تغدو البكائية هنا حالة من النقد الحاد الموجه تجاه المؤسسات المختلفة، و (زكي) أيضاً قارب الاربعين وهو لم يزل عازباً، مما جعل النساء بالنسبة إليه حلماً دائماً تأخر في التحقق، فيكون الحديث عنهم ذا نكهة محببة إليه، أما  رجل الدين (بسام) فقد قدمه المخرج برؤية علمانية، إلى حد ما، عندما يعترف في لحظة ضعف أنه يصيبه الشك أحياناً، إلا أن ما يبصره في (زريبة) الانسانية يدفعه مرة أخرى تجاه الغيب، متمثلاً في حلم الخلاص.

وبالرغم من ايمانه بأن الخلاص اصبح شأناً فردياً إلا أنه لا يتورع عن محاولة (هداية الشباب) ولو كان ذلك باتجاه معركة مع (رمضان) الذي يعتقد بأنه (حربوق) لكن (حربقته) هذه لم تحصد له سوى الشوك والعذاب، الشيء الذي حوله إلى انسان لا مبال يعيش حياته دون مسؤولية.

أثبت رمضان حمود أنه مشروع فنان كوميدي ذو نفس خاص، فقدم في العرض ثلاثة مشاهد دفعت الجمهور إلى الضحك رغم بكائية العرض  وقد أوحت مشاهدة العرض اكثر من مرة بدأبه اضافة عناصر أخرى إلى ادائه، كما في مشهد الغضب من (بسام) إذ جعل منه مشهداً يكاد يكون فريداً رغم تقاطع ايحائيته مع مشهد (غضب) دريد لحام.

تمايز زكي كورديلو في شخصية منفردة أيضاً تحمل دلالات ذات سعة نتائجية للقهر والعذاب والحرمان الذي تعرض له، فكان متلعثماً بلهجته، ضعيف الشخصية، ورغم انه الأكبر سناً بين زملائه إلا أنه يبحث فيهم عن أخ أكبر له، يحتويه، ويعلمه كيف يحيا، ليغدو سؤاله المتكرر (شو. . . في؟) بعداً آخر لجهله لما يحدث حوله، ومن ثم ليكشف أنه مخدوع من قبل الجميع، فيفقد الضلع الخامس توازنه في المجموعة التي تقودها النـزاعات على المصالح، أما صلاح الهادي فقد كان مثالاً للمثقف المنظر الذي يدخل في صراعات لا متناهية جدلية  وبيزنطية في أحيان كثيرة، مع التيار الديني المتمثل بـ (بسام ناصر) الذي عبرت لحيته عن توجهه الفكري. . ويرافق بحركات فمه الأغنية البكائية، في دلالة اسقاطية على أن القدر هو الذي يتحكم بهذه المجموعة وعلاقاتها ومصائرها وحزنها وفرحها. . وحياتها وموتها، في حين كان غسان الدبس الخط الأوسط بينهم جميعاً، لكنه يحمل تناقضاً عالي الدرجة في ذاته، فهو تائه بين الحلم الشعري – العقيدة – الذي يغذي حالته الوجدانية ويأنف المادة والنقود، وبين الواقع المعيش، اذ تتحول صدماته المتتالية مع الواقع إلى هذيان شعري باتجاه مرض مزمن يستعصي الشفاء ألا وهو (الربو) من جهة ثانية فتغدو الحياة كأمواج البحر، تارة هادئة وتارة صاخبة.

حالات

قدم المخرج هذه الحالات منفردة ومجموعة في آن، ليعبر عن عللها الذاتية المحضة التي تتأتى بفاعليتها نفسها من جهة، وبفاعليتها من علاقتها بالآخرين من جهة ثانية، واسقط المخرج هذه الحالات عبر تقديم عوالمها المفردة فتشعر منذ اللحظة الأولى للعرض بالانفصال الذي يحكم هذه المجموعة، اذ يجسد ذلك  ابتعادهم عن بعضهم – مادياً – ليشغلوا خشبة المسرح كلها، من ايحائية مباشرة لمدى الاغتراب الذي يعانيه كل منهم، ورفضه الآخر.

