الحياة تبدأ غداً

 

أمس الحياة من ثم أوجاع الكائن

   وتليهما آية نوح بعد الطوفان

              

 قبل الموت بيوم واحد يمكن

للإنسان أن يبدأ الحياة من جديد

 

مقترح لفضاء العرض

المسرح علبة سوداء تتوسطها كرة أرضية صدئة ومحترقة، الكرة تشع من الداخل وتتحرك حركة الجنين داخل الرحم وباستمرار، ثمة رجل بملابس سوداء وملامح محت الأيام جزءاً كبيراً منها، تم ربطه بسلسلة ضخمة إلى الكرة الأرضية، موسيقى مع ضربات قلب ترافق المشاهد كلها

 

 

الحركة الأولى:

 

 أمس الحياة

 

هـو : (يستيقظ بشكل مفاجئ، يحاول الإفلات من السلسلة دون جدوى ينهار إلى الأرض، وفي وضع الركوع يشعل سيجارة...) الآن... نعم الآن فقط... بكل تأكيد... أستطيع أن أقول (يزفر) بكل تأكيد أستطيع أن أقول... لا... بكل تواضع... و... و... حزم!... وصلافة... (يتوقف) صلافة كلمة جميلة ولائقة بعصرنا هذا... (يصمت) نعم... بكل صلافة أستطيع القول بأني امتلكت الإسفنجة. (يتوقف) كلا أعني الممحاة... نعم أعني الممحاة... امتلكت الممحاة وعن قريب سأبدأ المحو... بمن أبدأّ؟ (يرفع صوته متلفتاً) بمن أبدأ؟؟ هو... نعم هو... الأب سأمحو الفأس قبل أن ينجزني في مزرعة الأبدية... هو نعم... هو الأول... وبعد ذلك... يأتي دورها هي... سأمحوها من الجانبين... من اليمين ثم من اليسار (يسرع) ثم من الأسفل إلى الأعلى وبالعكس لافرق...لافرق (يصمت/ يتابع بتلذذ) إنها تشبه الميزان...نعم هي ميزان مختل يميل للمغفرة والعفو دائماً!!الأم... الأم... نعم الأم... (يصمت صمتاً طويلاً ويصرخ بشكل مفاجئ) الفأس والميزان... وبعدها لن تكون هنالك أية دماء... أطفأت السيف الذي يهم دائماً أن يمزق سجادة الصلاة... أطفأت أنوار أديسون عطلت رياضة الحياة والموت والولادة... (يضحك فيختنق بضحكته... يصمت كالميت) قبل أعوام... بالتحديد منذ (يصمت) منذ أن بلغت الثلاثين صار كل شيء يتبخر من حولي... يتبخر... نعم هي الكلمة المناسبة... انتبهت! صارت العناوين والبيوت والوجوه التي أعرفها تنحسر... تنحسر... تنحسر... مثل وعود الأيام... أعرف أشخاصاً ضاعوا منذ أن ساروا في شوارع الوعود... ولم يعودوا إِلاّ أمواتاً... (يصمت/ ويصرخ فجأة) آه من الوحشة وطول الطريق... الأسماء كذلك راحت تختفي من ذاكرتي... أجمل كنوزي من جواهر الناس ضاعت... تبددوا... الاسم تلو الآخر... أكلتهم الأيام... الواحد تلو الآخر... الاسم تلو الآخر... (صمت