دريا  

مقترح لفضاء العرض

   غرفة نوم ممثلة مشهورة / ثمة باقات زهور ذابلة / أزياء  و اكسسوارات ، صور كبيرة لها و هي تمثل أدواراً مختلفة ، مرآة كبيرة و قديمة ،باب يؤدي إلى عمق المسرح ، شموع

الحركة الأولى

 (موسيقى هادئة/ بقعة ضوء على يد تقبض على مسدس تمتد و هي ترتجف تضغط على الزناد / صوت إطلاق رصاص/  موسيقى صاخبة لحفل هستيري/يفتح الضوء على صحفيين يطاردون الممثلة أحدهم يحمل مايكرفون و آخرون يحملون كاميرات فوتغرافية)

دريـــا : كابوس... كابوس... لا ينتهي...أكرهك... يا إلهي أتريدين قتلي ؟ كابوس... توقفوا... لم تلاحقوني... توقفوا عن مطاردتي... أرجوكم... ( تتحول إلى الضحك و الغنج) أريد أن أخلو بنفسي... آه...كلا... دعوني... (يصورون حركاتها و هي تتوقف مع كل ضربة فلاش) آه كلا توقفوا...

 الأول : الجمهور يا سيدتي .

دريـــا : أعلم أن الجمهور يسأل عني كثيراً... أنا من عائلة محافظة... (ضربة فلاش تتوقف/ ثم تتحرك) كذب... هذا كذب. اصمتي أنت كم أكرهك... آه طبعاً سأكمل... لفد ترعرعت في أحضان الفن (ضربة فلاش، توقف/ ثم حــــركة) أفتراء و كـذب... أنت مجرد قرويه... فلاحه...  ( تتوقف ثم تتحرك) أقرأ  سارتر و نيتشه وأحلق مع شوبان (ضربة فلاش) كانت تسحرك الدبكة والمزمار... ( تصرخ) اصمتي أنت... قلت لك اصمتي... آه يا سادة توقفوا عن متابعتي...أرجوكم يكفي هذا الآن... سنكمل غدا... أريد أن أرتاح... هيا خذ هذه الصور ( تتحرك لتأخذ أوضاعاً مختلفة ومثيرة) و هذه أيضاً... و هذه... ( تتوقف)كفى توقفي عن هذه الفضيحة أيتها العجوز  ( تتحرك/ تطارد نفسها)  سوف أقتلك... هيا خذ هذه الصور... و هذه أليست أجمل... سأقتلك من الغيرة و الحسد... هيا تعالوا أيها الشباب... خذوا توقيعي... مع حبي... مع اعتزازي... أحبائي... قبلاتي... جنوني... آه...كفى. ( تسقط على الأرض/ظلام تدريجي مع موسيقى الناي/ تفتح الإضاءة نجدها وحدها جالسة على السرير وكأنها أستيقظت للتو) كابوس... متى ينتهي هذا الكابوس... ألا أعبر الليل بدون هذا الكابوس... لقد كرهت النوم...كرهت الليل... آه يا ليل أنت عانس مثلي... لا تلد إلا الكوابيس... يا إلهي... أنا وبيدي مسدس، وأطلق الرصاص... و على من ؟  على نفسي ... كيف ذلك...أعلم أنني أكرهها...أكره صاحبة الصور هذه...متى أتخلص من هذا الكابوس... أأستطيع ؟ حتماً أستطيع ذلك عندما أتخلص من صاحبة الصورة هذه وأرتاح... ولكن كيف ؟ إنها ممثلة مشهورة... سيبكي عليها عشاقها ومعجبيها... وستكتب الصحافة...و ترتاح الممثلات الأخريات... ستحاك حول قضية موتها القصص و الأقاويل... (يدخل أثنان بهيئة صحفيين معاصرين)

الأول  : قتلت نفسها لأنها تحب ممثلاً شاباً يصغرها بعشرات السنين... وهو لا يشعر اتجاهها بأي شيء... لذلك انتحرت.

الثاني : كلا... إنها كانت تهلوس في آخر أيامها... وأصابتها نوبة من الكآبة الحادة والتقارير الطبية تشهد بذلك...حيث رفضت أن تمثل دور الأم العجوز المتصابية و قد أطلقت النار على نفسها... مسكينة !.

