الحياة تبدأ غدا

الكتاب الاول طبع في دمشق 1996

دار رام

   دائماً وأبداً

 

qإلى سعد الله ونوس

"نعم" إننا محكمون بالأمل  ومايحدث

لـن يكون نهاية التــــاريخ ..... حتماً"q

 

مقترح لفضاء العرض

  qعتمة حالكة تتوسطها طاولة بيضوية وضع عليها شمعدان وكرة أرضية وشطرنج / الطاولة مغطاة بشرشف أحمر/ علق فوقها تماماً مصباح دائري / يتوزع حول الطاولة رجال في وضعيات مختلفة وباهتمات مختلفة / موسيقى رتيبة ترافق العرض وبتكرار ممل / مع مضي كل لوحة تكون أعمار الشخصيات قد تقدمت سنوات  q

 

مفتتـــــح:   (في العتمة تسمع أصواتهم فقط)

الجميع  : ستة يجلسون في الظلمة... ستة بكاءات... ستة أحزان... ست وستون ليلة يجلس الستة في الظلمة... إلهي ابعث ملائكتك الستين ألفاً وافتح باب العتمة... ست مرات ستخرج العتمة إلى النور... ست مرات تبارك اسمك... آمين.

(صوت طلق ناري /تفتح الإضاءة/الخمسة  يتوزعون حول الطاولة كل يغني بطريقته)

الخمسة : خمسة يجلسون في الظلمة... خمسة بكاءات... خمسة أحزان... خمس وخمسون ليلة يجلس الخمسة في الظلمة... إلهي ابعث ملائكتك الخمسين ألفاً... وافتح باب العتمة خمس مرات ستخرج العتمة إلى النور... خمس مرات تبارك اسمك... آمين .

الخامس : (وهو متكور) إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء... وأنت المستعان وإليك المشتكى

الثاني   : (يقرأ في الصحيفة) نسبة الطلاق ترتفع في براغ والخيانات الزوجية كذلك ، آه مانديلا يختلف مع زوجته... اغتيال... يقول الأطباء إن متابعة الأخبار تصيب المرء بالجلطة... لكني لم أصب بعد!؟

الثالث   : هل تحاول تقليد أناند ؟

الرابع   : وهل تعتقد نفسك كاسباروف ؟

الثالث   : سأبطش بك هذه المرة .

الرابع   : هيا أنا بانتظارك... وهل تعتقد بأنني سأصرخ طلباً للرحمة ؟؟ هيا ابطش... كم أتلذذ بالهزيمة.

الثالث   : إذن لن أهزمك... سأخسر الدست لك .

الرابع   : ولماذا ؟

الثالث   : لأحرمك من نعمة التلذذ بالهزيمة... سأجعلك تتعذب بالفوز علي.

الأول    : (لنفسه) يا له من فراغ بلا نهاية... لقد ماتت الشمس... والأرض لم تعد تقبل الموتى تحتها. و لم يكن أحد يعلم أن اسم تلك الحمامة التي فـرت من القلوب... هي الإيمان.

 

(صمت/ يعاودون الغناء بشكل رتيب و غير منتظم)

 

الخمسة : خمسة يجلسون في الظلمة... خمسة بكاءات... خمسة أحزان... إلهي ابعث...

 (تتصاعد الموسيقى)

 

الحركة الأولى

 

(يطرأ تغيير على وضعياتهم و تغيير في العمر والملابس)

الثاني   : وأخيراً ؟

الثالث   : ماذا تريد ؟

الثاني   : كفا عن اللعب دعونا نبحث عن حل .

الأول    : اترك الصحيفة أنت الآخر.

الرابع   : هيا اقتلني.

الثالث   : أقتلك ؟

الرابع   : اقتل ملكي و خلصني ؟

الثالث   : لن أفعل .

الرابع   : سادي... مصاص دماء .

الثالث   : طيب... طيب و هذا كش مات .

الرابع   : هيه... ياإلهي لقد خسرت... خسرت أخيراً.

الثالث   : أرأيتم...إن فـزت عليه لن أنجو من لسانه وإن خسرت فالويل لي... ماذا أفعل له ؟

الأول    : كف عن اللعب معه... دائما تشكو منه و تعود للعب معه.

الثالث   : لأنكم لا تريدون اللعب معي.

الثاني   : ستدفن حياتك في الشطرنج .

الأول    : وقبرك سيكون حفرة شطرنجية سوداء و بيضاء... ستنام نومة شطرنجية وإلى الأبد.

(ضحك)

الخامس : وأخيراً (صمت) ماالحل ؟

الثاني   : نعم ماالحل ؟

الأول    : اذهبا أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون

 (ضحك)

الخامس : أتسخر ؟

الأول    : لا أسخر... أنا شخصيا لا أملك خططاً مسبقة وأنتم تعلمون ذلك جيداً... خططوا أنتم وسأفعل ماتريدون... السفر أوالبقاء... قلتها لك ألف مرة لاأستطيع التفكير بأي شيء... افعلوا ما تريدون وسأتبعكم.

الخامس : دائما تتهرب لايشغلك شيء سوى الشعر.

الأول    : نعم الشعر قلعتي المنيعة.

الخامس : قلعة من هباء.

الأول    : كليني لهم ياأميمة ناصبِ... وليل أقاسيه بطىء الكواكب... فكروا أنتم بالأمر واتركوني بسلام .

(ينسحب جانباً)

الرابع   : دعوه... هيا هاتوا الكرة الأرضية... أبعدوا رقعة الشطرنج رجاءً... هيا الكوكب الأرضي أمامكم... البلاد الحارة والباردة... الشرق والغرب... الفقر والغنى... كل شيء بين أيديكم أيها الرجال فأشيروا إلى أي اتجاه تريدون ؟؟

 (يحدقون بالكرة الأرضية ويستمرون بالحديث بينما تنتقل الإضاءة إلى الأول لوحده)

الأول    : (لوحده) دائما كنت أمضي هناك و أشعر أني هنا... ربما حين أبقى هنا سوف أشعر أني هناك... مفزع أن تكون هنا... مفزع أن تكون هناك.                