المرات المعدودة التي كانت تتقارب المجموعة من بعضها جسدياً تمحورت في ناحيتين اثنتين: الأولى عندما يحتدم الصراع في ما بينهم، اذ تغدو المواجهة نوعاً من طفو الصراع على السطح مما يستدعي اقتراب طرفي الصراع، والثانية عندما يشعر الجميع بخطر يهددهم، كذلك الايحاء الذي قدمه المخرج على لسان (صلاح) في أن ثمة ذبابة على زر القنبلة، يمكن لأي حركة صغيرة أن تثيرها، حيث يتجمعون في كتلة واحدة  في حركة أراد المخرج تجسيدها كرؤية خارج الحدث الفعلي، فدل عليها بإضاءة بيضاء فوسفورية تتشابه من حيث بنيتها مع الحلم. . هذا الاجتماع الكتلي نراه ايضاً في مشهد التجمع حول مجسم الكرة الارضية، حيث يتحول هذا التجمع إلى نوع من المزاد، وتبقى الكرة في حالة اضاءة داخلية عندما يقرر الجميع الغاء الفكرة، وتضاء مرة أخرى في نهاية العرض، بعد أن يتساقطوا الواحد تلو الآخر على الايقاعية البكائية ويبقى مجسم الكرة الارضية المضاء من الداخل وحيداً على الخشبة، إذ يقدم المخرج حينها تنويعات ضوئية للدلالة على فعل بقاء الاحلام. . رغم أن أصحابها تساقطوا، ثم يدخلون جميعاً دفعة واحدة ويخلعون ملابسهم العلوية ويتجهون إلى الجمهور في بعد سيمولوجي على أنهم كانوا في حالة تعرية دواخلهم أمامنا.

ثائر سلوم – دمشق

 

الحرية 3/8/1996 

مسرحية (دائماً وأبداً) مطرقة تدق أعماق الظلمة

كتب عز الدين إبراهيم

نعم. . إننا محكومون بالأمل وما يحدث لن يكون نهاية التاريخ. . حتماً) دائماً وأبداً ندخل إلى المسرح ونجلس بانتظار خروج الممثلين من وراء الكواليس، وينتظر الممثل حتى ننهي التصفيق ليبدأ دوره، ولكننا في (دائماً وأبداً) دخلنا فوجدنا الممثلين شاغلين أماكنهم بانتظار أن يأخذ الجمهور مكانه. خمس شخصيات توزعت على الخشبة. وملأت فضاءاتها الخالية من أشكال الديكور سوى عدد من الكراسي وطاولة مستطيلة، وكأنهم يعيشون في مكان بلا شكل ولا ملامح. المكان بؤرة سوداء. الإضاءة هي التي تحدد مكان الممثل وتتابع حركته. لقد رافق المشاهد موسيقى (الاوديسا) الممزوجة مع قوالب موسيقية جديدة، استطاع المخرج أن يولفها ويجعلها تخدم المشهد بطريقة لافتة.

شرائح المجتمع على الخشبة

خمس شخصيات تعيش في الظلمة مثلت شرائح اجتماعية مختلفة، الشاعر الذي يرى بالعزلة مفره ومكمن إلهامه الشعري، الصحفي ويعيش على راتبه ويبحث عن مصدر لتحسين وضعه الاقتصادي، الحالم المهزوز المتردد الذي لا يستطيع أن يرسم طريقه دون توجيه من الآخرين ودون رضاهم، واللامبالي الطائش الذي ترك المدرسة نتيجة ظروف عائلية، ولم يترك عملاً لم يجربه حتى التشرد، ورجل دين يخفي كل تناقضاته خلف ستار الدين.

لكل شخصية مرض متأصل، في داخله مرض عضوي أو نفسي أو كلاهما معاً، لقد امتلك الممثلون

شخصياتهم بصورة جيدة، فعاشوا وعشنا معها لمدة ساعة ونصف من الزمن، رسموا الضحكة على شفاهنا حيناً، ومزقوا غطاء الحزن المدثور فينا وعروه حيناً آخر.