قصير) لم يعد هناك أي أحد... لم يعد هناك شيء سوى الانتظار!! سأمحو الانتظار... نعم... نعم سأمحو الانتظار الذي يطوي الأيام ويؤجلها... الأيام التي لاتتكرر... كلا هنالك من يقف في ميدان الظهور... إنهم ينتظرون بروح أثيرية... أموات أحياء! إنهم لايستحقون المحو... ذلك أنهم يشرقون في الانتظار... (صمت طويل) وبعد سأمحو... الإسفنجة... أعني الممحاة بيدي... آه كم أشعر بحاجة لصوت أم يبطل كل أنين روحي! (صمت) سأمحو البيت بدءاً من السياج والأولاد قبل أن يفروا لتأثيث بيوت جديدة... سألاحقهم بالمحو... وفي طريقي سأمحو الحدائق والأنهار والجسور...لا الجسور سأتركها لصغار النجوم تتزحلق فوقها... سأمحو اليابسة كل اليابسة... الوديان... السهول... والجبال... آه الجبال سأمحوها بهدوء كي لاتنتبه عيون الماء..عيون الماء؟ عيون الماء سأتركها فهي دموع الأرض... دموع الكوكب اليتيم... والصحراء؟! الصحراء سأمحوها مرتين وأعيد الكرة!! واللغة والحروف والأصوات؟ طبعاً... طبعاً... لنتخلص من كل هذا اللغو ومن القصائد وخصوصاً من أجملها... والقارات... والقارات (يضحك) محوت اليابسة والبحار فأي قارات بقيت؟؟ (يضحك، ضحكته تتحول إلى نشيج... نشيجه يتحول إلى أنين) ياله من فراغ بلا نهاية... فقد ماتت الشمس... ولم تعد الأرض تقبل الموتى تحت التراب (أنينه يتحول إلى عويل/ يتابع) ولم يكن أحد يعلم أن اسم تلك الحمامة التي فرت من القلوب هي الإيمان.(صمت طويل) ماذا بقي الآن؟ ماذا لدي الآن؟ لاأحد إلا أنا! حسنٌ استعد. سأمحو نفسي من الأسفل... من الساقين صعوداً إلى الرقبة... واليد اليسرى سأمحوها باليمنى... الممحاة سأمسكها بفمي وأمررها على بقايا اليد اليمنى... بقي الرأس؟ لم أفكر بذلك! حسنٌ سأبتلع الممحاة فأختفي (يستلقي على الأرض/ ينهض فجأة) ياللأسف تسرعت كعادتي... وها أناأشعر بالندم... الندم شريك أيامي... إنه يلاحقني حتى في هذه النهاية... كان يجب أن أخلف الممحاة ورائي... ياللأنانية!! كان يجب أن أتركها لأولئك الذين ينتظرون في ميدان الظهور... لصغار النجوم وهي تلهو فوق جسور العالم الخاوي... ربما سيحتاجون إليها... مؤكد أنهم سيكونون بحاجة إليها... ياللأسف... ولكن في المرة القادمة... حتماً وقبل أن تشطبني الممحاة ثانية... صدقوني... أعدكم بأنني... قد تعلمت أخيراً... أدركت أخيراً... وفي المرة القادمة... عندما (يصمت) عندما... عندما تبدأ الحياة غداً...

 

 

 

 

 

 (يصاب بالخرس فجأة/ يحاول الكلام دون جدوى/ يصرخ/ يتلوى/ ينهار أرضاً/ تتصاعد الموسيقى مع نبضات القلب والكرة الأرضية تهتز بقوة)

 

 

 

 

 

 

 

الحركة الثانية:

 

أوجاع الكائن

 

(بعد أن يصاب الرجل بالخرس/ تبدأ الكرة الأرضية بالحركة/ حركة أشبه ماتكون بالمخاض/ أخيراً تتمزق جدران الكرة الأرضية من الجانبين وتخرج منها امرأة كخروج الجنين من الكرة الأرضية في لوحة سلفادور دالي الشهيرة/المرأة بفستان وربطة شعر ونظارات سوداء/ حقيبة سفر ومعها مكعب صغير ألوانه صارخة... تجلس وتحدق في الجمهور بحدة وتدخن...)

 

هي : نجوت حقاً! (صمت) هل نجوتُ حقاً؟ لاأصدق ذلك لاأكاد أصدق ذلك بعد كل ذلك الزحف والركض... المشي والحبو... نجوت! بعد كل ذلك البكاء والضحك... بعد كل تلك الأحلام والكوابيس... بعد كل تلك الأمراض والعافيات نجوت! بعد كل تلك القذارة والنظافة نجوت! عاصرت الفصول كلها... الفصول التي لاتمل الدوران... شتاء... صيف... خريف... ربيع... خريف... شتاء... آه... فصول تدور... أيام تدور... سنوات تدور... شمس تدور... كوكب يدور... وبشر يدورون في سباق لانهاية له! ياللقرف... (صمت) المحبة... القسوة... الرحمة... القسوة... المغفرة... القسوة... المودة... القسوة... الحنين... القسوة... ياللهول... ليس ثمة من يقف إزاء هذا الكم القليل من الحب والرحمة إلا القسوة... قسوة كبيرة بحجم الكون... قسوة لاحدود لها ( تتهجى) قسوه... قا... سيه... قسوة الجلاد والضحية... الضحية تتلذذ بعذابها والجلاد يتلذذ بالعنف!! القسوة هي ثمرة الوجود الوحيدة... أنى لهولاء البشر كل هذه القسوة؟! هل هي ابتكار محض لقدراتهم التافهة... إنها تهمة قاسية حقاً (صمت طويل) إلا أنني نجوت... نعم نجوت حقاً... لقد وفقت بالخروج منها... لذلك أنا هنا... وللسبب  نفسه سأقول الحقيقة... أعني حقيقتي... الحقيقة التي أعرفها... حقيقتي أنا... نعم فأنا لاأقصد بالحقيقة... الحقيقة الكاملة المطلقة... إنما حقيقتي وحسب... ثمة حقائق أكبر وأشمل يعرفها غيري من الناس...أناس لم تتح لهم الفرصة للإخبار عنها... على أية حال مادمت قد نجوت فسأتكلم بلا قيود وبلا حدود... بلا خوف... بلا لباقة ودون التخوف من العقاب... فأنا خارج كل قانون الآن... سأبوح لكم بالحقيقة... أولاً علي أن أعترف أن الخروج منها كان هدف حياتي الوحيد... فمنذ البداية لم تخدعني لذائذها ومتاعبها!! سهرت على هذا الهدف طوال حياتي ولم أتخلَ عنه أبداً... لذلك نجوت في النهاية. كنت دائماً أؤمن أنها مجرد ورقة صفراء... أعني الحياة... نعم الحياة... الحياة بلاشك... ورقة صفراء... لاتخدع أحداً سوى الإنسان... الإنسان الزائل... العابر فيها بشرايينه وأوردته ودموعه إلى خاتمة... قبض ريح! قبض ريح. (صمت) لذلك لابد من الخروج منها... فخرجت. (صمت) ماذا قلت؟ هل الحقيقة؟ هل تراني أهذي؟... نعم كنت أهذي فالحقيقة لاتقال إنما تعاش... تحس وحسب! إذن فمالذي قلته؟؟ إنها مجرد كلمات... كلمات!! آه ماأبشعنا من كائنات غير قادرة على صنع خلاصها بالقدر الذي تصنع فيه الكلمات... الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تحويل الحياة إلى كلمات... نعم لأن العالم بدون كلمات غير موجود. والبشر بطيعتهم جاهزون دائماً وأبداً... الكلمات حاضرة لديهم كلمات للحب... وكلمات للكراهية... كلمات للهدم... وكلمات للبناء... كلمات لأسر الروح... وكلمات لتهييج العقل... كلمات لاجتذاب الأطفال... وأخرى لاستمالة المحرومين... للجائع توجد كلمة فاكهة... خبز... لذائذ... وللمتخم توجد كلمة... ريجيم... رياضة... زهد... وللطامحين بالسلطة توجد كلمة قوة... ندِّية... بطش وللذين يحلمون بالموت توجد كلمة... تضحية... وطن... مبادئ وللغرقى توجد كلمة... أنقذوا أروحنا... الكلمات جاهزة دائماً وبلا انقطاع... إذن فمتى يمكن لنا أن نتوقف؟ متى سنكف عن هذه المهزلة... لنصمت رجاءً... لنصمت... (صمت طويل إلى أن يمل المشاهد والممثل معاً/ صمت جميل وعاقل...) عفواً... أعتقد بأننا قد عشنا عبر هذا الصمت لحظات حقيقية سنتذكرها إلى الأبد... ثقوا بي... في ذلك الصمت القصير الذي عشناه معاً لابد وأنه قد عثر كل منا على جزء ضائع منه فقده طويلاً... الكلمات هروب من مواجهة الذات إلى فضاء العالم... إنها طبيعة هروب نمارسها باستمرار... الكلمات إرثنا عن أسلافنا... الإرث الوحيد الذي اعتنينا به إلى حد الجنون... هل بيننا أحد لايريد لقاء ذاته ولو مرة واحدة في حياته؟ ولو عن طريق الصدفة؟ نعم الصمت كان هو البداية بالنسبة لي... بالصمت عثرت على مفتاح حياتي ومن هنا كانت بدايتي مع رحلة الخروج من الحياة. بدأت أخلد إلى الصمت... أدرب نفسي عليه... صمت قصير... أطول... فأطول... الآخرون يسخرون ويهربون مني... كلما زارني أحدهم كنت أدعوه إلى جلسة صمت فيهرب ساخراً... لذلك أصبحت وحيدة... نعم أصبحت وحيدة... صار أمامي متسع من الوقت لأغرق في الصمت بشكل عميق وشاسع... صمت البحر والصحراء... صمت الأبواب والنوافذ... لاشيء سوى الأحلام والنوم والصحو! صمت إلى حد التيه والعذاب اللذيذ في عتمة لاحدود لها... عتمة إلى حد العماء. غير أن الصمت المرائي... الصمت الكاذب الذي كنت أصاب به أحياناً كان يحول دوني ودون الخروج... كان يعثر مسيرتي... يقهقرني إلى الوراء... فعاقبت نفسي بالصمت لا بالنوم... فأوغلت أكثر... بإصرار عنيد كنت أستلقي وأسترخي إلى حد الإحساس بالعدم. ثم أفرغ عقلي من أفكاره تماماً... من اللغة... من الكلمات... وبعدها بدأت بالتخلي عن سيطرة دماغي علي. فبدأت بالهبوط تدريجياً... على سلالم من حجر... على سلالم من خشب... على سلالم من عشب... على سلالم من ورق... على سلالم من ريح... على سلالم من غيوم... كررت العملية مرات ومرات... أخيراً وفقت بالخروج منها فوصلت إلى هنا... تمكنت من خرق الوجود باتجاه آخر... وهذا حسب اعتقادي... يحدث لأول مرة... لقد نجوت... تخلصت من أوجاع الكائن التي كانت تلازمني منذ الولاده... لنصمت... آ... ش... صمت.

 

 

 

 

 

(صمت/يجمدان في مكانهما كتمثالين)

 

 

 

 

 

 

 

الحركة الثالثة :

 

آية نوح بعد الطوفان

 

 

(مع تصاعد الموسيقى يستيقظ الأول... يحاول الكلام.. فينطق فجأة...)

 

هو  : ... آه... أوف... آ... خ... أخيراً ! (يحاول الإفلات من القيد فيتخلص منه في النهاية وبعدها... ينهض... يدخن... يتناول كتاباً مرمياً على الأرض ويقرأ فيه) وقيل ياأرض ابلعي ماءك... وياسماء أقلعي... وغيض الماء... وقضي الأمر... (يتوقف يتابع). ترجلوا... ترجلوا... لقد توقف الكوكب فترجلوا... انتهت الرحلة أخيراً فترجلوا... اثنين... اثنين... نعم ترجلوا زوجين زوجين... ترجلوا وتاهو مرة أخرى... ومثلما لم يصغوا إِليَّ من قبل... لم يصغوا إِليَّ هذه المرة أيضاً... اندفعوا إلى مائدة الحياة بنهم... أكلوا ثمارها... أكلوا الصحون... أكلوها... مصمصوا عظامه...

                                   

(يتوقف عن القراءة)

 

هي : (متجمدة كتمثال) وها نحن نخلد إلى الصمت ثانية... لابد من الصمت في النهاية دائماً... في المستقبل لن ينتظرنا شيء سوى الصمت.

 

هو  : (متجمد كتمثال) هناك... في المستقبل سيكون كل نهار وكل ليل قد ولى إلى حيث اللاعودة.. والآن!! (يتوقف/ صمت) والآن وقـــد ابتلعنـــا كل تفـــاصيل الحياة وحواشيها ومصمصنا عظامها لم يبق لدينا شيء سوى الصمت... لذلك يصعب عليَّ الحديث عن المستقبل... إذ لايمكن أن أتحدث عن شيء لا وجود له. أي شيء لن يحدث أبداً... غير أنه يسهل عليَّ الحديث عن الماضي... وكيف حدث كل ذلك... من نقطة البداية... يجب أن أبدأ من هناك...

 

 (يصمت)

 

هي  : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين.

هو  : (يقرأ) قلتها ألف مرة... إلا أنهم لم يصغوا لي... لم يصدقوني... لم يصدقني أحد منهم... ولهم العذر في ذلك فقد كانوا منهمكين في المواظبة على الأكل... وحدث... لاأريد أن أتحدث عن النبوءات وكل التفاصيل التي سمعتموها مني وحفظتموها عن  ظهر قلب...

هو  : جاء الدخان... نعم لقد حدث ذلك بفضل ومضة خضراء صغيرة...

هي  : برحمـة بــــرق أخضر... أخضر وناعم... قصير وشفاف...

هو  : صاعقة خضراء استطاعت أن تنهي كل شيء كان ينتظر حدوث هذا بفارغ الصبر...

هي  : بوضوح وبساطة كانت تلك الومضة كافية لوضع حد لكل شيء..

هو  : وضع النهاية لجثت الحياة التي تعفنت دون دفن... لكوكب طال احتضاره... لملايين حملوا حقائبهم ووقفوا أمام توابيتهم ينتظرون بسأم... نعم يجب أن أوضح ذلك بشكل دقيق... ومادمنا نتحدث عن الماضي فعلينا أن نوغل فيه... أذكر الدخان كان نهاية لبداية... بداية الصرخات والاستغاثات التي صبغ بها الكوكب...

هي  : فمنذ أن بردت الشمس ومنذ أن سقط القمر في جب مؤامرة دبرها الجميع... غابت البركة عن وجه الكوكب! البركة التي كانت يد الرحمة التي تمسح على رأس الكوكب اليتيم...

هو  : ماتت الخضرة في السهول... وتفتت الجبال... وتيبست الأسماك في أحواض البحار الجافة... لم يبق شيء سوى التراب...

هي  : التراب الذي صار يرفض قبول الموتى تحته. لم يعد هنالك ليل أونهار...

هو  : لم يعد هنالك مايؤكل... لذلك لم يعد أحد يفكر بالنصر أو الهزيمة... بالحب أو الكراهية... توقف العهر... توقفت الدسائس... نشف الدم في العروق... لم يعد هنالك شعور بالشجاعة أو الجبن... لم يعد هنالك إحساس بالخوف أو الرعب.

هي  : لم تعد هناك سوى المرايا تكرر وحشتنا الأبدية... حتى أصبنا بالعماء... أصبحنا مجرد أرواح عمياء وحمقاء... تافهة وضالة في حقل السجن الأبدي الممتد بلا نهاية...

هو  : سجن الوجود ذاك لم تعد فيه حتى الذئاب... الذئاب الرحمية... للفتك والإبادة... من يفتك بنا نحن الشياه الضالة؟

هو  : لم تعد هنالك عدالة أو ظلم... منذ تلك الأيام بدأ يظهر ذلك الدخان... واكتمل التيه (موسيقى)

هي : ( تئن) لو أن الأرض مربعة لاختفينا في زواياها ولكنها دائرية لذلك صار علينا أن نواجه الوجود.

هو  : (يقرأ) الضجر أكل روح الكوكب... كم نصحت أن يعمل الجميع لإيجاد حل لجزع الكوكب ووحدته... لإيجاد طريقة تنهي يتمه... اقترحت أن نبتكر صديقاً له... شقيقاً .

هو  : آه لو كان كوكبنا قد ولد توأماً .. لو كان له توأم .. أوصديق أو جار لما حدث ما حدث... لكنه كان يتيماً ووحيداً وإلى الأبد ..

هي  : كوكب وحيد ويتيم في ظلمة الوجود ووحشته... بينما نحن نتكاثر

هو  : ربما تكون وحدته هي التي مكنتهم من أكله... أكلوه ومصمصوا عظامه.

هي  : ما كان عليهم أن يفعلوا ذلك ... فالزائر العابر مثلنا نحن البشرلا يمكن أن يأكل الطعام والمائدة معاً ...

هو   : غير أن البشر الحمقى أكلوها...

هي  : إنهم يحملون حقائب موتهم منذ الولادة لكنهم أكلو كل شيء ...

هو  : لم يكتفوا بهذا بل راحو يتنازعون عليها ... سال الدم بعد أن مزقوا أحشائهم... وعلى سجادة الدم ناموا مع نسائهم وخصبوهن بأجنة ملوثة بالدماء...

هي : غيض الماء... ولم يعد هنالك مايصلح للاغتسال والتطهر...

هو  : لذلك فإن جميع من ولدوا في تلك الأيام لم يذوقوا الماء... لم يعرفوا الشمس ولاحتى القمر...

هي  : لم يعرفوا الليل ولا حتى النهار... لم يعرفوا خضرة السهول ولا حتى طعم الأسماك   لأنهم ولدوا عمياناً... وإذا كانوا يرددون أسماءها فما ذلك إلا نتيجة لروايات الآباء عنها... الآباء كانو يحكون ذلك للصغار... يصفون للأطفال العميان لذة أكل السمك والخضار على ضوء القمر أو تحت أشعة الشمس في السهول والجبال.

هو  : (يقرأ) لم يعد هناك أي شيء ... وقبل ذلك كان الطوفان... كانوا في قارب النجاة الذي صنعته لهم بعيوني... عندما قيل...

هي  : ياأرض ابلعي ماءك... وياسماء أقلعي... وغيض الماء وقضي الأمر...

هو  : هبطوا زوجين زوجين وفروا من سورة الوصية... وضاعوا إلى الأبد.

هي  : ( تقرأ) غير ذلك لم أعد أتذكر أي شيء ... لم يعد هنالك سوى الصمت ... جميعاً سنخلد إلى الصمت... يالهذا الصمت ...

 

(موسيقى... ضربات قلب)

تـــــمـــــت

دمشـق

1995

 

عنوان كتاب الحياة تبداء غدا باللغة الانكليزية

 

LIFE  BEGINS TOMORROW

COLLECTION OF PLAYS

BY

HADI AL.MAHDI

1997

 

 

 

عودة الى الرئيسية

الحياة تبدأ غداً

دير الملاك

كتابة السيرة على الماء

ماكتبته الصحافة

تحت الطبع

نصوص خشنة

مواقع

الطقس المسرحي

الآن

مفتتح