المخرج المسرحي العراقي هادي المهدي: المسرح هو وطني !

أرى، بعيون المسرحي، كل شيء … من فاجعة شعبي إلى أزمة العالم أجمع!

 

أجرى اللقاء: عبد الرحمن الماجدي

صحيفة بغداد - لندن

 

من محافظة الديوانية حيث ولد المخرج العراقي المبدع هادي المهدي، جاء إلى بغداد حاملاً معه همه المسرحي ليجسده على خشبة أكادمية الفنون الجميلة حيث تخرج فيها من قسم الإخراج المسرحي، وعلى مسارح بغداد والقاهرة وشمال العراق ثم ها هو في دمشق مع زوجته ميديا رؤوف حيث مازالا يمدان المسرح بعراقيتهما المبدعة.

كيف كانت البداية وهل الإخراج المسرحي جاء صدفة. وبمن تأثرت؟

عملت في المسرح منذ صباي وكنت أعد نفسي ممثلاً، وقد حصلت على جوائز عديدة عن أدائي في المسرحيات الصامتة) منها جائزة أفضل ممثل واعد عن مركز المسرح العراقي (، غير أنني، وبعد فترة اكتشفت أني أتجه نحو الإخراج المسرحي وجماليات العرض. وقد أسهمت قراءتي المعمقة للشعر وألوان المعرفة في أن أتجه نحو الإخراج المسرحي حيث بدأت الإخراج مبكراً ولم أزل طالباً في الثانوية بمسرحية الخسوف لرياض عصمت وبعدها دخلت أكاديمية الفنون الجميلة وعملت في المهرجانات العربية للمسرح العراقي كممثل ومخرج مساعد. وشاركت في المهرجانات العربية للمسرح في بغداد والقاهرة وقد كان جهدي الإخراجي منصباً وإلى فترة معينة باختبار وتجريب الأساليب المسرحية المختلفة دون تحديد (المسرح التعبيري، الملحمي، الصوري، التشكيلي) . وصولاً إلى اختياري الآن لترجيح العمل باتجاه صياغة معاصرة لطقس مسرحي يعتمد البلاغة في الجماليات والرؤيا المعرفية المعمقة. وقد ابتدأ هذا المشوار منذ إخراجي لمسرحية (وداعاً أيها العالم الغريب) والتي كانت بحثاً في الطبيعة والفكر العربي والاحتجاج على الذائقة السائدة والأفكار التي حاولت السلطة الترويج لها، وهكذا مضيت عبر العروض الأخرى، لتطوير بحثي الإخراجي هذا. لا أستطيع القول أنني تأثرت إنما أقول إن ثقافتي الإخراجية تمت بصلة إلى (أرتو وبروك وكروتوفسكي والمخرج العراقي الكبير د. صلاح القصب) .

المسرح الأكاديمي هل هو سحابة صيف تمر حينما يتخرج طالب المسرح؟ أم هو مهد لفضاءات تتسع زمنياً؟

المسرح الأكاديمي لا يعني إلا كونه مختبراً لتطوير الخبرات الفنية والمعرفية لدى الطالب أو المتخصص، وهو مختبر لتجريب متواصل آراه لا ينتهي بالتخرج، فالبحث والسؤال هو داخل أو خارج الإطار التعليمي حيث يعنى الفنان دائماً بصياغة أدواته وتشذيبها وتطويرها، إلا أنني أرى في الفرق المسرحية المحترفة الرسمية وغير الرسمية إمكانية لتطوير ودفع قابليات المخرج إلى فضاء أوسع من مجال الأكاديمية، ومنذ تخرجي أصبحت معنياً بعروض تهم شريحة واسعة من الناس ولا أنكر أنني خضت تجارب في لغة لا أجيدها وهي اللغة الكردية وقد كانت اختباراً لي باكتشاف مدى اتقاني للغة المسرح والتي هي أرفع من أي لغة أخرى.

كثيرون هم المخرجون العراقيون الذي مروا، أو أقاموا في دمشق لكن لم يبرز منهم سوى الدكتور جواد الأسدي، هل هناك مقومات تتوفر في الفنان المسرحي المهاجر تجعله ناجحاً؟ أم هي الموهبة التي لا تعبأ بالعقبات؟

د. جواد الأسدي بثقافته وبنضاله الفني والمعرفي المتواصل استطاع أن يؤسس اسمه وبصماته الإخراجية المتميزة في المسرح العربي فهو مواطن مسرحي، ولاجئ في (المسرح)! قبل أن يكون أي شيء آخر، لذلك برز كقوة إبداعية، أما الآخرون فاعتقد أن عدم قدرتهم على التواصل الحقيقي مع المسرح عبر مختلف التغيرات الإجتماعية أو السياسية وحتى الاقتصادية، يرجع لعدم امتزاج الهم المسرحي بأرواحهم – وأقصد الامتزاج الصوفي – أرى نفسي أتنفس هواء مسرحياً وأرى بعيون المسرحي كل شيء من أصغر تفاصيل حياتي إلى فاجعة شعبي إلى أزمة العالم أجمع! وذلك ما يجعلني أستمر.

-         من مهمات المسرح، التحريض. ما الذي قدمه المسرحيون العراقيون في الخارج لقضية شعبنا المبتلي؟

قدموا الكثير من العروض التحريضية وحتى صحراء (رفحاء) شهدت عروضاً عراقية تحريضية، إلا أنني أجد أن الكثير من فنانينا لم يقدموا شيئاً في هذا الإطار، فنحن مدعوون إلى تنبيه العالم أجمع إلى عمق وأصالة معرفتنا وثقافتنا لا التحريض، فالتحريض يمكن أن يتم عن طريق المقالة الصحفية أو عن طريق التظاهرة!

-         اقترنت تسمية المسرح التجاري بالمسرح الفكاهي. فهل المسرح الجاد على هذا الافتراض مسرح غير تجاري وهل جربت العمل في المسرح التجاري بالمعنى المعروف للتسمية؟

-         لم أعمل في المسرح التجاري لا لشيء إلا لأنني معني بالتجريب المسرحي أولاً وأخيراً وحتى المسرح الملتزم العريض، فأنني أعترض عليه ولأسباب معرفية وفنية: فأنا معني بابتكار وسائل جديدة تعمق وتطور مسرحنا ولست مع العروض التي تروج للفكر السائد والمألوف!

كيف تنظر للعلاقة بين المسرح والحداثة؟

يمكن القول أن المسرح بالنسبة لي هو مشروع حداثة، حداثة الأمة ورقي ذائقتها الجمالية وتطوير أساليب تفكيرها قبل كل شيء. فليس ثمة نهضة أو حداثة إلا في القطيعة مع الماضي وتفجير كوامن الحاضر وملامسة جوهر الآن بوعي وحساسية.

في مسرحية وداعاً أيها العالم الغريب التي أخرجتها في بغداد مسرح المنتدى، أشركت نهر دجلة والأشجار وشواخص أخرى، جعلت المسرحية أقرب إلى العمل السينمائي، هل اضطرك النص لذلك، أم هي ميزة متفردة حاولت تفعيلها في المسرح العراقي؟

في مسرحية وداعاً أيها العالم الغريب كنا نحاول صياغة بيان مسرحي لمسرح يسمى المكاشفة يمتد بجذوره إلى التجربة الصوفية والفكر العربي والموروث بأبعاده المعرفية، وبشكل آخر حاولت الاستفادة من طقس عاشوراء حيث تحضر الطبيعة كعنصر فاعل ومواز للفعل المسرحي، حيث الذات العربية لا تعبأ بالمعمار ذلك أن جذورها تمتد إلى الطبيعة دائماً. وقد كان العرض بحثاً جمالياً ومعرفياً في الرؤيا والصياغة وبأبعاد عديدة. وللأسف لم تستمر هذه التجربة حيث كنا نحاول التأسيس لها عبر المكان والذات والإرث الثقافي العراقي، إلا أن المنفى لا يتسع لمثل هذه التجارب ذات السمة الخصوصية، غير أنني أحاول الآن في هاملت (وبمساعدة الأخ جهاد سعد الفنان ذو الأفكار الجديدة) أن أخرج على الخشبة المسرحية إلى المكان – البيئة – والاستفادة من مكوناتها في صياغة عرض ينتمي لنا.

أنتما عائلة مسرحية – زوجتك ممثلة – ولكما زملاء هنا عملوا معكما في الوطن، هل فكرتم بتكوين فرقة مسرحية عراقية في المنفى؟

أقولها وبكثير من الصراحة أنا وزوجتي – ميديا رؤوف – فرقة مسرح وقد أثبتت تجاربنا المسرحية الصادقة ذلك وبوضوح. فمرة كتبت لها نصاً – مونودراما – مثلته وأخرجته وساعدتها في الإضاءة والموسيقى وكان عرضاً مميزاً في مدينة السليمانية كتب وقيل الكثير عنه تكررت التجربة مراراً وهي معي تجاورني في أحلامي المسرحية وتدفعني إلى الأمام، كذلك فهي إلى جانب كونها ممثلة متميزة فهي ذات رؤية إخراجية وثقافة مسرحية عالية: لذلك فهي شريكتي في جميع مشاريعي على مستوى الحلم والتجسيد أما على صعيد الآخرين فأنا لا أستطيع العمل وفق رؤيا لا أنتمي إليها. الآخرون يفكرون بتحويل المسرح إلى ذاكرة تنوح على الوطن، وأنا معني بتقديم الوعي الجمالي والفني بوصفه اسهاماً في تطوير الثقافة الوطنية وهذا الأمر لا تهتم به أية جهة عراقية في المنفى، والمعارضة على وجه الخصوص بعيدة كل البعد عن إنتاج نموذج لثقافة معارضة ومشغولة بمعاناتها الطويلة ضد النظام. وهموم المنفى تشغل الكثيرين عن المسرح وبدوري لا أستطيع إلا الدفاع عن أحلامي مخترقاً كل الحدود لتحقيقها باسم هويتي العراقية.

 

عودة الى الرئيسية ماكتبته الصحافة
دير الملاك كتابة السيرة على الماء مواقع تحت الطبع نصوص خشنة الحياة تبدأ غداً الطقس المسرحي الآن مفتتح