صحيفة البعث السورية الصفحة 9 العدد 10542    ثقافة

 

المخرج المسرحي هادي المهدي. وحوار بعض هموم المسرح السوري

الجمهور مازال يعشق المسرح

المسرح الحديث في العالم أجمع بدأ يتجه نحو البساطة!!

 

حاوره : عدنان عبد الرزاق

 

… وكما نفخر أن درامانا التلفزيونية غزت المحطات الفضائية العربية وتطورت لدرجة الريادة، نعترف أن مسرحنا – بأنواعه – ما زال دون الطموح أو أقل من ذلك؟! عدا بعض العروض التي انتزعت الإعجاب ونالت الجوائز على الصعيدين الداخلي والخارجي.

هل يكمن السبب في النص أم في الكادر والإخراج أم لعله في المؤسسة ذاتها. للإجابة علىما يعانيه مسرحنا من مقومات جعلته فيما هو عليه، التقينا المخرج هادي المهدي.

هموم المسرح السوري عنوان عريض.

أين تتجلى الأزمة … في النص والإخراج أم في المؤسسة؟

أميل إلى تسمية الإشكالات التي يمر بها المسرح السوري بشكل خاص بالهموم، رغم أن البعض يحاول إطلاق صفة الأزمة على ما يحدث في المسرح، وما يقال حول سرقة التلفزيون للكادر الفني وأزمة الإنتاج المادي وعدم كفاية المردود المعنوي والمادي للعرض المسرحي، ما هي إلا ذرائع واهية أثبت الواقع عكسها، فالجمهور مازال يعشق المسرح ويتوافد إليه بكثافة عالية رغم ضعف الدعاية، والممثل والفنيون المسرحيون يمكن أن يحققوا نجومية ثقافية مسرحية مهمة توازي أهمية النجومية الجماهيرية التلفزيونية.

أما على صعيد الإنتاج، فالمسرح الحديث وفي العالم أجمع بدأ يتجه نحو البساطة والتكثيف عبر المدارس الحديثة المستفيدة من التطورات المذهلة التي يشهدها الفن التشكيلي والسينمائي، وأعتقد أن العروض المكلفة مادياً والتي قدمت خلال الموسمين الماضيين لم تكن مهمة فنياً ولم ترتق إلى مستوى ضخامة الأموال التي انفقت عليها.

إذن الهموم ليست في التمويل والدعم المادي كما يقال بل هي في الأزمة التي يفتعلها الرقيب المسرحي الذي يتعامل مع النص وفقاً شروطاً قديمة غاية في التخلف إضافة إلى مزاجية في إجازة ومنع النصوص وبشكل مجاني يدعو للاستهجان.

هذا بالإضافة إلى عدم تدخل القطاع الخاص في صناعة وتدعيم الثقافة ففي أوروبا وبعض الدول العربية نجد أن المسرح ينهض على قاعدة الدعم التي يتلقاها من القطاع الخاص من خلال تبني العروض واعتبارها جزءاً من حملته الدعائية للمنتجات التجارية.

كما لا بد من التوقف عند همٍ آخر مناط بنا جميعاً مسرحيين ونقاداً ومثقفين التصدي له وهو مشكلة ديكتاتورية التخلف على صعيد الإنتاج الفني والتقييم النقدي وهي مشكلة معقدة غائرة في العمق وتمس جميع صنوف الإبداع ففي زمن الحريات التي نتمتع بها نواجه طغيان العقول المتحجرة المبنية على فهم قديم وساذج للفن تصر على الإنتاج بهذا النمط البالي السائد معتقدة أنها تملك الحل السحري وتتبجح بمقولة هذا ما جربه الرواد، وبذلك تراهم يكرسون العقلية القروية من خلال الإنتاج المدني المعاصر للثقافة.

وهم بذلك يمسخون وجه الثقافة بتكريس الماضي وتجاربه على حساب الحاضر وإبداعه وصيرورته وهنا أشير للإنتاج التلفزيوني إضافة للمسرحي فالعديد من فنانينا وكتابنا يقدمون عروضهم بنفس (الطريقة التي تروي بها العجائز حكاياتهن) والأمر نفسه ينسحب على التقييم النقدي فالنقاد، أو من ينتحلون النقد – يقيمون الإبداع الجديد المتطور بمقاييس نقدية شبه ميتة وغير قابلة للحياة متذرعين بأن هذا مطلب الجمهور كأنهم أوصياء عليه أو يحكمون عليه بالتخلف سلفاً.