الأول  : كلا... كانت مخمورة جداً ودون أن تدري... قتلت (يضحك) نفسها... ها... ها... (ظلام)

دريـــا : لا... لا يمكن ذلك... توقفوا...أرجوكم... (يفتح الضوء نجدها تقف بمواجهة صورة كبيرة من صورها) سوف لن تهنئي حتى في موتك... وأنت تسمعين تلك الحكايات المشوهة عنك... سيلوثون تاريخ وجودك كله... ولسوف تموتين ألف مرة ومرة... بينما ديدان الصحف والفضوليون والطفيليون سينبشون أسرارك و حقائقك و يجتهدون فيها...

( تدخل مجموعة الصحفيين)

أحدهم : لقد أثرت عليها قراءَاتُها لسارتر.

أحدهم : أرادت تقليد مارلين مونرو.

أحدهم : إنها مجرد عجوز عانس مجنونة وعابثة .

دريـــا : كلا لا يمكن/... ولم لا ؟ تستحقين ذلك كله... فقد حرقت أيامك وشبابك من أجل أن تكوني نجمة مشهورة يشار إليها في كل مكان... تتلفت إليها العيون أينما ذهبت... لقد خسرت ما ربحته أي امرأة أخرى... ( تتغير الموسيقى و الإضاءة بينما تلتصق هي بالصورة وتأخذ نفس حركتها/ تتغير نبرتها .)

دريـــا : طبعاً تقولين هذا... تكرهينني... لأني أخرست صوتك منذ زمان...كنت تريدين أن أصبح أماً... زوجةً تقضي أيامها في المطبخ والرضاعة... كنت تريدين أن أدفن مواهبي وجمالي... آه لك... دائماً تستيقظين في المراحل الحرجة... والمواقف الصعبة... أتذكرين عندما كنت طالبة في المدرسة...

صوت المعلم : هيا دريا انهضي و اقرأي هذه القصيدة.

دريـــا : (وكأنها طالبة صغيرة) نهضت لكنك جلست... وافقت لكنك رفضت... لكني قرأت... ( تلقي قصيدة غزلية فاضحة/تصفيق) آه...شكراً... شكراً... يا لفرحتي... يا لسروري... لقد شعرت بهم يطيرون من الفرح إعجاباً بي... إلا أنت... لم تكفي عن تأنيبي... وتعكير فرحي... ورحت تلوميني على هذه الجرأة... آه وعندما مثلت أول دور لي على المسرح أتذكرين... أتذكرين ليلة الافتتاح حينما مثلت دور كورديليا في مسرحية الملك لير لشكسبير... لقد هتف لي الجميع... إنحنوا لي و قبلوني مئات القبل... احتفلوا بي احتفالاً عجيباً... وأقاموا لي حفلاً و شربوا نخبي تلك الليلة... نخب الممثلة الصاعدة الموهوبة... أما أنت فصنعت لي مأتماً ورحت تصرخين كالعجائز (جو حفل صاخب) يا للفضيحة... يا للخجل... أنت يا من كنت تخجلين من الأعراف والتقاليد كرهتني دوماً... ترددين علي كلماتك المثالية تلك... أنا أرفض الإ نصياع لك... أرفض أن أنصت إليك وآخذ بنصيحتك... أنت أيتها القروية الساذجة... ليلتها رحت تقولين... (يتوقف جو الحفل) يا للفضيحة... ستنشر صورك في الصحف... ماذا سيقول أهل القرية... سيظنون بك الظنون... يا للفضيحة... أهذه أخلاقنا...    ألا تخجلين آه كفي عن ذلك... إنهم ينهالون عليك بالقبل هؤلاء الوحوش... إنهم يتحسسون جسدك... كفى هذا ليس حفلاً... إنها فضيحة... كفي عن ذلك... (يعود جو الحفل) بل كفي أنت عن مضا يقتي... اتركيني... سأتخلص منك وإلى الأبد... سأغير اسمي...         

أحدهم : هذا أفضل... دريا اسم قروي.

أحدهم : سنسميك ندى... النجمة ندى....

أحدهم : بل القامة العسلية...

أحدهم : بل العشب الدافئ... ( تختلف الأصوات مع الضحكات والضجيج)

دريـــا : أغرقت نفسي في الحفلات والسفر... و الأمسيات... لكي أنسى... صرت أنا... و سأغير ملامحي... سأتخلص منك... صبغت شعري... سافرت أغرقت وكما ترين الممثلة النجمة المعروفة (يهدأ الضجيج/موسيقى ناي تعود إلى حالتها السابقة)

دريــا : أعترف بأني أول الأمر كنت  أطارد الصحافة... وأبرز بعضاً من تقاسيم جسدي في الصور... أعترف أن بعض ما يعلن على لساني في الصحف هو كلام بعض المثقفين من أصدقائي و ليس كلامي... إلا أنني كنت أمثل بصدق... وموهبتي اعترف بها الجميع...( تتحول إلى الحالة الثانية) لماذا... لماذا فعلت كل ذلك ؟ ( تنتقل إلى الحالة الأولى) طبعاً أنت لا تفهمين لأنك لا تريدين أن تفهمي... آه دريا أنك لا تقدرين ذلك... الجميع يفعلون مثلما فعلت... ( تنتقل إلى الحالة الثانية) منافقون كلهم منافقون ( تعود إلى حالة الممثلة) نعم منافقون ومنافقات لأنهم رغم مواهبهم الكسيحة  ينفقون على الدعوات والسهرات الكثير كي تظهر صورهم في الصحف أولكي يحصلوا على الأدوار... جميعهن  يذهبن إلى بيوت النقاد للحصول على إطراء في الصحف أوربما للحصول على الجوائز ... يراودن المخرجين لأجل الأدوار الرئيسية... لكني لم أفعل ذلك... صدقيني... وأنت تعلمين جيداً...لقد سحرني المسرح، طوقني بسحره و قد فتح حياتي... لقد أنتقمت منهم... منهم جميعاً...أولئك الصحفيون الذين كانوا يسترقون النظر إلى جسدي... جعلتهم ينتظروني أياماً وأياماً من أجل أن أدلي بكلمة لهم... وأولئك النقاد الذين كانوا يجبروني على سماع أحاديثهم السمجة وإبداء إعجابي بها، رفضتهم ورفضت ثلاث جوائز منحت لي من قبلهم في احتفالات عامة... ( ترفع صوتها بشكل خطابي) إن هؤلاء النقاد غير عادلين... و لايستحقون هذه المكانة في تقييم الفن... إنهم جهلاء وطفيليون...ولا يصلحون إلا كباعة للأسرار... ( تتوقف/تلتفت) ها... أسمعت... قلت ما قلته ولم إخف شيئاً...  وفعلت ما فعلته... صرت أحدد أوقات العمل حسب رغبتي... حتى نسيتك... سنوات وسنوات وسنوات... و لكن من أيقظك من جديد ؟ هيا تكلمي ما الذي جاء بك... ترفعين سلاحك في وجهي وتطلقين النار عليّ ألم أقتلك... ؟ ألم أدفنك ؟ لقد مسختك... محوت كل ملامحك...    وغيرت اسمك... فكيف أتيت الآن ؟ ( تصرخ) هيا تكلمي ما الذي جاء بك ؟ (صمت / عزف ناي منفرد /نتحول إلى مواجهة الصورة الأخرى)

دريـــا : لقد أتيت لأني شعرت بك يائسة و حزينة... يلفك الليل والوحشة... ذهب الجميع تركوك وحيدة... تأكلك الحسرة والوحدة و يعتصر قلبك الأسى...  والذكريات والأحلام والرغبات....

(موسيقى طفولة تتقدم من بعيد)

 

 

الحركة الثانية

 

دريـــا : (بفرح طفولي) أتذكرين أيام الدراسة في الجامعة... كم كان يحبك ذلك الفتى... وكم لقنك دروساً... ( تتحول إلى ممثلة مبتدئة تتلقى الدرس) نعم لقد فهمت كل شيء... توقف... آه لك إنك تشرح أفضل من الأستاذ نفسه... كلا لست بحاجة إلى التمرين... إنه وقت الاستراحة... أعلم أن المسرح فارغ الآن و باستطاعتنا أن نتمرن لكن أريد التحدث معك... آه لا... (كأنها مسحوبة) كان يدربني على التمثيل... و يشرح لي... و ينفعل إنفعاله المجنون... بل إنه ضربني مرة لأنني كنت أسهو دائماً... ( تؤدي مجموعة حركات و كأنها تخطأ و تتلقى الملاحظات) نعم... هكذا... حسنٌ...( تمثل) آه لا أخطأت ثانيه... سأبدأ من جديد...