( قطع يتحول الضوء نحوهم)

الخامس : هنا بالتحديد سوف تنتهي كل آلامنا.

الثالث   :هذا بالنسبة لك أما بالنسبة لي فهو قبر... لا توجد أي متعة هناك... في هذه البلاد لا يوجد شيء سوى التنزه في الحدائق، تصور ذلك ؟

الرابع   : و لكني سمعت أن الحصول على عمل هناك أمر هين... هم يدفعون أجوراً جيدة .

الثاني   : نعم هذا صحيح قرأت في إحدى الصحف أنهم يحترمون الكفاءات ولكن الرقابة مشددة هناك والويل لمن يقع في الخطيئة.

الرابع   : نستطيع التملص من ذلك.

الثالث   : وكم مرة سننجح ؟ سيكشف أمرنا في النهاية.

الثاني   : إنها بلاد معقمة تماماً... تستحق الذهاب إليها... بلاد الأسرار السحرية العجيبة، كم أود الذهاب إليها.

الخامس : و لا تنسوا الطهر الروحي ياإخوان... كلنا بحاجة إلى ذلك... نعم أنا بحاجة إلى ذلك ومادام العمل متوفر هناك فأنا موافق... ولكن هناك مشكلة وحيدة.

الخامس : النساء ؟

الثاني   : توجد طريقة لحل هذه المشكلة وبطريقة شرعية.

الخامس : ياالله... أنت الله... أي والله.           ( قطع)

الأول    : عندما تحطم حياتك في أية زاوية من العالم فكأنما حطمتها في كل مكان... نعم أنا أحرقت حياتي هناك... ماذا أفعل؟ لا أستطيع مواجهة قبح النهار فهربت إلى حياة الليل... حين ينام الناس أستيقظ لأتنفس الشعر قبل أن تفسده صحوة الناس... لذلك طردت من مقاعد الدراسة... فتلقاني الجيش... آه وكانت الحرب... فهل أستطيع بكل فوضاي أن أنتظم مثل عقارب الساعة... هربت إلى هناك عدت إلى نوم النهار وسهر الليل... مسخت تماماً... الحياة هناك معقمة إلى حد الكمال... هرمت روحي فعاودت الهرب من الجنان ثانية... آه كم تعذبت من الهروب و لكني لن أعود... لاأستطيع أن أنسجم مع كل ذلك الكمال بأخطائي هذه .

( قطع تتحول الإضاءة / يتجمعون حول الكرة الأرضية)

الثاني   : ولم لا نذهب إلى هنا؟ هنا البحر والجبل ممتزجان معاً؟

الثالث   : و الغلاء... والحرب ؟

الرابع   : نعم إنها مدينة ممزوجة من نار وتراب... مدينة حقيقية... هناك كل شيء متوفر... المال... العمل... النساء... وكل ما تريد.

الخامس : ولكن هناك مشكلة الوثائق... الإقامة مستحيلة هناك وماإن يلقى القبض عليك حتى تشبع ضرباً وبعدها ترمى خلف الحدود.

الرابع   : نستطيع التهرب... المئات أمثالنا يفعلون ذلك .

الثاني   : صحفهم تطالب بطرد الغرباء... ولكن حسب معلوماتي هناك الآلاف أمثالنا يعيشون بعيداً عن الرقابة.

الثالث   : ولكننا نريد أن نحيا بلا خوف... هل نهرب من جحيم لآخر ؟

( قطع)

الأول    : وصلت إلى هنا... استُقبلتُ كملاكٍ هبط الساعة من السماء... عملت معهم... ولكن بعد أيام قليلة بدأت حرب الوظيفة... لاأستطيع التهافت مثلهم... ولا أقبل التقهقر فلي مواهبي أيضا... صرت مكشوفاً للجميع... هربت من العمل ومنهم... ولكن الجوع والعزلة خنقاني... فعدت كتلميذ ضل طريق المدرسة... أعترف... أخطأت بحق الجميع والجميع أخطأ بحقي أيضا... نحن كائنات هشة في زريبة الوجود... كائنات قابلة للكسر بسهولة!                                                                                                                      

( قطع)

الرابع   : طيب و لم لا نذهب إلى هناك ؟

الثالث   : نِعم الحل هناك الإقامة والمال والعمل والسكن وبعد ذلك افعل ما تريد.

الثاني   : حينها نستطيع التفرغ لأحلامنا.

الرابع   : هناك لن تكون لدينا أية مشكلة .

االثالث  : الحرية... جواز السفر... الوثائق... ياإلهي .

الأول    : (يسعل بقوة)

الخامس : ولكن لا تنسوا العزلة والاحتقار... والأمراض... أمراض الحرية هناك يعتبروننا مجرد طفيليات تمتص دماءهم... إنهم يحتقروننا أقذرهم لن يقبل بمصافحتنا... أما المشاريع والأحلام فستموت هناك... لن يحفل بنا أحد ولن يصغي لنا أحد... لأننا لانعني أحداً سوى أنفسنا... سنذهب نحن وأحلامنا في النهاية إلى المصحة.

الثالث   : المهم أن ننتهي من هذا العذاب... كل يوم تزداد ديوني... أصبحت في الأربعين ومع ذلك لا أستطيع الزواج... ماذا أفعل هنا ؟

الخامس : اقتصد... أترك الأشياء الأخرى.

الثالث   : وهل أصبح تمثالاً... أنا إنسان هل تفهم... أنا هكذا و أريد أن أعيش هكذا.

الأول    : وهكذا تبقى الحلول فردية... الخلاص مسألة فردية.

الخامس : اصمت أنت... ألم تنسحب ؟

الأول    : آسف جداً جداً... ولكن عندما تتوصلون إلى حل أخبروني .

الثالث   : اسمعوا نسيتم أمراً هاماً... إن الذهاب إلى هناك يكلف مبالغ كبيرة .

الثاني   : نسافر الواحد تلو الآخر... نجمع المال لأحدنا وعندما يصل يرسل للآخر وهكذا...

الرابع   : نعم فكرة هائلة... وأنا أؤكد لكم بأني وفي حال وصولي مباشرة سأعمل على جمع المال من الأصدقاء هناك لأسفر اثنين منكم بعدي... وأقسم...

الخامس : هذا يعني أنك اخترت نفسك  ككككككالالتنلاافلغلابلالالرابقفلالراتللاتنلنعافثقثيقيفاغلبغكأول مسافر؟

الرابع   : أنا أستطيع تدبير الأمور بشكل جيد ، لدي مشاريع تستوعبكم جميعاً... دعوني أذهب لأمهد الأمر لكم.

الثاني   : ولم لا أكون أنا الأول ؟

(يتشابكون)

الثالث   : كفى... اسمعوا قبل الخوض في هذا الحديث أنا لن أتبرع بقرش واحد لأن ديوني وصلت إلى السماء.

الخامس : وأنا كذلك.

الأول    : وأنا لدي مشروع خاص يحتاج إلى المال .

(صمت طويل)

الرابع   : وإذن ؟

الأول    : البقاء هو الأفضل .

الرابع   : البقاء في هذا الجحيم ؟

الثاني   : ومشاكل الوظيفة التي لا تنتهي .

الثالث   : وديون آخر الشهر ؟

الرابع   : والخوف من الطوارىء...إننا في مهب الريح.

الأول    : لن يحدث أي شيء... لدينا وظيفة وأصدقاء... وبقليل من التدبير نستطيع أن نرتب كل     شيء (يسعل).

الرابع   : أنت تقول هذا لأنك رتبت وضعك مع الإدارة .

الأول    : (يسعل) لن أسمح لك بقول هذا... آه... الهواء... الهواء...إنني أختنق أنجدوني... إني أموت (يسقط على الطاولة كالميت).

الرابع   : مازال يبحث عن أب له... صبي... وجد في المدير أباه .

الثاني   : هل انتبهتم بدأ يثير المشاكل ضدي... إنه يشكل ثنائياً مع المدير .

الرابع   : المدير... إنه يخدعه... يستخدمه وحسب .

الثالث   : يريد أن يظهر أمام المدير بمظهر الحريص... منافق .

الخامس : إنه شاعر و للشاعر أوهامه فارحموه .

الرابع   : مغرور... أتعلمون لم هرب من هناك وجاء إلى هنا؟

الخامس : لماذا ؟

الرابع   : لأنه اعتدى على إحدى زميلاته. 

الخامس : لا حول و لا قوة إلا بالله... حقاً ؟

(صمت ثم يبدأ الأول بالاستيقاظ من الغيبوبة)

الأول    : هل وصلتم إلى نتيجة ؟تكلموا.

الخامس : انس الأمر.

(صمت)

(يكررون الأغنية برتابة /تتعالى الموسيقى تخفت الإضاءة)

 

 

الحركة الثانية

 

(يبدو أن سنتين قد مرت... تغيير في هيئتهم و جلستهم و ملابسهم)

 

الخامس : ماذا تفعل... تكتب قصيدة جديدة ؟ بدون الشعرلا تكتمل انسانيتك ؟

الأول    : أنا لاأتكامل الا بالشعر... و هل هذه خطيئة ؟

الخامس : ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.

الأول    : احذر أن تستدرجني... أنا لاأكتب قصيدة أكتب رسالة... رسالة هل فهمت ؟

الثالث   : رسالة... امرأة جديدة ؟

الأول    : (يصمت).

الرابع   : أنت أكثر واحد فينا إهمالاً للرسائل... حتى أن أصدقاءك يشتكون من إهمالك لرسائلهم؟

الأول    : وماذا أكتب لهم... ماذا أقول ؟

الرابع   : اطلب المساعدة منهم.

الأول    : النقود... لا تفكر إلا بالنقود... وماذا أصنع بها؟

الرابع   : تسافر... تطبع مجموعاتك الشعرية... ترتب وضعك... تتزوج... تساعدنا نحن أصدقاؤك.

الأول    : أنا سعيد بهذه الفوضى.

الرابع   : ولكنك لا تملك أي شيء.

الثالث   : قل لي... هل توجد امرأة جديدة ؟

الأول    : حب حقيقي .

الثاني   : وإذن ستهجر عاهراتك الصغيرات ؟

الأول    : على كل حال هن أفضل من عاهراتك... فأنا لا أنفق قرشاً واحداً عليهن... أما أنت فتبذر كل ما لديك على نساء المقاهي.

الثاني   : الجمال هو هدفي... ودون ذلك يهون كل شيء.

الخامس : لذلك خسرت كل شيء من أجل النساء. وقريباً ستخسر وظيفتك.

الثاني   : أنت تفعل كل شيء مثلنا تماماً ولكن بسرية .

الخامس : تقصد بشرعية... أنا لا أخاف أحد سوى الله... وإذا بليتم فاستتروا.

الثاني   : بلا نقود وبلا مطاردات يحصل أخونا على ما يريد.

الرابع   : صحيح. ولم لا تشركنا في مشاريعك الشرعية هذه؟

الخامس : لديك شريكك إذهب إليه... تعرفان كيف تحلان مشاكلكما النسوية.

الأول    : ليس هذا وحسب بل إنه يسطو على صاحبنا أيضاً (يشير إلى الثالث) يشاركه في صديقاته.                      (يضحكون)

الرابع   : المهم أنني لا أضيع وقتي ولا جهدي ولا نقودي.

الخامس : تتصيد فضلات غيرك ؟

الرابع   : المتعة هي هدفي في النهاية.

الخامس : القضية قضية ذوق وأخلاق... هل تفضل الأكل في صحن غيرك ؟

الأول    : إنه ولع بارتداء ثياب الآخرين.

الرابع   : ولاسيما الجميلة.

الخامس : هيه أنت (إلى الثالث) اعترف كم امرأة زففت إليه؟

الثالث   : ابتعد عني أرجوك... أنا لم أتدخل في حديثكما.

 (ينسحب)

الرابع   : لقد جرحته... لم فعلت ذلك ؟

الخامس : ولكنها الحقيقة... إنه يستغفله... يستغل عدم امتلاكه لسكن ليشاركه في صديقاته .

الثاني   : ولكن الحقيقة لا تقال هكذا عارية و قاتلة.

الرابع   : إنك عدائي للغاية.

الخامس :طبعاً تدافعون و تبررون لأنكم تستغلونه جميعاً.

( قطع إلى الثالث /جانباً لوحده)

الثالث   : لا أستطيع أن أخرج من جلد حيائي... إنه الخجل مسمار حياتي... أصمت دائما على جمر طعنات الأخرين حتى وإن كان الحق معي لأنني لا أريد أن أحرجهم... أو أخدش كبريائهم... دائما أتخلى لهم عن مقعدي ليرتاحوا عليه بينما أبقى واقفاً أهتز من الألم دون أن يشعر بي أحد منهم . أحاول إسعاد الجميع... وأخشى وقاحتهم و كأني مذنب مع أني لم أخطأ بحق أي منهم، يخدعونني بالمديح الزائف... أعلم أنهم يستغفلونني ولكني أحاول إسعادهم، أريد أن اصرخ بهم و لكن هناك عطب في الداخل يمنعني... لقد عطبت في البيت قبل أن أخرج إلى العالم... استولى الاخوة الكبار على كل خصوصياتي فصرت نهبا مباحاً وللأبد...           

( قطع)

الرابع   : أعترف بأني سرقت صديقاته... وأجبرته عدة مرات أن يهبني ملابسه الجديدة .

الأول    : لديه حياء كبير... له قلب مترع بالدموع... ولكنه صبي وساذج كبير .

الثاني   : نعم إنه يقدم نفسه قـرباناً... يتبرع بنفسه للاستثمار مجاناً.

الخامس : قلت له ذلك ألف مرة ولكنه لا يتوقف عن ذلك .

الرابع   : لأنه لا يستطيع الابتعاد عنا... لا يستطيع البقاء وحيداً.

( قطع)

الثالث   : دخلت الأربعين... ولا أعرف حتىالآن ماذا أريد... أحياناً أتبع الآخرين في أحلامهم وسريعاً ماأكتشف أن ذلك الأمر لايعنيني... كل من مشيت على مائهم خدعوا قاربي... أنا مجرد وهم... طفل كبير... أملُّ الأشياء بسرعة... الأشياء التي أرهقت نفسي بالبحث عنها... الآن هنا... استطعت أن أكتشف الحرية بعيداً عن البيت ولكن ماذا فعلت بكل هذه الحرية؟ لاشيء لأنني لاأعرف إلى أين أتجه ولاأعرف ماذا أريد بالضبط .                                ( قطع)

الثاني   : ولكن لاتنسوا إنه أكبر منا جميعاً... ومع ذلك يبحث عن أخوه الأكبر فينا... يشتري من يقمعه ويخطط له حياته وينهبه.

الأول    : إنه يحاول تقليدي حتى في الشعر... لقد سئمته.

الرابع   : والأنكى من ذلك كله إنه يتفق معك على شيء وما أن يلتقي بآخر غيرك حتى يغير رأيه .

الأول    : إنه عديم اللون والطعم والرائحة.

الثاني   : ممل ولايصلح إلا للاستغلال وجميعنا فعل ذلك الشيء معه... والظروف تسمح بذلك أنت طردته من السكن معك ألاتذكر؟ في الوقت الذي كان فيه بأمس الحاجة إلى مساعدة وما إن حصل على النقود حتى استدرجته إلى بيتك ثانية.

الرابع   : بابتسامة صغيرة .

الخامس : أنا الوحيد من كاشفه في هذا الأمر... لقد نصحته دائما ولم أستغله قيد أٌنملة.

الرابع   : والنتيجة... لقد حقد عليك لأنك قلت له وبصراحة (يقلده) إنك ساذج وضعيف ومُستَغَل... هو يعرف ذلك و يريد الهروب منه... يحاول نسيان ذلك وأنت... أنت تقول للمريض بالسرطان أنت مريض بالسرطان و قربياً ستموت... تقول للبنت القبيحة أنت قبيحة  ولكنك طيبة... ماذا تتوقع أن يفعل لك؟ بالتأكيد سيحقد عليك.

الخامس : ولذلك ربحتم جميعاً...أكلتموه حياً وخرجت أنا من الوليمة محقوداً علي .

( قطع)

الثالث   : أقاد دائما... وأنجرف... ولكن إلى الكارثة... أخسر ويربحون... أبني و يسرقون بنائي... هربت... وكدت أجن من العزلة... فعدت إليهم مستسلماً لينهشوني... لقد كفرت بكل شيء... وتركت نفسي أنجرف مع التيار... مالحياة إن هي إلا أيام تمر وسأعيشها كيفما اتفق... ولكن علي أن أفعل شيئاً... من يعينني على إعادة تأثيث حياتي؟ حياتي الباقية هل ستضيع أيضاً.

الرابع   : تعال... عد إلى هنا إنه لم يكن يقصد.

الثاني   : هيا غداً سيتغير كل شيء... عندما يرسل لك أخوك المال ستسافر وينتهي كل شيء

الرابع   : هل سيرسل لك المال هل وعدك ؟

الثالث   : نعم.

الرابع   : إذن لماذا لم تخبرني بالأمس ؟

الثالث   : حدث هذا منذ يومين فقط.

الرابع   : آه تذكرت، تعرفت على فتاة جديدة يمكنك أن تأتي معي... سأعرفك عليها.

الثاني   : ها... ها...

الخامس : بدأ يحفر القواعد الأولى .

الرابع   : أوغاد... أوغاد.

الثالث   : رجاء إذا أردتم الاستمرار سأنسحب .

الأول    : لا سنغير الموضوع.

الثالث   : من يلعب معي الآن ؟

الرابع   : أنا... أنا مستعد.

الأول    : كلا الآن جاء دوري... أنت تلعب معه منذ أسبوع.

الرابع   : آه... بخصوص النقود... والسفر... أعني أخوه...

الثالث   : (يصرخ) كفى.

(صمت / تخفت الإضاءة / تتعالى الموسيقى / يرددون الأغنية ذاتها و بشكل رتيب)

 

 

الحركة الثالثة

 

(مع اتساع مساحة الضوء نكتشف أن ثلاث سنوات قد مضت عليهم)

 

الثاني   : لقد أكملت الثلاثين يا للرعب ثلاثون عاماً قد مضت و لم أفعل أي شيء ؟

الثالث   : إنك استفزازي حقاً... أنت أصغر الجميع ومع ذلك تتذمر؟

الثاني   : وماذا صنعت... أصبت بالقرحة... تسوست أسناني و مشاريع عمري... آه كم أخشى الـ...

الخامس : الموت أليس كذلك ؟

الثاني   : نعم ألف مرة قلتها أنا أخشى الموت... العطب الأبدي ، الشعور بالموت يلاحقني أينما ذهبت.

الخامس : الشعور بالموت يلازمنا جميعاً.

الرابع   : أما أنا فلا أفكر فيه على الإطلاق... أعيش لحظتي بكل صدق... بكل بساطة وسذاجة معاً.

الخامس : ذلك أنك بهيمي.

الرابع   : إنها عقدة الخلود التي تلاحقكم و تفسد أيامكم... تطاردون الوهم... تتطرفون في كل شيء... في الحب... في الجنس والعقائد... في الجنون... وحتى في الموت!؟.

الخامس : وأنت ؟

الرابع   : لا أعبأ بأي شيء... أعيش حياتي وحسب... لا تؤرقني العقد ولا العقائد.

الأول    : هوائي... وأي انسان هو الذي لا يشعر بحريق الموت تحت جلده ؟

الرابع   : أنا... أستمتع بلحظاتي وحسب.

الخامس : لذلك أنت لا تخشى أي شيء تحقق أهدافك بجميع الطرق .

الرابع   : كلا أنا لا أتجاوز القانون .

الخامس :  نعم تقتل دون أن تترك أثراً، إنه فن إخفاء أدوات الجريمة و غسل دماء الضحية... تدبير حياتي... يومي خطير من نوعه.

الرابع   : و مع ذلك لا يستطيع أحد إدانتي بشيء... هل تستطيع أنت... أوأنت... أوأنت؟

الأول    : لأنك بارد وهكذا... أزمع أن أتقيأك.

الرابع   : هذا تهكم ؟

الخامس : كم أنت كريه ؟

الرابع   : كف عن هذه البذاءة.

الخامس : هل تريدني أن أعتذر لك ؟

الرابع   : كلا عد إلى موضوع الموت فهو جوهر عقائدك... تسل بالحديث عن الموت ذلك أفضل لك.

الثالث   : هل هناك سماء حقاً ؟

الثاني   : نطق شيخ الملاحدة... إنه لا يؤمن لأنهم أرغموه على العبادة في صغره... ودون ذلك لا يملك أي سبب آخر.

الثالث   : كلا هناك ألف سبب... حياتي كانت كلها زنزانة مقفلة لذلك صرت أكره كل القيود حتى لو كانت من عطر... انظر إلى هذا الشطرنج لو أنهم فرضوه علي لهجرته وإلى الأبد .

الخامس : لكن هناك أيضاً شروط للعب به وأنت مجبر على التقيد بها.

الثالث   : هذه مسألة أخرى.

الخامس : لا تتهرب هذه هي الحقيقة.

الأول    : أما أنا فأؤمن ولكني لا أستطيع أن أنتظم وفق شروط السماء... الشعر دين يتقاطع ودين السماء وأنا بين السماء والشعر أعيش ديناً ثالثاً... دين خاص جداً... ديني الشخصي.

الخامس : أرأيت من أتخذ إِلهه هواه ؟

الأول    : بالضبط تماماً... إلهي هواي...

الخامس : فأضله السبيل .

الثاني   : و لكن قل لي أنت ماذا صنعت بإيمانك ؟

الرابع   : إنه يتغذى بفيتامين الميتافيزيقيا... وهو مغذ جيد... لقد جربته بنفسي أيام مرضي فاستطعت أن أنجو... إنها رياضة روحية لمقاومة التلف... جنة داخلية يتوهمها ويعيش فيها الإنسان ليهرب من الواقع.

الخامس : أنا مثلكم تماماً... أؤمن وأشك أحياناً... وأتعذب من الحرمان وأتجاوز كل الحدود... و لكني سريعاً ما أعود أدراجي... أتعرفون لماذا ؟ إنني كلما نظرت في زريبة الإنسانية أزداد إيماناً... كل شيء يؤكد لي أن قيام الجنة على الأرض أمر مستحيل... ليس هناك قانون أونظام يستطيع أن يروي غليلي لذلك أهرب... أهرب إلى السماء... حتى ولو كانت كذبة... فإنها تبقى كذبة لطيفة تغذي الحلم الذي نحلمه جميعاً... وبدون هذا الحلم لا أستطيع المواصلة... لا أستطيع الحياة...لا بد من السماء... لا بد...

الثالث   : (يقاطعه) هذا بالنسبة لك... أما بالنسبة لي ولهم فكل شيء هنا على سطح الأرض .