قضايا. . قضايا

لقد تطرقت المسرحية لقضايا متشابكة، العلاقات المادية وانعكاسها على كل مستوى من المستويات الفكرية للشخصيات. وقضية الدين بين الموروث والإيمان، والعلاقة بين أفراد الأسرة وزرع العادات والتقاليد والمحرمات والمحللات، العلاقة بين الرجل والمرأة وكيف تمارس النـزوات والشهوات عند كل شخصية، وهذه العلاقة طرحت من منظور واحد هو منظور الرجل، وظهرت المرأة وكأنها عنصر من عالم مختلف لا يحمل الهموم التي كانت تسود كل الشخصيات.

فالسؤال يطرح  نفسه، أين الأم والأخت والزوجة والبنت والحبيبة، وهؤلاء هن نصف المجتمع، ويحملن أكثر مما يحمل الرجل من معاناة في مجتمعنا.

هذه الشخصيات وجدت نفسها في ضيق، وفي نظام اقتصادي اجتماعي خانق، فتحاول الهجرة هرباً من أوضاعها وبحثاً عن نظام جديد يحررها من كل ما يحيط بها، ولكن لا وسيلة ولا مفر فالحصار  أكبر من كل أصحابها مجتمعين، حتى عندما يجدون الحل يفرقهم الشك والخوف من الذات والمحيط.

الصمت والظلمة يتحركان

لقد استطاع المخرج أن يحرك الصمت والظلمة في مسرحيته، لم يعتمد الاكسسوارات ما عدا رقعة الشطرنج، لعبة الصمت وسقوط البيادق والكرة الأرضية المضاءة وسط العتمة والتي كانت تعطي عمقاً للمسرح، لقد استغل المخرج مساحة المسرح وفضاءاته (العمق – العرض – الارتفاع) ولكنه وضع حداً له بشباك تفصل الخشبة عن الجمهور مع أن الحال واحد، كما أنه أطلق اللهجة العامية إلى جانب اللغة الفصحى. لأنها كانت أكثر قدرة على الارتجال وطرح الشكل الكوميدي، وبنفس الوقت أدى ذلك إلى تكرار بعض الكلمات الدارجة بشكل كبير مثل "فهمان علي" .

لقد نجح المخرج في توظيف الشخصيات لخدمة النص، وربط خيوطهم بعضها ببعض، رغم ما كان يمكن من تناقض بالأفكار وكيفية طرحها ورؤيتها من زواياهم الخاصة، ولكن الزمان والمكان كانا مغيبين مما أعطى النص بعداً بحيث يستطيع المتلقي أن يتخيل نفسه أمام الزمان والمكان المعاشين دائماً وأبداً.

 (دائماً وأبداً) مطرقة تدق أعماق الظلمة فينا، من خلالها نبحث عن أنفسنا، عن علاقاتنا مع الآخرين، الفرد بالمجتمع، المجتمع بالمحيط، المحيط بالسماء بما نـزل منها وما صعد إليها.

السؤال

لقد طرحوا سؤالاً في نهاية العمل المسرحي يحمل في ظله هموم الكرة الارضية المحاطة بالسواد والظلمة والفراغ. . نريد حلاً. . ؟

ينتهي العمل، يخرج الممثلون الواحد تلو الآخر ولكن مغتالاً برصاصة وتطفأ  الأضواء. ويعود الممثلون ليلقوا التحية، ولكنهم يعودون نصف عراة، يعبرون عن عري الأشياء ووضوح الحقيقة، حقيقة الصمت والصوت المكبوت، فهل يرد الصدى على السؤال؟

لقد استطاع الفريق المسرحي أن يطرح أسئلة كبيرة بحجم الليل الساكن فينا، ولكنه لم يطرح سوى القليل فما زال هناك الكثير. . الكثير وهي دعوة للاستمرار دائماً وأبداً،

 

عودة الى الرئيسية

كتابة السيرة على الماء

دير الملاك

مواقع

ماكتبته الصحافة

تحت الطبع

نصوص خشنة

الحياة تبدأ غداً

الطقس المسرحي

الآن

مفتتح