(موسيقى)

صوت الشاب : مثلي بصدق... بمشاعرك... لا عليك بتعاليم أستاذ التمثيل... تحركي كيفما تشائين حسب مشاعرك... لا تتشنجي... لا تتصنعي... لا عليك بتعاليم ستنسلافسكي... فقد مات رحمه الله( تضحك) أطلقي صوتك بحرية.

دريـــا        : كان يشرح لي كل جديد في عالم الفن... كل ما قرأه أو سمعه... إلا أنه اختفى فجأة... ضعت بدونه... سألت عنه ولم أجده... أثيرت حوله شائعات... لم أصدق كل ما يقال... إنه مجرد شاب يحب المسرح ولا يصنع تلك المعجزات التي يصفونها... آه... عاد بعد فترة... عاد و آثار الرحلة سياط حفرت على ظهره... عاد ولكنه راح يدعوني إلى أشياء أخرى لم أفهمها

صوت الشاب : (يوزع منشور على الجمهور هونفس الحوار) تعالي إلى مسرح الحياة... مسرح الحقيقة... هناك حيث الشوارع و البيوت و الناس... تعالي نقيم مسرح التغيير... مسرح يغير مصائر الناس... مسرح يعيد الفرح إلى الوجوه العابسة... يروي الشفاه المتيبسة... إن أفضل ممثل هو الذي يحترق من أجل الإنسان... يشاركه آلامه وأفراحه... هيا اهجري هذا المسرح... فقد اكتشفت أن التاريخ مزبلة لا يدخلها إلا المرضى والأنانيون والمخالفون للمنطق... اللعنة على التاريخ الذي لا يذكر رجلاً يحتضر من أجل خبز أطفاله... مزبلة هو التاريخ  الذي لا يفخر بمن يقاتل من أجل شرفه حتى يقتل... التاريخ للديدان التي عاشت على آلام غيرها و شربت من دماء و أحزان غيرها... تعالي إلى مسرح يكون فيه التمثيل بواسطة الدم و الهواء والنار...مسرح إما أن نحترق فيه أو أن نحرق أعداء الحياة.... تعالي أدعوك أنت دريا... تعالي ( تصفق له بسذاجة / يصفعها)

دريـــا : ( تبكي) كنت أظنه يمثل دوراً جديداً ألفه هو فصفقت له... صفعني... و غادر.... كلا لا ترحل... لا تدعني كالغريق في بحر لا نهاية له... أنت من يحميني و ينير لي الطريق... كلا انتظر كنت غبية و لم أفهم حين اختفى.... بحثت عنه ثانيه... يوم... شهر... سنة... وأنا أسأل عنه حتى فوجئت أنهم يقولون ...

أحدهم : لقد قتل في حادث غامض... وجـــدوه ممزقاً تماماً !!

دريـا  : ( تبكي وتمثل دور الملكة من مسرحية هملت) آه هملت الذكريات تعتصر قلبي كفاك كلاماً... إنك تعكس نظري إلى داخلي فأجد بقعاً مصبوغة بالسواد لن تزول.

صوت الشاب : (بدور هملت)  وبودي أن أعتصر قلبك هذا ما أنويه إذا كان قلبك من مادة يمكن النفاذ إليها... ( تصفيق عارم من الكواليس / تنتبه إلى نفسها)

دريـا : أي تصنع و أي تمثيل و أي هراء... هذا ما كان يسحر الجمهور و يفلسفه النقاد والمخرجون.... كذب وهراء... دميه ملقّنة... طوال حياتك وأنت ترددين كلمات غيرك.... وتتحركين بمشيئة غيرك... فمتى تكونين أنت ومتى تقولين ما تريدينه أنت كما تشعرين وكما ترغبين أنت... لقد صدق (ألبير كامو) حين قال : "الممثلون أناس سذج و بسطاء كل ما يشغلهم أدوارهم وحسب           

(موسيقى /ظلام)

 

 

 

الحركة الثالثة

 

 

دريــا  : آه أيتها المسكينة ها أنت تعترفين بكل شيء... لكن لا... اللعنة عليك لقد حرمتني من كل أحلامي... أيتها المسكينة أنت لا تستحقين إلا الشفقة... ستظلين هكذا... الوحدة و الليل و خيالات الماضي....التصفيق... طوابير المعجبين... باقات الزهور...آه أيتها المسكينة حتى الماضي لا يوجد فيه إلا المخادعون...لقد هجرك الجميع... لم يشعر بك أحد يوماً ما... و أنت هجرتِ الجميع... القرية... الجيران...كانوا إذا مرضت يسهرون حولك... أتذكرين حين توفي أبوك... (صمت/موسيقى قروية/ تتحول إلى شخصية الممثلة) أذكر عندما قتل أبي

 

(ترتدي وشاحاً وتصلي بصمت، تدخل مجموعة من القرويين)

 

الأول  : دريا أين أبوك ؟

دريــا  : ذهب إلى الحقل منذ الفجر كعادته.

الأول  : ألم يقل شيئاً  ؟       

دريـا  : لا... فقد خرج كعادته و هو يستقبل الصباح بدعائه... و لكن لماذا تسأل...؟ هل حدث شيء...؟ تكلم... ما به أبي ؟ و لماذا تسألون عنه ؟ ألم تكونوا معه في الحقل...؟ ألم تجدوه هناك ؟

الثاني : بل وجدناه و لكن !

دريــا  : ولكن...؟ تكلم ولا تحطمني بصمتك... ماذا هناك؟

الثاني : و جدناه مقتولاً... ( تصرخ صرخة مكتومة)   يعض الأرض بأسنانه ويداه تقبضان على حفنة من التراب و الزرع...

دريــا : و لكن كيف ؟ أبي لا يموت... لِمَ يموت...؟ أبي فلاح فتيٌ وشريف...كل يوم يذهب إلى حقله... كلا الحقل لا يقتل فلاحه... أبي يسترد شبابه عندما يزرع... عندما يحصد... كيف... تكلموا... كيف قتل ؟

الأول   : لأنه رفض أن يبيع الأرض للشيخ.

دريـا   : الشيخ؟... الشيخ ؟

الثاني  : إياك أن تقولي شيئاً حراس الشيخ في كل مكان.

دريا   : أبي... أبي... (صدى صراخها يستمر / يختفي القرويون / تبقى وحدها تتحول إلى شخصية الممثلة) بقيت حزينة ووحيدة... أرتدي السواد، دموعي جفت وجفوني تشققت، وبعدها كرهت كل شيء... كل شيء... القرية... وأهلها... هواءها و ماءها... كل شيء كان يذكرني بدم أبي المهدور غدراً... الماء أصبح جمراً و بلون الدم... و الشمس صفراء من الحقد... سأرحل...

(يدخلون ثانية)

مجموعة القرويين : دريا... لا ترحلي... دريا أختاه... يا أختنا...

أحدهم : دريا... سنجمع نجوم الليل و نمسح بها دمعك... دريا سنمسح حزن الدنيا و نعيد إليك فرحك ... فرحنا...

أحدهم : سنغني... سنرقص...

أحدهم : تعالي يا أختنا... يا حبيبتنا... يا حمامتنا...

 

 

(موسيقى قروية / رقص فلكلوري)

 

الجميع :  دريا حزينة دريـــا      إذهـــب يا حبـيب دريـــا 

وماذا تريد دريــا ؟     و اصعد أســـوار القصر        فرحة تريد دريـــــا     واخطف مفــاتيح الخزانة           و الفرحة في الحقول    واحرق أوراق الشـــيخ          والحقول ملك الشيخ     حتى ندخــل الحقـــل...

والشيخ نـائم في قصره  ونغني مـــن جــديــد...

دريا سعيدة دريــــــا

دريا سعيدة دريــــــا

 

(ينسحبون تدريجياً)

 

دريــا  : وضحكت... ضحــــكت بكل براءة حتى تفتحت مسامات جلدي وروحي... و أشرقت حياتي من جديد...(صمت /تتحول إلى الشخصية الثانية) لكنك هجرت العش مثل الطير الغريب و رحلت إلى المدينة... و هاهي المدينة ماذا فعلت بك ؟ كل من هم حولك لا يشعرون باحتراق روحك... إنهم يلهثون وراء جسدك... تذكرينهم واحداً... واحداً.

الأول  : (يدخل بشكل كاريكاتوري يحمل كتاباً ضخماً و يرتدي نظارات) أنا جننت بك... حتى لم أعد أميز بين الليل و الصيف... السجائر عالية كالمداخن و عيونك نهر ينتحر... تعالي يا زهرة الحجر... تعالي نلوث جسدينا بدم الخطيئة الأبدية... إنه العشق المجوسي...

دريـــا : (بغنج) هكذا وبلا سقف أو جدار يحمينا ؟

الأول  : دعك من هذه الأخلاق الكلاسيكية... تعالي إلى حداثة العشق وسيميائية الجسد...

دريـــا : كذاب... منافق... شاذ

الأول  : قروية...ساذجة... سطحية  (يخرج)

الثاني : أحبك حب القرى، وليل شعرك الجمري

دريـــا : حسنٌ لنتزوج... سنلد بناتاً و بنيناً... سنصنع بيتاً بل جنة.

الثاني : كلا ستفسدين حياتك بالزواج... أنت نجمة  لا تشغلي نفسك بشيءٍ اسمه الزواج و البيت... دعي الحب عصفوراً حراً في البراري...

دريـــا : لكني أريد الـ...

الثاني : آه أنت غريبة الأطوار هذا اليوم... وداعاً عندي موعد آخر... (ينسحب)

دريـــا : تركوك وحيدة... بلا بيت... بلا أطفال... هيا داعبي تلك الدمى و سميها ما شئت من الأسماء... وتحدثي معها حديث الأحجار الخرساء...

 

(موسيقى / ظلام)

 

 

الحركة الرابعة

 

 ( تطارد نفسها بالسوط)

 

دريـــا : توقفي... كفي عن هذه السياط التي تجلديني بها... كنت أحلم أن أدخل تاريخ المدينة... لم أكن أحتمل فكرة أن أبقى متزوجة كأي امرأة أخرى... أردت أن أفعل شيئاً حقيقياً... هل هذه  جريمة.؟ ما ذنبي أنا إذا كانوا هم المجرمون... لا ينظرون إلى الممثلة إلا كنجمة جسد وصوت... هم المجرمون ولست أنا... لم يشأ أحدهم أن يجعلني أماً لأبنائه... (صمت /تتحول) أنت المخطئة... ماذا كنت تتوقعين  أن يصنع منك مسرح السخف والبذاءة هذا ... هل يصنع  مسرح الزيف هذا نساء كتلك النساء المقا تلات... النساء الرجال... الأمهات... المجاهدات... الصبورات... أتذكرين تلك الأم التي قاتلت خلف جثة ابنها حتى فاضت روحها ... ( تتحول) كنت أريد أن أكون شيئاً مهماً... لكن المسرح لا يصنع إلا النساء الجميلات... نساء يصلحن للفرجة والتصفيق... ولصور الإعلانات...لا يصنع نساء يدخلن تاريخ الناس ومصائرهم.. ( تهدأ/ترجع إلى السرير / تلتف بالشرشف)

دريـــا : لقد سئمت... ضاعت كل كنوز جمالك... ضاعت كل الأمنيات... و الأمجاد... رمال جرفتها الأمطار... سحقت آثارك الأقدام... ضاع كل شيء... لم يتبق منك إلا فزاعة لا تفزع إلا الناس من حولها... آه دريـــا... أنت بحيرة حقاً و لكن بحيرة جف ماؤها... تبخرتِ... ولم يبقَ منك إلا حوض ترسبت فيه الأنقاض و النفايات و الأملاح...و الأسماك الميته... هرب الجميع من حولك... ومواهبك ذبل ضوؤها... جمالك ولى مثلما ولى المعجبون... وحتى  (فرهاد) آه...لكن... لا... ( تتصاعد الموسيقى/تنهض مسرعة) لا... بقي الكثير لي... موهبتي... و فرهاد... ( تربط على رأسها ربطة الأمهات و تحدث الطفل) فرهاد... ابني... قمري... جنتي... و فرحة أيامي كلها... وكل ما تبقى من أفراحي و أحزاني... أنت كل أمل      تبقى من أمومتي...آه فرهاد لماذا تبكي... ماذا تقول...؟ صحيح ما تقوله صحيح...وما يقوله الأطفال أصدقاؤك صحيح... أنا لم ألدك... ولكني أحبك أكثر من أي مخلوق آخر... ( تبكي)    أنت روحي ... ماذا يقولون ؟ اللعنة عليهم...جئت بك من المأوى... وماذا يعني ذلك؟ كلنا أيتام في هذا العالم الموحش... ليست الأم من تلد... الأم هي التي تسهر و تربي وتحب وتضحي... وتمنح عمرها... وها إني أمنحك عمري زهرة نرجس بين يديك فماذا تريد أكثر؟ ماذا؟ أصدقائي... أعلم أنك تكرههم... أعلم أنهم يشغلوني عنك... و لكنه عملي... ماذا أفعل... هم أشباح مجردة... أشباح و ظلال... أنت حبيبي الوحيد... أنت الرجل الوحيد في حياتي... أعلم أنك تضجر منهم عندما يجلسون بقربي و يبعدونك عني... ماذا أصنع هذا هو عملي... كيف سنعيش بدون هذا العمل...آه توقف عن البكاء... أرجوك... إنك لا تبكي وإنما تقطع نياط قلبي... أعلم في المرة الماضية طردك هذا المخرج لدخولك علي على خشبة المسرح... اللعنة عليه... ولكنه عملي... سوف أخبرهم ألا يفعلوا ذلك مرة ثانية... إلى أين تذهب... ها إني أعتذر لك و أقبلك... توقف عن البكاء... لا تعذبني أكثر... (جو حفل ليلي / مجموعة من المدعوين/ كؤوس / سجائر ودخان)

الأول  : إن هذا الطفل مزعج للغاية.

الثاني : دائماً يبكي .

الثالث : دريا هل سنقضي الليلة مع بكائه.

الأول  :  تعالي لنرقص سيصمت حين تتركيه.

الثاني : إنه مزعج و هستيري.

الثالث : ماذا تفعلين به... لماذا لا تطردينه.

الأول  :  إنه مريض... نعم و معقد يتصرف كالحمقى .

الثاني : إنه ينظر إلينا بحقد انظروا...

دريـــا : كلا إنه يغار علي منكم.

الثالث : أخشى عليك من هذا الطفل... أرسليه مرة أخرى إلى المأوى .

دريـــا : أرجوكم... ماذا تقولون... توقفوا عن هذا الكلام... يا للهراء... يا للسخف... إنه مجرد طفل يحبني كأم له ويريدني له وحده... آه فرهاد...فرهاد ؟  فرهاد...؟ ( تبحث عنه بشكل طفولي) فرهاد أين ذهبت... فرهاد... ( تصرخ) أين أنت يا طفلي... الباب مفتوح... لقد خرج... أيها السفلة لقد فهم كلماتكم فهرب...هرب... كلا... أيها الوحوش... طفلي... فرهاد...حبيبي... فرهاد... أين أنت...لم لاتأتِ... كل الفصول جاءت ولم تأتِ أنت... جاء الربيع... جاء الخريف... كنتُ أنتظرك مع تفجر الينابيع... لماذا لم تأتِ مع خطوات القوافل... مع نجمة الصباح لِمَ لم تأت...؟ مع نسيم الجبل ، مع صوت البلابل ، مع هطول الثلج لِمَ لم تأتِ... جاء الخريف... وتساقطت الأوراق... جاءت طيور السنونو و الحجل حطت على المدينة ... الغريب حن و عاد إلى موطنه... الغيوم المسافرة حنت وعادت... فلم لا تحن وتأتِ... عيوني تنتظر مع الشوارع و ظلمة الحارات... أنادي عليك... تعال... تعال... فلم لا تأتِ...

 

 (موسيقى / صمت طويل/ تتحول إلى الشخصية الثانية)

 

دريــا  : ضاع منك /... كلا... لن يضيع... هو كل فرحي... هو روحي التي تمشي على أقدام /... لقد ضاع منك و لن يعود... أصبح مجرد ذكرى كلا إنه ليس ذكرى.../ سيعود... سأهجر المسرح... سأسهر عليه... لن يجد من يحبه مثلي...        أنا أمه... سيتعب... سيجوع... سيندم و يعود... سيذكر حبي له... ليس له غيري... ليس لي غيره... فر... ها.... د....

 

 

 

 ( تنهار / صمت)

 

 

 

 الحركة الخامسة:

 

( تتحول إلى الشخصية الثانية)

 

دريـــا : هل عرفت الآن كم أكرهك... أكره أحلامك... أكره فشلك... وذكرياتك... و مواهبك و تاريخك كله و سأظل كابوس حياتك وسأقتلك في النهاية... سأقتل كل من حطم دريا... من قتل أبي... من شوهني... سأنتقم ممن قتلوا صديقي... من قتلوا نداء الدعوة إلى مسرح الحقيقة... و من مزقوه... سأنتقم من المدينة التي سلبتني براءتي... و ممن حرموني أمومتي... و ممن جعلوني صورة للفرجة واللذة العابرة... سأنتقم... ( تتوقف) و لكن أنت لا تملكين سلاحاً إلا المسرح... و المسرح سلاح أعزل. ( تتحول إلى االشخصية الثانية) ولم لا ؟ سيكون المسرح هو سلاحي... سأمثل المسرحية التي أريد... و الدور الذي أحلم به منذ سنين... سأقف وأمثل وسط الناس بعيداً عن القاعات و الأضواء  والمكياج و المخرجين و النقاد...سأمثل أخر أدواري و أنبلها (إلى الفنيين في المســــــرح)

 

 

دريـــا :رجا ءً افتحوا الأبواب...افتحوا الإضاءة على آخرها... أوقفوا الموسيقى... دعونا من هذا الوهم كله... سأمثل... لا سأقول لكم الحقيقة... في دور جان دارك التي تسكن روحي... سأكون هي...

 

 ( ترتدي حجاباً  و تحمل سيفاً و كتاباً مقدساً و الممثلين الآخرين يوزعون الحوار الأخير مكتوباً على الورق و يطلبون من المشاهد ترديد الحوار معها)

 

دريــا : لقد أيقظني الرب من سباتي... أعطاني سيفاً وكتاباً... و قال اخرجي إلى المدينة  وطهريها من الأوثان و الوحوش الآدمية... حاربي بقسوة... واجعلي الدم يسيل ملء الأرض... لابد من تدمير المدينة التي كفرت بكل شيء... إنهم مجرمون... فاقتليهم دون رحمة... لابد أن  يكونوا قرباناً لولادة الإنسان النور... اذهبي و قولي لهم... إن الرب أرسلني لخلاصكم من أنفسكم و أبشركم بولادة الإنسان النور...        ( تكرر و تخرج من القاعة مع حشد الممثلين و مع من يشارك من الجمهور في هذه التظاهرة.../عد التصفيق تعود)

دريــا : لكن هل تغير شيء... و ماذا فعلنا... سوى أننا مثلنا... صفقنا... وبعدها سندلي بآراءنا حو ل العرض و سندلي بإعجابنا أو باستياءنا من المسرحية... و لا شيء... إنه المسرح الذي    لا يتغير... إلا أنني أقول لدريا التي تجلس بينكم أن تعود إلى بيتها  وتفكر قبل أن تكون ضحية جديدة...علينا جميعاً أن نفكر من جديد...

تــــمـــــت

 

بغـــداد

1989

 قدم هذا النص تحت عنوان (دريا) في مهرجان المسرح التجريبي من تمثيل  إخراج الفنانة ميديا رؤوف / دريا اسم مؤنث ويعني بحيرة .

 

 

عودة الى الرئيسية

الحياة تبدأ غداً

دير الملاك

كتابة السيرة على الماء

ماكتبته الصحافة

تحت الطبع

نصوص خشنة

مواقع

الطقس المسرحي

الآن

مفتتح