الخامس : طيب و لم لا تشعر بالسعادة الكاملة ؟

الرابع   : ذلك أن الصراع هو قانون الحياة... لا بد من الألم والحرمان...

الخامس : بدون السماء أستطيع تحقيق كل شيء... لن أحرم نفسي من شيء.

الرابع   : ولكن هناك القانون... القانون يعاقب ؟

الخامس : استطاع كثيرون الهرب من العقاب.

الأول    : كل شيء سينتهي إلى العدم في النهاية.

الخامس : و لكن لا بد من بوصلة لأيامنا .

الأول    : بوصلتي هي الشعر.

الرابع   : سعادتي هي أن أعيش و حسب.

الثالث   : أما أنا فكهل منذ ولادتي... لا أشعر بطعم أي شيء منذ الولادة... ولا أعتقد أن هناك شيء يستطيع إنقاذي لذلك أسير بلا هدف... وكم أغبط أولئك الذين يملكون أهدافاً وخططاً... وكم أكرههم .

الخامس : تلك هي المهزلة... وهذه هي الغواية.

الثاني   : قبل أن تفكروا بالموت... بالخلود... بالسماء... جدوا لنا حلاً... ماذا نفعل الآن؟

الثالث   : ها نحن نعيش ؟

الخامس : نعيش؟ نأكل؟ نتنفس؟ نتبرز ونتبول؟ هذه هي الحياة؟

الثالث   : وماذا تريد أكثر من ذلك؟

الأول    : نعم لا شيء يستطيع تغيير الحياة... فاللعنة هنا نحملها في صدورنا الجنة والنار معاً.

الخامس : نعم أتفق معك في هذا... منذ فترة أصبحت أؤمن أن الحل أصبح مسألة فردية... الخلاص شأن شخصي كل فرد عليه أن يجد خلاصه .

الرابع   : ولهذا السبب بدأت ترتكب الحماقة تلو الأخرى؟

الخامس : أية حماقة؟

الثاني   : في النساء تقصد... علاقاته الجديدة التي وصلت رائحتها  إلى العمل ؟

الرابع   : لا... أعني أخطاءه في العمل بالتحديد؟

الخامس : اسمحوا لي أن أقول  لكم بأن كل ما يحدث في مكتب العمل أنا غير مسؤول عنه، في هذا المكتب اللعين نتقاتل منذ سنوات... في هذه المدينة الضيقة نتقاتل دون هوادة... الكل يخطئ بحق الآخر... الكل يرغب بشغل مكان الآخر...  ولا داعي لفتح الجروح... لست المخطئ الوحيد... أما أنت فتستطيع مواجهتي لأن أخطائي واضحة وساذجة لأنها قائمة على حسن النية أو أنها تحدث سهواً... أما أخطاؤك أنت فمن الصعب العثور عليها ، من الصعب العثور عى دماء ضحاياك.

الأول    : نعم فهو يستخدم القطن في ذبح ضحاياه .

(يضحك الجميع)

الرابع   : وهذا لا يغيظني إنه امتيازي... وإلا فما الذي تعلمناه من هذه الحياة التافهة ؟

الثاني   : نعم... اعترف بأنك الوحيد بيننا من استطاع أن يتعلم فن القرصنة.

الرابع   : المهم أستطيع أن أقول بأنني أصبحت قادراً على مجاراة مدرائنا.

الثالث   : تقصد أسيادنا؟

الرابع   : الفرق بيننا وبينهم أن الفرص التي منحت لهم لم  تمنح لنا... وأقسم لو أن أي واحد منا توفرت له الفرصة ذاتها لأصبح أكثر قساوة منهم .

الخامس : ولذلك أقول لكم أني لم أعد أؤمن بالإنسان .

الرابع   : إذن علق نفسك على شماعة السماء وابقَ معلقا عليها إلى قيام الساعة .

الخامس : حسنٌ أنا ذاهب.

الأول    : ستعود... ألف مرة قلتها ولكنك تندم وتعود سريعاً.

الخامس : لأنني لاأملك خياراً سواكم.

الثالث   : إننا سجناء بعضنا... سجناء الأيام... والمكان...

الأول    : كل منا يتمنى الهرب من الآخر ولكن لا وجود لمنفذ.

الخامس : نعم فالزريبة التي تعرفها أفضل من التي لا تعرفها.

الثاني    : والسكين التي أدمنت طعناتها أفضل من السكين التي لم تألفها بعد...

الرابع    : نحن أعداء... أعداء حقاً.

الثالث    : ولكننا  أصدقاء الآن وهناك ما يجمعنا.

الخامس : ما يجمعنا هش وسريعاً ما ينقطع... وعندما ينقطع سنأكل بعضنا البعض دون رحمة.

الأول    : وعندما نغادر بعضنا لن يذكر أحدنا الآخر إلا بسوء.

الثالث   : إننا أموات حقاً. (صمت)

الثاني   : الذبابة تقف الآن على زر القنبلة وأي حركة منها ستنفجر احذروا أن تتحرك الذبابة... فليصمت الجميع.

 

 

 (صمت طويل /تخفت الإضاء/ يرددون الأغنية مع الموسيقى)

 

 

الحركة الرابعة

 

(مع كشف الإضاءة يتضح أن أربع سنوات قد مضت وقد طرأ تغيير عليهم)

 

الخامس : وأخيراً ما الحل ؟

الثالث   : ما الحل؟

الثاني   : يجب أن نفعل شيئا؟

الخامس : السفر هو الحل.

الأول    : قلت لكم أن الحل هنا نحمله في الداخل .

الرابع   : كفوا رجاء عن تمثيل أدوار الضحايا... أدوار المنتظرين... غودو لم يعد سوى قصة خرافية تحكى للحالمين في المسارح... لقد سقط كل شيء... وانتصر المال في النهاية... ومع ذلك فإن المال لم يدخل في أي يوم من الأيام في حساباتنا...كفوا الحديث عن الخلاص... توقفوا... دعونا نعيش الحياة بشكلها العادي... البسيط... وهذا يكفي... منذ سنوات وأنتم تتحدثون عن الحل وليس هناك أي حل.

الأول    : أشعر بالاختناق... افتحوا النوافذ أرجوكم.

الرابع   : يؤسفني أن أخبرك بعدم وجود أية نافذة .

الأول    : الهواء... الهواء... اسعفوني رجاءً؟

الرابع   : تعود على ذلك.

الأول    : سأموت.

الرابع   : دائما تقول ذلك ولم تمت في أي مرة (يسعل وينهار على الطاولة كالميت)

الخامس : ما بك هل انقلبت وحشاً ؟

الرابع   : لا بل أريد أن تبصروا الحقيقة... الحقيقة البسيطة الواضحة بدون لف ولا دوران... دعونا من الكوني  والخرافي... دعونا من الشعر والخيال... طز في كل شيء لقد سقطنا في الحضيض. وعلينا أن نتعايش معه أونصاب بالجنون... لنتعايش مع هذا الموت رجاء.

الخامس : ولكننا تعفنا بما فيه الكفاية .

الرابع   : إذن فكروا بالانتحار... الانتحار الجماعي.

الثالث   : يالها من فكرة مجنونة.

الخامس : ولكننا انتحرنا منذ زمن بعيد... أليس الانتحار هو ما نعانيه... أيامنا... ساعتنا ما هي إلا لحظات إقدام على الانتحار وحسب.

الثالث   : إنكم تبحثون عن الحلول في الخارج دائماً... عودوا إلى دواخلكم .

الثاني   : وماذا يوجد في الداخل... لاشيء... رغبة بالراحة؟... بالأمان؟  ذلك لن يتحقق هنا... أوفي أي مكان آخر... لقد خسرنا مواقعنا الحقيقية في الحياة ومعها خسرنا كل شيء... الأمان  والراحة والأحلام... فقدنا إنسانيتنا... منذ فترة والجميع يقول لي أنت حيوي... نشيط... تعمل كثيراً... تقرأ مختلف الكتب والصحف وتتعرف على ألوان مختلفة من الناس. ولكني لاأفعل هذا إلا للهرب من الخواء الذي أعانيه... أنا... بل نحن جميعاً فرض علينا أن نرتدي الأقنعة... منذ زمن ونحن نمثل أدواراً مجبرين عليها ومن ينكر ذلك يسخر من نفسه... إننا نعيش الحياة بالإيجار... حياة المريض في غرفة العناية المشددة... وبعد؟ نحن أدوات تحركها مشيئة الآخر والظروف على رقعة الشطرنج... نشعر فجأة بأننا سعداء. بعد ذلك نشعر بتعاسة كونية لاحدود لها... ودون أن نعثر على معنى ذلك . كل يوم أخرج من العمل لأتوه في الشوارع... أهيم في حدائق الوجوه... لاشيء في هذا المكان ولا في مكان آخر يشفي غليلي ،الصلاة جربتها... والكفر إلى ذروته، الهرب جربته... والعزلة كذلك... إنني أعرج... بل نحن مصابون بالعرج... إننا نعرج من أرواحنا وعقولنا... نخطئ بقسوة وبعد قليل نصبح ملائكة... جلادين وضحايا... وفي النهاية مساكين لانستحق إلا الشفقة...

الرابع   : (يصفق ويصفر) بالمناسبة... ماهي مناسبة هذه الخطبة العصماء.

الثاني   : لكي أقول... أعني. لكي أثبت لواحد مثلك كم هو قذر، فأنت تختلف عنا تماماً لست قادراً حتى على مواجهة نفسك... لست قادرا حتى على الاعتراف... أي مخلوق أنت... أي جلد تحمل على جسدك ؟

الرابع   : لاأسمح لك بهذا (يهم بضربه)

الثاني   : تسمح أو لاتسمح... هيا اضربني؟

 

الخامس: مادام يصر على عدم الاعتراف سأقول لكم حقيقته...

الرابع   : كف عن ذلك.

الخامس : توفي أبوه قبل ولادته . لذلك تناثر بين بيت عمه وأمه وجدته... تغذى من منابع عديدة .

الرابع   : كفى... (صمت) يغلب علي سلوك التاجر أحياناً... أليس كذلك؟ ذلك إرثي من جدتي التي كانت تبيع الخواتم... كانت تقول لي تعال يا ولد وانظر كيف سأبيع الخاتم لهذا الغريب بثلاثة أضعاف سعره الحقيقي... سأذبحه من الرقبة وعلى قبلة اليهود... وفعلاً تنجح بذلك... أما في بيت عمي فقد تعلمت حب الشعر... لكن الثـقافة وحدها غير كافية... التجارة مع الثـقافة تعطي ثمارها الحقيقية فأنت لاتعطي أي شيء دون أن تحسب نتائجه... طلب وعرض... حداثة (يضحك) أما في بيت أخوالي فقد كنت هامشياً  بين الأطفال لذلك اضطررت إلى التطفل على حياتهم وبعد ذلك صرت أتقن تماماً فن التلصص على الآخرين . نعم هذه هي الحقيقة وإلا فسأبقى هامشياً وهذا لا يرضي أحداً.

(صمت طويل)

الثاني   : هل انتهيت... تصفيق يا شباب.

الرابع   : أقول هذا لتكفوا عن البحث ورائي... تسألون أبناء مدينتي عني دائماً لتعرفوا جذوري ؟ هذه هي جذوري هل أنتم سعداء الآن ؟هل اكتفيتم ؟أم تريدون قتلي... هيا اقتلوني... اقتلوني... أنا الدودة التي تمتص دماءكم... أنا خطيئة حياتكم الوحيدة... هيا اقتلوني... أنا حلاجكم... اذبحوني... احرقوني... اصلبوني.

الأول    : كفى أني أحتضر (صمت)

الثالث   : من يلعب معي (صمت)

الخامس : أليس الله بكاف عبده (صمت)

الثاني   : (يقرأ في الصحيفة) هذا و قد استمرت عمليات نقل الجرحى من مكان الحادث... (صمت)

الرابع  : (لوحده) أنتظر أن يقتلوني... أحرضهم ولكنهم لا يفعلون ذلك... جبناء...وأنا بدوري أنتظر الخلاص... الذي لا يأتي... (صمت)

( تخفت الإضاءة / يكررون الأغنية)

الحركة الخامسة

 

(مضت خمس سنوات أخرى)

الأول    : كم الساعة الآن ؟

الثاني   : لا أعرف. (صمت)

الثالث   : في أي فصل نحن ؟

الرابع   : لا أعرف (صمت)

الخامس : أظنه الخريف.

الرابع   : بل هو الشتاء (صمت).

الثاني   : كم الساعة الآن ؟

الأول    : لا أعرف (صمت)

الرابع   : حقاً في أي فصل نحن ؟

الثالث   : حقاً لا أعرف (صمت) ألا يريد أحد منكم أن يلاعبني الشطرنج ؟ منذ فترة طويلة و أنا ألعب وحدي... لقد ضجرت (صمت).

الخامس : (يقرأ دعاء) إلهي عظم البلاء و برح الخفاء و أنت المستعان...

الثاني   : (يقاطعه) ألا تمل... لقد مللنا جميعاً.

الرابع   : لا بد من حل؟

الثاني   : السفر هو الحل... الراحة الأبدية هناك.

الخامس : ولكننا لا نستطيع.

الأول    : لقد خدعنا؟...غرربنا...إنهم يعيشون بينما نحن نتعفن

الثالث   : الهواء إني أختنق.

الأول    : كنت أعتقد أن الأمر سينتهي سريعاً لقد خدعت.

الثاني   : استدرجنا إلى هذه الحلبة المسورة بإحكام وتركنا هنا مثل الديكة نتقاتل فيما كانت الحياة تمضي هناك بعيداً عنا... الحياة تتحرك خارج هذه الحلبة .

الثالث   : أريدأن أصرخ ولكني لاأستطيع... هل تفعل ذلك خدمة لي ؟؟

 الأول   : بكل سرور …...آآ...آ (صمت)

الثاني   : مازال جلجامش يبحث عن الخلود؟

 الرابع  : نعم ضيع عمره في رحلة البحث دون جدوى.

الثاني   : ظل يبحث سنوات طويلة... كان سجين الرحلة فيما كانت الحياة تمضي و تتحرك بعيداً عنه.

الثاني   : كنت أعتقد أن الأمور ستتغير...نحو الأسوء أو الأفضل... ولكن لم يتغير شيء لقد بقيت أتابع الأخبار لحظة بلحظة...أتربص الحدث الجلل... ولكن لم يحدث أي شيء

الخامس : لقد وعدوا بأن يفعلوا شيئاً ولكنهم لم يفعلوا؟

الثاني   : بل فعلوا الكثير.

الخامس : ماذا فعلوا؟

الثاني   : صنعوا سجننا الأبدي هذا...

الخامس : آه كم كنت أحمق...نعم...نعم هذا ما كانوا يريدونه لنا ونحن الحمقى كنا ننتظر شيئاً آخر...وبينما كنا ننتظر كانت الحياة تمضي بعيداً... لقد خسرنا... لقد خسرنا إلى النهاية... إلى الأبد...

الأول    : أحياء نحن أم أموات ؟

الثالث   : من لم يمت فهو خائن و إلا كيف نجا من الكارثة...

الأول    : ترى هل ثمة حمقى هناك ينتظرون عودتنا ؟

الرابع   : لا أعتقد لقد تخلينا عنهم وتخلو عنا... نحن هنا سجناء لحظة واحدة... فكرة واحدة. فيما الحياة هناك تتحرك... تتغير...تمضي.

الخامس : هل كنت أعرفكم من قبل ؟

الثاني   : نعم أنا كنت أعرفك .

الخامس : ولكني لم أتخيل يوماً بأنك ستلازمني كظلي .

الرابع   : ولكننا اجتمعنا أخيراً .

الخامس : هكذا شاء القدر.

الرابع   : دائماً كنا أعداء حقيقين لبعضنا .

الثالث   : دائماً كنا عوناً لبعضنا .

الثاني   : هل سنذكر بعضنا بخير حينما نفترق ؟

الرابع   : وهل سأحن إلى هذه الأيام ؟ اللعنة علي إن فعلت ذلك.

الثاني   : ولكن دعونا نفكر بحل... ولو لآخر مرة .

الأول    : لنصمت قليلاً ذلك أفضل .

الثاني   : ولكن يجب أن نفكر بشىء .

الثالث   : لاأريد التفكير بشيء

( تتشابك الأصوات / تتوحد ثانية في الأغنية نفسها ويعم الظلام تتدريجياً/ فجأة نسمع صوت طلق ناري)

صوت   : من أطلق النار؟

صوت   : أنا حي... أنا حي...

صوت   : وأنا كذلك .

صوت   : من أصيب ؟

صوت   : من قتل هذه المرة ؟

صوت   : لاأعرف .

(صمت / تفتح الإضاءة شاحبة عليهم ودون أن نميز ملامحهم نجدهم قد أصبحوا أربعة فقط ويغنون بالطريقة ذاتها)

الأربعة  : أربعة يجلسون في العتمة أربعة بكاءات... أربعة أحزان... أربع وأربعون ليلة يجلس الأربعة في العتمة... إلهي ابعث ملائكتك الأربعين ألفاً وافتح باب العتمة... أربع مرات ستهرع العتمة إلى النور... أربع مرات تبارك اسمك... آمين.    ( تذوب الأصوات في العتمة)

 

تــــمــــت

                                                                                                                                                                   دمـشـــق

      1

 

 عودة للنصوص  عوددة للرئيسية  النص التالي