تنسب بعض المذاهب المسرحية الأهمية لعنصر دون آخر، فمثلاً (جروتوفسكي) يلغي دور النص والإضاءة والديكور … ما رأيكم؟      

لكل مسرح أهدافه، فهناك المسرح السياسي وهناك المسرح الفلسفي أو الاجتماعي النقدي ومسرح الطفل …الخ.

والمسرح يعمل حسب أهدافه أو رسالته التي يريد أن يبشر بها وينشرها، وهذا ما يجعل المسرح فاعلاً وخطيراً وهو الأمر الذي جعله يصمد إلى الآن بمواجهة السينما والتلفزيون وغيرها من وسائل الاتصال والأعلام المتطورة.

ومن بين المسارح هناك المسرح الفقير الذي بشر به (جروتوفسكي) والذي يقوم على حذف كل شيء باستثناء الممثل والمتلقي، وأنا تأثرت بهذا المذهب كونه يعيد الاعتبار للمادة المسرحية بجوهرها دون أن يتعكز على العناصر الأخرى الوافدة إلى المسرح من بقية الفنون، لا بأس أن يتعامل المسرح مع بقية الفنون ويستفيد منها ولكن بشرط ألا يفقد جوهره.

ومعظم ما نشاهده من أعمال وعروض لايقدم ممثلاً خلاقاً ومخرجاً صاحب رؤيا تبشيرية، بقدر ما نجد استعراضاً للديكورات والأزياء والألوان وهو الأمر الذي يدفع الجمهور للابتعاد عن المسرح، لأنه يأتي أساساً ليلامس ذاته وملامسة الذات لا تتم إلا بالإنصراف نحو الجوهر دون التوقف عند السطح والاستعراض لأن العمل الخلاق هو ذاك الذي يتم بتجريد كل الأشياء من أجل الكشف عن العمق الإنساني والإنسان في النهاية هو غاية المسرح، وأما على صعيد التقنية: فمهما فعل المسرح فهو لا ينافس الفنون البصرية الأخرى.

تغيب العروض المسرحية حيناً لتظهر بكثافة في الموسم المسرحي هل تؤيدون ذلك وما إمكانية العرض بشكل دوري ومستمر؟           

اعتقد أن (الريبورتوار) البرنامج المسرحي هو مطلب حتمي لإنقاذ مسرحنا من رتابة الموسم المسرحي والضغط الذي تعانيه صالاتنا المسرحية خلال ثلاثة أو أربعة أشهر، كذلك فإن البرنامج المسرحي يمنع من ظاهرة موت العرض المسرحي لأنه يمكن من إعادة المسرحية ولا سيما الناجحة خلال سنوات ومواسم مسرحية أخرى.

-         ماذا عن الإنتاج وضخامة التمويل، كأن يدخل القطاع الخاص لاستثمار وتبني العروض المسرحية؟              

-         على القطاع الخاص أن يتدخل لحماية المشروع الثقافي الوطني، إلا أنه في بلداننا العربية يتهرب من هذه المسؤولية، وأعتقد أن الارتقاء بالعمل الفني والأدبي يمكن أن يتم من خلال مشاركة القطاع الخاص للدولة في دعم الثقافة والفنون وتنميتها.

أخيراً ماذا عن التجريب المسرحي وضرورته لإخراج المسرح العربي من وضعه الراهن؟

في جميع المسارح الراسخة في العالم يوجد مسرح عريض ومسرح تجريبي، لأن التجريبي معني أولاً وأخيراً بتطوير الورشة المسرحية وعناصر المسرح من الداخل (المؤلف، المخرج، الممثل) ومد المسرح العريض بهذه الاكتشافات لأجل تطويره والارتقاء بذائقة المتلقي.

ولذلك فإن التجريب هو مسرح اختبار للإفكار والرؤى الجمالية والفكرية وهو ضرورة لتطوير المسرح.

عودة الى الرئيسية ماكتبته الصحافة
دير الملاك كتابة السيرة على الماء مواقع تحت الطبع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح